الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
محمد نجيب الجادر نموذج صناعي وطني مُمَيَّز – الجزء الأول
محمد نجيب الجادر (1893-1962) من الشخصيات المعروفة جيدا على مستوى العراق، وعلى اسمه تسمَّت منطقة (الجادرية) في بغداد.
وهو أحد وجهاء وكبار أغنياء الموصل في العهد الملكي، وكان تاجرا كبيرا إمتهن التجارة منذ صغره وساهم ببناء اقتصاد وطني مستقل. وهو عم الشخصية المعروفة والوزير السابق والأمين العام السابق للمنظمة العربية لحقوق الإنسان المهندس أديب عزّت الجادر (1927-2019).
وآل الجادر أسرة عربية تجارية ثرية من البو حمدان، جدّهم عبد القادر (عبد الجادر) بن عثمان بن عبد الله الشهواني من محلّة باب النبي في الموصل. وكلمة (جادر) أصلها (قادر) وقد قُلب حرف القاف إلى جيم على غرار كلمة (جاسم) التي أصلها (قاسم).
هو (محمد نجيب) بن الحاج أحمد الجادر (1864-1937). وكان والده تاجراً معروفاً، من أسرة امتهنت التجارة أبا عن جد.
ولد محمد نجيب في محلة باب النبي جرجيس بالموصل سنة 1893، ونشأ في أسرة ميسورة الحال. وقد تعهد أبوه لابنه بالرعاية واختار له أن يكون في مستقبل أيامه تاجراً.
أدخله أبوه الكُتّاب في صغره، فتعلم القراءة والكتابة وشيئاً من الحساب وحفظ بعض سُور القرآن الكريم.
لقد انغمر محمد نجيب في عالم التجارة وعمره لم يتجاوز الـسابعة عشرة من العمر، وعمل بتجارة الصوف. واستفاد من الظروف الاقتصادية التي مرَّ بها العراق بين الحربين العالميتين الأولى والثانية لتكوين ثروة كبيرة، وقد ركز في تجارته على الأصواف والحبوب والمنسوجات.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى انصرف الجادر نحو الصناعة، بعد أن شعر بضرورتها لبناء اقتصاد وطني قوي. وقد اتضح ذلك من خلال إسهامه في إنشاء معامل النسيج والدباغة ومحالج الأقطان.
لقد قام الجادر بإنشاء أول معمل للغزل والنسيج في العراق خلال الحرب العالمية الثانية. وازدهرت في وقته صناعة النسيج والدباغة، وكذلك التجارة بالصوف. كما كانت له مبادرات ناجحة لتطوير حركة التصنيع في العراق.
ومن مبادرات الجادر الفاعلة قيامه في سنة 1945 بتأسيس شركة الغزل والنسيج العراقية المحدودة في بغداد، وكانت شركة أهلية مساهمة برأس مال قدره 150 ألف دينار، وكان الجادر مساهماً فاعلاً فيها فضلاً عن المصرف الزراعي – الصناعي.
تفيد بعض الروايات أن محمد نجيب الجادر كان على علاقة طيبة مع نوري باشا السعيد (1888 - 1958) والذي ترأس العديد من الوزارات، وقد استفاد الجادر من هذه الصلة في الحصول على الموافقات اللازمة لاستيراد مكائن لتأسيس معامل المنسوجات القطنية وباشتراك من المصرف الزراعي – الصناعي العراقي.
وبعد أن أقدم الاقتصادي الموصلي الشهير مصطفى الصابونجي (1880-1954م) على إنشاء محلج للقطن في الموصل سنة 1952، قام محمد نجيب الجادر بتأسيس محلج آخر سنة 1954، مما أدى إلى تقليل الاعتماد على المنسوجات الأجنبية وخلق صناعة وطنية.
لقد أشار (عماد غانم الربيعي) في كتابه: (بيوتات موصلية) الذي طبعه سنة 2000 إلى أن محمد نجيب الجادر عمل في تجارة الصوف، وكان وكيلاً للشركة الافريقية الشرقية المحدودة التي تولت تصدير الصوف من الموصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية. كما أشار الدكتور (زهير علي النحاس) في أطروحته للدكتوراه إلى أنه كان للجادر عدة وكلاء في المدن الشمالية العراقية.
وجاء في جريدة البلاغ الموصلية (العدد 469) الصادر في 27 آذار 1926 إلى قيام الجادر بتأسيس معمل للأقمشة والمنسوجات القطنية سنة 1926. وقد اشتغل في معامل الجادر مئات العمال.
وفي الأربعينيات قدَّم الجادر اقتراحا لمجلس إدارة البنك العربي لتأسيس فرع للبنك في القاهرة متخصص في تقديم القروض الطويلة الأمد للفلسطينيين لمساعدتهم في الوقوف تجاه إغراء بيع الأراضي لليهود، وقد أسهم في هذا المصرف رأسماليون عراقيون ومصريون.
وفيما يتعلق بالنشاط التجاري وتأسيس غرفة تجارة الموصل في مرحلتها الثانية، حيث كانت في الموصل أواخر القرن التاسع عشر غرفة للتجارة، فقد كان محمد نجيب الجادر دور فاعل في ذلك.
لقد دعا متصرف لواء الموصل آنذاك (ناجي شوكت) قرابة الستين من التجار ومدراء المصارف والشركات في الموصل، واجتمع بهم في 15 تشرين الأول 1926 وشجعهم على تنظيم أنفسهم في غرفة التجارة. وقد تألفت هيئة تأسيسية لهذا الغرض وأجريت الانتخابات. وقد اسفرت الانتخابات عن فوز محمد نجيب الجادر برئاسة أول هيئة إدارية لغرفة تجارة الموصل، في حين أصبح سعيد جلبي الدباغ (1874-1943) نائباً للرئيس وحمدي جليمران (1890-1975) سكرتيراً (امنياً عاماً).
لقد ظل محمد نجيب الجادر رئيساً لغرفة تجارة الموصل منذ تأسيسها حتى الأول من كانون الأول سنة 1954. وكان للغرفة نشاطاتها الفاعلة خلال فترة رئاسته، من ذلك نجاح في تأمين الحماية للمنتوجات الوطنية وتشجيع التصدير وحل المشاكل الاقتصادية.
وقد يكون من المناسب الاشارة هنا كذلك إلى أن محمد نجيب الجادر كان آنذاك ولسنوات طويلة عضواً في مجلس ادارة الموصل، ولم تكن مساهمته في اجتماعات ومؤتمرات غرفة التجارة أو مجلس إدارة الموصل شكلية، وإنما كانت له مشاركاته البنّاءة ومقترحاته السديدة وخاصة في مجال السعي لرفع قدرات السكان الشرائية وتشجيعهم على اقتناء منتوجات بلدهم والعزوف عن شراء المنتوجات الأجنبية. وقد ساعدته تلك المشاركات فضلاً عن سفراته إلى خارج العراق وزياراته للمصانع والمعامل هناك على أن يمتلك عقلية اقتصادية واسعة يعرفها كل من تعامل معه وتابع نشاطاته عن كثب.
لقد أنشأ محمد نجيب الجادر مصنعا للنسيج فضلا عن واحدة من أقدم مصانع الصوف والقطن. وكان عضواً مؤسساً في مجلس إدارة البنك العربي. وقد توقف العمل في مصانع الغزل والنسيج والقطن والصوف.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
600 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع