مشروع إنشاء جمهورية القرم اليهودية

                                                         

                             د.جابر أبي جابر


مشروع إنشاء جمهورية القرم اليهودية

في القرن السابع قبل الميلاد استوطن اليونانيون شبه جزيرة القرم ومجمل سواحل البحر الاسود الشمالية. وفي القرن الثالث للميلاد غزا القرم القوط. وبعد انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى شقين غربي وشرقي(بيزنطي) في أواخر القرن الرابع دخل القرم ومناطق خرسون ضمن نطاق مصالح الدولة البيزنطية. وفي نهاية القرن السادس ظهر في شبه الجزيرة غزاة جدد وهم الخزر، الذين كان حكامهم يعتنقون الديانة اليهودية. وخلال ذلك انتشرت هذه الديانة هناك. وفي النصف الثاني من القرن العاشر قام أمير كييف بطرد الخزر من شبه الجزيرة. ولكن بقيت هناك إمارة يهودية صغيرة للقرائين.
ثم سكن في الجزء السهلي من شبه الجزيرة قبائل رحل من الترك. ومنذ منتصف القرن الثالث عشر أصبح القرم ضمن قوام الأورطة الذهبية بينما استوطن أهالي جنوى والبندقية الشريط الساحلي الجنوبي. وقد مارس الطليان التجارة ومن أجل حماية مدنه قاموا بتشييد قلاع جبارة على مجمل الساحل الجنوبي. وعقب انهيار الأورطة الذهبية في منتصف القرن 15 أنشئت خانية تترية مستقلة بقيادة سلالة حاجي غيراي وانتقلت العاصمة إلى بختشي سراي. وبعد بضعة عقود (عام 1475) دخلت المدن الساحلية والقسم الجبلي ضمن الدولة العثمانية. أما الأجزاء الباقية فقد بقيت تابعة لخانية القرم، التي أصبحت حليفة للعثمانيين.
وفي عام 1783 جرى ضم القرم إلى الإمبراطورية الروسية خلال عهد القيصرة كاترين الثانية. وأثناء الحرب الأهلية الروسية(1917-1922) كان القرم المعقل الأخير لقوات البيض في الجزء الأوروبي من روسيا. وعقب هجوم القوات النازية على الاتحاد السوفيتي عام 1941 احتلت هذه القوات القرم في خريف العام نفسه ثم طُردت من هناك في ربيع عام 1944. وحتى عام 1954 كان القرم تابعاً لجمهورية روسيا الاشتراكية السوفيتية الاتحادية. ففي العام المذكور قام الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف بضم شبه الجزيرة إلى أوكرانيا. وبعد مرور 60 عاماً أعيد القرم إلى قوام روسيا الاتحادية بعد أن كان تابعاً لأوكرانيا مما أحدث شرخاً عميقاً في العلاقات بين أوكرانيا وروسيا وانتهى الأمر بغزو الروس للبلد الشقيق.
والمعروف أنه في غضون أكثر من قرنين كان القرم مكاناُ لاستجمام العائلة القيصرية وكبار ملاكي الأراضي والنبلاء والكتاب نظراً لمناخه الجاف والدافئ وطبيعته الخلابة. كما أنه تحول في نهاية المطاف إلى مصح لعموم روسيا. وفي منتصف القرن العشرين كاد أن يصبح يهودياً.
ففي عام 1918 أشار لينين إلى جدوى إنشاء حكم ذاتي لليهود الروس، الذين كات يتراوح عددهم من مليونين ونصف المليون إلى ثلاثة ملايين شخص. ولهذا الغرض افتتح لدى وزارة القوميات مفوضية يهودية. والمعروف أن الإلغاء التام للمعزل اليهودي من قبل الحكومة المؤقتة عقب ثورة فبراير عام 1917 أتاح لأعداد كبيرة من اليهود الانتقال بحرية إلى العديد من مناطق الإمبراطورية الروسية السابقة. وقد رأى البلاشفة أن حل المسألة اليهودية بروسيا يكمن في"سوفيتة" اليهود وذلك من خلال تحويل اهتمامهم عن أشكال النشاط، التي تعتبر بأنها برجوازية (المالية والتجارة والحرف اليدوية الصغيرة)، وتعويدهم على العمل البدني. وتجدر الإشارة إلى أن الثورة الشيوعية نسفت الأسس الاجتماعية التقليدية لحياة السكان اليهود من خلال التأميمات مما وجه ضربة قوية للفقراء منهم المحرومين من سبل العيش.
وحيث أن الصناعات الثقيلة في روسيا قد توقفت من جراء الحرب الأهلية فإن "سوفيتة" اليهود كان يمكن تحقيقها بوسيلة واحدة وهي تعويدهم على العمل الزراعي أي تحويلهم إلى فلاحين. ولهذه الغاية كان ينبغي تشجيع السكان اليهود على الانتقال إلى الأراضي المتوفرة بكثرة في روسيا والصالحة للزراعة. وفي مطلع العشرينات طرح على الصعيد الرسمي برنامج "إعادة هيكلة القوام الاجتماعي للسكان اليهود".
في العشرينات من القرن الماضي ظهرت فكرة إنشاء كولخوزات يهودية ثم كيان حكم ذاتي بل وحتى جمهورية في القرم. فقد عكف الخبير الاقتصادي يوري لارين (لوريه) على وضع خطة لإنشاء حكم ذاتي هناك. وفي تشرين2 /نوفمبر عام 1923 ظهر مشروع آخر بإشراف رئيس القسم اليهودي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم أبرام براغين. وتجلى هذا المشروع في إقامة مقاطعة يهودية ذاتية الحكم تضم شمال القرم والشريط السهلي الجنوبي لأوكرانيا ثم جزء من الشاطئ القوقازي للبحر الأسود حتى أبخازيا.
في عام 1923 وصل إلى موسكو ممثل قيادة الجمعية اليهودية الأمريكية المشتركة للإغاثة"جوينت" جوزيف روزن، الذي أحضر معه مذكرة للحكومة السوفيتية تتضمن مشروعاً مناسباً للاتحاد السوفيتي يقضي بإنشاء حكم ذاتي لليهود بحلول الذكرة العاشرة لانطلاقة ثورة أكتوبر الشيوعية. ويشمل المشروع أراضي مقاطعتي أوديسا وخيرسون والجزء الشمالي من شبه جزيرة القرم وسواحل البحر الأسود حتى أبخازيا بمساحة إجمالية تتجاوز مليون هكتار وذلك لإسكان 500 ألف يهودي.
كما تنص المذكرة على إمكانية تقديم قروض كبيرة للاتحاد السوفيتي بمساعدة المنظمات اليهودية الأمريكية والدولية. وقد جرى تسليم هذه المذكرة إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم عن طريق كامنيف. وكان ضمن المتحمسين لاقتراح "جوينت" كل من تروتسكي وبوخارين وزينوفييف وريكوف وتسوروبا وتششيرين. ولدى بحث الاقتراح كانت منطقة الجمهورية اليهودية ذاتية الحكم تنكمش وتنتقل تدريجياً حتى انحصرت ضمن أراضي القرم. ولكن ستالين أصر على ضرورة اتخاذ موقف حذر بخصوص تحقيق هذه الفكرة.
وفي عام 1924 تم توقيع اتفاقية بين "جوينت" والحكومة السوفيتية حول تأسيس شركة "أغرو- جوينت"، التي تولت تعويد اليهود على العمل الزراعي من خلال تخصيص الأراضي لإنشاء مزارع تعاونية (كولخوزات) جديدة. وكان يجري عن طريق هذه الشركة استيراد الآلات الزراعية الحديثة والبذار عالي الغلة ومواشي النسولة. وقد اعتنى المهندسون الزراعيون من "جوينت" بتدريب المزارعين اليهود على إجراء الأعمال الزراعية.
وفي عام 1926 قام جيمس روزنبورغ رئيس الجمعية اليهودية الأمريكية المشتركة للإغاثة "جوينت" بزيارة إلى الاتحاد السوفيتي التقى خلالها مع كبار المسؤولين السوفيت. وقد تمخضت الزيارة عن توقيع اتفاقية مع الحكومة السوفيتية حول قيام"جوينت" بتمويل انتقال اليهود من بيلوروسيا وأوكرانيا إلى شبه جزيرة القرم. ولهذا الغرض قدمت الجمعية اليهودية الفرنسية والجمعية الأمريكية وغيرهما مساعدات للاستيطان اليهودي في الاتحاد السوفيتي. وفي 31 كانون 2/ يناير عام 1927 جرى توقيع عقد مع مؤسسة "أغرو- جوينت" حول تخصيص 20 مليون دولار لتنظيم عملية الانتقال. ومن جهتها رصدت الحكومة السوفيتية لهذا الغرض 5 ملايين روبل. وللمرة الأولى منذ مئات السنين حصل اليهود على فرصة العمل في مجال الزراعة وأرسلت" جوينت" إليهم عدداً كبيراً من الجرارات الأمريكية. وقد لاقت هذه المشاريع اعتراضاً قوياً من جانب تتار القرم. ولكن في 4 أيار/مايو عام 1938 ألغي فرع مؤسسة" جوينت" في الاتحاد السوفيتي بموجب قرار للمكتب السياسي. وسرعان ما قامت السلطات بتحويل هذه المستوطنات الناجحة إلى سوفخوزات. وقد أنفق روزنبورغ على الأعمال المتعلقة بإقامة مستوطنات في القرم 30 مليون دولار( وهو ما يعادل على الأقل نصف مليار دولار حالياً).
وفي العشرينات والثلاثينات تشكلت خمس مناطق قومية يهودية في القرم تضم 231 مستوطنة. وصادف انتقال اليهود إلى القرم مع فترة نزع ملكية الفلاحين الميسورين"الكولاك" وطردهم من القرم. ولكن موجة التطهيرات الستالينية الكبرى خلال النصف الثاتي من الثلاثينات أدت إلى نسف النشاط الزراعي اليهودي في شبه الجزيرة فتوقف استيطان اليهود للمنطقة.
وأثناء الجولة الطويلة الناجحة للغاية، التي قام رئيس اللجنة اليهودية لمناهضة الفاشية سلمون ميخويليس إلى الولايات المتحدة وكندا والمكسيك وبريطانيا في عام 1943، بُعثت من جديد فكرة إنشاء جمهورية يهودية اتحادية عوضاً عن مقاطعة" بيريبيجان" اليهودية ذاتية الحكم، التي تبعد آلاف الكيلومترات عن موسكو. وقد منح مولوتوف آنذاك رئيس الوفد صلاحيات إجراء مباحثات مع الشخصيات الصهيونية الأمريكية حول الدعم المادي لاستيطان اليهود في القرم بعد دحر النازيين من هناك. وخلال هذه الجولة تم جمع لصالح الجيش الأحمر 16 مليون دولار في الولايات المتحدة و15 مليون دولار بكندا وإنجلترا ومليون دولار في المكسيك و750 الف دولار في بفلسطين وذلك إلى جانب الآلات والمعدات الطبية وسيارات الإسعاف والملابس. كما ساعد نشاط الهيئة في فتح الجبهة الثانية (الغربية) ضد القوات النازية.
وخلال ذلك طرحت الفكرة الخاصة بإنشاء كيان ذاتي الحكم لليهود. ويرى بعض المؤرخين أن هذه الفكرة كانت ، في واقع الأمر، تعود لستالين وترمي إلى مغازلة الولايات المتحدة والدعاية هناك لصالح الاتحاد السوفيتي. ويمكن لمذكرات الرئيس السابق للاستخبارات الخارجية السوفيتية بافيل سودوبلاتوف أن تلقي بعض الضوء على هذا الموضوع حيث قال:" ...جرى الحديث في الأوساط العليا بأنه يمكن أن يُقترح على ميخوليس منصب رئيس السوفيت الأعلى في الجمهورية اليهودية. ولكن باستثناء مولوتوف وسلمون لوزوفسكي وبعض كبار مسؤولي وزارة الخارجية السوفيتية كان ميخوليس الشخص الوحيد المطلع على وجود خطة لدى ستالين بخصوص إنشاء دولة يهودية في القرم، إذ كان الزعيم السوفيتي يعول على استلام 10 مليارات دولار من الغرب لإنعاش الاقتصاد السوفيتي الذي دمرته الحرب...
وكما سبق أن ذكرت فإن خطة استقطاب الرأسمال الأمريكي كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإنشاء جمهورية القرم اليهودية، التي أطلق عليها تسمية" كاليفورنيا القرم". وقد بُحثت هذه الفكرة في أوساط اليهود الأمريكيين وحدثني عن ذلك غريغوري هيفيث معاون القنصل السوفيتي في سان فرانسيسكو. وحسب قوله فإن المشروع أثار بشكل خاص اهتمام رئيس غرفة التجارة الأمريكية ايريك جونستون، الذي قابل ستالين مع السفير الأمريكي بموسكو أفريل غاريمان في حزيران/يونيو عام 1944 لبحث قضايا بعث المناطق، التي كانت في السابق مستوطنات يهودية رئيسية في بيلوروسيا، وانتقال اليهود إلى شبه جزيرة القرم. وقد رسم جونستون أمام ستالين لوحة زاهية مؤكداً أنه سيتم لتحقيق هذا الهدف تقديم قروض أمريكية طويلة الأمد بعد انتهاء الحرب...
وحتى حزيران/ يونيو عام 1945 كان يبدو أن المشروع لا يزال قائماً ومن المقرر تنفيذه. ولدى الإعداد لمؤتمر يالطا استفسر السفير غاريمان لدى معاون وزير الخارجية كيريل نوفيكوف عن سير العمل بخصوص هذا المشروع، الذي ترتبط به القروض الأمريكية. وأذكر أنني قرأت خبراً يفيد بأن ستالين بحث عقب انتهاء الحرب مباشرة مع وفد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي خطة إنشاء جمهورية يهودية في القرم وإنعاش مقاطعة غوميل البيلوروسية ذات الأغلبية السكانية اليهودية وطلب منهم عدم تقييد القروض والمساعدات الفنية بهاتين المنطقتين، إذا لم يتم ربط ذلك بمشاريع ملموسة".(بافيل سودابلاتوف. الاستخبارات والكرملين. مذكرات شاهد غير مرغوب فيه. موسكو. دار نشر"غييا"،1996) .
وتتعارض مذكرات سودوبلاتوف مع الرواية القائلة بأن نزعة معاداة السامية، التي ظهرت في سنوات حكم ستالين الأخيرة، ناجمة عن مطالب اليهود الملحة بإقامة كيان حكم ذاتي أو جمهورية في القرم. ووفقاً لهذه المذكرات فإن فكرة إنشاء الجمهورية اليهودية تعود إلى ستالين نفسه. على كل حال كان مولوتوف بدوره يحبذ هذه الفكرة. وقد تلقى بهذا الشأن في 21 شباط/ فبراير عام 1944 نفس نص الرسالة الموقعة من قبل ثلاث شخصيات يهودية سوفيتية بارزة وهم سلمون ميخويليس وشاخنو إبشتين وايستيل فيفير وذلك بعد أسبوع من تسليمها إلى ديوان ستالين، إذ كان أصحابها يخشون من عدم وقوعها في يديه. وجاء في هذه الرسالة ما يلي :" ... من أجل إعادة النمو الاقتصادي إلى مجراه الطبيعي وتطوير الثقافة السوفيتية اليهودية وتعبئة كافة قوى السكان اليهود لما فيه خير الوطن السوفيتي ومساواة وضع الجماهير اليهودية ضمن الشعوب الشقيقة نرى أنه من المناسب في إطار قضايا ما بعد الحرب طرح مسألة إحداث جمهورية يهودية اشتراكية سوفيتية. ويبدو لنا أن القرم هو المنطقة الأكثر ملائمة لهذا الغرض، لاسيما أنه سبق أن جرت تجربة ناجحة في تطوير المناطق القومية اليهودية هناك. وسوف نتلقى المساعدات من الجماهير اليهودية في كافة أنحاء العالم. فعلى مدى قرون طويلة لم يتسن لأحد معالجة هذه المشكلة ولا يمكن حلها إلا في بلدنا الاشتراكي العظيم".(المصدر السابق).
ومن جهة أخرى يُزعم أن الولايات المتحدة شاركت في تمويل هذا المشروع حيث خصصت عبر المنظمة الخيرية اليهودية" جوينت" مساعدات بقيمة 10 مليارات دولار للاتحاد السوفيتي المحتاج آنذاك لمثل هذا الدعم المالي مقابل رهن 375 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في القرم. وتشير هذه الرواية إلى أن الولايات المتحدة أطلقت على هذا المشروع تسمية "كاليفورنيا القرم" حتى أنها أصدرت سندات لشركة"أغرو- جوينت" وأصبح 200 شخص من أصحاب النفوذ الأمريكان حاملين لهذه السندات ومنهم روزفلت وغوفر وروكفلر ومارشال. وتشير الرواية إلى أن روزفلت أعلن لستالين أثناء انعقاد مؤتمر طهران في أواخر عام 1943 أن الولايات المتحدة ستوقف توريدات المساعدات العسكرية واللوجستية والغذائية في إطار قانون الإعارة والتأجير" ليند- ليز" ولن تستطيع فتح الجبهة الثانية نظراً لأن اللوبي الصهيوني يطالب البلاشفة بتحقيق التزاماتهم وفقاً لسندات الصرف المتعلقة بحل مسألة"كاليفورنيا القرم" فإما الشروع في سداد الديون أو إنشاء جمهورية يهودية في شبه جزيرة القرم. ومن الطبيعي أنه لم يكن لدى البلد أموال لدفعها في ظروف الحرب. وقد شعر ستالين بأنهم يحشرونه في خانة اليك. ولهذا وافق على البدء بالأعمال التحضيرية لإنشاء الجمهورية اليهودية. وفي هذا السياق قامت السلطات السوفيتية بترحيل تتار القرم إلى آسيا الوسطى باعتبارهم يشكلون حجر عثرة أمام انتقال اليهود إلى شبه الجزيرة. ولم يقتصر الأمر على ترحيل التتار فحسب، بل وشمل أيضاً الأرمن واليونانيين والبلغار. وقد اصر الأمريكان على تعيين ميخويلس رئيساً للجمهورية بدلاً من كاهانوفتش كما كان يريد ستالين. وقد أعطى الكرملين أيضاً موافقته على ذلك. ولكن هذه "المخططات" نسفت على أثر رحيل روزفلت في عام 1945. ولاحقاً "نسي" ستالين ومن بعده خروشوف الاتفاقيات المذكورة. وأغلب الظن أن هذه الرواية غير واقعية. على كل حال فإن ستالين بعد انتهاء الحرب قرر التملص من كافة التعهدات المتعلقة بالقرم . ويؤكد فتروف مساعد مولوتوف ما قاله ستالين بخصوص المسألة اليهودية:" تعالوا نتفق على ضرورة إنشاء دولة إسرائيل بفلسطين فإنها ستكون بمثابة المخرز في مؤخرة الدول العربية وترغمها على أن تدير ظهرها لبريطانيا. وفي نهاية المطاف سيتم تقويض النفوذ اليريطاني في مصر والعراق وتركيا". ولهذا الغرض سارع الاتحاد السوفيتي إلى تقديم كافة أشكال المساعدة لليهود من أجل تأسيس دولة قومية لهم في فلسطين. فسمح بهجرة مئات الألوف من يهود أوروبا الشرقية المحتلة من قبل الجيش الأحمر حيث ارتفع عدد اليهود في فلسطين خلال العامين 1945-1946 ثلاثة أضعاف وبلع زهاء 600 ألف شخص. كما أرسلت موسكو عن طريق بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا حوالي 110 آلاف قطعة سلاح إلى اليهود في فلسطين، وبذل الاتحاد السوفيتي قصارى جهده لاستصدار قرار تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية عبر هيئة الأمم المتحدة. وكان أول دولة تعترف بإسرائيل وتقيم معها علاقات دبلوماسية. وهكذا فقد نشأت الدولة العبرية في فلسطين وليس في القرم.
وعندما رأى الزعيم السوفيتي أن اليهود السوفيت لم يتوقفوا عن المطالبة بجمهورية القرم قرر ستالين الشروع بحملات تنكيل ضدهم. وفي البداية قامت السلطات السوفيتية بحل الهيئة اليهودية لمناهضة الفاشية. ثم جرى اغتيال رئيسها سلمون ميخويلس بواسطة تدبير حادثة دهس بالسيارة في مدينة مينسك، كما أن بولينا جمتشوجينا زوجة مولوتوف اعتقلت ونفيت. وقد اتهمت الهيئة المذكورة بخيانة الوطن والنزعة الكوسموبوليتية. ثم اعتقل رئيس الهيئة اسحاق فيفر ومدير المسرح اليهودي بموسكو بنيامين زوسكي. وفي عام 1952 حكم بالإعدام على 13 شخصية بارزة من نشطاء هذه الهيئة بتهمة الدعاية المعادية للسوفيت والتخابر مع الأمريكان. ثم بدأت في الاتحاد السوفيتي حملة واسعة النطاق موجهة ضد اليهود السوفيت.
ويمكن القول أن القرم لا يزال حتى الآن موضع خلافات شديدة للغاية وهي قائمة بين أوكرانيا وروسيا الاتحادية التي ضمته إليها في عام 2014 منتهكة بذلك، حسب اعتقاد الجانب الأوكراني، مذكرة بودابست ووحدة الترب الوطني الأوكراني.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

454 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع