أحمد الكناني
الامام موسى بن جعفر (ع) والاسلام السياسي
في حياة الايمان المشرق ألق وصفاء يخترق ضمير الكائن الانساني ، فيمنحه الدفء والحرارة ، ويمده بالنبض والحركة ، ويدفع به شوطا بعيدا في مضمار التكامل الاجتماعي فاذا اقترن ذلك الايمان الخالص بالإنابة المطلقة والاخبات المتصاعد ، التقي الهدف الأخلاقي الأمثل بالهدف الديني السليم ، وفي ضوء هذا الاغناء الفسيح تكون الثمار الايجابية مزدوجة العطاء ، وتعود الأطروحة واضحة الأبعاد ، فاذا أضفت لهذا وذاك : الثبات في المبدأ ، والصلابة في الحق ، والصبر علي المحن والشدائد ، خرجته بحصيلة أخلاقية وارفة الظلال ، تتفيأ المناخ الانساني المزدهر في رحاب العقيدة الراسخة ، وتستبق الوعي الحضاري بخطوات واثقة ، وتحتضن مدارج النضال المبدئي بقوة وروعة.
وهكذا كانت الأجواء التي عاشها هذا الامام العظيم موسي بن جعفر(عليه السلام) ، وهو ينهض برسالة السماء ، ويحيا مأساة الانسان ، ويعيش مظاهر الارهاب السياسي ، ويقارع جور الطواغيت اضطهادا لا تحده حدود ،وتمييزا طبقيا لا يعرفه الاسلام ، ورقابة ملتوية الأساليب ، ورصدا بعيد المرامي ، وأثرة لا مثيل لها في اقتطاع المناصب واحتجان الأموال ومصادرة الحريات؛ والشعب المسلم في بؤس وشقاء وحرمان ، وطوابير الجياع يلتهمها الفقر والضياع ، وقصور السلاطين تموج بالترف والبذخ والاسراف ، ولا سلطان لأحد في الانكار والتغيير ، والناس كل الناس بين خليفة لاه ، ومسؤول ساه ، وسياط تلهب الظهور.
هذا غيض من فيض لتلك الصورة المأساوية التي دونها التأريخ في الحنايا لا في الصفحات الأولي؛ وينفجر الموقف عن اتجاهات ثورية ، فتسيل الدماء ، وتزهق الأرواح ، وتتكاتف أعداد الأسري ، وينفجر الموقف أيضا عن هلع وفزع وقلق فيتجرع الناس مرارة الخوف وسيل الأزمات النفسية.
وكان الوعي الرسالي لديه حريصا علي كشف القدرات الكامنة في الذات الانسانية ، فهو يريد لها الازدهار والانبعاث لتكون كيانا مجسدا يتصرف ويعي ويدرك ، لا آلة تستخدم وتشتري وتعار ، وهو بذلك صريح دون رموز وألغاز ، وانما هوي الوعي المتدافع الذي يعصف بكيان التعسف والانحدار الخلقي.
ومن هنا تدرك مدي الهلع الذي يقض مضاجع السلطان ، من الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) باعتباره العاصفة التي تقتلع مفاهيم الاستعباد الجماعي ، وتخترق حواجز الاستبداد الفردي ، فتنهار الأعراف السلطوية التي تعمل علي صنمية المجتمع وتخديره ، وتنتقل به من النمط التقليدي في الاذعان والاذلال الي سياق تحرري جديد من الحيوية والادراك.
فالأمام يشجب كل مظاهر القهر والاكراه ، ويدعو الي الموقف الحاسم ، ويصدع بالصوت الجريء النافذ فيهز الأنظمة الهزيلة بقدرة فائقة تفوق قدرة السلاح ، ولكنه النضال السلبي الموجه ، أو المواجهة الرافضة المنظمة ، فلا موادعة مع الظالمين والقتلة ، فكان ضحية الارهاب السياسي ، نتيجة هذا الطرح الرائد.
وما اشبه اليوم بالبارحة الانظمة التعسفية التي تحكمنا اليوم في عصرنا هذا و يزداد الفقر و التنكيل و يزداد يوم بعد يوم اراقه المزيد من الدماء و تربع الخونة و الفاسدين على عروش الحكم و لكن ذكرهم بقول الله عز و جل (يمكرون و يمكر الله والله خير الماكرين).
4743 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع