قاسم محمد داود
موسـم البحث عــن وظـيفة سهـلة
من أهم معالم الديمقراطية في أي دولة هي الانتخابات الحرة النزيهة الدورية، وفي الوقت نفسه لازالت أفضل طريقة أبتكرها البشر كوسيلة لتداول السلطة بطريقة يمكن اعتبارها شرعية وصحيحة إذا ما أجريت وفق المعايير الديمقراطية المعروفة. وتأخذ الانتخابات أشكالاً مختلفة باختلاف شكل وطبيعة النظام السياسي في الدولة، فقد تكون مجرد انتخابات صورية شكلية ليس إلا، أو انتخابات حقيقية تعكس أرادة الجماهير الحقيقية دون تزييف وتغير لإرادة الناخبين. كما انها يمكن ان تأخذ ابعاداً سياسية أخرى لم تكن ضمن الأنواع التقليدية المعروفة لها كما هي الحال في العراق. فالانتخابات في هذا البلد لم تعد وسيلة نقل سلسة وسليمة للسلطة، فقد تحول مفهوم الانتخابات الذي يقوم على أساس إعادة الدور إلى الناخبين (الشعب) لممارسة القرار السياسي وتمكينهم من اختيار ممثليهم في السلطة التشريعية بإرادتهم وإمكانية تغيرهم عند فشلهم في الإيفاء بالوعود الانتخابية. لكن هذا لم يحدث ولم تتغير القوى السياسية التي مارست السلطة التنفيذية رغم فشلها الذي اعترفت به هي قبل غيرها. ولم تأتي الدورات الانتخابية السابقة بآخرين كي يخوضوا تجربة أخرى وبرنامج سياسي آخر، ولم تتشكل معارضة سياسية تتداول السلطة وتكون أداة رقابة عليها من حيث تطبيق البرنامج الانتخابي. فهي عبارة عن إعادة نفس العقلية السياسية السابقة إلى السلطة تحت مسميات وعناوين جديدة. لذلك على الرغم من اجراء عدة عمليات انتخابية دورية طيلة الأعوام السابقة إلا أنها لم تستطيع ان تنتج عقلية مختلفة لإدارة دفة الحكم، بل كانت وسيلة لإعادة توزيع الأدوار بين الحاكمين السابقين من جديد تحت مسمى الديمقراطية. وصارت الانتخابات وسيلة سهلة من وسائل الاستحواذ على السلطة التي تتضمن الكثير من الامتيازات المادية وتحقيق المنافع والمصالح والمكاسب، وعليه فما هي الجدوى من انتخابات ترسخ الفشل والضياع، وما فائدة الانتخابات إذا كانت مخرجاتها معروفة سلفاً. فقبل ان تجرى يعلم الجميع أن رئيس الحكومة من الأحزاب والتكتلات الشيعية ورئيس مجلس النواب من الأحزاب والتكتلات السنية ورئيس الجمهورية من الكرد ومن حزب معين سلفاً. فلم يفلح النظام الطائفي باعتماد معايير الوطنية والحرية والعدالة في الانتخابات التي جرت منذ 2005 ولحد اليوم. ثم ماذا جنى المواطن العراقي من الانتخابات إذا كان يرزح تحت ثقل مشاكل مثل الفقر والبطالة وانعدام الكهرباء والخدمات الصحية وتخلف نظام التعليم واندثار البنى التحتية، وكيف يتمكن هذا المواطن من اختيار ممثليه الحقيقين في مجلس النواب إذا كان كل همة البحث والكد للحصول على لقمة العيش. وما هو النفع الذي سيعود على البلاد والعباد بعد صرف مليارات الدنانير على العملية الانتخابية ثم لا تتشكل الحكومة بموجب نتائجها وإنما بموافقة جهات خارجية وجهات دينية وتوافقات سياسية بعيداً عن مجلس النواب، تعقد من خلالها صفقات تبادل المكاسب والمنافع المادية الشخصية والحزبية وهي صفة من صفات الانتخابات في العراق، والتي لا تأتي بجديد للساحة السياسية ولا يكون المواطن ومصلحته نقطة ارتكاز في هذه الصفقات، وإنما المنطلق الأساسي لها هي الامتيازات السياسية التي يفرزها عدد المقاعد في مجلس النواب من مناصب توزع بين اطراف الصفقة الانتخابية دون ان يغير من حال المواطن شيئاً، وغياب عنصر خدمة الدولة والمواطن واقتصارها على الحفاظ على المصالح التقليدية للقوى المنجزة لهذه الصفقات. وبالرغم من صفقات تبادل المكاسب هذه إلا أن الحكومة التي تنتجها القوى السياسية عقب كل انتخابات لا تتشكل إلا بعد صعوبات كبيرة وتكون حكومات هشة وليست ذات طابع برنامج حكومي واضح اذ غالباً ما تكون ائتلافية شكلتها أطراف ذات توجهات متباينة وأحياناً متناقضة، لذلك كانت تلك الحكومات ضعيفة بمجملها في ظل انعدام رؤية استراتيجية واضحة ومدروسة للحكم وغياب برنامج حكومي متفق علية. لقد فشلت عن عمد او نتيجة عدم كفاءة كل المجالس النيابية وحكوماتها المتتالية منذ 2005 ولحد الساعة من إيجاد ولو نصف حلول للمشاكل الأساسية التي يعاني منها البلد حيث لا تزال كما كانت لا بل صارت أسوء. ورغم هذا الفشل إلا أن القوى السياسية الفاشلة مارست عملية تضليل بشعة مع المواطن الذي كان ضحية هذه السياسة من حيث يدري أو لا يدري، فقد لعبت هذه القوى على عاطفة الجماهير الناخبة لتبرئ ساحتها من الفشل الحاصل في جميع مؤسسات الدولة وتحوله على عاتق الآخرين وتحميلهم المسؤولية عن كل ما يحصل دون وجه حق. لقد صارت عضوية مجلس النواب سبيلاً سهلاً لنهب المال العام والثراء الشخصي والحصول على الامتيازات والحصانة من الملاحقة القانونية وصارت الكتل النيابية حامية لحيتان الفساد المالي والإداري، وفشلت هذه الكتل التي تطرح نفسها هي الأكبر في المعادلة السياسية في القدرة على بناء شخصيات كفؤة ونزيهة لقيادة كياناتها السياسية واعادت تدوير شخصيات مستهلكة فشلت في تقديم ولو منجز يذكر للبلد. وصار من الوظائف السهلة أن تكون نائباً مع هذه الكتل السياسية وفي مرة واحدة في كل سنة تصدر تصريحاً عن مؤامرة كونية واستهداف عالمي للتجربة الديمقراطية دون أن تتدخل بأصل الوظيفة الحقيقية والتي هي صياغة القوانين ومراقبة الأداء الحكومي.
ولا يمكن لمراقب لمجريات الانتخابات البرلمانية ان ينكر فشل النخب الاجتماعية في أن تتقدم بمشروع وطني قابل للتنفيذ والاستدامة، وتحولت إلى نخب جبانة تفتقد الشجاعة والفاعلية والمبادرة وتخلت عن سلطتها المفترضة كنخب في المجتمع، وإلى عنصر هامشي تابع بعيد عن التأثير المجتمعي، وتركت القيادة للجهل والتخلف.
أن فشل الدورات البرلمانية المتتالية دفع المواطن إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات لذلك تضاءلت إلى الحدود الدنيا نسب المشاركة الجماهيرية في الانتخابات مما جعل الدورات البرلمانية غير كفؤة نتج عنها حكومات ضعيفة ومستضعفة وصِمت بالفساد والتزوير وغير قادرة على تحمل أعباء بناء بلد دمرته الحروب والمشاكل السياسية ولاقتصادية والاجتماعية. وأي ضمان لنزاهة انتخابات مع الوضع السيء الذي وصل أليه البلد وعدم وجود بيئة آمنة لأجرائها حيث انتشار السلاح بعيداً عن سيطرة الدولة. أن الانتخابات في هذا البلد تمثل تجاذب واستقطاب كبيرين للصراع الإقليمي والدولي، فكل دولة من الدول التي لها مصالح مختلفة في الحالة العراقية تحاول التأثير بشتى الوسائل في مسار هذه العملية الانتخابية والنتائج التي تتمخض عنها وبالتالي فهذه التدخلات تمثل انتهاكاً غير خفياً للسيادة العراقية وتدخلاً سافراً في الشأن العراقي الداخلي. لذلك يمكن القول: عندما تتحول أكذوبة الديمقراطية في الشعوب المتعبة من نعمة إلى نقمة وإلى مسرحية هزيلة لن يشجعها إلا قليل من الناس.
2212 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع