الكاتبة والشاعرة هدلا القصار
من بين كهناء الشعر نتوقف أمام تجربة الشاعر "دانتي" اللبناني
وارتباطه الميتافيزيقي بالفكر والواقع
نستلف عقل الشاعر والأديب دانتي اللبناني روبير غانم، لنقف وقفة تأمل أمام فلسفته المقارنة بعائلة فلاسفة العصر،
ولنصل إلى ما وصلت إليه ثقافته اللاهوتية، التي تحمل دعوته المفتوحة على العالم وجميع الأديان وتجديد طقوسها لبناء شرق اوسط جديد من خلال تجربته ، وتلاشيه بين المسافة والفكرة، وتحويل الأدب العالمي إلى منهجه الشعري،
ومستوى أرائه الفيزيائية، ومحاولته تغيير نظام العالم الى نظام لاهوتي أسطوري، حيث أدخلتنا الأديب الشاعر والفيلسوف اللاهوتي الذي شاغل العالم بفكر وثقافته وفلسفته الشعرية والاجتماعية... باجتهاده الفكري العميق بين الزمن والمعرفة .
واستحضار ثقافة العالمين في أعالمه التواصلية واختراقاته ثقافات الغرب من خلال مخزونه الفكري، وطاقته الرؤيوية الموجه لصالح البشرية، محولا أعماله الفكرية، والمجتمعية، والثقافات التاريخية المتنوعة، إلى غايات تفعيليه، لإصلاح مستندات عالمنا المعاصر، المتداخل في تشكيل العقل الحديث، بكل أطيافه الطائفية والاجتماعية والسياسية والمذهبية...
انه الشاعر الجلي الفيلسوف والشاعر والصحافي اللبناني، الذي حمل عالمه الخاص أوراق وأطروحاته وإبداعات كتاباته التي تشير إلى بحثه عن اكتشاف الحقيقة والذات في عالمه الخاص .
ما يعني أن كل شاعر يستطيع أن يحدد علاقته بالعالم المحيط به، وأن يبدع في ثقافته الشرقية خارج الوطن أو داخله، بالبديهة، والخيال، والإلهام.... بالإضافة إلى أساليب نزعته الذاتية في تصويره للعالمين كوسيلة للمعرفة،و لنرى فيه (دانتي الذي يتحدث عن الشكل الخالص للنور الإلهي الذي يحمل الطاعة المطلقة في إفراز نبوءات الأديان، في رؤاه وتجاربه المتجلية في قصائده الشرقية السميولوجيا، ذات الوجه السيميائي الذي يربط بين التصور البصري والصورة السمعية، و الدال والمدلول وما بينهما،) لنلملم شظايا الشاعر المتصوف، و دوره الاستراتيجي، وسر قدستيه الساعية للاعتناق ومعانقة المطلق، وما ورد من تطلعات الشاعر الذي يبحث عن الخلود عن طريق الفلسفة الروحانية المعمدة بالبساطة، والعيش مع طبيعة الإنسان، بالاتحاد مع نغمات الكون الأزلي.. ..
هذا هو الفيلسوف والشاعر اللبناني روبير غانم، المغاير في تطلعات توغله .... مستلهما شتى أنواع الاستطرادات الفلسفية، واكتشافات المعرفة، في مجهودات أعماله الإبداعية الوجدانية الموجهة لمخاطبة شعـوب العالم من فوق أرضه، بمذاقات شعرية عربية مختلفة، حيث يؤمن الأديب روبير غانم بمقولة هيغل :
( ان في نهاية الازمنة قد ينتهي كل شيء، ويبقى وحده الشعر، وهو يقصد الابداع المطلق )
كما يسعى الشاعر اللاهوتي روبير غانم، لتنوير المجتمعات بأفكاره النقدية وأطروحاته اللاهوتية الكامنة في ثراء تجربته الخصبة، التي تعكس أشكال حياة الفرد الغالب على الأماكن والثقافات المسافرة عبر المكان والزمان، بمواد وهويات متنوعة... ما يدل على علوم ومعرفة الشاعر بفلسفة وثقافات العالمين الواسعة، ومضمونهم الروحي، والحرفي في أدوات العقل والحواس، كما جاء في اقترح الفيلسوف المحب للحكمة الروحية "هنريك سكوليموفسكي"في رؤيته الإيكولوجية، التي قد يكون من شأنها أن تقدم رداً إيجابياً على متطلبات وقتنا عبر المفهوم الشرعي العلماني، لتقترب الإنسانية من الإنسان، من خلال رؤية روبير غانم، وأفكاره المرتبطة بمبدأ تأمل ولادة جديدة للإنسان، الذي يحمل تطوير المفهوم الإنساني المليء بالمفردات المعلنة عن حرية الإنسان أينما وجد في بقاع الأرض .
علما أن مثل هذا العلم وهذه الثقافة، سبق وهزت عرش آدم، وأنزلته من السماء، كما تسببت في طرده من الجنة، لاختراقه "معرفة معنى الحياة والعلم" هذا العلم الذي حمل الشاعر والفيلسوف روبير غانم، عبق المرحلة المليئة بمضامين الإنسان، ومعانقة روح الفرد، بأجناس إبداعه الأدبي المعاصر، الذي اخترق الحجب، وتجاوز المألوف, ليخطف عقل القارئ إلى ما وراء رؤاه في صيغ بياناته التي سبق ومستها فلاسفة الحداثة فيما مضى منهم:
نيتشه/ رينيه ديكارت/ ومارتن هيدغر/ وهيجل/ وهاملتون، وتأثيرهم على الشاعر روبير، الذي يفيض استشراقاً وإلهاماً، حيث اضاف الى فلسفة سرديات معلوماته، المنتمية إلى شعراء وفلاسفة العالم، من خلال تأمله، وتطلعات تعمقه المرتبط بفلسفته الإنسانية اللاهوتية، والاجتماعية في كينونته الفكرية، التي جعلتنا نكتشف القواعد الكونية الثابتة لدي الشاعر، ونزعته الإنسانية "الهيمونية" في عيون الأديب الفيلسوف، والشاعر روبير غانم، وتمازجه بين الروح والعقل الذي لا يعترف بحدود الإبداع في أعماله الأدبية " الشعرية الدينية " الحداثية، ومضامين فلسفته الجميلة التي تنم عن معنى دفين يعلن عن أشياء عظيمة في قوانينه ومجاميعه الفلسفية،:التي تنادي أصحاب هذا الاتجاه للتأكيد على الدلالات الدينية، والأخلاقية ... الكامنة وراء القوى الميتافيزيقية، عن طريق الشعر وأطروحاته وفلسفته العقلانية ...
بما انه خير أداة للتعبير عن هذه الدلالات، خاصة إذا كانت بأسلوب الشاعر وتعبيره الجميل، وإن أدى أحيانا إلى المبالغة في شاعريته الصوفية التي تدعونا إلى وحدة الوجود و الحب الإلهي الذي يسمو على الحب المادي الذي ينتهي بحدود الزمان والمكان، حيث منبع القيم الإنسانية ومفاهيم العالم في فلسفة الأديب والشاعر روبير، الساعي لارتقاء مصير الفرد في قدره، كما في " تراجيديا "سوفوكليس"، الذي سعى لتسوية الإنسانية والحرية والعدالة في صرخة الإنسان الغامضة، إلى أن يخلق تجانس بين الأناء والأخر في مشروعه الكاشف عن الذات المنفردة في رؤيته للعالم المتعدد المناهل والتجارب... في بحثه عن الإله في الذات الإنسانية ... ما جعلنا نستحضر عبارة الشاعر والفيلسوف ألماني قديم
(أنجلوس زيلسيوس"بقوله " إذا أردت أن أجد بدايتي ونهايتي فلا بد من أن أبحث عن الإله داخلي/ وأكون مثله / أكون ضوءً في الضوء/ أكون كلمة في الكلمة / إلها في الإله )
حيث قدرته الإبداعية، الباحثة عن الأحداث المرتبطة بمكونات الفرد داخل صوره الدينامكية، ومميزاته "السيميولوجية الدلالية" وفق إنشاء حداثي يحقق المزيد من اكتشافات عصر البشرية في منهجه الإيديولوجي المثالية التي استهدفت أمنيات الشاعر الكوني، كما لو انه (في حضرة " ليلة الغطاس" المعروفة يخصبها القائم في ليلة من كل عام، وهي ذكرى حلول الروح المقدسة التي تلد فيها الطموحات، الفكر، وتلقيح العقول، والإلهام، والوحي، وتحقيق الأمنيات، والرغبات، والمعجزات على اختلافها) .
كما في استعراضات الأديب روبير، الملح على إصلاح العقول وما تستدعيه الرغبة الكامنة بمكتسبات منظوره الديني، واللاهوتي، والأخلاقي، والاجتماعي نحو الإنسانية وما يخص الإنسان وتميزه الذي يمثل الخير للمجتمع وما يلاءم وصوله إلى المتلقي في ابتكاراته الحرة، فكما في "رسائل الغفران" لفلسفته المغايرة لواقع الحياة والمعرفة، في خصوصية لغوية لا نعرفها عند الكثير من الشعراء... الذين يمثلون توجهات الشاعر روبير غانم ، وأفكاره التي تشبه أفكار الفيلسوف الفرنسي ألبير كآمي، الذي تمرد على جميع أشكال العبودية، في سبيل الحياة، التي هي أفضل ما وهب الله للإنسان على وجه الأرض، حتى نليق بالحياة ونمشي على درب التكافؤ والتكاتف الإنساني من مكانه الذي لم يهجره بعيداً سوى بتطلعاته على كتابات ونظريات عباقرة وفلاسفة الغرب، وبحث في إستراتيجيهم التواصلية، وآفاقهم المتعلق بأفعال كينونة الحداثة، التي تمثل مجد الإنسان المشبع بالروحانية، في لغة الشاعر ومنهجه الموثق بمركبات التفاعل والتلاحم، لينتج جيلاً مستحدثاً متميزاً عن أجيال العصور السابقة .
بالإضافة إلى أطروحاته التي لم تهدأ في قلب الشاعر والأديب فكرة، مما فتح شهيتنا إلى التعمق أكثر في تجربته التي تحتاج وقتاً بعيداً للدفاع عن قيمة الإنسان وحريته، وتنوع حضارته الجامعة جميع الكتب الإلهية والكونية والإنسانية والحياتية كما قال في كتب هذه العناوين .
" السكون "
إنّي أرى ما لا ترونْ / وأسمعُ ما لا تسمعونْ/ وأتراءى ما لا تترأَوْنْ/ وأعرفُ ما لا تعرفونْ/ وأسكنُ بعيداً عنِ الأمداء التي تسكنونْ.../: إنّي أرى/الحُتُوف والجنونْ/وسائرٌ أنا/-وثائرٌ-/يلفّني السْكونْ.
تعالوا نتشبّثْ../ تعالوا نكتبْ قصائد الصّمتْ/ ألصمتُ.. الصمتُ.../ قصيدةُ قصائد النبيّينْ/ تتوهّج داخل فضاءات التصوّرات المتموّجة.. الصامتة/ وتخضّنا حروفها/ عندنا يتحوّل البيلسان الى شجرات من الخيال الهاذي/ وعندها.. وعندها.../ أتحوّلْ../ تتحوّلونَ الى عوالم من السّراب المضلِّل.. العارفْ/: لأنّكم../ لأننا البُهُوتْ/دخلتُ في السكوتْ.
عائدٌ أنا من اللاّعودةْ/ لا بداية لرحلتي.. ولا نهاية
لضفاف الوقت الذي يعيدني اليكمْ/ فاستريحوا في فراغات الوميضْ/ وأسكِتُوا.. أطفِئوا شهواتكم داخل التأمّلات الكاشفة/ لأنّني../ لأنّكمْ.../: هنا.. هنا/- باقونْ-/هناك.../ قد/ نكونْ....
تراءيتُ انّ عماليق الفضاء.. قد أضاؤوا مصابيحَ الرّغبةْ/ لكنّهم.. لم يتكوّنوا إلاّ في ظنون حدائق العبورْ/ فاتبعوني.. إتبعوني.../ فلعلّني أرشدكم الى إضاءات الطريقْ/: لأنني../ لأنكم.../ نأينا عن بريقْ.
البَيَادِق
عندما أبصروا أفراس الدّهشةْ../ فرسانَ الصهيلِ.../ تأتي من وراء عوالم البيادقْ/ تحوّلوا الى مسافات من امتشاق السّيوف والآهاتْ/ ليمخروا عُباب التعاويذ التي لا يطالها نسيان النّدى للورودْ/: لأنّ همّهم معرفةُ/- الأوتارْ-/تحوّلوا: أحجارْ..
لن أجعل نزوح المعرفات.. يرحل الى ما هو طنين الآماد
وربى التخيّلاتْ/ إنّما.. إنّما.../-ولأن زادي جَهَنّماتٌ.. وسماوات رياحْ/ قرّرتُ اقتحام.. بل تفجير اللغاتْ/ لأنّ لغتي.. لغاتنا.. حروفنا.. تعابيرنا.../ لم تعد تكفي لتجاوز شطآن الجهالة.. الى مسافات العبور والمعرفات/: غدونا في السّمَرْ/غذاؤنا الضّجَرْ.
ما جئت لأكون شاهد زورٍ على الجهلِ/ مرتعباً من بيادق اللهفات.. ورموز الانكباب على التجهيلْ/ بل.. بل أتيتُ لأتحوّل حارساً على ملكوت الاشراقات التي تنقلنا الى نورانيات الأسى وتحوّلات الرّيحْ/ وعندها.. عندها.../ أتحوّل.. نتحوّل الى بيادق.. جوارح.. كواسر... تقتحمْ المجاهلَ../ حتى ولو كانت
آساً وأقحوانْ/: لأننا../ لأنني.../ عبرتُهُ المكانْ/غدوتُ في الزمانْ..
لا تسألوا أين سأزرع بذاري/ ففي كلّ خطوة فكرٍ هُوَ أنا/ هُوَ.. هُوَ... / الذي يجتاز وهاد الاغماءات طمّاحاً الى أن يصير في عوالم غبار التوهّمات التي من سرمدٍ.. أزلٍ وأبديّاتْ/:
فلا.. فلا/تحاولوا الإبهارْ/لأنَ .. لا نهارْ/لأنَ كلّ ما يلفّنا.../ يصفعنا: إعصارْ/ولن نصيرَ../لا نصيرُ../ عالمَ الأزهارْ/إلا إذا/تبخّرَ الغبارْ..
البيادق.. طائر من الجوارح في حجم الباشق.
الحصائل
لم أكن أدري أنّ حصائل التوهّجات.. سيجتاحُها يباسً الأعاصيرْ/ ولم.. لم... أكن عالماً بأن فُيُوءَ الدّياجير.. ستتناثر فوق رذاذ تخيّلاتي/ وعندما../ عندما أدركتُ بعضاً من رموز الخمائل والتيهْ/ بدأتُ أكتب أشعار التفرّدات التي من وَثَن أبيض.. يتماوج في القفار والأماسي/: وتهتُ في الآبادْ/ولفّني السّهادْ/وغبتُ../غبتُ في البريقْ/ضللتها الطّريقْ/لكنّني../عبرتُه المضيقْ..
يا سكّان التعاويذ.. والبركاتْ/: هللّوا للذي سيأتيكم بالحصائل المعتّقة كخمور الأزمنة السحيقةْ/ فهاءنذا أعيدكم الى مواضي التوهّمات البهيّةْ/ لأنني أدركتُ بعض اسرار الاعجاز المتمادي في الإغلاق/ وهذه هي حصيلتي.. حصائلي... / اشتُلُها في أحواضكم التي يتناثر فوقها شَغَف الوصول إلى ثقوب المطلقْ/ وحصائلي../ أيها الغادون الى صباحات الذّبول والفجائعْ/ تتنزّه بين الآه.. والآخ... وآلام الحروف المتناثرة فوق بيادر الهشيمْ/ ويا.. ويا... كلّكم../ أيّها المتوهّمون أن الأشواك ستتحوّل الى أزاهير من نُسُوغ الأبدْ/ تحوّلوا معي الى ازهرارٍ.. أسودْ/:
لأنكمْ../ لأنني اليَنبوعْ/تجمّعتْ حصائلي../ وأزهرتْ في البالِ/- والخشوعْ -/وصرنا../ صرتُ في الهجوعْ..
حدّثتكم بما عندي من ترائياتْ/ فتحاوروا مع ذواتكمْ..: وادخلوا مدارات الشموس.. المطفأةْ/: فتسكنونَ../ أسكنُ الضّجَرْ/لأنّني عبرتُهُ النَّهَرْ.
بقلم الشاعر والفيلسوف اللبناني روبير غام
Robert Ghanem
يتبع
مع النجم البريري الشاعر العماني سيف الرحبي
4783 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع