بسام شكري
معرض اكسبو دبي ٢٠٢٠ العالم بين الموضوعية والعبث
من المتعارف عليه فان معرض اكسبو منذ نشأته في القرن التاسع عشر كمعرض ضخم يقام كل خمس سنوات ولغاية اليوم في موضوعه يعبر دائما عن حاجة المجتمع الدولي والمرحلة التاريخية وكان موضوع اكسبو دبي 2020 هو المناخ والمحافظة على موارد الأرض من مياه ومعادن وحماية الطبيعة وإعادة التدوير لتقليل فضلات المصانع ومستهلكات البشرية وقد تم اختيار ذلك الموضوع نتيجة للكوارث الطبيعية والفيضانات والتغييرات التي طرأت على الأرض وقرارات بعض الدول الصناعية في زيادة انتاج المصانع وعدم مراعاة ظروف حياة الانسان والذي أدى الى الاحتباس الحراري, لقد زرت المعرض الأسبوع الماضي وتجولت على مدى ثلاثة أيام وزرت مئة وخمسة عشر جناحا قد اثار بعضها اهتمامي فيما اثار البعض الاخر اشمئزازي او استغرابي وكل جناح زرته حصلت على ختم ذلك الجناح في جواز سفر اكسبو 2020 الذي قامت إدارة المعرض مشكورة بتوزيعه على المواطنين والمقيمين والزوار من خارج الامارات للتوثيق التاريخي للمعرض.
دبي التي يقام المعرض على ارضها اليوم تعتبر اليوم أكثر المدن تطورا في العالم فقد فوجئت بالتطور الهائل بعد انقطاع خمس سنوات عن زيارتي لها فعلى سبيل المثال ان شبكة الطرق والجسور في امارة دبي فقط "دون باقي الامارات السبعة التي تتكون منها دولة الامارات العربية المتحدة " تزيد اطوالها على شبكات الطرق في لبنان وسوريا والأردن وإسرائيل وفلسطين ولا يتمكن أي سائق في دبي من الوصول الى وجهته دون استعمال جهاز الملاحة المرتبط بالأقمار الصناعية , لقد تطورت دولة الامارات وعاصمتها الاقتصادية دبي بشكل جعل العالم كله يتطلع لزيارتها والتعرف عليها واصبح مجرد ذكر اسم دبي يجلب الانتباه كعلامة للتطور البشري , عندما زرت اجنحة اسبانيا والبرتغال وبريطانيا واستذكرت تاريخ تلك الدول في غزو الخليج العربي كقراصنة ومحتلين وكيف كانوا يقتلون العزل من الرجال ويجدعون الانوف ويقطعون أذان النساء والأطفال والشيوخ وكيف قامت بريطانيا بالتحايل عليهم والتصالح معهم وقد اطلقت عليهم الامارات المتصالحة وكنا نستعمل تلك التسمية زمنا طويلا ونعتقد بانها تعني المتصالحة فيما بينها لكننا عندما كبرنا ودرسنا تاريخ المنطقة تبين لنا انها المتصالحة مع بريطانيا لإيقاف القرصنة والتدخل البريطاني في شؤونها .واليوم في دبي يعرض غزاة وقراصنة الامس منتجاتهم كدول متطورة تتطلع الى التعلم من دبي جوهرة التاج الاماراتي .
الاجنحة التي اثارت انتباهي هي جناح الهند حيث الشاشات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة التي تعرض إنجازات الهند في مجال حماية الأرض ومواردها وعند الدخول الى الجناح يفاجئك منظر الغابة واصوات الطبيعة والطيور والحيوانات ثم تتدرج عملية عرض معلومات كثيرة عن النشاطات البيئية في شبه القارة الهندية , الجناح الثاني كان جناح المانيا الذي كان يقف الناس فيه بالساعات انتظارا للدخول والمتميز في هذا الجناح هو ان كل زائر يتم إعطائه باج عليه اسمه وجنسيته وهذا الباج يحمله في رقبته ويقوم بتسليمه عند مغادرة الجناح وكلما زار ركن من اركان الجناح ظهر اسمه في شاشة عرض ذلك الركن وذلك لان كل الشاشات التي في الجناح مرتبطة بالباج المعلق على رقبة الزائر الكترونيا والفكرة ذكية حيث سيتمكن القائمين على الجناح من التعرف على عدد الزوار وجنسياتهم وعدد زوار كل ركن من اركان الجناح للتعرف على الاهتمام البشري الأكثر بموضوع معين وهذا يستفاد منه الباحثين في عمل دراسات ما بعد المعرض , الجناح عرض كذلك اخر ابتكارات الطلبة في الماجستير والدكتوراة في الجامعات الألمانية في مجال البيئة واستغلال موارد الأرض بشكل مستدام وكذلك عرض اخر ابتكارات ونتائج أبحاث مراكز الأبحاث والشركات الألمانية في مجال البيئة والفكرة الذكية انك عندما تغادر الجناح الألماني تقوم بإعادة الباج بعد ان تأخذ الستيكر الاصق الذي عليه اسمه وجنسيتك ويقوم الجناح بتعقيم الباج وإعادة استعماله الى زائر اخر ولصق اسمه وجنسيته عليه , الجناح المميز الآخر على الرغم من بساطته هو جناح دولة فلسطين حيث تستقبلك فتاة عند الباب بالزي الوطني الفلسطيني وتشرح لك قليلا عن تاريخ فلسطين ثم تأخذك في مصعد الى الطابق الأعلى وفي المصعد يستمر عرض المعلومات حيث ان جدران المصعد هي شاشات عرض وفي الأعلى تتعرف اكثر على نشاطات البيئة عن طريق عرض للمنتجات الغذائية والاعشاب البرية وروائحها العطرية بطريقة جميلة وذكية وعند الانتهاء تنزل الى الأسفل في منحنى يضعك امام متجر صغير يضم منتجات غذائية ومشغولات نسيجية واعمال خشبية تبين الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية وصور زيتية تم اختيارها بعناية فائقة.
اما الاجنحة التي اثارت اشمئزازي فهي جناحي العراق وسوريا فجناح العرق عبارة عن سقف فقط وبعض الجدران علقت عليها صور من العراق وشاشة عرض يتيمة وتستقبلك فتاة تتكلم الإنكليزية تقدم لك نبذه عن العراق والفتاة مرة تلفظ كلمة العراق بفتح العين على الطريقة الفارسية ومرة أخرى تلفظه عراغ بالغين بدل القاف , وتدخل امتار قليلة في الجناح فتجد غرفة مساحتها مترين في ثلاثة امتار عبارة عن دكان لبيع اللوحات الفنية لفنانين عراقيين , عدد العاملين في الجناح ثلاثة شباب عراقيين والفتاة , اما الجناح السوري فهو عبارة عن جدارين أيضا احدهما معلق عليه قطع خشبية بحجم كف اليد مكتوب عليه أسماء اشخاص لا احد يعلم من هم ولماذا علقت أسمائهم وارتفاعه مترين وعرضه مترين وعدد اللوحات تزيد على مئة لوحة والجدار الأخر بنفس المساحة والتصميم ولكن اللوحات الخشبية مكتوب عليها أسماء نباتات وقبل المخرج من الجناح على اليمين عرضت بعض المنتجات الغذائية البسيطة لا يزيد عددها عن ستة منتجات وتباع بأسعار خيالية ويدير المعرض كذلك ثلاث شباب سوريين اما مديرة الجناح فهي من جمهورية روسيا الاتحادية لا تتكلم العربية وقد جلست وراء منصة في ركن الخروج وبيدها ختم الجناح السوري لتختم للزائرين اختام الجناح السوري ترقب الداخلين والخارجين اترك التعليق على هذا الموضوع والتشابه بين الجناحية للقارئ , لان التشابه بين الجناحين من كل النواحي من جانب ومن حيث السوء من جانب اخر قد عقل لساني ومنعني من التعليق.
الاجنحة الغريبة التي زرتها كانت خمسة فجناح جامعة الدول العربية فارغ الا من صور ساذجة معلقة على الحيطان تستقبلك فيه سيدة عربية مؤدبة جدا ترحب بك وتعطيك هدية عبارة عن كيس قماش بطول عشرين في عشرة سنتمتر عليه شعار الجامعة العربي يمكن استعماله من قبل طلبة المدارس الابتدائية لحفظ حاجياتهم والجناح صغير والصور المعلقة على الجدران لا علاقة لها بموضوع المعرض والجناح الاخر الغريب هو جناح منظمة المؤتمر الإسلامي حيث تم تعليق صور كذلك على جدران الجناح وجلس وراء مكتب في زاوية المعرض شخصين عربيين يناقشان موضوعات شخصية وغير مهتمين بالزوار وحتى عندما تلقي السلام عليهم لا يردون عليك لانشغالهم بالمناقشة , المعرض الثالث الغريب معرض الجزائر التي هي اكبر بلد افريقي من حيث مساحته التي تبلغ مليونين و ثلاثمئة وثمانين الف كيلومتر مربع اي ما يعادل ربع مساحة القارة الأوروبية وهو البلد الاغنى والأكثر انتاجا للبترول والغاز في القارة الافريقية فقد كان من المفترض ان يكون اكبر جناح في معرض اكسبو دبي 2020 لكنه كان لا يحتوي على أي شيء له علاقة بموضوع المعرض سوى صالة من طابق واحد فيها صور لمناطق في الجزائر الحبيبة معلقة على جدران يتيمة وبدون وجود أي شخص في الجناح الذي زرته مرتين لعلي اشاهد احد الموظفين وفي خارج الجناح على يسار الخارج من الجناح تم عمل غرفة كتب على بابها المكتب وفي داخله ثلاثة موظفين جزائريين يتكلمون بصوت مرتفع كأنهم يتشاجرون فيما بينهم وعندما تسلم عليهم لا احد يرد السلام لانهم لم يسمعوك من شدة مناقشاتهم وارتفاع أصواتهم , الجناح الرابع الغريب لكنه الاجمل من حيث التصميم هو جناح المغرب فبعد الاستقبال التقليدي الذي يستغرق ثلاث دقائق في عرض فلم قصير عن المغرب بعد ذلك تصعد مجموعة الزائرين في مصعد كهربائي الى الطابق السابع ثم تعود بالنزول على قدميك وفي كل طابق هناك قاعة معروضات حول الأرض والزراعة والعطور والصناعات التقليدية والمنتجات المختلفة وإعادة التدوير وفي كل قاعة هناك شخص او عدة اشخاص يستقبلك ما عدا قاعة العطور الخالية من أي شخص والتي تستقبلك روائح زكية تبهرك طريقة تصميمها حيث المرايا تعكس صور الرفوف الزجاجية المليئة بقوارير الزيوت العطرية للأعشاب والنباتات البرية وتأخذك روائح الأعشاب الى جو البر المغربي , المغرب في مجال الزراعة والمحافظة على البيئة سباق فهو اول بلد عربي يمنع استعمال أكياس النايلون واستبدلها بأكياس قماش قابلة للتدوير وذلك منذ سنة 2016 , كافة جدران الجناح مبنية من الخشب ويعطيك ايحاء بالطبيعة .الجناح الغريب الخامس هو الجناح الروسي حيث تدخل من باب الجناح الرئيسية الكبيرة فتجد قاعة كبيرة في وسطها امامك استعلامات بيضوية الشكل بدون اشخاص وعليها تماثيل حجرية وبلاستيكية وفي تلك القاعة الكبيرة ستة مخارج أربعة منها عبارة عن دكاكين لبيع منتجات روسية كالفرو والجلد بأسعار خيالية وهناك مخرج يؤدي الى مطعم روسي خمس نجوم ومخرج اخر يؤدي الى الطابق الأعلى الذي فضلت عدم زيارته لكمية الزائرين الكبيرة في الطابق الأرضي وعدم مراعاة الجناح للتباعد الاجتماعي والفوضى العارمة في الجناح وكأنك في سوق السمك.
زوار المعرض من دولة الامارات العربية المتحدة إضافة الى المواطنين والمقيمين يستفيدون من المعرض بشكل ممتاز وخصوصا الطلبة من مختلف المستويات حيث يقوم المشرفون على كل جناح بمعية المدرسين والأساتذة بشرح معروضات الاجنحة بشكل مفصل وهذا ما سيعطي الى طلبة الامارات معلومات حديثة عن البيئية يتم الاستفادة منها مستقبلا , المعرض والاجنحة منظمة بشكل يفوق التوقعات واعداد غفيرة من المتطوعين يعملون على مدار الساعة للمساعدة لاكتساب تجارب و مهارات وفي ظروف وباء كورونا هناك التزام تام بالتباعد الاجتماعي واستعمال الكمامات الطبية من قبل الزائرية ومراقبة المتطوعين ورجال الامن إضافة الى وجود روبوت يمشي في الشوارع يلاحظ أي زائر بدون كمامة ويقف امامه ويطلب منه ارتداء الكمامة وعلى ذكر الروبوت فقد لاحظت الكثير من المطاعم تستعمل الروبوتات في توصيل الطلبات داخل المعرض وكل روبوت مكتوب عليه اسم المطعم ويحمل علبة الاكل والمشروبات, في النهاية اقترح على كافة مراكز الأبحاث والجامعات العربي بزيارة المعرض والتعرف على اخر تطورات حماية البيئة وموارد الطبيعة خلال الأشهر الستة القادمة .
هناك العديد من الاجنحة لجزر ودول لم نسمع بها من قبل لكن اجنحتها جميلة وتحاكي موضوع المعرض وبعض الدول اعتقدت ان المعرض عبارة عن سوق خيري لبيع منتجاتها الوطنية ومعظم الدول ركزت على موضوع المعرض بحيث أعطت صورة واضحة عن سعي العالم لحماية امنا الأرض.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
4794 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع