المحامي أحمد مجيد الحسن
من رجال الحركة الوطنية في مدينة المسيب جعفر ابو العيس
من ذاكرة ابنته السيدة بشرى ابو العيس
(1920 – 2005)
ولد (جعفر صادق جعفر إبراهيم ابو العيس) في مدينة (المسيب) من عائلة ذات سمة ملتزمة دينيا بشكل عام، ولها أصول (علوية – موسوية)، مما اعطاها مركزاً محترماً في قضاء (المسيب).
والفقيد هو الاخ الأصغر بعد ستة أخوة.. اربع اخوات وثلاثة اخوة.
وكانت الاخت الكبرى ذات شخصية مهيبة، ومعروفة في قضاء (المسيب) باسم (الملة رتبة)، وأطلق عليها هذا اللقب لأنها كانت من افضل النسوة القارئات في المجالس الحسينية على مستوى (بابل و كربلاء والنجف) وكانت هي المسؤولة تقريبا عن العائلة لان والدهم (صادق جعفر ابو العيس) توفّي مبكرا .
ترعرع السيد (جعفر) في وسط عائلة متماسكة، وكان مدللاً بين اخواته منذ نعومة أظافره، وكان هادئا وحنونا.
أكمل الدراسة المتوسطة في (المسيب)، وعند دخوله للمرحلة الاعدادية تأثر بمعلمه لمادة الرياضة الشهيد (احمد حسون الخطاب) وكان هذا بين عامي ١٩٣٨ _ ١٩٤٠، فبدأ مشواره السياسي بعد هذه الأعوام وكان اول شيوعي في قضاء (المسيب).
الشهيد أحمد حسون الخطاب مؤسس الحزب الشيوعي في المسيب
* في ٨ شباط الاسود كانت الاعتقالات تجري في الشوارع دون أدلة، وشملت الشباب والرجال والنساء حتى من غير السياسين، وكانت آلة البطش للحرس القومي شرسة جدا راح ضحيتها الكثير، ولولا أن والدي تصرف بذكاء حيث غير اسمه لأُعدِم في الحال كما حصل مع الشهيد (متي الشيخ) وآلاف غيره.
انتقل السيد(جعفر وزوجته بلقيس الشيخلي- ابو العيس لاحقاً) من (المسيب إلى بغداد) سنة ١٩٦٠ بعد أن نال ما نال من الاعتقالات لسبب وبدون سبب من السلطة في ، لمشاركته في المظاهرات والانتفاضات في (الفرات الاوسط) كافة، وسكنوا مدينة (الكاظمية)، واضطروا لتغير مكان سكناهم في (بغداد) خلال سنة واحدة أكثر من ١٠ مرات حتى استقروا في منطقة (البياع).
وعندما حدث انقلاب ٨ شباط الاسود وحضر الحرس القومي لاعتقاله، استطاع الهرب عبر سطوح المنازل، ولم يوجد له أثر له الا بعد مرور سنة على سجنه.
وخرج من السجن بسبب عدم التعرف عليه، لانه دخل بغير اسم، وبرغم تعرف الكثير من الرفاق في السجون بعضهم على البعض، الا انهم حفاظا على حياتهم غير جلُّهم اسماءهم،
وهناك قصة شهيرة لـ (جعفر ابو العيس) مع احد شقاوات بغداد المعروفة في خمسينيات القرن الماضي هو (خليل ابو الهوب) الذي تأثر بشخصية والدي في سجن الكوت حيث كان يتابع دروسه الصباحية للسجناء السياسين واحترامهم له، ودارت أحاديث بين الاثنين عبر سياج يفصل بين السجناء السياسيين والعاديين وكان قد أثر في (خليل ابو الهوب) كثيرا مع رفاق اخرين. وبعد خروج (ابو الهوب) من السجن انتمى للحزب الشيوعي العراقي وتحول من أبرز شقاوات بغداد الى مناضل يسعى لحرية بلده وشعبه حتى استشهد سنة ١٩٥٩.
ومن المحطات المهمة هي علاقة الصداقة بينه وبين المرحوم (جلال الطالباني) بحيث كان دائم الزيارة له في محله في (الوزيرية) في سبعينيات القرن الماضي ايام الجبهة وبعد عام ١٩٧٩ غادر (جلال الطالباني) (بغداد).
ومن الرفيقات اللاتي تميزن بعلاقة رفاقية مع والدي (جعفر) ومن ثم والدتي (بلقيس) هي الرفيقة (د.صبيحة الخطيب) عضو لجنة بغداد في سبعينيات القرن الماضي، وكانت تربطهم علاقات عائلية أيضا استمرت حتى غادرت (د. صبيحة الخطيب) العراق عام ١٩٨٤ بعد أن صدرت بحقها أوامر الاعتقال.
وفضلاً عن شهادة السيدة (بشرى ابو العيس) عن والدها المناضل (جعفر ابو العيس)،
هناك قصة أخرى أخبرني بها احد الاصدقاء هو المحامي الاستاذ (علي العبادي) عن (ابو العيس) وكان شاهد عيانٍ فيها قائلاً:
(جعفر ابو العيس)
رجلٌ كان بوزن العراق
ولد (أبو العيس) في مدينة (المسيب) من أسرة متوسطة الحال، في بيت قريب من ساحل نهر الفرات، عرف بانتمائه للحركة الشيوعية.
وكانت شقيقته العلوية (الملا رتبة) تحيي مجالس العزاء الخاصة بالنساء في شهري محرم وصفر في بيوت مدينة (المسيب).
وكان هو ومجموعة من شباب المدينة يمارسون رياضة رفع الأثقال، وكان هو من يدربهم لانهم هواة، وهو ممتهن وله سمعة لدى الفريق المختص بادارة اللعبة.
كان ذا خلق عالٍ ومتواضعاً، وكما يبدو ان ذلك الخلق ورثه من سيرة اجداده والتربية الايدلوجية في الحركة الشيوعية.
في أواخر سنة ١٩٦٢ كان يحكم العراق الزعيم (عبد الكريم قاسم)، وكنت حينها اتنقَّل (والقول للمحامي) بين بيت اختي وبيت عمي في مدينة (الكاظمية) من اجل التقديم للجامعة، وكانت عادة الشباب آنذاك ارتياد المقاهي، وبخاصة التي تتم فيها المباريات الشعرية والنقاش الأدبي حول الإصدارات الجديدة.
وكانت في مدينة (الكاظمية) مقهى شبيهة بمقهى (الزهاوي) في شارع (الرشيد) بغداد،
وبما انني كنت توّاق لحضور المجالس الأدبية لذلك اعتدت على الجلوس فيها.
وبعد ايام عدة علمت أن أغلب رواد المقهى هم من الشيوعين، وكانت المصادفة انه في أحد الايام زار المقهى (جعفر ابو العيس)، وكنت اعرفه جيدا لانه اصبح بعد ثورة تموز عام ١٩٥٨، من الشخصيات الحاضرة في كل الميادين وما أكثرها التي كانت ينظمها الحزب الشيوعي وانصاره يومياً في مدينة (المسيب)، وما ان أطل السيد حتى قام له الجميع، وكان يجالسني طالب في كلية الطب من بيت (الطويل) ومعه شخص آخر من أهل (الكاظمية) من أسرة غنية على صلة بالعهد الملكي، وأتذكر ان جده كان عضواً في مجلس الاعيان، فطلب منا (الطويل) ان نسلم عليه كبقية جلساء المقهى.
وعندما سلمت عليه عرفته بنفسي انني من مدينة (المسيب)، الا ان زميلنا الاخر لم يكتفِ بالسلام، بل بادر بسؤال السيد:
"أيهما أفادك اكثر (نوري السعيد ام عبد الكريم قاسم)، وانتَ بالتأكيد تتذكر كيف اخرجك (السعيد) من السجن ووفر لك فرصة ان تكون بطل العرب في اللعبة التي تحبها وتمتهنها؟"
فقال السيد، لابد اشرح لكل الحضور هذه المسألة:
"نعم انا في سنة ١٩٥٧ كنت محكوماً بالسجن ثلاث سنوات في سجن (نقرة السلمان) فجاءت مفرزة من بغداد بصحبة رئيس نادي رفع الأثقال، ومعهم امر بالافراج عني واصطحابي الى (بغداد).
وفي الطريق أخبرني رئيس النادي انني سألتقي برئيس الوزراء، وبالفعل استقبلني (نوري السعيد) وقال باللهجة (العراقية):
"شوف (جعفر) صحيح انت شيوعي ولكن أذهب إلى مدينتك (المسيب) وتدرب لمدة شهرين وسنوفر لك كل الامكانيات اللازمة للتدريب، واذا فزت على المصري (خضر التوني) سوف اتركك حراً، وتعمل حتى بالحزب الشيوعي".
وفي السيارة اعلمني رئيس النادي ان انتصارك يريده (الباشا) ضد (عبد الناصر) لان علاقاتهم متوترة جدا بسبب (حلف بغداد)، وبالطبع حريتي مهمة والبطولة مهمة كذلك، ولابد من أن استغل الفرصة.
وبالطبع لم أثق بقوله باعطائي حرية العمل بالحزب، وقد بذلت كل جهدي بالتدريب من اجل (العراق) ومن اجل الفوز وسافرت الى (بيروت) وشاركت في دورة (الألعاب العربية/ ٢) وكانت المباريات في الخطف والضغط والنتر.
وبدأت المباريات وكنا متعادلَين في الخطف والضغط، وبقي النتر.
طلب المصري ١٦٠ كغم ونجح في رفعها، فطلبت ١٦٥ ونجحت كذلك في رفعها، فطلب المصري ١٧٠ ونجح، فطلبت ١٧٥ فرفعت الحديد الى كتفي، ثم انتخيت بـ (ياعراق) فنجحت في رفعها ولمدة اكثر من دقة الجرس.
وما اخفي عليكم انني كنت خائفاً، لان الوزن اكثر من قابليتي، كما أن من كان معي حذرني من الصعود الى هذا الرقم.
وعندما فزتُ عدت الى العراق وبقيت حراً حتى جاءت ثورة تموز.
وعقب السيد قائلاً:
"هذه القصة اقولها للتاريخ. اما كيف فكر (نوري السعيد)، المهم النتيجة انني استغليت الفرصة بالتدريب الكثيف وحققت الفوز (للعراق) ولي.
وأضاف السيد المحامي قائلاً:
ليس المقصود (بوزن العراق) الوطن، فالوطن لا يوجد احد بوزنه ولكني اقصد وزن من أوزان الرباعين لانه بالنتر انتخى (بالعراق) لذالك سميته بوزن (العراق)، وبنخوة (العراق) حقق الفوز على خصمه.
742 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع