علي محمد فخرو
انعطافات الفن العربى المفجعة
يحتاج فنانو وفنانات العرب، وعلى الأخص المغنون منهم والمغنيات، أن يذكروا أنفسهم بأنهم يعيشون فى وطن عربى له فى حاضره خصوصيته التاريخية المليئة بالآلام والمشاكل، والتى تفرضها وتجذرها فى الواقع العربى المعاش قوى خارجية متآمرة من جهة وقوى داخلية أنانية أو انتهازية أو جاهلة من جهة أخرى.
لذا فإن توجهاتهم وتعبيراتهم وسلوكياتهم، الموجهة على الأخص إلى شباب وشابات الأمة، تستطيع إما المساهمة فى تجييشهم للنضال وللمساهمة فى إخراج الأمة من الوضع البائس الذى تعيشه، وإما المساهمة فى حرفهم نحو التافه والسطحى والإباحى الذى يجعلهم عبئا إضافيا على هذه الأمة المنهكة بألف قضية وقضية.
من هنا الأهمية القصوى لإدراك الفنانات والفنانين العرب بأن هؤلاء الشباب والشابات لا يحتاجون فقط لمن يمجد علاقات الحب أو يواسى من يعانون إخفاقاته وخياناته وأوهامه الشبابية، والنتيجة هى أن تنقلب حياة الشابات والشباب العرب إلى دوران دائم حول عالمهم الذاتى والخاص.
ولكن هؤلاء الشابات والشباب يحتاجون أيضا لمن يوقظ فيهم المشاعر الوطنية والقومية العروبية، والإيمان بالأفكار والأيديولوجيات الكبرى والنضال لتحقيقها، والالتزام بأخلاقيات وقيم العدالة والإنسانية، وبالتالى الدفع نحو الابتعاد عن قيم الفردية الأنانية والاستهلاك المادى النهم وعبادة أبطال الرياضة والفن الهابط، والانغلاق فى عوالم مركزية العواطف الحبية المرتبكة فيما بين المراهقين من الشباب والشابات. مشكلة التعبير الفنى فى بلاد العرب أنه، كما الحال مع كل الممارسات الحضارية، يتبع الموضات والصرعات والحملات الدعائية الإعلانية فى بلدان الغرب. ففى الخمسينdات من القرن الماضى، ومع الانتعاش فى الغرب والشرق لمدرسة الفن لخدمة المجتمع والإنسان، وليس الفن للفن وشطحاته، رأينا نهضة فى تعبيرات الفن الواقعى، فى السينما والمسرح والغناء، ورأينا التصاقا حميميا بين التعبير الفنى وبين روائع التعبير الأدبى والشعرى.
لكن مع انتكاسة الفكر السياسى اليسارى من التوجهات الثورية الملتصقة بقوة بحاجات الطبقات الجماهيرية المسحوقة فى ثمانينdات القرن الماضى، ومع الصعود المذهل لبلادات وانغلاقات الفكر السياسى اليمينى النيوليبرالى الملتصق بخدمة القلة الرأسمالية وبهدف إنعاش أسواق المضاربة والمغامرات المالية المجنونة، وفى المدة الأخيرة بخدمة بارونات التواصل الإلكترونى التجارى والاجتماعى، عادت فى الغرب مدرسة الفن لخدمة الابتذال والرغبات الحسية، وعادت معها، وتقليدا مستمرا لصرعاتها، مدرسة الفن المبتذل السطحى العربية فى أغلب تعبيراتها السينمائية والمسرحية والغنائية.
يستطيع الغرب الاستعمارى، القوى المستقل الغنى المهيمن على حضارة العالم كله، أن يتحمل كل تلك التقلبات، وقد بنى الكثير من المؤسسات القادرة على تصحيح تلك التقلبات وتعديل مساراتها الجنونية. لكن ماذا عن المجتمع العربى الممزق سياسيا، الضعيف اقتصاديا، المبتلى إلى أبعد الحدود اجتماعيا، المنهك بكثير من بقايا إرث التاريخ السلبى، الرازح تحت هيمنة أشكال من التدخلات الاستعمارية، المواجه لخطر صهيونى وجودى فى قلب وطنه العربى، فى فلسطين المحتلة.. ألا يحتاج هكذا مجتمع لفن يلهم نفوس شبابه وشاباته، ويسمو بها نحو المثل والقيم، ويحفزها لتكون فى قلب ملاحم النضالات الوطنية والقومية والإنسانية؟ هل أن مدرسة الفن والأدب والشعر لخدمة الواقع وتغييره، التى انتعشت فى الخمسينيات، ما عادت المجتمعات العربية الحالية، المبتلاة بكل سوءات الدنيا، تحتاج لها، خصوصا بعد هزال السياسة وغياب القيادات التاريخية الملهمة، وحلول التافهين مكانها؟
ألا نحتاج لتلك المدارس التعبيرية التجييشية لتعوض مجتمعاتنا العربية عن إضاعتها المفجعة للسياسة التغييرية النظيفة المؤمنة بوحدة الأمة وتحررها وعدالة أنماط حياتها؟
سؤال نوجهه فى الأساس لشابات وشباب الأمة، إذ إنهم مسئولون جزئيا عن قبول تلك الانعطافة التعبيرية الفنية البائسة.
593 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع