أهم فتاوى الصيام مع نخبة من علماء المجمع الفقهي العراقي
*حقن الانسولين لمرضى السكري غير مفطرة
* لا بد للصائم من نية مستقلة لكل يوم ولا يشترط التلفظ بها مادامه قد نوى الصيام بقلبه
* من كان له عذر فعليه بكتمان إفطاره فليس من آداب شهر الصوم المجاهرة بالفطر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد:
فإن من المعلوم عند الفقهاء أن عرض الآراء الفقهية شيء، والإفتاء عن سؤال شيء آخر؛ لأن الإفتاء لا يكون إلا بعد الاستفهام الدقيق عن الواقعة وعن أحوالها والظروف المحيطة بها وعن حال المستفتي وواقعه وغير ذلك, أما الآراء الفقهية فهي مطلقة من غير قيد, وقد لا تتوافق كلها مع حال السائل الذي نريد إجابته، وما سنذكره هنا هو من باب الفتوى وليس من باب عرض الآراء الفقهية.
وتمثل أجوبة لجنة الفتوى في المجمع الفقهي العراقي عن اسئلة تتعلق بأحكام الصيام، وقد تفضل بالإجابة عنها أصحاب الفضيلة كل من: (الدكتور عبد المنعم الهيتي ، والدكتور محمود العاني، والدكتور عبد الستار عبد الجبار، والدكتور مشعان العيساوي، والدكتور ضياء الدين الصالح، والدكتور حسين غازي، والدكتور سعيد محي الدين، والدكتور عبد الله جاسم، والدكتور طه الزيدي) .
حوار/ أحمد الحاج
س1: إعتاد الناس في التاسع والعشرين من شهر شعبان على طرح اسئلة متكررة دون جواب حاسم بشأن جواز الاعتماد على الحساب الفلكي علاوة على التلسكوبات والمناظير لرؤية هلال رمضان، أم إن رؤيته بالعين المجردة شرط لحسم الموضوع بناء على الحديث النبوي الشريف "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" على أن يتم التأكد من الرؤية بشروطها المتمثلة بـ"عمر الهلال ومدة مكثه وبعده عن الشمس" ؟ نرجو بيان حكم ذلك ولا سيما في عصر التطور التكنولوجي.
ج: من المتفق عليه بين العلماء أنَّ وجوب الصوم ووجوب الإفطار عند انتهاء الصوم متعلقان برؤية الهلال لقول رَسُولَ اللَّهِ ﷺ )لا تَصُومُوا حتى تَرَوْا الْهِلَالَ ولا تُفْطِرُوا حتى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا له( رواه البخاري، فيجب على الناس أن يلتمسوا الهلال في التاسع والعشرين من شعبان والتاسع والعشرين من رمضان، ومعنى فاقدروا له؛ قال ابن سريج وجماعة منهم مطرف بن عبدالله وآخرون؛ معناه قدروه بحساب المنازل، وذهب جمهور السلف والخلف وعلماءِ المذاهب المتبوعة إلى أن معناه قدِّروا له تمام العدد ثلاثين يوما.
وفي المذاهب الأربعة يوجد من قال بأنه يُسأل الفلكيون ويعتمدُ قولُهم إذا اتفق جماعة منهم على ذلك، وهذا المذهب الذي كان مرجوحًا بالأمس أصبح اليومَ مقبولًا؛ فالذين ردوه بالأمس لهم الأسباب التي كانت في ذلك الزمن وجيهة؛ لظنية حسابات الفَلَك في ذلك الزمن.. وقد بلغت حدَّ الكمال الذي تحقق في العصر الحديث.
والحسابات الفلكية في العصر الحديث تعتمد العلم التجريبي؛ بينما الرؤية بالعين المجردة ظنية في إثبات هلال أوائل الشهور الهجرية.. فالذي كان في الماضي ظنيًا تحول اليوم إلى يقيني؛ فحسابات علم الفلك اليوم هي أساسُ الملاحةِ البحريةِ والجويةِ والفضائيةِ؛ وبها استطاع الإنسان أن يتجول داخل المجموعة الشمسية؛ ويُنزل سفن الفضاء والإنسان الآلي على سطح المريخ، وهي أساس حسابات الكسوف والخسوف التي تحدث في المكان والزمان المحدد بفارق أقل من الثانية.
فالحسابات الفلكية تقدم لنا اليوم تقريرًا مفصلاً في منتهى الدقة عن يوم ميلاد هلال الشهر الجديد؛ ومدة مُكثه بعد غروب الشمس؛ وهل يمكن أن تتوافر الظروف المناسبة لرؤيته أم لا؟ وتحديد ارتفاع الهلال فوق الأفق وزاوية موقعة بالنسبة للغرب ومن هنا يمكن أن نمدَّ الراصد بشتى المعلومات اللازمة ليتمكن من رصد الهلال.
س2: كثر اللغط في الآونة الأخيرة حول موعد الامساك وأذان الفجر في التقاويم التي بين أيدي الناس والتي يعتمدها المؤذنون ، كذلك موعد الافطار وغروب الشمس فهناك من يرى بأنها ليست دقيقة ويظن بأننا نمسك ونصلي الفجر قبل موعده ، كما أننا نفطر ونصلي المغرب قبل أوانه ..كيف تردون على ذلك؟
ج: موعد الإمساك عن الأكل والشرب والمفطرات ظهور الفجر الصادق؛ وهو الذي بينه قوله تعالى: }وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ{ فلما نزلت الآية قال عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ، فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلاَ يَسْتَبِينُ لِي، فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: )إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ( رواه البخاري ومسلم ، فقد فسر وقت الإمساك بوقت دخول الفجر.
وموعد الفطر غياب قرص الشمس لقوله تعالى }ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ{ وقد بينَّه النبي ﷺفقال: )إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ، وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ( رواه مسلم ، فقد فسر دخول الليل بغياب الشمس، وهذا وقت أذان المغرب.
وعندما يكون تحديد المواقيت مسألة فردية؛ كل شخص يخرج في كل وقت صلاة ليتبين دخول وقتها؛ فالوقت يدخل بتحريه، وعندما يكون هناك حساب علمي دقيق معتمد من قبل ولي الأمر فلا ينبغي لكل من شك بدقته أن يجهر بمخالفته لأنَّ ذلك يشوش على الناس دينهم وفي ذلك إيذاء للعابدين؛ وقد نهى رسول الله ﷺعن إيذاء المسلمين فقال )لَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا( أخرجه أبو داود وأحمد وصححه الأرناؤوط.
ولا بأس بالذهاب إلى الجهة المسؤولة عن حساب المواقيت ومحاورتهم بالحسنى.
س3: هناك من يجيز لنفسه ولغيره من سائقي سيارات الأجرة على الطرق الخارجية وسائقي حافلات نقل المسافرين، وسيارات الحمل الكبيرة والنقل الخارجي، بزعم أنهم على سفر دائم في رمضان من كل عام بما يبيح لهم الافطار.. ما رأيكم في ذلك؟
ج: رخص الشارع الحكيم للمسافر والمريض الفطر في رمضان؛ فقال تعالى: }فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{ البقرة184. فكل مسافر تتوافر في سفره شروط السفر يجوز له الفطر سواء كان السفر مرة في رمضان أو أكثر، شق على المسافر أو لم يشق، ولكن تبقى الأفضلية لمن يصوم إن لم يتضرر في السفر لقوله تعالى: }وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ{ البقرة184.
ومن أنشأ سفرًا مباحًا في رمضان سواء أراد النزهة أو كان من سائقي سيارات الأجرة أو الحمل جاز له الفطر فيه وإن كان قصده الفطر؛ ووجب أن يقضيه في أيام أخر بعد الشهر وإن كُره تنزيهًا التهرب من التكاليف.
س 4 نرجو من حضراتكم بيان مفسدات الصيام إجمالا .
ج: إن مفسدات الصوم المتفق عليها بين الفقهاء خمسة وكما يأتي:
-الأكل والشرب متعمدا
- الجماع
-إنزال المني بشهوة وباختياره ، ولا باس بالجنابة للصائم لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت : ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ حُلْمٍ، فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ)) متفق عليه، وحديث أم سلمة -رضي الله عنها- :((كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، لاَ مِنْ حُلُمٍ ، ثُمَّ لاَ يُفْطِرُ وَلاَ يَقْضِي)) رواه مسلم.
- تعمّد القيء، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :((مَنْ ذَرَعَهُ القَيْءُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ))،رواه أبوداود والترمذي وابن ماجة وأحمد ،فالحديث الشريف دليل على أن الصائم إذا تقيأ مستدعيا للقيء فسد صومه، وعليه القضاء، قال ابن المنذر: (أجمعوا على إبطال صوم من استقاء عمدا)، وأما من ذرعه وخرج من غير إختياره ؛ فصومه صحيح ولا شيء عليه.
- خروج دم الحيض والنفاس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ) . رواه البخاري .
فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس فسد صومها ولو كان قبل غروب الشمس بلحظة ، وإذا أحست المرأة بانتقال دم الحيض ولكنه لم يخرج إلا بعد غروب الشمس صح صومها ، وأجزأها يومها. والله اعلم
س5: ماحكم من أصبح جنبا في نهار رمضان هل يجب عليه القضاء ،أم أن صيامه صحيح ؟
ج: من أجنب في اليل ثم أصبح صائماً ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر، فإن صومه صحيح، وقد دلت على ذلك أحاديث كثيرة، فعن عائشة: أن رجلاً قال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال: لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي. رواه مسلم، وعن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصبح جنباً من جماع ـ غير احتلام ـ ثم يصوم في رمضان. متفق عليه، وعن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع ـ لا حلم ـ ثم لا يفطر ولا يقضي. رواه مسلم.
هذه الأحاديث استدل بها الجمهور على صحة صوم من أصبح جنباً فصومه من غير فرق بين أن تكون الجنابة عن جماع أو احتلام، وجزم الامام النووي بأنه استقر الإجماع على ذلك، وقال ابن دقيق العيد: إنه صار ذلك إجماعاً أو كالإجماع . والله اعلم
س6 : هل تجب نية الصيام عن كل يوم في رمضان ،أم أن نية واحدة بداية الشهر الفضيل تجزئ عن ذلك كله وهل يشترط تلفظ النية باللسان أم لا ؟
ج: لا بد للصائم من نية مستقلة لكل يوم من صوم الفريضة في شهر رمضان ، لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة فلا بد لها من نية، هذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وقال مالك وهو رواية عن أحمد: تكفي نية واحدة عن رمضان كله، وما في حكمه من كل صوم يجب تتابعه ككفارة الظهار ونحوها، لأنه عبادة واحدة فتكفيه نية واحدة كالصلاة والحج، أما ما لا يجب تتابعه كقضاء رمضان وكفارة اليمين فلا بد فيه من تجديد النية لكل يوم.
و القول الأول هو الراجح والمفتى به فلا بد لصحة الصوم من نية مبيتة من الليل لكل يوم من الأيام المذكورة، سواء تتابع صيام تلك الأيام أو تفرق.
لا يشترط التلفظ بالنية فى الصيام مادام الإنسان قد نوى الصيام بقلبه، وإنما يشترط تبييت النية قبل الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له). والله اعلم.
س7 : من أكل أو شرب ناسيا في نهار رمضان هل عليه شيء من قضاء أو نحوه؟
ج : من أكل او شرب ناسيا فلا شيء عليه وهو رزق ساقه الله اليه كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
س 8 : يكثر السؤال في كل عام عن الإبر والحقن في العضل والوريد ، كذلك حقن الانسولين لمرضى السكري ، والحقنة الشرجية لبعض المصابين بالامساك الشديد ،والسؤال موصول عن حكم استعمال التحاميل ومراهم البواسير الشرجية ، هل تفطر الصائم أم لا؟
ج : اما بالنسبة للأبر في العضلة فلا تفطر، واما الحقن في الوريد فلا تفطر ما لم تكن مغذية ، فقد ذهب بعض العلماء الى انها ان كانت مغذية فتفطر ورأى البعض الاخر رأى عدم افطار الصوم بأي حقنة بالعضلة او الوريد ، وكذلك حقن الانسولين لمرضى السكري غير مفطرة، الحقنة الشرجية مفطرة على راي الجمهور ؟ وهو الأحوط، وكذلك التحاميل ومراهم البواسير الشرجية مفطرة على رأي الجمهور ، وهناك من أجازها من المعاصرين
س9 : وماذا عن قطرة الأنف والأذن والعين هل تفطر أم لا ولاسيما أن مرارتها تظهر في الفم بعيد استعمالها بقليل ؟
ج : اما قطرة العين فلا تفطر ، واما قطرة الانف فأن كانت القطرات تصل الى اصول المنخر فتفطر ..واما اذا وصلت فقط الى مقدمة الانف فلا تفطر، واما قطرة الاذن فان لم تكن طبلة الاذن مثقوبة فلا تفطر.
س10: ما حكم الحامل والمرضع ، هل لهما الفطر وعليهما القضاء فقط أسوة بالمريض ، أم أن عليهما القضاء والكفارة معا ؟
ج : الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما, وتحقق ذلك بالتجربة أو باستشارة الطبيب المسلم, فلهما الإفطار وعليهما القضاء فقط.
وإذا خافت الحامل على جنينها, والمرضع على ولدها فلهما الإفطار وعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم، لأنهما داخلتان في عموم قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ). سورة البقرة من الآية 184.
س11: ما حكم من لم تقضِ ما عليها من صيام بسبب حيض أو نفاس لعدة رمضانات؟
ج : الواجب على من أفطرت في رمضان من أجل النفاس أو الحيض القضاء قبل أن يأتي رمضان الآخر الذي بعده؛ لقوله تعالى: ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) سورة البقرة من الآية 185، والحائض والنفساء من جنس المريض والمسافر فعليهما القضاء.
أما إذا أخرته عن رمضان من غير عذر وجب عليها التوبة من ذلك، وعليها القضاء والإطعام، ، فيكون عليها ثلاثة أشياء: التوبة، وقضاء الصيام، والإطعام عن كل يوم.
أما إن أخرت ذلك لمرض لم تستطع معه الصوم، فلا حرج عليها، تصوم بدون إطعام، وليس عليها إثم، لقوله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) سورة التغابن من الآية 16.
س12 : من هو المريض الذي يباح له الفطر في نهار رمضان وهل إن إباحة فطره تجيز له المجاهرة بالافطار علنا أمام الانظار كما يفعل الكثير منهم عمدا أو سهوا أو جهلا ؟
ج : المرض المبيح للإفطار: ما يترتّب عليه وقوع محذورٍ ما- أو وقوع ضررٍ- أو زيادته إن كان واقعاً- أو خشية بطء البُرء والشفاء منه، وينقسم إلى قسمين:
– المرض الذي يباح معه الإفطار، وهو ما فيه مشقة زائدة عن المشقة المحتملة.
– المرض الذي يجب معه الإفطار، وهو ما يكون الظن الغالب بحصول الهلاك مع الصيام.
ويحصل ذلك باستشارة الطبيب المسلم, والتجربة.
أما من كان له عذر فعليه بكتمان إفطاره فإنه ليس من آداب شهر الصوم المجاهرة بالفطر, ولأن فعله مدعاة للانتقاد والاغتياب، وتشجيع لمن لا يعلم بعذره على تعمد الإفطار والمجاهرة بمعصيته، ولا يليق بالمسلم أن يكون سببا في الاعتداء على فريضة من فرائض الله، حتى لا يبوء بإثم ذلك. والله تعالى أعلم.
س13 : ما حكم من جامع زوجته عامدًا في نهار رمضان ،وما حكمه اذا فعلها ناسيا أو جاهلا ، وما حكم من كان مفطرا لعذر شرعي وجامع زوجته الصائمة نهارا ؟
ج: من جامع في الفرج في نهار رمضان عامدا بغير عذر أنزل أو لم ينزل تجب عليه الكفارة وهذا لا خلاف فيه بين العلماء ودليلهم ما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينا نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكت. قال ما لك ؟ قال : وقعت على امرأتي وانا صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تجد رقبة تعتقها؟ قال : لا . قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال : لا ، قال فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال : لا ، قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم .. فبينا نحن على ذلك، أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرقلة فيه تمر _ والعرق المكتل _ قال : أين السائل؟ فقال : انا . قال : خذ هذا فتصدق به ، فقال الرجل : على أفقر مني يا رسول الله ؟ فوالله ما بين لابتيها _ يريد الحرتين _ أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت انيابه ثم قال : أطعمه أهلك ) .
أما من جامع زوجته ناسيا أو مخطئا أو جاهلا فلا كفارة عليه عند جمهور العلماء ، لقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم ( أن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه ابن ماجه .
أما من كان مفطرا بعذر كالمرض والسفر فلا يجوز له جماع زوجته الصائمة نهار رمضان حتى لا يفسد صومها، ولها أن تمنعه من ذلك ولا تمكنه من نفسها، فإن اكرهت فلا أثم عليها، وهو آثم عليه أن يستغفر الله ويتوب إليه، فإن تساهلت وطاوعته أو رغبت فعليها أن تستغفر الله وتتوب إليه؛ لأنها هتكت صوم رمضان بالجماع ، ووجبت عليها الكفارة والقضاء عند جمهور الفقهاء، لأنها عقوبة تتعلق بالجماع ، فاستوى فيها الرجل والمرأة.
س14 : ما هو حكم من أفطر عامدا متعمدا ومن غير مرض ولا سفر ولا عذر شرعي، وهل يجوز له قضاء ما فاته وفرط فيه في حال توبته وإنابته لاحقا أم لا ؟
ج : من افطر عامدا في شهر رمضان بالأكل أو الشرب ولم يكن مريضا أو مسافرا وليس لديه أي عذر للإفطار في رمضان فهو آثم ... وإذا تاب واستغفر الله فيجب عليه قضاء ما افطره ولا كفارة عليه لأن الأصل عدم وجوب الكفارة إلا بما ورد عن الشارع الحكيم ولم يرد من الشارع بوجوب الكفارة إلا في الجماع عامدا وما سوى الجماع ليس في معناه.
س15 : نرجو من حضراتكم بيان حكم من فقد الوعي وأغمي عليه في نهار رمضان وهو صائم أيعد ذلك سببا للإفطار أم لا؟
ج: من نوى الصيام من الليل واصبح صائما ثم طرأ عليه مرض أو حادث اغمي عليه بسبب المرض أو الحادث فإن هذا الإغماء لا يؤثر على الصوم ولا يفسده فإذا استمر الإغماء إلى وقت الإفطار ( غروب الشمس ) فصومه لهذا اليوم صوما صحيحا ، أما إذا استمر الإغماء إلى اليوم الثاني أو لعدة أيام أخرى فإنه في اليوم الثاني وما بعدها يعتبر مفطرا لعدم تبييته النية من الليل.
س16 : وماذا عن قضاء ما فات من صيام رمضان للمعذور شرعا، فهل يتوجب عليه التتابع والإسراع بعد انقضاء الشهر الكريم مباشرة ، أم يجوز له القضاء على التراخي والتفريق وهل عليه كفارة ؟
ج : الافضل للمسلم أن يبادر بقضاء ما فاته من شهر رمضان لعذر شرعي، للنصوص الشرعية التي تحث على المسارعة في أداء الطاعات، والمبادرة إلى إسقاط الفرض ؛ لأنه قد يأتي الأجل على حين غفلة فيبقى ما فاته في ذمته ولا يفطن له أولياؤه، ويجوز قضاءُ الصَّومِ على التَّراخي في أي وقتٍ من السَّنَة، قبل دخول رمضان آخر، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء ؛ لحديث السيدة عائشة رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (كان يكونُ عليَّ الصَّومُ مِن رَمَضانَ، فما أستطيعُ أن أقضِيَه إلَّا في شعبانَ؛ الشُّغُلُ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو برَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) رواه البخاري ومسلم، ومن فاته رمضان لعذر فعليه القضاء فقط، ما لم يدخل عليه رمضان آخر، ومن أخَّرَ قضاءَ رَمَضانَ حتى دخَلَ رَمَضانُ آخرُ، فقال جمهور الفقهاء إن كان التأخير بعذر شرعي فعليه القضاء فقط، وإن كان قادرا على القضاء ولم يقضِ ما فاته ولا عذر له، فيلزَمُه القضاءُ مع الفِديةِ، وهي إطعامُ مِسكينٍ عن كلِّ يومٍ، لما ثبت عن بعض الصحابة الافتاء بذلك، عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه (أنَّه قال في رجلٍ مَرِضَ في رمضانَ، ثم صَحَّ فلم يصُمْ، حتى أدركه رمضانُ آخَرُ، قال: يصومُ الذي أدركه ويُطعِمُ عن الأوَّلِ؛ لكُلِّ يَومٍ مُدًّا مِن حِنطةٍ، لكُلِّ مِسكينٍ، فإذا فَرَغَ من هذا صام الذي فَرَّط فيه)، رواه الدارقطني وصححه موقوفا، ورُوِيَ عن ابنِ عُمرَ وابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم أنهما قالا: (أطعِمْ عن كلِّ يَومٍ مسكينًا)، وذهب السادة الحنفية إلى أنه لا يلزَمُه إلا القضاءُ فقط، ؛ لعموم قَولِه تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184] ، فيَشمَل ما قضاه قبل رَمَضانَ الثَّاني أو بَعْدَه، ولم يذكُرِ اللهُ تعالى الإطعامَ؛ ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم المر بالاطعام، ولذا فلا يجِبُ عليه إلَّا القَضاءُ فقط، ويمكن التفريق إن من أخر قضاء الصيام لعذر فعليه القضاء فقط، ومن أخّره تساهلا من غير عذر حتى دخل رمضان الآخر، فيجب عليه القضاء، ويستحب له أن يطعم عن كل يوم مسكينا، من غير إلزام ، خروجا من الخلاف.
واما التفريق والتتابع في القضاء، فلا يجِبُ التَّتابُعُ في قضاءِ رَمَضانَ، وهذا باتِّفاقِ جمهور الفقهاء، لعمومُ قَولِه تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184] ، فقد أطلق الله تعالى القَضاءَ ولم يُقَيِّدْه بالتتابع، ولقول ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنهما: (لا بأسَ أن يُفَرِّقَ) رواه البخاري معلقا؛ ولأنَّه صومٌ لا يتعلَّقُ بزمانٍ بعَينِه، فلم يجِبْ فيه التتابُعُ، فإن قضاه متتابعا فهو أفضل ليكون القضاء على هيئة الأداء، و ذهب الامام ابن حزم وغيره إلى وجوب التتابع في قضاء رمضان، والراجح قول الجمهور باستحباب التتابع.
س17: ما حكم من غلبه القيء في نهار رمضان، أعليه الفطر، أم مواصلة الصيام من دون حرج؟
لا خلاف بين الفقهاء أن من خرج منه القيء من دون تعمد ولكنه غلبه رغما عنه فصومه صحيح ويستمر بالصيام بقية يومه ولا يجب عليه قضاؤه ، وأما من تعمد استخراج القيء بأي طريق سواء بوضع إصبعه في فمه أو غير ذلك فقد فسد صومه ولزمه القضاء؛ لأن التقيوء عمداً من المفطرات، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. رواه الترمذي وابن ماجه، وذرعه القيء: أي سبقه وغلبه في الخروج.
س18: هل يؤثر التبرع بالدم على صحة صيام المتبرع للضرورة الملجئة لإنقاذ حياة شخص ما هو بأمس الحاجة الى أكياس دم تطابق صنف دمه ؟
إن مسألة تأثير التبرع بالدم من الصائم على صحة صيامه مقاسة على الحجامة، فقد ذهب جمهور الفقهاء على أن الحجامة ومثلها التبرع بالدم لا يفسدان الصيام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم. رواه البخاري، وعن أم علقمة قالت: "كنا نحتجم عند عائشة ونحن صيام، وبنو أخي عائشة فلا تنهاهم"، وذهب الحنابلة الى أن الحجامة ومثله التبرع بالدم يفسدان الصيام ويفطر فاعلهما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفطر الحاجم والمحجوم"، رواه الترمذي، والراجح قول الجمهور وهذا الحديث منسوخ، مع التأكيد أن لم تكن هنالك ضرورة في انقاذ نفس ، فالأولى لمن يخشى أن تضعفه الحجامة أو يؤثر عليه التبرع بالدم أن يؤخر ذلك إلى الليل، لأنه قد يضطر إلى الفطر بسببها، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يحتجم وهو صائم في رمضان وغيره، ثم تركه لأجل الضعف" رواه البخاري معلقا ومالك في الموطأ، وسئل أنس بن مالك رضي الله عنه: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: «لا، إلا من أجل الضعف» ، وذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري.
س19 : حكم استعمال السواك ومعجون الأسنان في نهار رمضان؟ وماذا عن خلع الضرس وحشوة الجذر وزرع الأسنان ونحوها عند الطبيب المختص في عيادته للضرورة الملحة في نهار رمضان بالنسبة للصائم ؟
ج: السواك مستحب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " السواك مطهرة للفهم مرضاة للرب" رواه البخاري.
ولا يُكرَهُ للصَّائم استعمال السِّواك في أي وقت، سواء كان قبل الزوال أو بعد الزَّوالِ، وهذا مذهَب الحنفية، وهو قول للشَّافعي، ورواية عن أحمد.
واما معجون الاسنان فحكمه حكم السواك انْ تيقن أن لا يدخل شيء في جوفه ، وقيل لا يستحب استعمال السواك وما في حكمه بعد الزوال للصائم.
واما حشو الأسنان وتنظيفها وقلعها في نهار رمضان ليس له أثر في صحة الصيام، بل معفو عنه بشرط التحفظ من ابتلاع شيء من الدواء أو الدم، وأن إبرة التخدير لا أثر لها على صحة الصوم، لكونها ليست في معنى الأكل والشرب، ولا تصل إلى الجوف
ووجود طعم حشو الأسنان في الفم لا يؤثر على صحة الصيام إذا لم يصل للحلق، وكذلك إذا وصل مجرد الطعم إلى الحلق، أي إذا لم يتحلل من المادة شيء فإنه لا يفطر .
س20 : هناك من يرى بأن السباحة في النهر أو البحر والغطس في الماء للصائم نهارا تجعله بحكم المفطرين ..ماذا تقولون ؟
ج: نص العلماء على جوازه ، ولو للتبرد فقط إذا كان يغلب على ظن السابح عدم دخول الماء إلى معدته من الأنف (وخاصة عند ثقب طبلتها ) أو من الفم ، وكان يحسن السباحة بحيث يضمن الحفاظ على صيامه ، فلا بأس عليه حينئذٍ من السباحة ، ويكون حكمها حكم الاغتسال للصائم .
س21 : يعاني بعض الصائمين من الوسوسة القهرية فيما يتعلق بالنخامة وبلع الريق وما ينزل من الأنف وما يخرج من الجوف كالبلغم في نهار رمضان ، فهل تعد من المفطرات اذا غلبت صاحبها ولم يحسن ازالتها والتخلص منها كما ينبغي لها أن تزال ؟
ج: على الصائم ترك النخامة ولا يحاول أن يجذبها إلى فمه من أسفل حلقه، ولكن إذا خرجت إلى الفم فليخرجها، سواء كان صائماً أم غير صائم، قال النووي: «النخامة إن لم تحصل في حد الظاهر من الفم لم تضر بالاتفاق، فإن حصلت فيه بانصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه إلى أقصى الفم فوق الحلقوم نظر؛ إن لم يقدر على صرفها ومجها حتى نزلت إلى الجوف لم تضر، وإن ردها إلى فضاء الفم أو ارتدت إليه ثم ابتلعها أفطر على المذهب.... » .(المجموع 6/319).
فالنخامة اذا نزلت من الأنف وادخلها إلى جوفه مباشرة فلا حرج ، واذا أنزلها في مقدمة فمه وجب أن يُخرجها ، أما الريق فلا حرج في بلعه لأنه منه واليه ولم يكن من خارجٍ .
ولا ينبغي للمسلم أن يوسوس في هذه المسألة ولا يفتح بابا للشيطان يدخل إليه فيتعبه بحيث يُكرّهه في الصيام ، ولا يضع فكره في وجود الريق من عدمه ، فليبلعه ولا حرج .
س22 : حكم الاحتجام في نهار رمضان للصائم ؟
ج : الحجامة جائزة ولا تفطر الصائم واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم، وكان ذلك بعد فتح مكة وهذا ينسخ ما ورد من احاديث مخالفة.
س23 : نسمع بين الفينة والاخرى ببعض الفتاوى التي تجيز لطلبة الجامعات والثانويات بالإفطار أيام الامتحانات ، فهل هناك مسوغ شرعي يبيح للطلبة الافطار لهذا الغرض ؟
ج : الامتحان ليس من أعذار الافطار في رمضان والصوم لا يتعارض مع ممارسة الانسان نشاطه من دراسة وعمل وخلاف ذلك وهي من وسوسة الشيطان.
س24 : يزعم العديد من أصحاب المهن الشاقة كالبنائين والحدادين والخبازين والكادحين وأمثالهم بأن لهم الحق للإفطار في نهار رمضان لما يجدونه من مشقة في كسب أرزاقهم وهناك من الفتاوى ما أباحت لهم ذلك ، فهل يعد تصرفهم هذا صحيحا وموافقا لأحكام الصيام الشرعية ؟
ج : منذ شرع الصيام والصائمون يمارسون أعمالهم وشؤون حياتهم فليس العمل من اعذار الافطار، فصاحب العمل يتسحر ويستعد ويخرج للعمل صائما فاذا وجد نفسه لا يقدر على المواصلة ووصل الى ما يشبه حالة المريض افطر وقضى في يوم آخر.
س25 : من نوى سفرا في نهار رمضان كيف عليه أن يتصرف، أيفطر قبل مغادرة حدود البلدة بوجود نية السفر، أم يشترط مغادرة حدودها قبل أن يفطر؟
ج: للمسافر أن يفطر في شهر رمضان أخذاً برخصة الله تعالى له بذلك ، ثم يقضي ما فاته من أيام أفطرها ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185 ، ومن كان في بلده ، ثم نوى السفر ، فلا يسمى مسافرا حتى يفارق عمران بلده ، فلا يحل له أن يأخذ برخص السفر كالفطر والقصر بمجرد نية السفر، لأن الله تعالى إنما أباح الفطر للمسافر ، ولا يكون مسافرا حتى يفارق بلده ، لقول الله سبحانه تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) البقرة/185 ، والشاهد هو المقيم في داره ولا يعد مسافرا حتى يخرج من البلد ، وما دام في البلد فله أحكام المقيمين, لا المسافرين ، فلا بد من مغادرة حدود بلدته بنية السفر ليأخذ برخص السفر الشرعية.
س26: ما هي المسافة التي تبيح الفطر للصائم وقصر الصلاة للمصلي باعتباره مسافرا ، وهل أن ما يفعله بعضهم من حيل يحلو له وصفها بأنها " شرعية" تتمثل بخروجه خارج حدود البلدة ومن ثم عودته اليها ليدخل في حكم المسافر يعد فعلا مشروعا اذا اقتضت الضرورة ؟
ج: اختلف العلماء كثيراً في مسافة القصر على أقوال تصل لعشرين قولا ، الا ان المعتبر منها قولان:
- قول جمهور اهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية وفقهاء أصحاب الحديث لا يجوز القصرُ إلَّا في مسيرة مرحلتين قاصدتين، وهي ثمانية وأربعون ميلًا هاشميَّة ويعبر عنها أيضا بأربعة بُرُد ، وهي بالتقريب 80 كيلو متر .
- ويرى جماعة من أهل العلم إن السفر طويلا كان او قصيرا لا حدّ له فما يسمى سفرا عرفا جاز القصر والترخص فيه ، وبه قال الظاهرية وبعض الحنابلة .
والراجح هو قول الجمهور من الفقهاء لما فيه من الاحتياط للعبادة ، فاذا كان السفر للمسافة المذكورة بأي وسيلة نقل قديمة او معاصرة تبيح له قصر الصلوات الرباعية ، او قصرها وجمعها ، وكذلك الفطر على أن يقضيه في وقت لاحق.
واما التحايل لإسقاط الصوم : فانه يُحرّم فعل الحيل لإسقاط الواجب الشرعي، فمن سافر من اجل الفطر كان السفر حراما عليه، وكان الفطر كذلك حراما عليه، لأن التحايل لإسقاط الواجب لا يسقطه، كما ان التحايل على المحرم لا يجعله مباحا ، وقد نصّ الفقهاء على أن : من سافر ليفطر حرم أي السفر والإفطار، حيث لا علة للسفر إلا الفطر، فأما الفطر فلعدم العذر المبيح، وهو السفر المباح، وأما السفر فلأنه وسيلة إلى الفطر المحرم.
س 27 : نرجو بيان فدية المريض مرضا مزمنا وهل يجوز له دفع كفارة الإفطار نقدا نهاية الشهر عن كل يوم أفطره خلاله وكيف يتم تقييمها؟ أم يتوجب عليه إطعام مسكين عن كل يوم خلال الشهر ؟
ج : المرض مرضا مزمنا والكبير الهرم يباح لهم الفطر ، والدليل على إباحة الفطر لهم قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج:78)، وقال في آية الصيام: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة:185) ، فمن لا يرجى برؤه من اصحاب الامراض المزمنة بشهادة طبيب مسلم ثقة ماهر في اختصاصه ، الواجب عليه إطعام مسكين عن كل يوم أفطره ، لقول الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) ، والقدر الواجب في الإطعام هو مد من طعام عن كل يوم، ومقدار المد 750 جراماً تقريباً، وقيل نصف صاع وهو مدان أو كيلو ونصف تقريباً، وهو أحوط.
وأوجب الجمهور إخراجها طعاماً لنص الآية، وأجاز الحنفية إخراج القيمة، والذي نراه هو الأخذ بقول الجمهور، إلا إذا كان في إخراج القيمة مصلحة فلا حرج في إخراجها ، ويمكنه إخراج الفدية مجتمعة من أول الشهر أو آخره أو يوماً بيوم.
اختلف الفقهاء في وقت اخراج فدية الصيام لمن عجز عنه ، وأقرب القولين في ذلك جواز إخراج الفدية أول شهر رمضان، أو وسطه، أو آخره قبل يوم او يومين، فالفدية بدل مخفّف يجب على الكبير والمريض المزمن ، والمناسب في البدل هو التخفيف والتيسير ، وليس التقييد والتشديد، والاصل فيها اطعام مسكين واجاز السادة الحنفية إخراج القيمة نقدا ، وعند بعض الفقهاء تجوز عند الحاجة أو وجود مصلحة في إخراجها نقدا.
والأصل أن تخرج إما طعاما أو نقدا، فإن أخرجها بأي صورة فقد أجزأت عنه، وإذا أخرجها نقدا ثم أحب أن يخرجها طعاما فيجوز تطوعا وخروجا من الخلاف.
س 28 : حبذا لو تبينون للصائمين سنن الصوم ومستحباته وما ينبغي للصائم الاكثار منه في ليله ونهاره وما يتوجب عليه الاحجام عنه طيلة الشهر الفضيل .
ج: سنن الصّوم ومستحبّاته كثيرة، أهمّها:
- السّحور، وقد ورد فيه حديث أنس رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ( تسحّروا فإنّ في السّحور بركةً ) ، وتأخير السّحور، وتعجيل الفطر، لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا يزال النّاس بخير ما عجّلوا الفطر)، ويستحبّ أن يكون الإفطار على رطبات، فإن لم تكن فعلى تمرات، فقد كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلّي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء) رواه الترمذي، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنّه بركة، فمن لم يجد فليفطر على ماء، فإنّه طهور) رواه الترمذي وابن ماجه، ويستحبّ أن يدعو عند الإفطار، قال عليه الصلاة والسلام:(إنّ للصّائم دعوةً لا تردّ )، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: ( ذهب الظّمأ، وابتلّت العروق، وثبت الأجر إن شاء اللّه تعالى ) رواه ابو داود.
وينبغي للصائم الاكثار من الاعمال الصالحة والطاعات ولاسيما التي اختص بها شهر رمضان، ومنها: المحافظة على صلاة التراويح جماعة والحرص على العمرة في رمضان، والاعتكاف في المسجد، ولاسيما العشر الآواخر، والإكثار من قراءة القرآن والاذكار، وإخراج الصّدقات، وتقديم الخير لمن يحتاجه وصلة الأرحام .
وعلى المسلم أن يتجنب ما يحبط صومه من المعاصي الظّاهرة والباطنة، فيصون لسانه عن اللّغو والهذيان والكذب، والغيبة والنّميمة، والفحش والجفاء، والخصومة والمراء، ويكفّ جوارحه عن جميع الشّهوات والمحرّمات، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ( قال اللّه تعالى: كلّ عمل ابن آدم له إلاّ الصّيام، فإنّه لي وأنا أجزي به، والصّيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل: إنّي امرؤ صائم ) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزّور، والعمل به، فليس للّه حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) رواه البخاري.
س 29 : كلمة أخيرة للصائمين والمفطرين بعذر أو من دون عذر للفائدة العامة.
ج: كلمتنا لإخواننا وأخواتنا: إن رمضان فرصة للارتقاء في مقامات القرب من الله تعالى ، وهو موسم للاستثمار مع الله تعالى، فهو فرصة لمن فرط فيما سبق أن يتوب الى الله وأن يبدأ صفحة جديدة، وتصفيد الشياطين يساعد ضعيف الإرادة على الاقبال على العبادة، وفرصة للصائمين في زيادة الحسنات ، وتجديد العهد مع الله تعالى، فكن من المستثمرين في رمضان.
نسال الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
3321 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع