د. سعد ناجي جواد
هل سيبقى موضوع تشكيل حكومة جديدة في العراق معلقا.. وهل صحيح ان هناك انقلابا مسلحا قادما؟ ومن سيقوده؟
كلما حاولت الابتعاد عن الكتابة عن العراق وهمومه التي تؤرق البدن والذهن وتعتصر القلب الما، تجرني الاحداث مرة اخرى للكتابة مع علمي بان ابواب الامل القليلة اصلا، تغلق الواحدة بعد الاخرى بوجه العراقيين الصابرين المحتسبين الذين ابتلوا بنماذج سيطرت على البلاد وسرقت ثرواتها واستباحت كل شيء فيها. والحقيقة الاقسى ان هذه النماذج رسخت اقدامها في الحكم وتحكمت في عجلة الفساد حتى اصبحت قادرة على سحق كل من يقف بوجهها.
في كل انتخابات تتبجح الكتل والوجوه المشاركة في العملية السياسية بفوزها، مع علمها بانها وصلت بالتزوير وبمشاركة لا تصل الى عشرين بالمائة من اصوات الناخبين، وعزوف الغالبية العظمى عن المشاركة في الانتخابات لتيقنها بان التزوير هو النتيجة التي لا مفر منها. وفي كل انتخابات يطلق المرشحين الادعاءات باصلاحات قادمة ستنقل العراق الى حالة افضل، وتكون النتيجة فسادا اكبر واستنزافا اخطر لموارد الدولة، وتزداد نسبة الفقر والمعاناة. وفي كل مرة يجرنا المشاركين في العملية السياسية الى الحديث عن صراعاتهم والانشغال بمنابزاتهم وليس بما يعانيه العراق والعراقيين من مشاكل كبيرة مثل الحالة الاقتصادية السيئة ونقص بل وحتى انعدام الطاقة الكهربائية وشحة المياه الصالحة للشرب او للزراعة، وانعدام الامن وتفشي المخدرات وعودة الارهاب بقوة وتبذير موارد البلاد بطرق فساد مبتكرة لم يشهدها العراق من قبل، بل وغير موجودة في اي دولة من دول العالم
ورغم كل معاناتهم التي لا يتحدث عنها احد من ساسة هذه الايام، فان العراقيين يُجبرون على الاستماع الى المنابزات حول مواضيع بعيدة عن اهتمامهم مثل: من هي (الكتلة الاكبر) ومن هي الجهة التي لها الحق في ترشيح رئيس الوزراء الجديد، واضيف الى ذلك هذه الايام صراع محتدم حول من سيكون رئيس الجمهورية القادم، وكأن القادم سيكون افضل من الذي سبقه او انه سيعمل المعجزات، والكل يعلم ان هذا المنصب ليس له اي تاثير على عملية صنع واتخاذ القرار، وهو منصب شرفي يكلف الدولة مليارات الدولارات تنفق على زيارات وسفرات رئيس الجمهورية للخارج، والحاشية التي تحيط به والامتيازات التي يتمتع بها والادارة الضخمة التي تخدمه، ناهيك عن الرواتب الضخمة التي يتقاضاها هو نفسه. ولم تتم مساءلة اي من الروساء السابقين عن ما فعلوه للعراق وللعراقيين. وكدليل على (اهمية) هذا المنصب ان كل الذين شغلوه والذين رشحوا انفسهم له لا يؤمنون بشيء اسمه العراق ويعتبرونه بلدا مصطنعا، ويجاهرون برايهم هذا, ولا يعترف بعضهم بعراقيته وصوتوا على تقسيمه او تعاونوا مع جهات اجنبية ضد مصلحته (وبالمناسبة فان مشاركين في العملية السياسية من العرب فعلوا نفس الشيء). ومن الطريف ان احد المرشحين الساخنين لمنصب رئيس الجمهورية موخرا لم يجد من صفة في سيرته الذاتية توهله لهذا المنصب سوى ان يذكر انه (يتحدث العربية بطلاقة)!
اجهزة الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة هي الاخرى تساهم في تضليل الناس وحرف تفكيرهم عن ما آلت اليه الامور في البلاد، وتُشغِل الناس باخبار عن من سيتم اختياره لمنصب رئيس الوزراء، وكل طرف يرشح اسما، وهناك اشخاص دابوا على تسريب اسمائهم بصورة غير مباشرة للاعلام، على اساس انهم الاقدر على انقاذ العراق من الوضع المتردي الذي وصل اليه. علما بان اغلب الاسماء التي تطرح او تسرب او يتم تداولها هي نفسها التي اما جُربت سابقا واثبتت فشلها او فسادها او عجزها عن القيام باي اصلاح. والحالة نفسها تنطبق على مجلس النواب، حتى عندما شعر بعض العراقيين بفرحة لوصول اكثر من خمسين نائبا (مستقلا) الى المجلس، اكتشفوا بعد فترة وجيزة ان هذا العدد قد انخفض الى حوالي عشرة وربما اقل، حيث اختار معظم هولاء (المستقلون) التحالف مع الكتل السياسية الاكبر والتي وعدتهم بامتيازات مالية او مناصب كبيرة.
الا ان اخطر ما في الامور في عراق اليوم هو الحديث الذي بدأ يتصاعد عن احتمالية قيام فصائل من الحشد الشعبي بانقلاب مسلح او عمليات اغتيال لاستباق اية عملية لحل اجزاء كبيرة منه او الحاقها بالقوات المسلحة العراقية. وهذا الحديث بدأ بالارتفاع مع استمرار رفض الكتلة الصدرية الفائزة باكبر عدد من مقاعد البرلمان تشكيل حكومة ائتلافية تضم الاطراف الخاسرة في الانتخابات. وفي الحقيقة فان هناك حوادث وقعت في الاسابيع القليلة الماضية قامت فيها فصائل مسلحة (مجهولة حسب البيانات الرسمية)، بمهاجمة مقرات احزاب او مساكن مسؤولين او حتى محاصرة مدن وقصبات محسوبة على اطراف متحالفة مع التيار الصدري. كل ذلك من اجل افهام الاطراف الاخرى ان سلاحهم هو الذي سيفرض مشاركتهم في الحكومة القادمة، والا فالنتيجة ستكون الاطاحة بالعملية السياسية وفرض سياسة الامر الواقع بالقوة المسلحة، خاصة بعد ان اصبحت الفصائل اقوى من الاجهزة العسكرية الرسمية في البلاد.
من ناحية اخرى فان اصرار الحزب الديمقراطي الكردستاني على ان يكون رئيس الجمهورية القادم من حصته عقد المشهد بشكل اكبر، وخاصة في الاوساط الكردية، التي بدات تنتقد اسلوب الحزب، بل والعائلة البرزانية النصر على احتكارها لكل المناصب: رئاسة الاقليم ورئاسة وزراء الاقليم والان رئيس جمهورية العراق. (يؤكد بعض العارفين بالمجتمع الكردي ان المرشح الذي يطرحه الحزب الديمقراطي الكردستاني هو ليس من العائلة البرزانية، وانما ينحدر من عشيرة متحالفة معها، ومع ذلك يصر على استخدام لقب البرزاني مع اسمه).
خلاصة القول ان الانقسام والتشرذم وصل الى درجة غير مسبوقة، ووصل الى داخل المكون الواحد، في كل مكون من المكونات. واصبح ينذر بعواقب وصدامات مسلحة ترعب عامة الناس، ولا يوجد في الافق اي بوادر لحل هذه الخلافات، خاصة وان الاطراف الخارجية التي كانت تفعل ذلك اصبحت مشغولة بامور اخرى اكبر واخطر، (الازمة الاوكرانية والاتفاق النووي وتصاعد قدرات المقاومة للاحتلال الاسرائيلي) على سبيل المثال.
فهل ستتحقق توقعات البعض بالانقلاب الذي ستقوده بعض فصائل الحشد؟ والذي ستكون نتائجه وخيمة، او يتاكد التصور الذي يقول بان نتائج الانتخابات الأخيرة ستلغى (نتيجة لانتهاء المدد الدستورية لتشكيل حكومة جديدة)، وتبقى حكومة تصريف الاعمال حتى اشعار اخر؟ وحتى اجراء انتخابات اخرى. ام ان الاطراف الخارجية ستتدخل بقوة في اخر لحظة لتشكيل حكومة لتجنب اضافة منطقة مضطربة الى المناطق الاخرى في الشرق الاوسط واسيا؟
والسوال الاهم هو متى سيعي المشاركين في العملية السياسية انهم بسياساتهم واخطائهم الكارثية قد اوصلوا البلاد الى هذا المنزلق الخطير، وان المطلوب منهم هو الاعتراف بالفشل والانسحاب بالكامل، والعمل على تشكيل جمعية وطنية من العراقيين المهنيين الاكفاء الذين لم يلوث تاريخهم بالتعاون مع الاجنبي ولم تلوث ايديهم بالدم العراقي او السحت الحرام، نعم قد يبدو هذا المقترح صعبا جدا، وقد يصفه البعض اوصافا اخرى، ولكنه يبقى الحل الوحيد لاخراج العراق من محنته.
1730 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع