ضحى عبد الرحمن
كاتبة عراقية
شعوب محترمة وأنظمة سياسية غير محترمة
يبدو من الصعوبة بمكان تحديد مفهوم الدولة المحترمة وتمييزها عن الدولة غير المحترمة، لعدم وجود مقاييس موحدة ومتعارف عليها يمكن اعتمادها في تقييم الدول، وتمييز المحترمة من غير المحترمة، فهل هذا التقييم يخضع مثلا الى الإلتزام بميثاق الأمم المتحدة، أو اتفاقيات حقوق الإنسان، أو إحترام الحريات العامة، او البعد الحضاري، أو المستوى العلمي والتقني، والثقافي والإقتصادي، او رفاهية الشعوب، او مؤشر السعادة، او مستوى الدخل والإنتاج الوطني، او مستوى التضخم الإقتصادي، او رصانة العملة الوطنية، او القوة العسكرية، او القدرة النووية، او مستوى الخدمات الصحية، او التربوية والثقافية، والسياحية، أومستويات البطالة والإنتعاش الإقتصادي، او قلة الجرائم ومحدودية تجارة المخدرات، او العنف الأسري، او التمييز العنصري ...الخ؟
الغرض من هذه المقدمة هو الحديث على وقائع نشهدها بإستمرار، وتفيدنا في مجال الموضوع، عسى أن تتوضح بعض ملامح الدولة المحترمة.
ي لقاء المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي الخامنئي بالرئيس السوري بشار الأسد، الذي حضره رئيس الحكومة إبراهيم رئيسي، وزعيم فيلق القدس إسماعيل قاآني، أشاد الخامنئي بدور الحكومة والشعب السوري وانتصارهما بحرب دولية ضد الإرهاب، مما عزز من هيبة سوريا وإحترامها، وأكد خامنئي بأن سوريا اليوم تختلف عن سوريا السابق لأنها تحظى بإحترام كبير، فالجميع ينظر بإحترام وهيبة الى هذا البلد القوي.
بمعنى انه قبل قمع الثورة السورية من قبل الأسد وشبيحته وحزب الله اللبناني والحرس الثوري الايراني والميلشيات العراقية والافغانية والباكستانية لم تكن سوريا محترمة، وهذا الأمر مثير للعجب لأننا لا نعرف المقياس الذي قيم فيه الخامنئي نظام ذيله بشارالأسد وأكد إحترامه وهيبته. ونسأل هذا المرشد الأمعي: هل توجد دولة محترمة تحتلها روسيا وايران وتركيا والولايات المتحدة ومييشيات متعددة الجنسيات، ويسيطر انفصاليون أكراد على جزء من أراضيها، علاوة على تنظيم داعش الإرهابي؟
تجدر ملاحظة ما تم خلال زيارة جزار دمشق:
1. لاحظ المراقبون السياسيون حالة بروتوكولية شاذة لم يشهدها من قبل زائر رسمي لأيران سوى رؤساء العراق ورؤساء الوزراء، تنم عن عدم إحترام القيادة الإيرانية لهم، وهذا ليس خطئا برتوكوليا كما يتصور البعض، ونقصد بذلك عدم وجود علم دولة الزائر خلال الإستقبال الرسمي له كما هو متعارف عليه عالميا، وانما العلم الإيراني فقط. إيران تعرف جيدا مراسم إستقبال الرؤساء، وذات خبرة دبلوماسية راقية، ولكنها تتعمد إهانة ذيولها، ومنهم بشار الأسد وبرهم صالح ومصطفى الكاظمي ومن قبلهم، وهم بالطبع يستحقوا الإهانة بإعتبارهم عملاء لها ولا كرامة لعميل، وهذا أمر لا جدال فيه قديما او حديثا.
2. يبدو ان الخامنئي لا يعرف الأوضاع الداخلية في سوريا، لكي يبني تقييمه بأنها دولة مهيبة ومحترمة، وربما إستخدم نفس المعيار الذي يقيم به نظامه المأزوم، وهو على خطأ في التقيميين.
فقد أشار تقرير الأمم المتحدة الى أن 90% من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر، ووصل معدل البطالة الى 60% من مجموع القوى القادرة على العمل، كما بلغ الحد الأدنى للأجور شهريا في القطاع العام أقل من (20) دولارا، ووفق برنامج الغذاء العالمي فإن (12.4) مليون سوري، اي حوالي 60% من الشعب يعانوا من الجوع. وصرح ممثل الإتحاد الأوربي ان الوضع الحالي لسوريا هو الأسوأ منذ أكثر من عقد مضى، وقدرت كلفة الحرب السورية بأكثر (12) ترليون دولار. وعدد لاجيء الدولة السورية المحترمة (6.9) مليون لاجيء، منهم في الدول المجاورة (5.5) مليون، وعدد الأطفال (1.6) مليون. ونسبة النساء 66%. وعدد الأطفال خارج الدراسة (2.4) مليون. هذه هي الدولة المحترمة عند الخامنئي!
ربما فات المرشد الايراني فيما يتعلق بهيبة سوريا، ان اسرائيل شنت (400) هجوما على ايران معظمها كان في سوريا. وقتل خلالها المئات من الإيرانيين ومنهم قادة عسكريين كبار، واعترفت صحيفة (جيروزيلم بوست) بأن اسرائيل شنت اكثر من (1000) غارة اسرائيلية على سوريا الأسد المهيبة، وضربت (1200) هدفا محترما بـ (5500) قتبلة مهيبة خلال خمس سنوات.
فهل هذا نوع من الإحترام وهيبة للدولة يا مرشد الثورة؟
ويبدو ان حسن نصر كرر نفس إسطوانة سيده الخامنئي، معتبرا ان التصويت في العملية الإنتخابية الجارية يجب ان يًصب لصالح محور المقاومة، كي تبقى لبنان محترمة! بالطبع لبنان محترمة بشبعها غصبا على لحية هذا العميل الايراني، وليس بنظامها الحاكم الفاسد الذي يقوده الثنائي بري ونصر الله وحلفائهما، وهذا ما يقال عن الشعب الايراني والسوري واليمني والعراقي وبقية الشعوب المظلومة بحكام فاسدين وقمعيين. العميل هو غير المحترم، الذي يبتسم وهو يرى بلاء شعبه وفقره وجوعه، ومرضه وعوزه.
لكن هل لبنان الآن محترمة كما وصفها حسن نصر الله؟
تشير الإحصائيات بأن 80% من سكانها يعيشون تحت خط الفقر، والراتب الشهري للموظف بالكاد يسد كلفة حليب الطفل او باقات لا تتعدى العشرين من رغيف الخبز؟ كيف محترمة واللبناتيون يهاجروا من وطنهم بسبب الأزمات والنكبات المتتالية؟ والتقارير الدولية تشير بأن أزمة لبنان هي واحدة من بين اكبر عشر أزمات اقتصادية في العالم. فعلا حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له.
لكن مهما طال الليل وإشتدت ظلمته، لابد ان تشرق شمس الحرية وتنهض شعوب ايران ولبنان وسوريا واليمن والعراق وغزة، وتكسر قيود الحديد المكبلة بها، وتنطلق لمرحلة البناء الجديد والتنمية والديمقراطية الحقيقية، انها شعوب قوية وغير عقيمة، وليس ذلك ببعيد عنها، فالمؤشرات إيجابية، ويزداد بريقها يوما بعد يوم.
ضحى عبد الرحمن
العراق المحتل
مايس 2022
681 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع