الحصاد المر للديمقراطية العراقية

                                                   

                           قاسم محمد داود

الحصاد المر للديمقراطية العراقية

الديمقراطية تكاد تكون مستحيلة في مجتمع جاهل أو أمي، وهذا يعني أن من الصعب تطبيق الديمقراطية في جميع المجتمعات بلا تفرقة فهي في رأي البعض شكل خاص من أشكال النظم السياسية التي تحتاج إلى مجتمع معين. لذلك فإن من ينادون بالديمقراطية لدى الشعوب المتخلفة، والمتجذر في ثقافة أفرادها الانتماء الطائفي قبل الوطني، فستكون الديمقراطية حتماً وسيلة فساد وإفساد لا آلية تحضر ومدنية. ومهما أغرقنا في تلميع كلمة "ديمقراطية" فهي تبقى حبر على ورق طالما أنها تختصر في الصناديق الانتخابية بل إن الأمر يتجاوز ذلك، حتى أننا نجد بعض الدول لا تحكمها الصناديق لكنها أعدل حكماً أو لنقل أقل ظلماً من بعض الديمقراطيات التي أريد لها أن تكون ملهاة للشعوب.
صحيح أن الديمقراطية في أوربا أمريكا يضرب بها المثل عطفاً على ما توفره من حرية وسلاسة في تداول السلطة لكن ذلك لم يحصل بين يوم وليلة، بل إن الديمقراطية تتخذ سلماً هرمياً وكل مؤسسة تحترم الأخرى. فالقضاء هو السلطة الأعلى، وكل المؤسسات الدستورية تراقب بعضها وتحافظ باستقلاليتها حتى لا تكون فتنة ويكون الأمر أغلبه للشعب. ومع ذلك فإن الفساد دائماً يشق طريقه رغم كل هذا التنظيم الصارم للمؤسسات.
هذه المقدمة تمهيد للحديث عن العراق الديمقراطي الذي رسمت دراسة أعدها معهد democracy) (open،(الديمقراطية المفتوحة) صورة قاتمة عنه فقد ذكرت الدراسة إن الديمقراطية على النمط الغربي فشلت في العراق، مما تسبب بقيامة اقتصاد بائس وحكومة غير فعالة، والمزيد من المعاناة للعراقيين. وجاء في الدراسة المذكورة ان عراق العام 2021 ما يزال يعاني من الفقر والظلم وصدمة الخسارة الكبيرة في الأرواح والعيش مع الخوف اليومي، ويعاني العراقيون من إحساسهم بالعجز والهزيمة والأذلال. وتذكر الدراسة أن مرصد "أحصاء الجثث في العراق" وثق حتى الآن أكثر من 208.800 حالة وفاة بالقتل لمدنيين منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003، غالبيتها حدثت بعد أن أصبح العراق ديمقراطية في العام 2005. وتذكر الدراسة ان الحكومات المنتخبة ديمقراطياً في العراق، وبدعم من التحالف الأمريكي البريطاني الذي غزا واحتل العراق، قتل حتى الآن في إطار "الحرب على الإرهاب" أكثر من أربعة آلاف مدني من خلال القصف والهجمات لسحق التمرد، مضيفتاً أن قوات الشرطة والميليشيات التي تدعمها، قتلت مئات المتظاهرين في جميع انحاء العراق، فيما سمحت الحكومات العراقية بقتل آلاف آخرين في غارات جوية شنتها قوات التحالف او الميليشيات المدعومة من إيران.
والملاحظ أن أغلب أعضاء الطبقة السياسية في العراق لا يؤمنون بالديمقراطية كنظام وممارسة؛ فجماعات "الإسلام السياسي" التي تقود الدولة تتبنى فكراً إسلاموياً طائفياً، وهذا ما يتعارض مع التأسيس الصحيح للديمقراطية. أضف إلى ذلك فإن تحليل السلوك الذي انتهجته القوى الإسلاموية التي تولت البلاد بعد 2003 يكشف عن عدم أيمانها بدولة المؤسسات ومبدأ الفصل بين السلطات الذي يعد أساس النظام الديمقراطي، فضلاً عن صعود الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية والدولة ونظامها الذي رسخته القوى السياسية، مما غيب مبدأ مساواة الجميع أمام القانون وفي الحقوق والواجبات. وبالإضافة إلى ما تقدم، شكلت الأحزاب التي أمسكت بعملية صنع القرار، عبئاً كبيراً، بل وتسببت في نشوء الصراعات والأزمات واستشراء الفساد والصراع الداخلي وأسهمت في تأخير محاولات مراكمة العمل الديمقراطي في العراق.
الانتخابات العراقية ــ والكلام هنا للدراسة المذكورة ــ منذ بدايتها، شابها أعمال عنف وتزوير واحتجاجات وفي 22 كانون الأول العام 2005، أي صدور النتائج الأولية للانتخابات، طالبت قوى سنية وشيعية بتدقيق دولي في الشكاوى المتعلقة بتزوير الانتخابات، وهددت بمقاطعة البرلمان الجديد، كما اندلعت تظاهرات كبيرة في جميع أنحاء العراق حيث قال متظاهرون ان الانتخابات زورت لصالح الأتلاف الديني الشيعي الرئيس. وتظاهر ما يصل الى 20 ألف شخص في بغداد وتظاهر أكثر من الفي شخص في الموصل منتقدين الدور الإيراني في الانتخابات، في حين تلى اعلان النتائج تفجير سيارات مفخخة وهجمات على مسؤولين أمريكيين وعراقيين. وتشير الدراسة إلى أنه منذ ذلك الوقت وصل أربعة رؤساء وزارات إلى السلطة في العراق، بالإضافة إلى ثلاثة رؤساء، وبرغم ذلك، لم ينجح أي منهم في الاستجابة للمطالب المشروعة للشعب العراقي المتمثلة بأنهاء الفساد، ورفع مستوى المعيشة، وخلق فرص عمل للعدد المتزايد من الشباب والمتعلمين، وتوفير الأمن. واعتبرت الدراسة؛ أن "الخراب الذي لحق بالعراق لم يكن غير متوقع، اذ أن النظام الديمقراطي النيوليبرالي الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها على البلاد لم يكن ليؤدي إلى نتائج ديمقراطية على النمط الغربي، او النتائج المتوقعة في دولة متقدمة" وأوضحت أن الدول المتقدمة على غرار بريطانيا والولايات المتحدة "لا تواجه أي تهديد حقيقي بحرب كبرى، وتتمتع بالازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي والاجتماعي". وفي المقابل فأن العراق كان ـ ولايزال ـ دولة ضعيفة "واهنة وبالتالي عنيفة مرتكزة على العصبيات والعلاقات العشائرية، وعلى بُنية عتيقة للشخصية". وأوضحت الدراسة؛ أنه بين عامي 2003 و2020، كانت الثوابت الوحيدة القائمة تتمثل بالعنف الطائفي والإرهاب والفقر وانتشار الأسلحة والجريمة وعدم الاستقرار السياسي والانهيار الاجتماعي والشغب والفوضى والفشل الاقتصادي. وتابعت الدراسة؛ أنه رغم أن إعلانه دولة ديمقراطية، إلا أن العراق يفتقر إلى الأمن وأشار إلى أنه عل غرار ما يسمى بالدول "المحررة والديمقراطية" الأخرى مثل أفغانستان أو ليبيا، فقد تزامنت مع هذه التهديدات الأمنية الداخلية والمحلية جنباً إلى جنب مع التهديد الذي تشكله الجهات الخارجية والدمار النيوليبرالي الذي جلبته على البلاد. وخلصت الدراسة إلى القول؛ إن القرن الحادي والعشرين، شهد إنشاء ديمقراطيات جديدة من خلال الحرب، في أفغانستان والعراق، بعد غزوتي العام 2001 و2003، أو من خلال الثورات الشعبية التي سميت "الربيع العربي" منذ عام 2011، وتمت الإطاحة بدكتاتوريين وأنظمة استبدادية وجرى تأسيس ديمقراطيات برلمانية وعلى الرغم من ذلك، قالت الدراسة: أنه بعيداً عن الوصول إلى "نهاية التاريخ" لفوكوياما، فقد "تسبب السعي خلف التحول النيوليبرالي من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة، باقتصاد بائس ودولة فاشلة". وذكرت الدراسة أن "المتظاهرين الذين يحملون العلم العراقي يطالبون بوطنهم، الذي تنتهك فيه حكومتهم حقوقهم الإنسانية وتفشل في توفير الفرص أو الضمانات الاجتماعية والصحية والتعليمية لأبناء الوطن". وختمت الدراسة بالقول إنه "بينما تفتح قوات الأمن وشرطة مكافحة الشغب النار على العراقيين باستخدام الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، يستمر الناس بالتظاهر"، مضيفتاً أن " الاعتقاد كان بأن العراق من دون ديكتاتورية سيصبح دولة قوية وديمقراطية ليبرالية، على "غرار تلك الموجودة فيما يسمى العالم المتقدم لكن العراق، بحسب ما خلصت دراسة "open democracy"، أصبح "أكثر ضعفاً وأقل امناً"، كما أنه "لا يمكن تحقيق الديمقراطية الليبرالية بهذه السهولة، سواء من خلال الحرب أو من خلال التغيير الثوري"، فالديمقراطية في المجتمعات المتخلفة والطائفية أو القبلية، لا يمكن أن تؤدي إلى التحضر والتنمية، وقبل ذلك الأمن والاستقرار، وإنما سيجد اللصوص والانتهازيون فرصة مواتية، للرهان على الطائفة، ونصرة المذهب، أو أثارة النعرات العشائرية لينتخبهم الناخبون المتشبعون بهذه النعرات الطائفية أو القبلية، الموروثة فيصلون إلى مراكز التشريع أو التنفيذ في الدولة. أن ديمقراطية العراق اليوم، لا تزال تراوح مكانها في دائرة مغلقة من الأزمات، ومشكلتها في الطبقة السياسية التي هيمنت على مقاليد السلطة منذ 2003. فالقيادات السياسية لا تمتلك مشروعاً لنقل البلد نحو ترسيخ تجربة الحكم الديمقراطي والوصول به إلى مرحلة النضوج الديمقراطي. بل على العكس هي تعمل يوماً بعد آخر على تثبيت أركان نموذج الديمقراطية الهشة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

811 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع