د. يسر الغريسي حجازي
إيقاظ الوعي
"الوعي عند الانسان، هو فضيلة تسمح بمواجهة التحديات اليومية بشكل أفضل، وإيجاد الحلول المناسبة. أن يعيش الانسان في كامل وعيه، يمنحه: التعرف على ذاته، واستيقاظ كل حواسه، والتعرف على مشاعر من هم من حوله وكيفية التعامل معهم. ان الوصول إلى الوعي الكامل يتطلب الانضمام إلى الابعاد الروحية، ونور البصيرة للعيش في نعيم".
تحدد حالة الوعي، تصورات البشر وتفسيرهم للأشياء التي يرونها. كيف يعمل العقل؟ من منا لم يطرح هذا السؤال علي نفسه؟ كيف نتلقى المعلومات وكيف نفسر ما نراه؟ الآلية تشبه تمامًا الحاسوب الذي يعالج البيانات ويحللها، وفقًا للتكوينات التي تقدمها وحدة المعالجة المركزية. وتتحول البيانات إلى معلومات حساسة، للتعديل، أو المشاهدة، أو القراءة، حسب توجيهات المستخدم. يمكن للمستخدم اختيار تعديل، أو نسخ، أو نقل، أو حذف البيانات من خلال المستندات، أو الملفات، أو مقاطع الفيديو. يحدث الشيء نفسه مع أذهاننا، عندما يمثل العقل الأشياء بعد جمعها وتعيينها. كما تعمل هذه الظاهرة العقلية وفقًا للحواس، والإحساس بالوحدة، والهوية الذاتية.
في مفهوم الوعي، يكون البشر قادرين على التحكم في أنفسهم وإدارة عواطفهم، دون الإضرار بالآخرين. ومع ذلك، فإن الشخص الذي يجهل أفعاله، يكون مخدرًا أو نائمًا.
وفقًا للعالم والفيلسوف الفرنسي ريني ديكارت (1637)، في كتابه "المنهج علي طريقة" فإن الوعي المستيقظ يسمح بالمعرفة، ويرفع الإنسان فوق الحيوان. وهذه الحالة العقلية تخلو من كل براءة، بل تستجيب لطبيعة الإنسان. كما انها تسمح بالوصول الي الوعي وتنظيم المشاعر، واستجواب الذات، والتفكير العميق، وتقييم الأحداث قبل اتخاذ أي إجراء. لذلك، فإن الضمير هو بمثابة استجابة لأفعالنا، لأنه يسمح لنا بمعرفة مدى استعدادنا لتحمل مسؤولياتنا. واليقظة تظهر لتقييم الذات، ومعرفة تأثير أفعال الفرد على الاخرين. تعمل فلسفة ديكارت في عالم الحقيقة، بطريقة الانتقال من الشك إلى الاقتناع من خلال حالة الوعي. بالنسبة له، تمثل الميتافيزيقا الوعي الذاتي حول موضوع التفكير كما إن اليقين هو الخط الأول بالنسبة لديكارت، وهو الذي يحدد عبارته الشهيرة "الكوجيتو"، مثل: "انا أفكر، إذن أنا موجود" وهي النية المحددة. ويستكشف ديكارت في كتاباته عن ديناميكية روح الإنسان، وقدراته العقلية، وقوة خياله في الجمع بين الأحداث وإضفاء المعنى اليها. و يؤكد انه من اللحظة التي ندرك فيها أفعالنا، نصبح "مسؤولين" عنها. حتى أن ديكارت كتب 21 قاعدة لتوجيه العقل، بحيث يصدر أحكامًا صلبة وصحيحة حول أي شيء يأتي في طريق الانسان. ويقول ان عند دراسة موضوعا ما، يجب ألا نفكر بما يفكرون به الآخرون حول الموضوع، وان لا نشك بأنفسنا. لكن علينا السعي وراء ما يمكننا رؤيته بوضوح وبدليل، أو باستنتاجيه على وجه اليقين. هذه هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى العلم، مع الحاجة إلى البحث عن الحقيقة. يرى علماء النفس، أن اليقظة الذهنية تساهم في تحسين التركيز وتعزيز التجربة. وتسمح بإيجاد حلول إرشادية، وانفتاح يسمح بالتكيف مع العالم الخارجي والانسجام في أفكارنا. كما تستخدم اليقظة أيضًا، في العلاج السلوكي الجدلي (لينهان، 1993) لإدارة العواطف وذلك للأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات في الشخصية. تتركز هذه الطريقة على استراتيجيات التغيير والقبول بالحقيقة، والتكيف مع الوضع الذي يعيشونه..
وذلك ما يزيد في قدراتهم على إدارة الحياة اليومية على أحسن وجه. وبعدها، تتغير سلوكهم اتجاه البيئة التي يعيشونا فيها ويبدؤون بحياة جديدة وأفضل من السابق.
في الواقع، تساعد زيادة القدرات الذهنية على تخيل الأفكار، والعواطف، والاحاسيس. ويتم ذلك، بالتنسيق مع الحركة والتنفس. بعض تمارين التأمل على سبيل المثال: رياضة "اليوجا"، و"الفنغ شوي" على طريقة التأمل والتفكير تمنح الوصول إلى الوعي الكامل لمعرفة كيفية التمييز بين الحقيقة والخطأ. ان العيش في توازن مع الضمير، يعني أيضًا أن نعيش بسلام في البيئة التي ننتمي اليها. من الواضح أنه بمجرد تطور اليقظة، يظهر ضوء يبهر العقل. ان هذا النور يبعد من عقل الانسان كل سبل الضغط ،والسلوكيات الشاذة التي تؤدي مباشرة إلى اختلال التوازن النفسي لدى الانسان.
لكن الشيء المهم في التفكير حول الوعي، هو عدم الخلط بين الوعي الذاتي ومعرفة الذات. في الواقع، أن يكون المرء مدركًا لذاته هو معرفة وجوده ومعرفة أن العالم موجود دون أن يكون قادرًا على معرفة نفسه بشكل مطلق..
على الرغم من وجود الضمير، يمكن أن نكون مخطئون بحق أنفسنا. ليس لأننا متأكدون من الوجود، بل بالتأكد من معرفة من نحن؟ عرّف ديكارت الوعي بأنه "مادة" كاي مادة في الجسم. بينما الوعي مادة غير مادية. ان اليقظة عند الانسان مهمة، لأنها تجعله مسؤولاً عن أفعاله، تمامًا كما تحدد وجوده وكرامته، ومصداقيته بين اهله ومجتمعه. عند بلوغ الوعي بالكامل، سيتمكن الإنسان من الوصول إلى الأبعاد الروحانية والإنسانية العالية، والاعتراف بالإيمان وقيم الوحدة بين الأفراد..
1367 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع