وائل القيسي
وسائل التواصل الاجتماعي بين واقعين
إن التطور هو من سمات الإنسان منذ أن خلقه الله ليعمّر الأرض، وهو يعمل على تطويع وترويض الطبيعة، وتغيير وتطوير أساليب ووسائل الحياة بما يخدم أغراضه ويحقق أهدافه اللامتناهية، وصولا لحياة أفضل وإنجازات أكثر، تعود عليه بالرفاه والتقدم والازدهار.
وقد أخذت وتيرة البحث والاختراع والاكتشاف تنهال على المجتمعات كالطوفان في شتى مناحي العلوم، منها الطب والهندسة والميكانيك والصناعة والفضاء والفلك والفيزياء والكيمياء والإلكترون...
ناهيكم عن العلوم الإنسانية الأخرى وهي كثيرة جدا.
وصارت الشركات العالمية الكبرى تخوض سباقا محموما لتحقيق أهدافها، سواء في المنتجات أو في تحقيق الأرباح المادية.
ومن بين أهم هذه المنتجات التي اكتسحت كل سكان العالم، والتي صار وجودها لا غنى عنه، هي وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة الآن للجميع بلا استثناء ولكل الفئات العمرية، وهي لا تتحدد بفئة أو طبقة دون أخرى، سواء المتعلمة والمثقفة أو دون ذلك.
وقد نتج عن هذا الصراع المحموم بين الشركات العالمية الكبرى أن صارت تستقطب المبدعين والمتفوقين من العلماء والخبراء والمكتشفين والباحثين، لإنتاج أو تصنيع برامج وتطبيقات يمكن استخدامها من قبل عامة الناس من خلال اقتناء أجهزة الاتصال الذكية (موبايل، كومبيوتر، تاب، pc) بمجرد ربطها على شبكة الإنترنت.
وبعض من أهم هذه التطبيقات والبرامج الأكثر شيوعا واستخداما، والتي يتجاوز أعداد مستخدمها كذا مليار من البشر هي:
_تطبيق واتس آب، وقد استقى مؤسسو هذا التطبيق اسمه من كلمة what 's up، وتعني كيف الحال في العامية باللغة الإنجليزية.
_تويتر (Twitter)، وتعني مجموعة قصيرة من المعلومات وكذلك سقسقة الطيور، وهو تماما ما يتطابق مع فكرة المنتج.
_آبل (Apple): تم اختيار هذا الاسم تيمنا باسم الفاكهة، كون أن مقر الشركة في مقاطعة سليكون بكالفورنيا كان يقع في بساتين فاكهة، بالإضافة إلى أن مؤسس آبل (ستيف جوبز) كان نباتيا ويحب الفاكهة عند تأسيسه للشركة.
_فيس بوك (Facebook)، اشتق مؤسس الشركة (مارك زوكربيرغ) الاسم من اسم (الدليل) الذي يقدمه مديرو جامعة هارفارد التي كان يدرس فيها، للطلاب في بداية العام الدراسي لغرض مساعدتهم للتعرف على بعضهم البعض.
_غوغل (Google)، وهذا يعدّ من أهم البرامج على الإطلاق، فهو محرك البحث الشهير، وقد أسس هذهِ الشركة (لاري بيج ونيرجين برايان)، وسمي بهذا الاسم من قبل صديقهما، وهو شخص يدعى (شون)، وكان يدرس معهما في جامعة ستانفورد.
وتعني كلمة غوغل لدى علماء الرياضيات الرقم 10100 (الرقم 1 يليه مائة صفر)، وتكتب في الأصل googol، لكن شون أخطأ في كتابتها، أو ربما كان الخط غير واضح، فصارت (google) هي الاسم الرسمي لهذه الشركة.
إن وسائل التواصل الاجتماعي، هي مواقع وتطبيقات، أو برامج صممت لتسهيل عملية التواصل بين البشر في جميع أنحاء العالم من خلال منشورات أو محادثات أو مكالمات مسموعة أو مرئية.
وتهدف هذه الوسائل لبناء وتسهيل عملية التواصل بين المجتمعات كافة، عبر مشاركة الأفراد اهتماماتهم ونشاطاتهم وآراءهم وأفكارهم من خلال هذه التطبيقات.
ومن المؤكد أننا ضد مبدأ النظرة السلبية والرفض والأعتراض، بالنظر إلى أن استخدامها أصبح واقعا وحقيقة لا يمكن تخطيها أو الهروب منها، ولا حتى الاستغناء عنها، لكن لَابُدّ من تهذيب وتشذيب استخدامها، لتكون في خدمة الإنسان، لا أن تسوقه إلى دهاليزها المظلمة من دون وعي وكأنه يُساق كما هو شعور القطيع.
ولا يمكن إغفال فائدتها والحاجة إليها، بعد أن اتسعت وتشعبت شبكة علاقاتنا الاجتماعية، فقد مكنت البشر وساعدته على تخطي حاجز الزمان والمكان.
لكنها في ذات الوقت لا تخلو من مساوئ قاتلة، ومن أبرزها أنها تؤدي إلى انحراف الانتباه تجاه موضوعات سطحية لا تقترب من احتياجاتنا ومشاكلنا الحقيقية.
بالإضافة إلى أن هذا الكم الهائل من البيانات والمعلومات والأخبار غير المسيطر عليها تؤدي لخلق مشاكل في العلاقات الحياتية الحقيقية.
وقد نبّه ودق ناقوس الخطر (ديماسيو) إلى قضية غاية في الخطورة وهي ما يطلق عليها (التكاسلية والتواكلية) في الفعل الاجتماعي، فمواقع التواصل الاجتماعي هي مكان مهم لنشر الأخبار، ولكنها في ذات الوقت تُعَدّ أسوأ مكان لتطبيق الفعل الاجتماعي على أرض الواقع، فأحيانا تكون تغريداتك لصالح قضية ما، أو نشرك لرأي ما تؤيده أو تدعمه، أو قضية تدافع عنها، يعطيك شعورا مصطنعا بالمشاركة في فعل اجتماعي حقيقي، أو يُخيّل إليك أنك بذلت مجهودا كبيرا ومتميزا في هذا الإطار، في حين أنك لم تفعل شيئا ملموسا، ولم تتحرك قيد أنملة من مكانك، مما يجعلك تتحول إلى فاعل سلبي لا يخلو من التأثير المثبط حتى على البشر الفاعلين على أرض الواقع.
وهناك ظاهرة طارئة تنذر بخطر داهم نمت بشكل تدريجي ومتسارع تصاعديا، هي ظاهرة النسخ واللصق (Copy & Paste) من غير تدقيق ولا تمحيص أو تأكد من صدقية الخبر أو المعلومة الواردة في المنشورات، والأدهى من ذلك أن هذه الظاهرة تشمل المتعلمين وأنصاف المثقفين وحتى من حملة الشهادات العليا، خصوصا إذا كان المنشور يحتوي على رابط لمصدر أجنبي حتى لو كان وهميا، وسبب ذلك هو الجهل المؤدلج، وحب الظهور، ورغبة الفوز بالأسبقية في تداول المنشورات، فبمجرد أن يصله منشور ما، يقوم بنسخه ولصقه على صفحته وتعميمه على أصدقائه ومعارفه، وفي أغلب الأحيان تكون هذه المنشورات مذيلة بأسماء أو عناوين لجهات وهمية غير معروفة.
بناء على ما تقدم ينبغي على كل الجهات المعنية أن تتبنى القيام بحملات إعلامية موسعة ومتواصلة للتوعية والتنبيه على خطورة تقبّل الأفكار والقوالب الجاهزة والسعي لخلق فكر واعٍ يعتمد على قاعدة عدم الأخذ بأي قالب جاهز وعدم ترويجه إلّا بعد التدقيق والتمحيص والذهاب إلى المصدر الأصلي للخبر أو المنشور واللجوء إلى المواقع الرسمية والرصينة، مهما كان الخبر أو المعلومة او المنشور بسيطا...
402 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع