بسام شكري
الاتحاد الهاشمي النضوج الذي سبق الزمن
تمر علينا هذه الايام ذكرى الانقلاب الدموي في 14 تموز 1958 الذي غير تاريخ العراق الحديث من مملكة دستورية برلمانية الى جمهوريات موز متصارعة على المال والنفوذ راح ضحيتها الشعب العراقي وثرواته وخسر موقعه التاريخي والجغرافي في العالم والمنطقة وقد استمر الحكم الملكي سبعة وثلاثين عاما وضعت خلالها الملكية أسس دولة حديثة ساهمت في تأسيس الأمم المتحدة والجامعة العربية والعديد من المؤسسات الدولية وكانت المملكة العراقية رائدة في مجالات الصحة والتعليم والثقافة واستخراج البترول والبنى التحتية , ان ملوك العراق الهاشميين لم يمت أي منهم ميته طبيعية بل استشهدوا في سبيل بناء العراق واستقلاله السياسي والاقتصادي , حيث توفى مؤسس العراق المغفور له الملك فيصل الأول ولم يتجاوز عمره خمسين عاما في سويسرا وقد حامت الشبهات حول وفاته عندما اصر نوري السعيد على عدم اجراء كشف طبي او تشريح الجثة وتحنيطه بسرعة وارساله للعراق وكذلك ابنه المغفور له الملك غازي لم يتجاوز عمره سبعة وعشرين عاما الذي مات بحادث سيارة لم يتمكن الفاعل من حبك جريمته جيدا بحيث ادعى انه حادث اصطدام سيارته بعمود كهرباء من الامام في حين ان التقرير الطبي يقول انه تعرض الى ضربة في الراس من الخلف وكذلك لم يتجاوز عمر ابنه الملك فيصل الثاني ثلاثة وعشرين عاما عندما قتل صبيحة اليوم المشؤوم في 14 تموز1958 .
ان التفرد البريطاني في التحكم في العراق واللعب بمقدراته وتغييب ملوكه الثلاثة وتغيير نظامه السياسي من ملكي دستوري الى جمهوري رئاسي وإلغاء كافة الأحزاب التي كانت تقود العراق وإلغاء البرلمان والمجيء بأحزاب جديدة تقود العراق بدون الانتخابات قد اعطى أمريكا المبرر للدخول على الخط عبر مراحل عديدة من تاريخ العراق كان اخرها الغزو الأمريكي المباشر للعراق في 2003 والمجيء بعصابات فاسدة تحكم العراق وتمتص ثرواته وتقوم بإبادة شعبه بصورة منهجية. فمتى سيحصل العراق على استقلاله؟ ومتى تكف بريطانيا وامريكا يدهما عن العراق؟
من إنجازات المملكة العراقية نستذكر اليوم اهم وأخطر انجاز كان سببا رئيسيا من أسباب انقلاب 14 تموز الدموي هو الاتحاد الهاشمي الذي يمثل أفضل وأنضج اتفاق وحدة عربي مقارنة بكل محاولات الوحدة العربية السابقة واللاحقة لذلك التاريخ والذي تم بين المملكة العراقية والمملكة الأردنية الهاشمية والذي وقع في 14 شباط سنة 1958 والذي أجهض في نفس اليوم 14 تموز بعد خمسة أشهر فقط من اعلانه فما هو الاتحاد الهاشمي؟
لقد نص الاتفاق بين المملكتين العراقية والاردنية الهاشمية على ان تحتفظ كل من المملكتين بشخصيتها المستقلة وان تكون هناك وحدة كاملة في السياسة الخارجية والتمثيل السياسي ووحدة الجيشين العراقي والعربي الأردني وإزالة الحواجز الجمركية وتوحيد مناهج التعليم وتنسيق السياسات المالية والاقتصادية وان تقود الاتحاد حكومة اتحادية مؤلفة من مجلس تشريعي وسلطة تنفيذية وان ينتخب كل من مجلس الامة الأردني والعراقي أعضاء المجلس التشريعي من بين اعضائهما بعدد متساو لكل من الدولتين. وان يكون ملك العراق رئيسا لحكومة الاتحاد وان يكون مقر حكومة الاتحاد لمدة ستة أشهر في بغداد وللستة أشهر التالية من السنة في عمان, لقد صادق مجلس الامة العراقي على اتفاقية الاتحاد في 17 شباط وصادق مجلس الامة الأردني في اليوم التالي، وتشكلت لجنة لوضع دستور الاتحاد من أربعة أعضاء من كل دولة , وقد وضعت صيغة نهائية للدستور جرى الإعلان عنها في عاصمتي الدولتين في 19 اذار 1958 واقرها مجلس الامة في كلال الدولتين وفي 22 أيار 1958 انتخب مجلس النواب في كلا الدولتين اربع عشر عضوا لكل منهما كممثلين في مجلس الاتحاد العربي الهاشمي , لقد كان الاتحاد الهاشمي على بساطة تشكيلاته الان انه كان الأكثر عمليا وواقعيا بين كل تجارب الوحدة العربية في كافة الأقطار العربية منذ استقلالها عن الدولة العثمانية لغاية الان , لأنه كان اتحادا واقعيا اعطى لكل دولة خصوصيتها بحيث تحتفظ بشخصيتها المستقلة وقام بتوحيد الجوانب الأساسية في الدولتين كبداية للتوحيد الشامل.
في الوقت الذي كان الاتحاد الهاشمي يمثل خطرا على السياسات الاستعمارية في تلك المرحلة وعلى الأنظمة السائرة في ركاب الاستعمار في مسميات مختلفة والتي قامت بدور كبير في انقلاب 14 تموز المشؤوم من اجل تقسيم المنطقة والحيلولة دون قيام ان نوع من أنواع الوحدة او التكامل العربي فان الاتحاد الهاشمي كان بمثابة ولادة دولة بإمكانيات بشرية وجغرافية وموارد طبيعية هائلة سيكون لها شان وتأثير كبيرين في المنطقة لو لم يتم القضاء على ذلك الاتحاد في انقلاب 14 تموز 1958 الذي مازال العراق يدفع ثمنه في كل دقيقة.
الباحث
بسام شكري
13 تموز 2021
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
998 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع