القس لوسيان جميل
الحرية في الكنيسة على ضوء تجارب الكاتب القسسية
مقدمة
اذا نظر قراء هذا الكتاب الى خانة مؤلفات الكاتب سوف يجدون كتاب كيف نتكلم عن الله اليوم ووجه الله وسوف يجدون ايضا كتاب كيف نتكلم عن الانسان اليوم. اما الآن مع هذا الكتاب فانهم يجدون كيف نتكلم عن الكنيسة اليوم، اي انهم سيجدون كيف نتكلم عن الانسان- الكنيسة اليوم، حيث سيجدون في التفاصيل مجموعة هائلة من العناوين الكنسية التي يجب ان ننظر اليها كلها كتحرير للكنيسة من " بقراتها المقدسة "، اي من رؤسائها السلفيين، فيما يخص حياة الكنيسة التي يجب ان تكون كلها منورة بنور العقل وبنور حقوق الانسان غير قابلة للتصرف، من قبل اي كائ انساني كان، مهما كانت رتبته او وظيفته الكنسية سواء كان بابا روما، او بطريركا او رئيس اساقفة او قسيسا او مجرد شماس مزمر في الكنيسة، او كان مجرد فرد مسيحي مؤمن يهمه خير كنيسته. فالكل ملتزمون بأن يصونوا حقوق الانسان المسيحي الحر الذي لا يستطيع احد ان يهيمن عليه لأي سبب كان، وان يعرّفوا المؤمنين بحقوقهم هذه، وان يشاركوا في تحرير الكنيسة من بقراتها المقدسة. علما ان بعض السلفيين لا تحلو لهم كتابات الكاتب لمجرد انهم يرون فيها نقدا لرؤساء الكنيسة، او فكرا مجدد معاصرا. كما سبق ان قال لي احد بطاركتنا بأنه قرأ كتابي كله ( كتاب وجه الله ) فلم يفهم منه شيئا. فقال له احد القسس:هذه مشكلتك يا سيدنا. مطران آخر سألته اذا كان قد قرأ كتابي: قال لي: قرأت قليلا منه. ولكن سوف احاول ان اقرأه, ولكن طبعا لم يقرأه، لأن ثقافته كانت: مش ولابد. آخرون يلجئون الى طريقة التهرب من قراءة كتاباتي بقولهم: هذه افكارك. مع انه، وبكل وضوح: هذه ليست مجرد افكار اضعها على الورق، ولا مجرد نزق من قبل شخص يهوى الكتابة من اجل الكتابة، لكنني ارى بهذه الأفكار التي اضعها على شكل مقالات او على شكل كتاب،رسالة روحية ايمانية تقاوم السلفيات الدينية. انها من ضمن ( مجهود ايماني )، يبذله صاحب الكتاب، او صاحب الدعوة، لنشل الكنيسة التي هي في طريق التدهور والموت، ومساعدتها على اكتشاف الحضارة الحديثة والمعاصرة المدنية والروحية.
ننصت الى توجيه البابا فرنسيس:هنا علينا في هذا المجال ان ننصت الى توجيه البابا فرنسيس الذي يقول: بأي حق اتدخل في شؤون المطلقين والمتزوجين للمرة الثانية والمثليين. مع انه هو نفسه لا يحب الطلاق، ولا يسر ان يكون في العالم مثليين. هذا وسيرى القراء كيف ان الكاتب هو الآخر يقول لرجال الكنيسة ولاسيما للرؤساء منهم: بأي حق تتدخلون في شؤون الناس، في زواجهم وطلاقهم وفي انجابهم لعدد الأطفال الذين يريدون. البابا فرنسيس يقول ان بعض الأمورغير اللائقة تعود للحكومات. لكنه في الوقت عينه يقول للحكومات ان تعامل البشر بالرحمة ومن دون تسييس القضايا.
نحن كقسس: هذا ويقينا اننا كقسس في الخورنات، نحن ايضا علينا ان نعطي الأهمية القصوى لحرية الناس ودورهم الحر وحقهم في التصرف الحر بدون تمييز بين واحد وآخر. ولا ندع احدا يتكلم باسمنا، او يحاول ان يقمعنا، او حتى ان يتكلم باسم المسيحيين من دون تكليف.
وعليه: وعليه فاذا كان احد يسألني كنت اجيبه بحسب اجتهادي واعطي السائل ما كنت اظنه الأحسن. ففي احد الأيام كان احد التوابين في الأسر قد عاد الى تلكيف، بعد ان غادر ايران وترك امرأته المسلمة هناك. فقال اخوته لي: ماذا تقول عن حالته؟ هل يبقى عندنا ام يعود الى امرأته في ايران؟ فقلت لهم: لا لماذا يبقى عندنا. هو قد تزوج هناك لأنه كان توابا وقد يكون له الآن اطفال. فالشيء الصحيح هو ان يعود الى امرأته اذ لا يوجد سبب في اذية هذه المرأة بسبب عنصرية مسيحية. باعتقادي ان شخصا مسلما جيدا مثل تلك المرأة هو خير من مسيحي طائفي ربما ليس مسيحيا سوى بالعماذ؟!
حالة اخرى: في احد الأيام كانت جارتي المسافرة الى ميشيكن – الولايات المتحدة، تعمل في صيدلية. دخل الى الصيدلية شخص مراجع ليأخذ دواء، فلما رآها تتكلم اللغة العربية قال لها انا اسمي عمر رؤوف فقالت له اهلا وسهلا. فقال لها في اي مكان كنت قبل ان تأتين الى امريكا؟ فقالت له: انا كنت في محافظة نينوى قضاء تلكيف. فقال لها: هل تعرفين القس لوسيان: قالت له عز المعرفة وهو جارنا وكنا نسكن محلة واحدة قرب الكنيسة. فقال لها القس لوسيان من اقاربي! وهو انسان متعلم وفاهم امور الحياة بشكل جيد. فدهشت، ثم قال لها: انا متزوج من مسلمة ومطلق الآن، وواحد من ابنائي يعيش معي والآخر يعيش مع امه.
في الواقع كنت يوما قد التقيت مع عمر رؤوف في امسية عائلية: وكان عمر رؤوف جالسا بجانبي. فقيل لي انه من القوش. فأردت ان اسأله من هم اهلك في القوش، فغمزت لي احدى الحاضرات فتأكدت ان حالته ليست خالية، ففهمت معنى الغمزة، لكن ليس بالتفاصيل، ثم نسيت القصة تماما، الى اليوم الذي فيه التقى عمر رؤوف بجارتي التلكيفية في الصيدلية. فلما كتبوا لي عن حالة هذا الشخص قلت لهم لست اعرفه، لأني فعلا ما كنت اعرفه. هذا! وفي احد الأيام طخت عندي القضية وتذكرت حديث العائلة في تلك الأمسية ففهمت ان عمر رؤوف مسيحي ومن عائلتي فعلا، لكنه كان قد تزوج من امرأة مسلمة عن حب، وفي الشريعة الاسلامية لا يجوز لذمي ان يتزوج مسلمة، واذا كان يريد ان يتزوجها يكون عليه ان يشهر اسلامه، فاشهر اسلامه بهذا الأسم المستعار. وهنا اقول: هذا الرجل احب امرأة مسلمة وتزوجها وكان عليه ان يشهر اسلامه ليتزوج من يحبها ففعل. ان هذا الأمر كان من ضمن حريته ولم يجبره احد في ان يتزوج بمسلمة،.بعكس التواب الذي كان قد اشهر اسلامه وتزوج من مسلمة قسرا. فمالي اذن انا وهذا القريب؟ ولماذا انبذه او اتبرأ منه؟! اليس هذا الشخص حرا، الم يمارس حريته بهذا الشكل؟ انا قسيسس ولست شرطي اخلاق، ولا علاقة لي بأقارب هذا الشخص وبمشاعرهم.
عندما يكون العكس: طبعا كان الأمر مختلفا عندما تتزوج فتاة مسيحية بشاب مسلم. في البداية الأهل يلطمون على رؤوسهم واوجههم ويقولون بنتنا لوثت سمعة العائلة كلها. ولكن انا قسيس ولست اب البنت التي مارست حريتها وتزوجت من مسلم. وكقسيس يتعين علي ان لا آخذ موقفا عائليا او عشائريا او كنسيا طائفيا ضد البنت. ولكن مع الأسف كثير من القسس والأساقفة يتعاطفون مع اهل البنت ويزيدون نار الاعتداء على حرية البنات المتزوجات من مسلمين اشتعالا، بحجة ان المسلمين لا يقبلون ان تتزوج مسلمة من مسيحي. ولكن اقول لهؤلاء القسس والأساقفة ترى بأي حق تعتدون على حرية الناس غير القابلة للتصرف؟ وما لكم انتم وما يفعله المسلمون في هذا الأمر؟ نقول ذلك مع البابا فرنسيس مرة ثانية وثالثة ورابعة، ولتذهب الحجج الدينية الطائفية الى الجحيم مع اصحابها، لأن تلك الحجج لا معنى ولا سند حقيقيا لها، ولاسيما اذا استخدمها اناس او رجال دين سلفيون وجهلة، لا يعرفون كوعهم من بوعهم. ويظنون انهم يدافعون عن الأخلاق المسيحية، وينحون بالقضية الف منحى، ومنها منحى عشائريا وطائفيا.
لم اكن اتدخل في حياة جماعتي: هنا يهمني ان اذكر بأني لم اكن اتدخل في حياة جماعتي وحريتهم، ولم يصادف ان ردعت احدا ممن كنت اعلمهم واتعلم منهم ومعهم. قلت لم اردع يوما على حركة عملها مثلا ولد من اولادنا ام شابة من شاباتنا، ولم اقل له: هذا عيب يا فلان او يا فلانة، ولا يليق بجماعتنا، وعليكم ان لا تكرروها، وكنت اظن فيهم دائما الظن الحسن. اصلا انا لم الاحظ زعلا او امتعاضا من احد ابناء او بنات فرقنا. اما الكبار فكنت اعاملهم ككبار وافرح لفرحهم البسيط بسفرة او بزيارة. هنا علي ان اذكر بأن الأب مانوئيل بوجي كانت له طريقته الخاصة في استقطاب الشباب. فضلا عن الأخ حبيب ممو الذي ترك الكهنوت وتزوج من امريكية، وقد انزوى في منطقة نائية حيث يسكن بعيدا عن اهالي تلكيف. لقد زرته في داره وتكلمنا عن اشياء كثيرة. هنا اقول: هذا الانسان ترك القسسية وتزوج. وهذا كان اختياره، فلماذا اتبرأ منه ولا حتى ازوره في حين كان صديقي، وعمل في الأبرشية؟ ولماذا لا اذكر باعجاب عمله في تلكيف مع اهل الراشي والقصابين وغيرهم؟علما بأن هذا هو قولي بخصوص حوالي ستة عشر قسيسا وراهبا. ان هؤلاء تركوا القسسية وتزوجوا، وبعضهم ترك الرهبنة ولم يتزوج لكنني لا اعرف ماذا حل به.
اما بالنسبة للجماعة: اما بالنسبة للجماعة في الكنيسة اي اثناء الموعظة، فكنت دائما اتكلم كلاما ايجابيا وكنت غالبا امدح سيرة جماعتنا المسيحية. فمثلا لم يصادف ان انتقدت البنات خاصة على ازيائهن. مرة فقط قلت للبنات: انتبهوا الى ازيائكم، انتم لكم الحق في ان تلبسوا ما تشاؤون. ولكن نحن نسكن في قصبة وخورنة يحيط بنا اناس قد يتكلمون بالسوء عنكم ويذمون المسيحية بسبب ازيائكم. فكونوا معتدلين من حيث الأزياء، ولاسيما عندما تأتون الى الكنيسة. اذكر مرة ان شرطي جاء الى امام الكنيسة ورأى شيابا متجمهرين للتفرج على البنات، فضرب كل واحد منهم سطرة او غير ذلك لا اعرف. لما سمعت بالخبر، ذهبت عند القائمقام وسلمت عليه وكان صديقا ايضا ويحترمني. قلت له يا ابو فلان لفد عمل شرطي، او شرطي امن، عملا لا اقبله عندما لجأ الى ضربط السباب لكي يتفرقوا. قلت لا ارضى بان يقال ان القس لوسيان ارسل شرطيا وضرب بعضنا بعدة سطرات. الكنيسة لا تطرد الناس من امامها يوم الأحد بأن يتجمهروا لرؤية البنات. صحيح ان المتجمهرين امام الكنيسة لم يكونوا كلهم عائدين الى البيوت المقابلة للكنيسة، لكن اللياقة كانت تقتضي ان لا يتجمهر احد امام الكنيسة سواء كان مسيحيا ام مسلما ام آشوريا. الكنيسة لا تستخدم العنف مع احد. ويمكن للقائمقام ام لجماعة الأمن ان يضعوا شرطيا امام الكنيسة لا يترك احدا يقف امامها، في ايام الأحد مساء. القائمقام قال لي يومها: انا احترم ما قلته، وان شاء الله سنعمل بحسب طلبك.
هذا وغالبا ما كنت اقول لشبيبتي: انتم لستم من جيل آبائكم او امهاتكم. ولستم ملزمين بالتقيد بسيرتهم الفلاحية القديمة. ولكن اعملوا كل ذلك باحترام كامل لآبائكم وامهاتكم. ومع هذا فقد جاء الزمن الذي تبدلت فيه بعض الأمور: فعندما كنت اخيرشبيبتي في المكان الذي يريدون ان نذهب اليه: كانوا يقولون لي: ابونا: نذهب الى زاخو لكي نشتري دايولين. ولاحظت ايضا كيف ان الأمهات اللواتي كن ينتقدن البنت الفلانية او الفلانية على ازيائها بلبسها البنطلون، اخذت تقول: هذا الزي ليس فيه عيب فالبنطلون هو اصلا : ستر للبنات. هكذا كنا نعبر ازمة التغيير بسلام. ففي الكنيسة لم يحدث ان انتقدت الزي نفسه. عكس ما كان يفعل بعض القسس هنا وهناك حيث كانوا يقفون الى جانب الأباء والأمهات ويعتبرون ذلك فضيلة مقدسة، في حال ربما كان هذا الفكر رياء ومرضا نفسيا لأناس يمكن ان نقول عنهم: هم مستحي وهم مشتهي.
عندي نموذج آخر: نعم عندي نموذج آخر. ففي احدى القرى كان الناس يشربون الخمور كثيرا. فمارس القس دكتاتورية مستهجنة في ايامنا بقوله للناس: اذا سمعت انكم قدمتم خمرا في الأعراس فاني لن احضر براخكم. شخصيا عندما اردت ان احدد مقدار الذهب الذي يعيطه العروس لعريسته، على اساس ان البنت الجميلة تعطى لها هدية العرس اكثر. فكنت اقول: احترموا بناتكم ان البنت ليست سلعة تشترى بشروط. مما عرفته في احدى القرى ارادوا ان يطبقوا المسألة بشكل حرفي، فكان القس يدعوا آباء وامهات العروس والعروسة ويحلفوا بالانجيل بأنهم لم ولن يعطوا ذهبا اكثر من المسموح، لا بل كان عليهم ان يحلفوا ايضا بأنهم لم يضعوا شرطا على الأهل بأن يعطوا العروسة الذهب المتفق عليه بعد البراخ. فصحيح ان القسس في القرية المذكورة حققوا نجاحا في هذا المسعى، ولكن مع هذا اقول لقسس القرية المذكورة: يا جماعة ليس هكذا ترعى الابل، او يرعى الغنم!! كما اقول الكلام عينه للقس الذي كان يمنع تقديم المشروب في حفلات النيشان والزواج.
فيما يخصني: في خورنتي تلكيف، انا ايضا عملت توعية بمسألة المهر والذهب. وكان قد بدا لي ان الناس كانوا مقتنعين مما تمت التوعية به. كما كنت قد اعلنت في الكنيسة عن ذلك القانون النصيحة. بعد مدة تزوج احد الأغنياء عندنا. فقبل الزواج جاءت اخت العريس عندي وقالت لي بالحرف الواحد:اذا كان رضى البنت بنا متوقفا على الهدية او المهر والذهب فاننا سنعطي الذهب بقدر ما يطلبون، يعني انهم سيخالفون مهما كلف الأمر. طبعا وصلت الفكرة عندي. لم اقل لها شيئا، ولكن في الآحد الذي تلى ذلك الحديث: قلت في الكنيسة يظهر ان بعض الأغنياء غير راضين من القرار وانهم اذا تطلب الأمر ذلك سوف يخالفون القانون الذي وضعناه ليس في صالح الفقراء حسب، ولكن في صالح كل ابناء الخورنة، وخاصة في صالح كرامة جميع بناتنا في الخورنة وخارجها. ولذلك كنت قد قلت في ذلك القداس، لقد تنازلت عن قراري وليعمل كل حسب ما يراه مناسبا له. ومع ذلك صادف ان صارت زواجات اخرى جاء الأهل وقالوا: نحن نحب ان نلتزم بنصيحتك. ثم جاء يوم وسافر الجميع الى ميشيكن واخذ الناس يتطبعون بطبائع الأمريكان في زواجهم الذي صار مختلفا تماما عن زواج تلكيف. لقد كنت قد تعلمت شيئا جديدا في حياتي عن اخلاق الأغنياء وعن اخلاق الفقراء!!! ومع لك كنت قد قلت يوما في الكنيسة: صحيح انا احب الفقراء واحترمهم لكني احب الأغنياء ايضا وان كنت لا احب بعض تصرفاهم عندما يبنون مجدهم على مالهم. ربما بتلك المناسبة كان احد الأصدقاء قد قال لي: كنت اريد ان اصفق لك في الكنيسة، لكني خجلت. بالحقيقة ان عظمة الانسان لا تقوم بماله، ولكن بروحه الطيبة التي هي راس ماله الحقيقي وثروته. مع هذا انا لا الوم احدا اذا اجتهد وتعب وتنافس مع الآخرين ليكسب ثروة كثيرة، طالما لاتكون بطرق غير شريفة وغير حضارية. الأمر الذي غالبا لا يعرفه سوى صاحبه، ولا يجوز لأحد ان يدين ألآخرين.
لم اكن اتدخل في حياة المسيحيين: بما ان مسألة الهجرة والسفر الى امريكا وغير امريكا كان امنية الكثيرين، لذلك قلت يوما في الكنيسة: ان الانسان حر في ان يسكن حيثما يريد: هذا مبدأ عام. غير ان السفر الى دولة اخرى لا يتطلب رضى الشخص المسافر فقط، لكنه يتطلب رضى وقبول الدولة التي يسافر اليها. والآن لو تفحصنا ما كان قد جرى بعد احتلال السيد بوش للعراق نفهم جيدا كيف استغل الناس حاجة امريكا الى البرهان على ان احتلالها للعراق كان حقيقيا، بشهادة طالبي السفر الى امريكا الذين قالوا للسفارة انهم كانوا معتدى عليهم. لقد فهم الراغبون بالسفر انْ على الشاطر منهم ان يعمل له " قصة " تبين انه كان مظلوما في العراق ومهددا بالقتل. علما أن امريكا كانت تعرف بأنهم يكذبون وكانت مرتاحة لأكاذيبهم. هذا وكانت امريكا تعلم ايضا كيف ان بعض الشباب كانوا يعقدون على امريكية الجنسية كانت تأتي الى الأردن وتتزوج صوريا الشاب الذي كان قد اجرها لهذا العمل بمبلغ كبير، هذا عدا المبالغ التي كانت تعطى لقسسيس هناك او لقسيس وهمي مقابل ان يعطي لهم شهادة عقد الزواج. وطبعا بعد ان كان الشاب يحصل على الجنسية الأمريكية او على البطاقة الخضراء، كان يطلق المرأة الوهمية، ثم يتزوج اخرى تكون امرأته الحقيقية. طبعا هذا العمل كان ايضا عملا يعتمد على الكذب، مع ذلك لم اعطي الحق لنفسي بأن اتدخل في شؤون هؤلاء. كنت اعد هذه الكذبة كذبة مقبولة عند كثير من اهل تلكيف وغيرهم، اي كذبة تعود الى حضارة خاصة.
من جانب آخر: من جانب آخر اود ان اقول لكم في مسألة عدم التدخل في حرية الآخرين، بأني فعلا لم اكن اتدخل الا في حالات معينة، مع بعض العجائز المتعودات على تقاليدهن السلفية القديمة في ممارسة الايمان. ومن ذلك كثرة التردد على منبر الاعتراف، حتى صادف ان البعض منهن كانت تتردد على كرسي الاعتراف اكثر من مرة في الاسبوع، الأمر الذي كان ينم عن وسواس مرضي لا اكثر ولا اقل. فكنت قد قررت ان ابدل ممارسة الاعتراف في منبر الاعتراف بما سميناه التوبة الجمعية. اي التوبة بدون ذكر الخطايا لأحد، حيث كانت التوبة بين التائب والهه فقط. هذا مع العلم بأن رتبة التوبة كانت رنبة كنيسة المشرق حتى انضمامنا الى الكنيسة الكاثوليكية التي لم يكن الانضمام اليها سوى كارثة. في حين اننا في الواقع لم ننظم الى الكثلكة، ولكن الى رئيس الكنيسة الأعلى البابا فقط، والذي كان المفروض فيه ان يحترم حرية كنيستنا ولا يعمل منها كنيسة عقائدية كما فهمها البطريرك روفائيل بيداويذ والبطريرك لويس ساكو. سيدنا ساكو هذا الذي عد الانتماء الى روما انتماء الى الكثلكة بمعناها اللاتيني العقائدي تحت اشراف " كرسي العقيدة والايمان الذي دمر كنيستنا المشرقية. وهنا اذكر كيف ان تلك النساء المتعودات على طقوس معينة كن قد رفضنا التناول باليد، على حسب طقوسنا المشرقية القديمة، وكيف كانت تذهب الى دير مار كوركيس بعويرة لكي تعترف هناك عند احد القسس الرهبان. لقد كانت ملحمة بيني وبين تلك العجائز، لكنها كانت بالحقيقة بيني وبين التقاليد البالبية التي لم تستسلم الا بعد ان شاعت الاصلاحات التي عملتها في خورنة تلكيف على سائر خورنات الموصل اولا ثم ابعد من ذلك مع الزمن. علما بأني كنت اضع البديل بنفسي او بمساعدة آخرين، مثل تبديل كتاب الشهر المريمي وتبديل تأملات درب الصليب، وغير ذلك.
محاضرات للرهبنة الدومنيكية الثالثة: في تلكيف تم ايصال التحركات الحضارية الى نساء تلكيف عن طريق محاضرات كنت اعطيها كل خمسة عشر يوما لأخوة مار عبد الأحد، تلك المحاضرات التي كانت تهدف الى ادخال الحياة المسيحية الى المستمعات اولا ثم الى سائر ابناء تلكيف ولاسيما في المحيط النسوي. ان كل ذلك المجهود قد تم بقوة التعليم من دون ممارسة التعنيف على احد، حتى مع المسيئات.
عن مصطلح البقرات المقدسة: وهكذا وبالتأكيد لم اكن بقرة مقدسة في تعاملي مع ابناء رعيتي، وان كنت مصرا على احداث التغيير ونجحت،كما هو معلوم. اما مصطلح البقرة المقدسة فينطبق على البطاركة وعلى الأساقفة وعلى القسس المطيعين الفاقدين لذواتهم الحرة والجبناء والنفعيين الذين يفضلون ان يقولوا دوما:الحق بيدك سيدنا. او يقولوا: ما رأينا، ما سمعنا، لا نعرف شيئا. كما تنطبق مع الأسف على الأساقفة الذين يقولون دوما لبطريركهم او لرئيس المطارنة العائدين له: الحق بيدك سيدنا. كلا ليس الحق بيد سيدنا دوما، والحقيقة يجب ان تقال دوما، وكما يقول المثل: اذا رأيت رقبة عارية فاطرقها ولا تخف. اليس كذلك ايها المُقَدَسون؟ ! اما ردع الأعداء من اية جهة كانوا فهو شأن من شؤون الخوري الغيور، وليس اعتداء على الأعداء، لأن هؤلاء الأعداء ليسوا في الواقع مسيحيين الا بالعماذ.
واذن: فان تشبيه الناس بالبقرات المقدسة ليس مثلبة ولا اهانة بحق احد، لأن هذا التشبيه ليس تشبيها بالأبقار، وانما هو تشبيه بالأبقار المقدسة في الهند، حيث لم يكن احد يجرأ على ذبحها او حتى الكلام عنها بسوء، يعني انها شيء محرم Tabou. ان التشبيه بالبقرات المقدسة مثل، والمثل يُضرب ولا يُقاس عليه، كما يُقال. علما بأن من يرى نفسه مقدسا لا يجوز مسه او التقرب منه او نقده، ليس مقدسا بالحقيقة وفق اي اعتبار، بل هو وحده يعتقد انه مقدس، وان قدسيته تزداد بازدياد مرتبته الكنسية، يعني يتحول الى رئيس "سوبر مقدس".
نحن شعب ولسنا جيش: واذن نحن الشعبَ احرار يا جماعة، ولسنا مجرد جنود في الجيش حيث تكون السلطة هرمية والصغير يأخذ تحية للأكبر منه. فالطاعة في الجيش للأكبر هي جزء لا يتجزأ من نظام اي جيش في العالم. ومن هنا نقول: بأنه يحق للشعب ان لا يأخذ تحية لأحد من رجال الدين المسيحي، لأن ابناء الشعب ليسوا جنودا يأخذ الصغير فيهم تحية للأكبر منه بشكل هرمي. ما اتذكره هو ان احد القسس الذي كان يعيش في الخارج، كان قد عاش في تركيا اولا وتعلم اللغة التركية، كما كان قد عاش في ايران يخدم الجيش البولوني خدمة كنسية. ثم لما انتهت جميع مهامه في الخارج عاد اخيرا الى الموصل قبل ان يسافر الى ميشيكن ويصير هناك خوريا ثم يأتيه الأجل هناك.
في احد الأيام: ففي احد الأيام كان القس المذكور قد لبس بدلة القداس، وكان عليه ان يعبر من امام المذبح لينتقل الى الجهة الثانية من الكنيسة حيث كان يوجد هناك ايضا مذبح صغيرليقدس هناك. هذا القس كان قد مر من امام عرش المطران بجانب المذبح ولم يطلب سماح وبركة المطران بقوله له " بارخمار ". غير ان هذا المطران لم يستطع ان يبلع هذا التجاوز ويصمت. فلما عاد الى المطرانية اخذ يتكلم مع القسس الآخرين عن تصرف ذلك القس المارد. ثم قال لهم: لكن ليش يْبَغْضْ هذا القس نفسو( نفسه ؟!!). يعني يحق للمطران ان يبغض هذا القس لمجرد انه لم يقبل يده ويقول له بارخمار؟ فيا للمطران المسكين ويا للقس المسكين: لماذا لم تقبل يده المقدسة؟ مقدسة؟ الله يعلم. هذا مع العلم ان علوم ذلك القس كانت تفوق اضعافا مضاعفة ما كان يملكه ذلك المطران، وكذلك اللغات التي كان يجيدها. فقد كان خريج معهد مار يوحنا الحبيب الذي كان يديره ويدرس فيه الآباء الدومنيكان الفرنسيين، الذي تخرج منه كاتب هذا المقال. ومع ذلك فهنا لا يجب علينا ان ننسى بأن ننبه الى ان التحية والاحترام امر حسن وواجب بين الصغير والكبير،وايضا بين الكبير والصغير، حتى وان لم يكن قامة عالية. انها مسألة لياقة وتمدن وحسن السلوك. وعليه فان ما كنا نتكلم عنه اعلاه ونرفض ان يكون الرؤساء الكنسيين بقرات مقدسة هو شيء آخر تماما، سوف نوضحه فيما يلي من كتابتنا. كما ان ما يلي سيكون مطلبا حضاريا من الدرجة الأولى لا يعيره رؤساؤنا بالا ولا يريدون ان يسمعوا به. وهم الى حد هذه الساعة يقولون بعجرفة:نحن لاهوتك ما نقبلو( نحن لا نقبل لاهوتك ). والآخر الذي يقول لنا: اعطيكم كل الحريات باستثناء ما يعود الى العقيدة. كما ان الجميع متمسكون في ان تكون سنهادوساتهم مقفلة وسرية، مع اننا نعرف بأن غالبية الأسرار تخرج للعلن عن طريق احد اعضاء السنهادوس،حتى انه صح في هذه الجماعة المثل القائل بأن فلان ليس مقبرة للآسرار لكنه طبل الأسرار. فيا ترى! اليست هذه الظاهرة دليل انحطاط نهج كنيستنا المشرقية وغيرها؟!.
واذن: واذن، ومرة اخرى نقول: نحن لسنا جنودا في الجيش لكي نتقيد بكل نزوات رؤسائنا، لأنهم لا يحق لهم ان يتصرفوا معنا كما يتصرف الضابط مع جنوده. وهذا يعني ان زمن البقرات المقدسة يجب ان ينتهي انتهاء كاملا والى الأبد، خاصة واننا اليوم لسنا بصدد تغيير حضاري بسيط، لكننا بصدد تغيير حضارة موت الله، ثم اخيرا بصدد حضارة " موت الانسان " وظهور السوبرمان، او الانسان المتفوق. ترى الم نسمع كيف ان البابا فرنسيس قد رفض كثيرا من التقاليد البالية ومنها تقبيل المسيحيين الصليب الذي كان موجودا على رجل البابوات الذين سبقوه، ورفض السير على السجادة الحمراء وان يُحمل على المحفة داخل الفاتيكان وخارجه. لا بل رفض لقب قداسة البابا وقال: نادوني بلقب: البابا فرنسيس. هل نعمل مثله تماما؟ ولكن نحن لسنا باباوات، نحن مطلوب منا ان نعمل بروح البابا فرنسيس، ولا نبقى متشبثين بمسيح البابا يوحنا بولس الثاني الذي كان قد قضى على المجمع الفاتيكاني الثاني. انه يكون علينا نحن كرئاسات عليا ودنيا ان نرفض بعض السلطات الدكتاتورية المتعسفة التي نتشبث بها، على الرغم من تهافتها وزوال مبرراتها. كما يكون علينا ان نرفض الأبهة الامبراطورية مثل لبس التيجان ومسكك الصولجانات بأيدينا على اساس انها عصا الرعايا، في حين انها في اغلب الأوقات ليست اكثر من عصى ترفع على من عصى، كما يقول المثل، هذا مع اننا نحن في كنيسة المشرق ليست لنا عقائد كما نراها عند بطاركتنا المرحوم البطريرك بيداوذيذ والبطريرك لويس روفائيل ساكو، اللذان يدعيان انهما من كنيسة المشرق، مع ان البطريرك بالحقيقة كان ينفذ كل رغبات كرسي العقيدة والايمان الذي كان يوجهه ما يسمى الى حد هذا اليوم بالسفارة البابوية من باب الالتجاء الى الالتباس، في حين ان البابا لا يملك سفارة، وان اسم السفارة الحقيقي يجب ان يكون سفارة دولة الفاتيكان لدى الدولة العراقية حسب. ولكن البابا فرنسيس وكعادة تصرفه الهادئ لا يحب الاستعجال واستخدام القبضة الحديدية التي استخدمها يوحنا بولس الثاني. لقد قلت هذا الكلام من قبل وحسبَ البطريرك انه امسكني بمصيدة، عندما قال بأنني حتى البابا فرنسيس انتقده. ولكن هل بقي لهذا البطريرك مصداقية حتى يكون في هذا الأمر صادقا، انا الذي كنت قد هيأت مقالا عنوانه: انا والبابا فرنسيس اولاد العم. لكننا لسنا اخوة وانما نحن اولاد العم بالروح فقط بكوننا نحن الاثنين نؤمن بما يسمى: لاهوت التحرير الذي هو من ابتكار البابا فرنسيس عندما كان اسقف ريسيف، وبكوننا نحن الاثنين نعمل اعمالنا بمحبة بعيدا عن التقاليد البالية، وقريبا من الحقيقة الايمانية وكوننا نحن الاثنين نرفض العنف والاعتداء على حرية وهوية الآخرين.. وبالحقيقة ان كاتب هذه المقالة لا ينتظر محبة وتأييدا من اي بطريرك، لأنه عرف ان سائر البطاركة يعملون من خلال تحقيق مصالهم الذاتية قبل كل شيء، مع تأكيد ان البطريرك بولس شيخو كان اصفى نية ممن جاء بعدهم، كما ان المطران عمانوئيل ددي كان اطيب من المطران الذي جاء بعده، والذي كان مكلفا من قبل بطريركه العقائدي بأن يفرض العقائد على كل قسس في ابرشية الموصل، ولاسيما على القس لوسيان جميل حيث انه كان يلاحقه بالتجريح عن كل مقال يكتبه او يحاضر فيه. كما كان مكلفا من قبل البطريرك بيداويذ بأن لا يسمح له بأخذ اية مسؤولية كنسية. علما انه في النهاية كان قد فشل بذلك وطواه النسيان. ولذلك اقول ان القس لوسيان ليس بحاجة الى مديح او تأييد بطريركه، وتكفيه محبة شعب تلكيف وشعب كل من وصل تعليم الحب والايمان اليه بطريقة او بأخرى. يكفيه مثلا انه بمجرد ان رأى شعب تلكيف في ميشيكن بالولايات المتحدة صورته على فيس بوك الأب شربيل وعلى فيس بوك السيد سفيان جربوع بأن تأتيه منهم ومن بعض طلاب الدورة اللاهوتية ولاسيما بدرس الفلسفة ما مجموعه 350 تعليقا عدا 400 آخرين وضعوا اشارة يعجبني. احدى الطبيبات من عائلة صديقة كانت في تلكيف كتبت تقول: لقد افتقدناك يا ابونا. ولكن اقول لهذه الطبيبة ولغيرها انتم لم تفتقوني ابدا، فأنا لا زلت اكمل رسالتي التعليمية بمحبة كما كنت اعمل وانا في الخدمة القسسية، ولا زلتم في وجداني كما في السابق. اما بعد وفاتي فاني ايضا سأكون معكم بالروح حيث ان شخص الانسان، ويعني ان كل الايجابيات الحبية التي كان هذا الشخص يحملها ستنتقل مع شخصه الروحي في حياة من يحبونه. الانسان هو هكذا: ان ايجابياته او سلياته لا تنفصل عن شخصه.هذه هي سنة الحياة التي ابشر بها، وويل لشخص يموت ويُعمل له اللازم من اطراء فارغ، كما تعمل اليتيا والحبربشية المنافقون، ثم ينساه الناس بعد ايام. ترى اليس شخص يسوع حاضرا مع كل من يحبه وموجودا في حياته الى حد هذا اليوم؟ علما بأن هذا الخلود الطويل الأمد هو ايضا ينتهي بعد وفاة من كان يحبه. ان عجلة الحضارة وطاحونتها لن ترحم احدا. قد يبقى التاريخ يخلد بعض الشخصيات التي كانت لماعة جدا، ومنهم، شخصية يسوع المسيح نفسه، فهم سيتحولون الى مجرد تاريخ مدون، لا يثير في احد اية مشاعر. انها ظاهرة اندثار عالم وظهور عالم جديد. فهذه الشخصيات كانت شخصيات انثروبولوجية في خدمة المجموع البشري في حقبة معينة، لكن لن يبقى الانسان ولن تبقى جماعة حضارية ام امة دينية الى الأبد، بعكس ما كان يقول العهد القديم ثم قالها بعده العهد الجديد، بحسب عقلية كل فترة زمنية حضارية.
مقتطفات مستلة من كتاب كيف نتكلم عن الكنيسة اليوم في طور الاعداد
1-7- 2021
القس لوسيان جميل
552 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع