مجيد ملوك السامرائي [*]
الـــزمــن – الـمــكان – الانسـان
الزمن مفهوم أخطبوطي عــديم الاتجاهات والحـدود وينحصر بلحظة الحاضر وبماضي بعـيد ومستقبل مجهول، ويتم رصده بنمطين؛ الاول ما تعلق بذاكــــرة البشر المتراكمة من حركته جيلا بعـد اخـر ضمن الزمن المحدد بعـمر الانسان، اما الثاني فما وصلنا من بصمات طبيعية تأثرت بالحركة عـبر الزمن احفوريا واثاريـــــا .
ان مفهوم الزمن بـقي محيرا للفلاسفة، الفلكيين، الجغرافيين، والفيزيائيين/ الرياضيات بالرغـم من ان كل الاديان السماوية أوضحت بدايته خلـــقا من ،الله، تعالى مع الأكــــوان الاسبق خلقا والتي لم يؤذن للبشر ادراكها، ولربما يؤذن له بادركها في وقت ما كما اذن له بأختراع الطاقة الكهربائية بعـد الاف السنين او اكـثر من الظلام وكذلك عمليات غـزو الفضاء ومنها الوصول الى القــــمر.
عــبر الــــقرون الثلاثة الاخـيرة ســـــاد مفهومان لـلزمن؛ أكــــــــــــد الاول ( لـنيوتن1687 ) على طلاقة الزمن كحالة كونية خطية تمضي ولا تعود وان كافة الاحداث تقع ضمن خط الزمن المتساوي تـدفـــقا في الـــكون. أما الثاني ( لانشتاين 1915 ) فقد اكـــــــــــد على أن لـكل حدث زمنه الذي ينتهي بنهايته .. ليـبدأ زمن لحدث جديد بمعنى تــوالـــــد الازمان ضمن خط الزمن غـــير المطلق بسبـب عــدم تساوي معدلات السرعة لحركة كـل الاحداث بما في ذلك تباين حركة الانسان فوق سطح كوكب الارض.
حديثا تم الـــركون الى المفهوم الاكــثر شمولية من سابقاته واقعـــيا وعلميا والمتمثل بربط الزمن بالمكان، أستـــنادا الى الطريقة التي وجـد فيها الــــــكون الخالي من الـفراغ / الفضاء والذي يتـشكل مكانيا من ثلاثة ابعــاد هندسية/ رياضية ( الطول والعرض والارتفاع ) او ما يسمى بالابعاد الثلاثية (3D ) ولــــــكل مكان يبصره االبشر في الكون مهما صغـر او كـبر، ويكـتمل المكان بأبعاده الثلاثية بالبعـد الرابع ( الزمن ) الذي يمثل؛ مقياس حركة مكونات المحتوى المكاني من المادة والطاقة والفراغ/ الفضاء ومنعكسات الضوء، وبذلك تــــشكل المفهوم الشامل والاحدث علميا اي المكان – الزمان ( الزمكـان = Spacetime ) .
بشمولية المفهوم الرباعي تــتـشكل الشـــــــبكة التي تحمل كل المحتوى المكاني – الزماني الكوني من الــــذره واجزائها الى أكــــبر المجرات بضمنها المكونات المشار اليها، وقـــد أعـتمد هـذا المفهوم الاكـــثر شمولية في دراسات وأبحاث العـديد من التخصصات العلمية ومنها أبحاث الجغرافية التطبيقية بأعـتبار الجغرافية عـــلم المكان بكافة ظواهـــره الطبيعية والبشرية وحركتها في الزمـــن[1].
لا زال العـقل البشري يتـــفكر جاهـدا لتلافي غـموض مفهوم الزمن ضمن محتوى الـــزمــــكان باعـتبار الزمن الحاضر ( الأن ) وهـــــما مـتـكررا، فــــلا وجود لـــــزمن ( الأن ) في ظل مجهولية الزمن القادم/ المستقبل، اذ ان كل مفهوم الزمن ينحصر بالماضي حتى وان كان ضمن الوحدة القياسية الاصغـر للزمن، فضوء الشمس/ صورتها الذي يصل الينا يستغـرق ثمانية دقائق تقريبا للوصول مما يعني استلامنا لصورة الشمس الماضية او السابقة لوقـتـنا، وينطبق ذلك على القمر الذي تصلنا صورته ارضيا بعـد اكــثر من دقيقة، كما ان أنـــتهائـــنا من لفظة اي مفردة يعني سقوطها في فوهــة الماضي، وينسحب ذلك الى مستوى الحركة الادق لـكل الـــكترون لتصبح ضمن الماضي مباشرة، ان الامـــر المتحقـق هـو ان الزمن مفهوم متغـير وانه وجـد كما وجدت كافة المخلوقات ويـــقيـــنا فأن له ارتباطات وتــداخلات كونــية من غــير الممكن فــهمها من قبل الانسان في الزمن الحالي وربما يفهمها في زمن مـــا.
أنـــخرط الانسان مع بدايات الحضارت البشرية الاولى التي وصلت اخبارها الينا قبل ما يـــزيد عـن مئة قــرن بما في ذلك السومريين في بـــلاد الرافـــدين/ العـــراق؛ انخرط في مفهوم الزمن وتفسيره كمقياس للحركة بغية ترتيب الاحداث ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ولذلك ربـط الزمن بحركة الشمس والقمر والنجوم لملاحقة فروق التوقيتات عــــبر حركتها، ثم انــــتقل الى حركة ظـل اشعة الشمس الساقطة على الاجسام، وتصاعـد التطوير سنة بعـد اخـرى مرورا بكل انواع الساعات التي صنعها الى ان وصل الانسان في السنوات الاخيرة لقياس الزمن/ الوقت وفـقا للنظام الجيو – فضائي بأعتماد الاقمار الصناعية لضبط الوقت وفـقا للساعـات الارضية، والاحـدث تــطورا هـــــو أبـتكار الساعة الـذرية اعـتمادا على الحركة الألكترونية في بعـض الـذرات لقياس الثانية بدقة عالـية بهدف توحيد التوقيت، وكشف العالم المصري احمد زويل1988 وحدة القياس الاعلى دقة لحد الأن وهي ( فيمــتو ثانية ) والتي تـقابل – للمقارنة –ثانية واحدة لـكل أثنان وثلاثون مليون ســـــــنة.
ان ما يعـني البـشر هــو حقيقة ما يقدمه للزمن او كيـف يتـفاعـل معه فالـزمن لا ينتـظر احـدا وقـديما وصف بالسيف الذي يتطلب قطعه، وعلية فـأن الزمن الممنوح لنا لايستلزم الهروب منه او معايشته السلبية والمحددة بعـمر الانسان فــقط، وانـــما يستلزم تطويعه لصالح اعــمار كوكب الارض في كل ثانية قبل ان تصبح ماضيا، وربما تعويض الفـرصة المفقودة يصبح عـديـم الجدوى عندما يكون على حساب فرصة ثانية مؤكدة تفقد زمنا/وقتا بتعويض الاولى، وبالتالي هنالك ضرورة قصوى لعـدم العـــبث بالــــزمن بأية صورة او التـغافــل عـنة ليصبح بـلا معنى، وفــــــي1950 تغـنت أم كلثوم للشاعــر المصري احمد شوقي برباعـيات الفيلسوف والشاعــر الفارسي عـــــمر الخيام ‘‘ لا تــــشغـل البال بماضي الزمان ‘‘ ...... ‘‘ وغــــــدا بظهر الغـيب واليوم لــي ‘‘.
هـــــكذا ينـبغي للأنسان أقــتـناص فرصة الحاضر قــبل مضيها ليس للتخريب والدمار، وأنما أعـــمارا للارض وما عليها بـــشرا وحــجرا ضمن الـــزمن المتاح كنعــــمة مجانية، والتـــــفكـر في خلق الـــــكون الأوسع توحـــيدا وشــــكرا للخالق العظيم تــــبارك وتـــعالـــــى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[*] مجيد ملوك السامرائي. جـغـرافـي/ كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي. # ويكيبيديا .
[1] مجيد ملوك السامرائي. الجغرافية وآفاقها العلمية، دار اليازوري العلمية /عمان/ الأردن، 2022. ص 56 – 63.
550 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع