بقلم احمد فخري
اكتشاف جديد سيغير حياة مرضى الربو
في هذه الايام العصيبة وبخضم جائحة كورونا اللعينة، كلما فتحنا وسائل التواصل الاجتماعية او تطبيق الواتساب على هواتفنا نجد تسجيلات تافهة مظللة لاشخاص يتكلمون عن علاجات توصلوا اليها بانفسهم ضد امراض السرطان او السكر او القرحة او القلب او غيرها يكتشفونها بمحض الصدفة وبطرق بدائية بانفسهم وبذكائهم المفرط دون اللجوء للاطباء او المختصين. دعوني اسرد عليكم بعض تلك التفاهات من باب التذكرة: شخص احمق ينصح المتلقي بتناول الكركم المذاب بالماء على الريق او سحن الرأس المكور من بذرة القرنفل فيكون ذلك علاج لكل داء. او تناول قطعة واحدة من التين مع اربع قطع من الزيتون كي ينعمون بالحماية من جميع الامراض المسرطنة وغير المسرطنة. لكن افضع ما وردني مؤخراً هو مقولة "الهنود يصنعون غبار الكاري من روث البقر" وآخر يقول، "افخاذ الدجاج المجمدة تسبب السرطان". وڨديو رهيب يقول، "ان امراض السرطان بجميع انواعها واشكالها يمكن معالجتها بحبة البركة". كل هذه الاقاويل تصيبني بالغثيان لانها جميعاً طرق غير علمية ولا تستند الى تجارب طبية كلينيكية سريرية او علمية معتمدة.
يقول المثل، "حدث العاقل بما لا يعقل، فإن صدق فلا عقل له". اخواني الاعزاء لأنني حاصلٌ على نسبة لا بأس بها من التعليم زائداً القليل من الثقافة الذاتية، اجد ان هذه المنشورات هي مجرد خزعبلات مظللة لا افهم حقيقة الاهداف من انشائها او نشرها او اعادة نشرها فهي تستهين بذكاء القارئ ولا تتعدى كونها ضحك على الذقون على اقل تقدير. انها لا تؤدي سوى الى محاولات بائسة بالمساس بعقولنا من قبل مرضى نفسيين مساكين يعانون اشد المعاناة من امراضهم النفسية المزمنة خصوصاً وان تلك الوصفات خالية تماماً من كل مصداقية علمية او مأخوذة من مصادر موثوقة تعزز تلك الاكتشافات الهزلية الرخيصة. والانكى والامر من ذلك، يستمع اليها الآلاف بل الملايين من الناس، يتفاعلون معها بشكل ايجابي ويقومون باعادة نشرها وكأنها اكتشافات طبية حقيقية. دعوني لا انسى أولئك الذين يقفون امام كامرات هواتفهم بالصدرية البيضاء ليوهمونا بانهم اطباء يتشدقون بالسفسطة الفارغة التي ما انزل الله بها من سلطان. فيظللون البسطاء ويقنعونهم على انها حقيقة، فيقول الجهلاء منهم، "هذا طبيب وبالتاكيد يعي ما يقول"
في مقالي هذا سوف تعلم عزيزي القارئ انني لا انتمي الى تلك الفئة الغبية المظللة. هدفي صريح وواضح وهو ان اوصل اكتشافي الى اكبر عدد ممكن من مرضى الربو عسى الله ان يجعلني سبباً في تخفيف معاناتهم واكون السبيل لانقاذ ولو واحداً فقط من آلام هذا المرض اللعين الفتاك الذي يحصد ارواح الكثير من بني البشر كل يوم حول العالم.
احصائية:
تقول مؤسسة (ASTHMAMD) بموقعها بالانترنيت على هذا الرابط https://www.asthmamd.org/asthma-statistics/
وهي الهيئة المتخصصة باحصائيات امراض الربو: بسبب الربو كل يوم، 40000 طالب يتغيب عن المدرسة - 30000 شخص يصاب بنوبة ربو - 1000 شخص يدخل للمشفى من جراء نوبة ربو - 11 شخص يموت من الربو. وفي كل عام يموت 4000 شخص بشكل مباشر بسبب نوبات الربو و7000 شخص يموتون بشكل غير مباشر بسبب نوبات الربو. انتهى الاقتباس.
هل بامكانك ان تتخيل كيف تكون الاحصائية لباقي بلدان العالم؟
يقول الدكتور اولريك سوس الاخصائي امراض الجهاز التنفسي بمشفى روسكلدة في الدنمارك، ان الربو (Asthma) يجب ان يسمى الربوات ليضاف الى اسمه حرف(S) الجمع بآخره فيصبح (Asthmas) والذي يشير الى تعددية انواع وانماط المرض. لان في الواقع، ليس هناك نوع واحد من الربو. والشخص الربوي الذي يتجاوب مع احدى العلاجات قد لا يتجاوب مع العلاج نفسه شخص ربوي آخر. لذا فهناك علاجات متعددة وكثيرة تتوالم مع كل فئة من الربويين. وبما ان الابحاث حول هذا المرض مرت بمراحل زمنية طويلة فالاكتشافات العلمية مازالت قائمة ومتواصلة بمختبرات متطورة في جميع انحاء العالم لمحاولة تخفيف معانات تلك الشريحة من المرضى البائسين.
قصتي المختصرة مع الربو: عند وصولي الى الدنمارك عام 1998 كنت انعم بصحة جيدة ولم اشكو يوماً من اي مرض يذكر. كنت اجهل مرض الربو ولا اعرف عنه سوى بعض العلاجات والبخاخات اليدوية. معلوماتي متأتية من خلال اولادي التوأم محمد ويحيى الذين كانا يعانون منه عند طفولتهما وقد شفيا منه تماماً بعد سن المراهقة والحمد لله. اما انا فاصبت بنوبة الربو الاولى بحياتي في نيسان 1999. كنت وقتها اتمشى مع احد الاصدقاء بغابة قريبة من سكني فشعرت بضيق في التنفس وكدت اسقط بحالة اغماء على الارض. اتكأت على كتف صاحبي وجلست على جذع شجرة مقطوعة، طلبت منه ان يمنحني بعض الوقت كي استرد انفاسي. الا ان حالتي لم تتحسن بل إزدادت سوءاً وشعرت اني اصبحت قاب قوسين او ادنى من الموت. تركني صاحبي وراح يجري كي يأتيني بالنجدة. لكنه رجع بعد قليل خالي الوفاض. اخبرني انه لم يعثر على احد ليسعفني وان علي ان اجاهد وامشي معه لاننا كنا قريبين من العيادة الطبيبة. دفعت نفسي دفعاً بكل طاقتي لاتلقف انفاسي الشحيحة ورحت اسير وانا ارمي بناظري الى الامام بشغف كبير علني استطيع رؤية تلك العيادة الطبية. لكنها كانت تبدوا بعيدة جداً مع انها بالواقع لم تبعد سوى 200 او 300 متر. باختصار شديد واصلت السير معه ونسبة الاختناق تزداد عندي شيئاً فشيئاً حتى سقطت على الارض مرتين فاعانني على الوقوف ثانيةً. احسست وقتها بسكرات الموت تغمرني. وفجأة ظهرت امامي اثنتان من الممرضات جائوا يركضون نحوي ويهرعون لنجدتي. اتكأت على اكتافهن وبمساعدة صاحبي المخلص ادخلوني عيادة الطبيبة لتفحصني فتبين لها ان حالتي سيئة جداً لاني اذكر قولها ان مستوى الاوكسجين بدمي قد هبط لـ 70%. اتصلت فوراً بالاسعاف ثم استدارت اليّ لتحاول التخفيف عني قبل وصول سيارة الاسعاف لكنها على ما يبدوا كانت مستجدة مع انها جاهدت كثيراً كي تُشَغّل انبوبة الاوكسجين التي كانت بعيادتها فلم تفلح. بحثت في خزانتها الزجاجية عن عقار تحقنني به استناداً لتعليمات المشفى على الهاتف الا انها لم تجده او ربما كانت قد انتهت صلاحيته. بقيت تطلب مني الاستلقاء على ظهري على سرير الفحص والاسترخاء. لكنها لا تعلم وانا كذلك لم اكن اعلم ان المصاب بأزمة الربو يجب عليه ان يبقى جالساً وان لا يستلقي على ظهره ابداً لان ذلك سيزيد من حدة الاختناق. الدقائق العشرة التي استغرقها المسعفون للوصول الى العيادة كانت تبدو وكأنها عشر سنين. وضعني المسعفون على السرير المتنقل (السدية) وادخلوني سيارة الاسعاف ثم وضعوا كمامة مطاطية شفافة على وجهي وقاموا بحقني بابرة لا اعرف ماذا كان بداخلها. ما ان دخل الدواء السحري الى عروقي حتى بدأت اشعر بالتحسن التدريجي اثناء الرحلة الى المشفى. فور وصولنا هناك استقبلني فريق من المسعفين والاطباء والممرضات الذين كانوا يعملون حول سريري وكأنهم دبابير بداخل خلية نحل. بدأت استعيد انفاسي الطبيعية تماماً فجائني الطبيب المختص البروفيسور اولريك سوس ورحب بي بابتسامته العريضة وبانكليزية رائعة لم اعهدها بشخص دنماركي من قبل قال،
الدكتور : يبدو اننا محظوظين اليوم باستضافتك عندنا.
انا : ماذا حل بي يا دكتور ولماذا لم اتمكن من التنفس؟ ما هو مرضي؟ هل اصبت بنوبة قلبية؟
الدكتور : كلا، انت مصاب بالربو.
انا : انت غلطان يا دكتور، انا انعم بصحة جيدة ولا اعاني من الربو.
الدكتور : بل انت تعاني من الربو ابتداءاً من اليوم وعليك ان تتقبل هذه الفكرة وكلما اسرعت بتقبلها كلما تمكنت من السيطرة على مرضك.
انا : لكن الربو يصيب الاطفال فقط اليس كذلك؟ انا عمري 46 سنة، فكيف اصاب به الآن؟
الدكتور : هناك حالات كثيرة مسجلة عن بالغين اصيبوا به في سن متأخر وانت واحداً منهم.
باختصار بقيت بالمشفى 7 ايام، اجروا خلالها كل انواع التحاليل والفحوصات بحيث اصبح ذراعي يشبه اذرع المدمنين على المخدرات من كثرة الابر التي ثقبوها بجلدي عند اخذ العينات كل يوم. حتى جائني الطبيب بالآخر وقال بانهم سيخرجونني لانني تعافيت تماماً. ونصحني بان ابتعد عن الحركة السريعة وان احمل معي عبوة الڨنتولين الزرقاء (البخاخ) في جميع الاوقات حتى وان ذهبت للمرحاض كي استعملها عند اللزوم. لم اعرف وقتها ان ذلك الدواء سيصاحبني لباقي ايام عمري.
بخاخ الڨنتولين عند الطوارئ
خرجت من المشفى محملاً بالحزن الشديد والهموم والقلق الجسيم وكأن السماء قد اطبقت فوق رأسي وسحنتني تحتها كالنملة. علماً انني كنت دائماً اتحلى بصحة جيدة بحيث كانت حقاً تاجاً فوق رأسي ولم اكن اعرف قيمتها حتى تلك اللحظة. والأن انا عاجز كالطفل الرضيع لا اقوى حتى على المشي السريع. كنت في الماضي لا اعرف سبيل الاطباء ولم اكن اعاني حتى من الصداع البسيط. واليوم يخبرني هذا الطبيب انني اسماتي (Asthmatic). كان تصديق تلك الحقيقة صعب جداً. لكنني كلما تقبلتها اسرع كلما تمكنت من التعايش معها كما قال.
علمت وقتها من طبيبي ان نوبات الربو عادة ما تكون مزيج من عدة مسببات وهي كالتالي:
اولاً يتعرض الاسماتي الى مادة تحفز شعبه الهوائية فيهيج الربو اثر ذلك. ومثال على ذلك : شعر الكلاب، شعر القطط، الاتربة، بعض العطور، دخان السجائر، بعض المكسرات كالفول السوداني وما شابه... الخ
ثانياً الجهد الكبير كالجري او صعود السلم او السباحة اوحمل اثقال كبيرة كاثاث المنزل وما شابه.
ثالثاً الحالة النفسية الرديئة كان يدخل الاسماتي في جدال كبير يسبب له التوتر العصبي وبالتالي يتحرك لديه الربو. وهناك عوامل مسببة اخرى لا يسعني ذكرها.
في ذلك العام والعام الموالي له ذهبت الى المشفى 6 مرات وانا محمولاً بسيارة الاسعاف اثر نوبات ربو حادة. شعرت وقتها ان نهايتي قد حلت ورحت اوصي اولادي بامور شتى كنت لم ابوح بها عن اسراري وهفواتي في السابق شعرت انني يجب ان اخبرهم بها كي لا يكتشفوها من غيري فيما بعد ويبدأون بذمي (ويلعنون سلفه سلفاية). بقيت اعاني من هذا المرض واتخبط به حتى عام 2002 حين صرت افهم الكثير الكثير عن مرضي وعن مسبباته وعلاجاته الطبية والطبيعية. وصلت الى درجة من المعرفة بحيث الّفت كتاباً بتلك السنة باللغة الانكليزية اسميته (لحظات مميتة مع الربو). لانني فعلاً فارقت الحياة باحدى النوبات وبقيت في عالم الاموات لمدة دقيقتين. ولما فتحت عيني وجدت الممرضة تقول "اهلاً بك على عودتك للحياة. فقد توقف قَلبُكَ لمدة دقيقتين قبل ان نكسر ضلعين بصدرك كي نقوم بتدليك قلبك مباشرةً". استطعت وقتها ان استوعب حجم المارد الخطير الذي يكمن بداخلي وان علي الآن ان استعمل كل الادوات المتاحة التي بامكانها ان تهدئ ذلك المارد وتجعله يعيش بسلام داخل جسدي. هذا كل ما يتمكن مريض الربو من عمله، فلا تسمح لاحد ان يخبرك غير ذلك. لأن الربو ليس بمرض جرثومي او بكتيري او فايروسي او معدي. انه نوع من انواع الحساسية، وهذه الحساسية تأتي وتغدوا متى ما يحلو لها. عليك فقط ان تكون مستعداً كي تحمل السلاح المناسب لهجماتها. فليس من العدل ان يكون عدوك يحمل رشاشاً وبندقية وقنبلة غازية سامة واسلحة فتاكة بينما تقوم انت بمجابهته بالحجارة كما يفعل اهلنا بفلسطين. ففي الحروب تكون الدبابة امام الدبابة والطائرة امام الطائرة والبندقية امام البندقية. وليس من الحكمة ان تسحب سيفاً امام عدو يحمل رشاشة الـ (بي كي سي).
المهم دعني اكمل حديثي لو سمحتم: بقيت اواصل ابحاثي وتجاربي السريرية على نفسي بكل انواع الطرق المتاحة. حتى بعد ان نشرت كتابي الذي نزل للاسواق بمتجر امازون على الشبكة العنكبوتية في ايلول 2002 لكنني بقيت ابحث واطور واحاول شتى الطرق كي اكون فوق كل الازمات المتوقعة والغير متوقعة. علمت من طبيبي الدائم اولريك ان نوع الربو الذي عندي هو الربو الشديد المزمن الذي لا تنفع معه بخاخات الازمات الزرقاء (الڨنتولين). وان علي ان اذهب الى المشفى كي يضعوا قطرات من دواء آخر يدعى كومبيڨينت Combivent يصب بداخل انابيب ويبخروه كي استنشقه عبر قناع بلاستيكي شفاف يثَبّتْ فوق انفي وفمي. وطبعاً يعطوني دواءاً آخر كنت اسميه البلاء الاعظم وهو (الكورتيزون). وللعلم فان الدواء الاول اي البخاخ مهمته توسيع القصبات اما الثاني الكورتزون فيقوم بتهدئة الربو وتخدير الشعب الهوائية بداخل الرئة مما يعيدك الى حالتك الطبيعية. اما ما هو اسوأ من ذلك كله هو الاصابة بالالتهابات الرئوية. لان النوبات الربوية تضعف مقاومة الجسم وتسمح للبكتيريا ان تعشعش داخل الرئة فتصاب القصبات بالتهاب رئوي او التهاب القصبات وذلك سيقف لك بالمرصاد اثر النوبات الحادة مدى الحياة. وطبعاً الالتهابات ليس لها علاج سوى المضادات الحيوية. في بادئ الامر كان المعالجون يعطوني كمية 50 مليغرام من الكورتزون وقت دخولي الى المشفى وكورس كامل من المضادات الحيوية اما من خلال الدم او باقراص كي يزيلوا الالتهاب ويهدئون المارد بداخلي بمساعدة دواء الكورتزون ثم يقوموا بتقليص كمية الكورتزون للنصف ثم للربع وهكذا. وللعلم فإن جرعة الكورتزون بهذا القدر (50 ملغم) تعتبر كبيرة جداً لان الجسم يستطيع تحمل جرعة (7.5 ملغم) على امد طويل. ومن خلال كل تلك الزيارات للمشفى من قبل شوفيري الخاص (سائق الاسعاف). بدأت اتفهم مرضي بالمطالعة والبحث بالكتب الطبية بالمكتبات وعبر المواقع الرصينة المعروفة ومن خلال متابعة موقع science daily الذي يحتوي على مئات المقالات والنشرات الطبية لعلماء واطباء مرموقين بمجال الربو. كذلك متابعة النشرات الطبية بمجلة BMC ومجلة BMJ البريطانية والتي يعتبرها اطبائنا العراقيون، دستورهم الدائم. بقيت معلوماتي بمجال الربو بالتحديد تزداد شيئاً فشيئاً. وبتزايد خبرتي بمرضي اصبحت رحلاتي للمشفى بسيارة الاسعاف تتحول من عدة مرات في السنة الى مرة واحدة بالسنة. لانني صرت افهم آلية التعامل مع مرضي ولانني تابعت كماً كبيراً وهائلاً من الابحاث الكلينيكية والدوائية واستمعت الى الكثير من محاضرات لمتخصصين كبار. وبالرغم من كل ذلك فقد كنت ازور المشفى مرة واحدة كل ثلاث اشهر كي يقوموا باجراء فحوصات دورية عن سعة الرئة وعن قوتها من خلال اجهزة متطورة مربوطة بالحواسيب. وكانوا يعطوني نسخة من النتائج بعد الانتهاء منها. كنت اقارن تلك النتائج بالابحاث التي اقرأها من الدارسين بهذا الميدان. فشعرت وقتها انني قد بلغت ذروة المعرفة بمرضي لانني اعرف كل مسببات الازمات وكذلك صرت اعرف كل العقاقير والسبل العلاجية للربوا حتى وقعت الواقعة ولم تنفع معها كل معلومات التي اكتسبتها وكما يقول رب العزة والجلالة، (وفوق كل ذو علمٍ عليم).
كيف وقعت الواقعة؟
في ايلول من عام 2018 قمت برحلة الى اسطنبول لزيارة الاقارب هناك. وكالعادة حملت معي جميع اسلحتي الخفيفة والثقيلة الفتاكة في حقيبتي. فقد عملت حساباً لكل شي قد يحصل هناك. كنت جالساً بالطائرة احمل على كتفي جهاز كهربائي يبخ دواء موسعاً للقصبات لحالات الطوارئ. ومعه الكثير من امبولات الدواء (الكومبيفينت) التي اصبّها بداخله فيخرج رذاذه السحري.
بخاخ النبولايزر موسع القصبات الوزن 400 غرام وحجمه بحجم التلفون الجوال
وكذلك كنت احمل في حقيبتي كل انواع البخاخات التي فكر العلماء باختراعها. وكان اهمها الكورتزون الذي اعتبره طوق النجاة الاعظم والذي كنت اخذه معي على شكل بخاخ (السمبيكورت) وعلى شكل اقراص فاستعمله عندما تفشل جميع العقاقير. كان بصحبتي ايضاً بخاخ (البورودوال). وكان معي نوعان من المضادات الحيوية من الصنف العام والذي يطلق عليه wide spectrum AB وهو نوع يستعمل لاغلب الالتهابات البسيطة. هذه المضادات اخذتها تحسباً لالتهاب رئوي قد اصاب به فيعكر صفو اجازتي. كذلك كنت احمل معي مضاداً حيوياً قوياً ومخصصاً للالتهابات الرئوية الحادة. باليوم الاول من وصولي الى اسطنبول رحب بي اقاربي لان لقائنا ذاك جاء بعد غياب دام 40 سنة. وبالرغم من الحاحهم الشديد بالبقاء عندهم ودعتهم بآخر النهار ورجعت الى الفندق كي انام نوماً هانئاً هناك. استيقظت في صباح اليوم التالي على حالة اختناق شديدة لم اعهدها منذ سنين طويلة. ابتسمت وقلت مع نفس "لا مشكلة، انا محصن بل مدجج بكل انواع الاسلحة الفتاكة". اول شيء قمت به هو استعمال آلة البخ الكهربائية (النبولايزر) لتوسيع القصبات. في العادة يكون تأثيرها فوري وتمنحني الراحة مباشرة بعد استنشاق الابخرة بدقيقتين. الا ان هذه المرة لم يحصل ذلك. بقيت اشكو من الاختناق وضيق التنفس. علمت وقتها انني امام حلين لا ثالث لهما، اما ان اتصل هاتفياً باقربائي لتأجيل (المقلوبة) او ان اكثف من معالجة نفسي كي اتحسن واذهب الى نداء المقلوبة الذي لا يعوض. هنا قمت بوضع المزيد من موسع القصبات بداخل المضخة الكهربائية وقمت باستنشاق جرعة اضافية منه. بعد الانتهاء من تلك الجرعة ايضاً لم احضى بالنتائج التي كنت اعهدها من خلال استعمال موسع القصبات. استنتجت في حينها انني اعاني من التهاب رئوي لانني صرت اسمع ازيزاً صادراً من صدري وصرت الاحظ خروج البلغم الداكن الخضرة. " لا، لا، لا، هذا يعني اسلحة اثقل بكثير" فتحت الحقيبة العجيبة التي تحتوي على العقاقير واخرجت منها مضاداً حيوياً خفيفاً من الطيف الواسع wide spectrum. تناولت حبة منه وبرمجت نفسي كي اخذ الحبة الثاني والثالثة بعد كل 8 ساعات. كذلك قمت بتناول 25 ملغرام من حبة الكورتزون. توقعت انني ساشعر بارتياح فوري لكن ذلك لم يحصل ابداً. ماذا يجري معي يا ترى؟ هل الغي اجازتي واركب طائرة لاعود الى الدنمارك كي اطلب النجدة من طبيبي الاخصائي الذي بقي يعالجني لعقدين من الزمان؟ ام احاول الانتظار حتى يبدأ مفعول الكورتزون والمضاد الحيوي بالعمل؟ كنت خائفاً على حياتي ومحبطاً بنفس الوقت لانني في السابق كنت اظن انني اجلس على كرسي القيادة وانني لن اذهب الى المشفى ثانية ممتطياً سيارة الاسعاف طالما حييت. لكنني الآن بدأت اشعر بقلة الحيلة والضعف امام المارد الذي خرج من القمقم من جديد ويأبى الرجوع اليه. ماذا تعمل يا احمد؟ ماذا تعمل يا احمد؟. جائني الجواب من خلف الستار وقال، "عليك بالمقلوبة". ركبت سيارة اجرة وانطلقت بها الى منطقة (بويلوك دوزو) حيث يسكن اقربائي، كنت وقتها اجرجر باقدامي وادفع رئتي دفعاً كي اسحب انفاساً حتى استطيع من خلالها البقاء على قيد الحياة. لكن حرماني من تلك الوليمة الرائعة قد يسبب لي الموت بالحسرة والالم لذا قررت مواصلة حياتي بالرغم من كل شيء في امل ان يقوم المضاد الحيوي والكورتزون بتحسين حالتي بصورة تدريجية وببطئ شديد. فور وصولي لمنزل اقاربي لاحظوا عليّ حالتي وعلموا ان صحتي لم تكن على ما يرام. نصحوني بالذهاب الى المشفى لكنني كابرت وابيت واخبرتهم ان كل شيء كان تحت السيطرة وان الاطباء بالمشفى لا يعلمون عن مرضي اكثر مني. لكن الحقيقة مغايرة لذلك تماماً.
لا اريد الاطالة عليكم، مرت فترة الـ 11 يوماً في اسطنبول بصعوبة كبيرة جداً، كنت اقرب شيء الى توديع تلك الحياة من الاستمتاع باجازتي السنوية بحيث قضيت اغلبها قابعاً بسريري بالفندق واخلق الاعذار لاقاربي واقول انني كنت ازور الجوامع الاثرية. اخيراً حان موعد الرحيل فركبت الطائرة ورجعت بها الى الدنمارك وانا اسحب انفاسي بصعوبة كبيرة. وصلت الدنمارك يوم الاحد وفي اليوم التالي تماماً قمت بالاتصال بطبيبي الاخصائي فطلب مني الحضور الى المشفى فوراً. لما وصلت عيادته، استقبلني البروفسور اولريك وبدأ يعالجني بابتسامته العريضة المهدئة للاعصاب وصار يسألني عن النوبة التي اصابتني باسطنبول وكيف عالجتها. فشرحت له كل العلاجات التي قمت بتناولها فعلق عليها وقال انني سلكت المسلك الصحيح وما عليّ سوى الصبر وزيادة جرعة الكورتزون من 25 مليغرام الى 50 مليغرام واستبدال المضاد الحيوي من الضعيف الى القوي التخصصي للرئة (بيوكلافيد 500ملغم). مع الاستمرار باخذ بخاخات موسع القصبات عبر المضخة متى ما شعرت بضيق التنفس. كذلك قال، ليس هناك داعي لادخالي المشفى لانني اتعاطى العقاقير الصحيحة وبجرعات دقيقة لذلك ما عليّ سوى الصبر حتى تنحل ازمتي وتتحسن حالتي رويداً رويداً. قال ايضاً ان حالتي الشديدة المزمنة تستدعي علاجاً تجريبياً جديداً نزل للمشافي قبل فترة قصيرة وهو عبارة عن 6 ابر تعطى ابرة واحدة بالوريد بداية كل شهر. وافقت على تلك الابر وابديت استعدادي لاخذها دون تردد فطلب مني المجيء كي اتلقاها باليوم التالي الثلاثاء. شعرت وقتها ان الدكتور قد أخرج عصاه السحرية من جيبه وأطلق عليّ تعويذة حتى يعالجني ويخلصني من تلك الازمة اللعينة او ان يقوم بتخفيف حدتها على اقل تقدير. ولسوء حظي بعد 3 ايام تلقيت رسالة الكترونية من نفس البروفسور يخبرني فيها انه احيل على التقاعد وانه لم يعد طبيبي المختص. بينما كنت اقرأ تلك السطور شعرت وكأنني تلقيت حكماً بالاعدام. ما الحل؟ كيف ساتصرف؟ من سينقذني بالمستقبل؟ كيف يتقاعد في خضم ازمة اصابتني ولم يتم حلها بعد؟ لقد تعودت على ذلك الطبيب الذي واكب مرضي في غضون 18 سنة. بالمختصر كتبت له رسالة معبراً فيها عن حزني والمي نبأ تقاعده عن العمل وابديت املي في ان يكون بديله متفهماً لحالتي كما كان هو في السابق. بقيت انتظر واعاني لمدة اسبوعاً آخر والحالة بقيت على ما هي عليه ولم تتحسن بقيد انملة حتى اتصلت بالمشفى وسألتهم عن الطبيب الجديد فقالوا لي ان الطبيبة الاختصاصية الجديدة اسمها لوسيلا وهي من بيرو. طلبت مقابلتها باقرب وقت ممكن فاعطوني موعداً خلال ستة ايام. خلال تلك الايام الستة كنت استعمل آلة البخ لموسع القصبات اكثر من 12 - 18 مرة باليوم كذلك استيقض من نومي بالليل لاستعمل الآلة اكثر من خمس مرات. وبالنهار كنت اعمل جاهداً كي لا اتحرك كثيراً حتى اتمكن من البقاء على قيد الحياة لحين يأتي موعدي مع الطبيبة الجديدة. في تلك الفترة كنت اذا مشيت 3 او اربع امتار اصاب بضيق في التنفس. وبما نني اعيش وحدي فقد اصبح طهي الطعام امراً عسيراً جداً. اما الحمام فهو مصيبة المصائب، لا يسعني ان اصفها لكم سوى بكلمة واحدة (جحيم احمر). كان اولادي يتصلون بي هاتفياً باستمرار كي يطمئنوا على حالتي. اذكر ان ابنتي البكر بكت باحدى المرات لما سمعت صوتي. فقد استشفت سوء حالتي من خلال حديثي معها بالرغم من محاولتي طمانتها واخفاء حالتي المتردية. من غير اطالة، في اليوم الموعود سحبت نفسي بصعوبة وقمت بقيادة سيارتي الى المشفى لالتقي بالطبيبة الجديدة لاول مرة. وجدتها سيدة اربعينية في غاية الجمال رشيقة قصيرة القامة ترتسم ابتسامة مريحة على وجهها بكل الاوقات. دخلت عليها وحييتها بلغتها فاصيبت بالدهشة لانها لم تتحدث بالاسبانية منذ ان وصلت الى الدنمارك قبل سنتين. جلست امامها ورحت اشرح لها حالتي منذ ان اصبت باول نوبة عام 1999 وحتى تلك اللحظة. اخبرتها عن نوبتي الجديدة باسطنبول وعن زيادة جرعة الكورتزون التي اقترحها علي البروفيسور اولريك والتي لم تعد تفي بالغرض. قالت ان ذلك يشير الى وجود التهاب رئوي حاد جداً. طلبت مني تسليم عينة من البلغم للمختبر وعلى غرارها ستقوم بوصف علاجي بشكل أنجع. طلبت مني كذلك ان اواصل على اخذ تلك الابر الغالية الثمن كل شهر. خرجت من عندها ودخلت المختبر بنفس المشفى لاعطيهم العينة ثم رجعت ادراجي الى المنزل. بعد يومين اتصلت بي الطبيبة واخبرتني انها ستقوم بوصف مضاد حيوي جديد طويل الامد يدعىAZITHROMYCIN 500mg ساتناول منه نصف حبة ثلاث مرات بالاسبوع. فابديت احترازي من تناول المضاد الحيوية على المدى الطويل الا انها اكدت لي ان هذا المضاد هو اختراع جديد وليس فيه مضاعفات جانبية وبالامكان تناوله على فترات طويلة جداً. بدأت بشائر الامل تدب بقلبي من جديد و توجهت فوراً الى الصيدلية كي اقتني هذا الدواء الجديد. رجعت البيت واخذت النصف حبة الاولى ثم انتضرت حتى الاربعاء وتناولت الثانية وهكذا. استمريت باخذ الابر السحرية مرة كل شهر لمدة ستة اشهر الا ان حالتي بقيت على ما هي عليه وبقيت اتحرك ببطئ شديد بحيث لا يسعني السير سوى بضع امتار داخل شقتي وبعدها أخُرّ جالساً وكأنني هرولت خمس كيلومترات. حتى الوضوء كنت اقوم به بصعوبة كبيرة واادي صلاتي جالساً دون ان انطق بالسور بصوت مسموع. وحتى الكلام بالهاتف كان يتعبني كثيراً إذ كنت اتحجج لمهاتفي بانني مشغول كي انهي المكالمة على عجالة. بعد ان اكملت جميع الابر الستة للاختراع الجديد خلال ستة اشهر وبعد ان تناولت طناً من ذلك المضاد الحيوي الطويل الامد، ذهبت وقابلت الطبيبة مرة اخرى. جلست بعيادتها وطلبت منها ان تمنحني الوقت الكافي كي استرد انفاسي قبل ان ابدأ بالحديث. ولما تكلمت قلت لها ان الابر لم تأتي باي نتيجة. احتارت المسكينة كثيراً وسألتني قائلةً، "ما العمل؟ ماذا تقترح عليّ ان افعل؟ هل لديك اقتراح؟" فقلت لها يا سيدتي الجميلة، انا مهندس وانت طبيبة. كيف تسألينني ما العمل؟ انت التي يجب ان تعالجيني لانني مريض. لقد قمت بتناول كل العقاقير الصحيحة ولم تأتي اكلها فما العمل؟ هزت برأسها ثم نظرت بوجهي مفتوحة الذراعين وقالت No sé بمعنى "لا اعلم". عرفت وقتها انني اطرق رأسي بجدارٍ من حجر وان الاطباء انفسهم عجزوا عن معالجتي. رجعت الى بيتي ينتابني خوف كبير وانا محبطٌ وكانني يجب عليّ حجز بقعة ارض في مقبرة قريبة (لا بعيدة لانني لا اقوى على السير طويلاً). كيف تطلب مني المشورة وانا باضعف حال؟ كان يدور برأسي مثل مصري يقول، (جيبتك يا عبد المعين تعين لقيتك يا عبد المعين تتعان). وقتها تذكرت حديث اختي الكبرى حين قالت، (يجب على الانسان ان يكون طبيب نفسه). ولكن كيف - كيف - كيف؟
بتلك الليلة اتصل بي ابني يحيى والذي لديه ماجستير بالاحياء ومتخصص بعلم الجينات. سألني عن نتيجة لقائي مع طبيبتي الجديدة فكان جوابي (كانك يابو زيد ما غزيت) يعني تيتي تيتي مثلما رحتي جيتي يا ولدي. لا تغيير بحالتي ولازلت لا اقوى على جر انفاسي. كان وقع هذا الكلام على ابني شديداً وشعرت بحزنه من خلال نبرة صوته على الهاتف. وجم قليلاً ثم قال، "يا ابي لماذا لا تتوقف عن استعمال دواء موسع القصبات الذي تستعمله من خلال جهاز الضخ الكهربائي؟ ربما يكون هو السبب". قلت له، هل جننت يا حبيبي؟ اذا توقفت عن ذلك ساموت فوراً. قال ربما يقوم هذا البخاخ بادخال الماء الى رئتيك فعيقك الماء عن التنفس. لماذا لا تجرب موسعات للقصبات الغبارية؟ وافقته الرأي وقتها اثناء سياق الحديث ولكن بداخلي لم اكن مقتنعاً باقتراحه. لكنكم تعلمون جيداً ان الغريق يتشبث بقشة عندما يشعر بقرب اجله، لذا ذهبت الى صيدليتي بغرفة النوم وبحثت بها عن احدى البخاخات الغبارية فوجدت واحداً قديماً قد انتهت مدة صلاحيته قبل شهر تقريباً ويدعى (بريكانيل). مع ذلك استعملته بدلاً من البخاخ الكهربائي فلم اشعر باي تحسن. اصريت على استعماله لمدة يومين وتركت آلة البخ علني اجد راحة لحالة الاختناق الدائم التي امر بها الا ان شيئاً لم يحصل. بدأت افكر بكلام ابني ملياً حينما قال "ان بعض الماء يكون قد دخل الى رئتيك". بالطبع يدخل بخارالماء والرطوبة الى رئة الانسان بشكل طبيعي لكن الرئة معدة بتصميمها ان تتاقلم معه وتتخلص منه من خلال الزفير. بدليل اننا لو نفخنا على زجاجة النظارة نلاحض تكثف بخار الماء قوقها وهذا البخار كان كامناً بداخل الرئة. لكن رئتي ضعيفة وعاجزة عن التخلص من الماء الكامن بداخلها لانني اعاني من الربو وذلك الماء بات كالمستنقع ليصبح مرتعاً لتكاثر البكتيريا التي تسبب الالتهابات. بدأت اسأل نفسي هذا السؤال، كيف استطيع تجفيف رئتي من الماء إن كان الماء هو السبب في اختناقي؟ ربما كان ابني على صواب بشكوكه وهو بآخر المطاف ليس انساناً عادياً، فقد قضى سنين طويلة بتجاربه المخبرية ولم يحصل على الماجستير عبطاً. دعني اجد شيئاً يجفف رئتي. كيف - كيف - كيف يا احمد؟ هنا خطرت لي فكرة غبية لكنها متأتية من انسان يائس ينتظر وصول الموت. الفكرة كانت رغم حماقتها تتلخص بتوجيه مجفف الشعر (الشسوار) باتجاه فمي وانفي واستنشق الهواء الجاف من خلاله علني استطيع تجفيف الماء الذي بداخل رئتي (فقط إن كان هو السبب!). نفذتها كتجربة يائسة ولم اكن متأكداَ من نجاحها لكنني تفاجأت كثيراً لانني بدأت اشعر بتحسن كبير وملحوظ (فوراً) نعم فوراً. فانا لم احظى بنفس عميق منذ ما يقرب من سنة كاملة. يا الهي هل هذا ممكن؟ هل يكون ابني قد وضع اصبعه على الحل؟ لماذا لم اتحدث مع يحيى قبل ذلك؟ لقد انقذني باقتراحه الرائع. ولكن دعني لا استبق الاحداث. ربما كان ذلك شفاءاً مؤقتا وقد ارجع الى حالتي بعد قليل. صرت استعمل مجفف الشعر لبضع ثوانِ كلما شعرت بضيق النفس فاحصل على حصتي من الارتياح اثر رجوع التنفس الطبيعي بصدري. جلست امام معلمي الاكبر (الگوگل) ورحت ابحث عن آلة تجفف اجواء الغرفة. لقيتني اقحم نفسي بعالم واسع، كبير، غائر وعميق. وجدت ان الاسواق ملئى بالات التجفيف للاوساط. تعلمت اسمائها بشكل جيد بعدة لغات، فبالانكليزية اسمها dehumidifier وبالدنماركية اسمهاaffugter وبالالمانية Luftentfeuchter. صرت اتتبع مواصفاتها واسعارها فعلمت ان عملها يقتصر على سحب الرطوبة من الغرفة بقدرة 6 التار باليوم. هل يعقل هذا ؟ يا الهي 6 التار باليوم؟ هذا شيء عظيم جداً. لكن المفاجئة جائت عندما وجدت ان هناك آلات بقدرة 10 و12 وحتى 20 لتراً باليوم. لكن اسعارها كانت مرتفعة جداً ويصل ثمنها بالاسواق المحلية الى 1000 دولار او اكثر. هنا استغليت خبراتي الكومبيوترية ودخلت على الفيسبوك حيث بالامكان الحصول على اجهزة مستعملة من هذا النوع في Marketplace. وعندما كتبت مجفف الجو بالدنماركية affugter ظهرت لي عشرات الاجهزة بقدرات 8 و 10 لتر باليوم الواحد، وباسعار متهاونة جداً. وقع اختياري على واحداً منها بقدرة 10 التار باليوم وكان معلناً بسعر 250 كرون دنماركي اي ما يعادل 35 دولار فقط، مع ان سعره الاصلي كان 70 دولاراً. يا الهي لا اصدق ذلك. مشكلتي ستحل ب 35 دولار، ايعقل ذلك؟. كنا نقرأ بالستينات بمجلة حواء (سيدتي مشكلتك لها حل) والآن الحل سقط بحجري مقابل 35 دولار.
جهاز تجفيف هواء الغرفة ارتفاعه 50 سم ووزنه 22 كغم
اتصلت باقرب صديق لي وهو عراقي شهم اسمه ابو محمد وطلبت منه ان يأتي معي لانني اتفقت مع السيدة المعلنة عبر الهاتف لشراء جهازها واخبرته انني ضعيف جداً ولا اقوى على حمل الجهاز بنفسي. جاء معي مشكوراً وقمنا بشرائها من السيدة ثم عدنا ادراجنا فرحين. ادخلها صاحبي الى صالة شقتي وتمنى لي الشفاء العاجل ثم رحل الى بيته. ربما كان صاحبي يعتقد انني مجنون لانني كنت اظن ان هذا الجهاز سيمنحني الشفاء. لكنه لم يقلها احتراماً لمشاعري.
بدأت بتشغيله فوراً وصرت انتظر النتيجة. لم تمر سوى 10 دقائق وصارت حالتي تتحسن شيئاً فشيئاً على مرور الدقائق (وليس الساعات) اقسم بالله دقائق فقط. وكانني اوجه مجفف الشعر صوب انفي وفمي وبعد حوالي 8 ساعات من عمل الجهاز اخرجت الخزان الازرق الشفاف بمقدمة الجهاز لاجد فيه ما يقرب من لتر ماء. هل يعقل ذلك يا ناس؟ لتراً واحداً سحبها الجهاز من جو صالتي؟ اين كان كل هذا الماء؟ هل كان مشبعاً بجو صالتي دون ان اعلم؟ احقاً كنت استنشقه فيجلس كالضيف الثقيل بداخل رئتي الربوية المعلولة؟ بدأ تنفسي يعود شيئاً فشيئاً نحو الاعتيادي. اول شيء قمت به هو صلاة ىشكر لله لانه الهمني كي اصل الى اكتشافي هذا ثم فكرت بولدي يحيى فاتصلت به هاتفياً واخبرته عن جهاز تجفيف الهواء. طبعاً كاي عالم قال يجب ان تجري الكثير من الابحاث والتجارب عليه وان تحاول ان تجعل الكثير من مرضى الربي يجربوه قبل ان تجزم بفاعليته يا ابي فايدته تماماً. بالايام التي تلت صرت اشغل ذلك الجهاز طوال اليوم ثم انقله من صالة الجلوس الى غرفة النوم واقوم بتشغيله هناك طوال فترة نومي. شيئاُ فشيئاُ بدأت صحتي تتحسن ويكاد الربو يزول مني تماماً. بالبداية صرت اسير لعدة امتار دون الحاجة لاستعادة انفاسي. صار الاستحمام امراً يسيراً. اصبحت اخرج للسير في الحديقة لفترات قصيرة. صدقوني إذا اخبرتكم اليوم وبعد سنتين صرت استعمل بخاخ موسع القصبات الكهربائي مرة واحدة باليوم واحياناً مرة كل يومين او ثلاثة. اليوم امارس رياضة المشي والدراجة الهوائية الثابتة كل يوم. الآن وبعد مرور اكثر من سنتين اسير لما يقارب من 3 الى 4 كيلومترات يومياً نعم يومياً ولا اشعر بالتعب نهائياً فاتذكر الايام الكئيبة التي كنت لا اقوى بها على السير سوى بضعة امتار. لم اتناول مضادات حيوية منذ آخر ازمة في آب 2019 ولم اصب بنوبة للربو منذ ذلك الحين . صرت انام نوماً عميقاً دون انقطاع لما يقرب من 8 ساعات يومياً. ولما حلت 2020 السنة التي وُصِفَتْ بالسنة الشريرة بسبب جائحة كورونة، كانت بمثابة علاج كبير لي لانني قضيت اغلبها بداخل المنزل اتنفس هوائاً جافاً. هنا سألت نفسي، هل انا الوحيد بالعالم ممن يعانون من الربو الحاد الذي قد يعالج بالمجفف الهوائي؟ لم اجد اي جواب بالمواقع الطبية الرصينة ولم اجد احد من الاطباء يستطيع الرد على تسائلاتي. لذا قررت ان اوسع دائرة معرفتي. فجأة علمت ان اختي التي تعيش ببريطانيا لديها صديقة عزيزة عليها تعاني من حالات الربو الحادة وان عقاقيرها لم تعد تجدي نفعاً. قلت لنفسي دعني انصحها باكتشافي علها تستفيد من تجربتي. شرحت لاختي كل ملابسات الموضوع واعطيتها الروابط لاجهزة تجفيف الجو في المتاجر على الانترنيت. فقامت اختي بدورها على توصيل تلك المعلومات الى صاحبتها. دون ادنى تردد قامت تلك السيدة الفاضلة استناداً الى نصيحتي بشراء جهاز مجفف للهواء من بريطانيا. وصارت كلما تستعمله تقوم بالدعاء لي بالخير وهذا هو ما اريده صدقاً. لكن تجربتان لا تكفي لذلك صرت اشرح للناس عن تلك الاجهزة اينما جلست. وبالصدفة اتصلت بي احدى السيدات العراقيات من السويد تشكوا لي من الاختناق الرئوي. فاسرعت بشرح طريقة مجفف الشعر وقلت لها اذا شعرت بارتياح فوري فقومي بشراء مجفف للهواء ففعلت السيدة ما طلبت منها واتصلت بي بعدها لتشكرني على نصيحتي لانها كانت تشعر بالاختناق الشديد والآن صارت حالتها افضل بكثير.
تحيليل الحالة والعلاج: عزيزي القارئ، انا انسان مولود في العراق ببيئة جافة لذلك تأقلمت رئتي على ذلك الجو الجاف. ولما انتقلت الى الدنمارك البلد الذي يسبح ببحر من الرطوبة الشديدة التي تصل الى نسب مخيفة فان تلك الرطوبة قد بدأت تضعف جهاز التنفسي عندي وتجعله عرضة لنشاط مرض الربو. تذكروا ان اول مرة اصبت بها بازمة ربو في الدنمارك كانت عندما رحت اتمشى بالغابة اي بجو مشبع بالرطوبة. وهذا ما ضغط على الزناد الذي اطلق الشعب الرئوية بالتحور واستضافة مرض الربو اللعين. وكما اسلفت سابقاً. اكتشافي هذا ربما سوف لن ينفع جميع مرضى الربو لكنه بالتأكيد سيكون السند المعين لؤلئك الناس الذين انتقلوا من بيئة جافة الى بيئة رطبة. وما الضرر في تجربة مجفف الشعر؟ انها لا تكلف شيئاً. جربوها واعلموني بالنتيجة.
هناك من يسألني: انت كنت تعاني من الربو سابقاً والآن لا زلت تعاني منه فما هو الجديد بالامر؟ اجبته بانني وجدت طريقة لتجفيف الرئة. لقد عانيت 20 سنة من ذلك المرض اللعين وتمكنت من خلال بعض العقاقير ان اهدئه واتصرف بموجب ازماته. الا ان الشيء الذي استجد الآن هو عدم قدرة جسدي على تحمل الماء الذي يدخل الرئة فوجدت سبيلاً للتخلص من ذلك الماء. لقد تحولت من انسان بائس ينتظر الموت الى انسان يستبشر بالحياة كي يواصل المسيرة حتى يحين الاجل. الماء هو اهم مادة بالحياة. وعندما ينظر العلماء في اجهزتهم المعقدة الى النجوم والاجرام السماوية ويرون اثار الماء فانهم يستبشرون ويقولون ان هناك امل بوجود حياة على ذلك الكوكب. الماء كذلك بامكانه ان يغرق الانسان ويأخذ اجله خلال دقائق. والماء كان يغرق رئتي ويجعلني انازع. اكتشافي هذا قد يفيد بعض المرضى من الغير الربوين كذلك ممن تتجمع المياه برئاتهم فتجعلهم يتنفسون بصعوبة. وهذا ما دفعني للكتابة عن اكتشافي الكبير.
وقد يسألني آخر ويقول: هل هذا يعني انك اصبحت حبيس الدار ولا تقوى على الخروج الى الخارج مدى الحياة مخافة ان تمتلئ رئتك بالماء مجدداً؟
فاجيبه لا والف لا. عندما تصبح الرئة جافة تماماً كما هو الحال عندي الآن فبامكاني ان اخرج وامارس حياتي بشكل طبيعي وبامكاني كذلك السفر الى الخارج بمناطق شديدة الرطوبة مثل اسطنبول وغيرها. لان ازمة الماء في الرئة هي ازمة تراكمية اي انها تتطلب زمناً طويلاً جداً كي تصبح مهددة لحياة الانسان. لذلك فإن شهر او شهران بالاجازة من دون مجفف للهواء سوف لن ترجعني الى نقطة الصفر. وفقط للعلم فإن هناك مجففات للاجواء صغيرة الابعاد لا يزيد وزنها عن كيلوغرام واحد بامكانك وضعها بحقيبتك لتأخذها معك اينما ذهبت وتستعملها هناك في الفندق اثناء فترة نومك بالليل. فقط ابحث بالانترنيت لتجد مئات الانواع والاحجام والقدرات.
طلب : بالختام لدي طلب خاص من أولئك القراء الذين قد يستفيدوا من مقالي هذا، هو ان يقوموا، اما بالتعليق المباشر على هذه المجلة او ارسال رسالة الكترونية على عنواني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.. كي اثري الاحصائية واعمم الفائدة لمجموعة اكبر من الناس. وارسلها للمواقع الطبية الرصينة.
والله ولي التوفيق.
2046 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع