عربي الخميسي
انا والقائد الكوردي الخالد المرحوم ملا مصطفى البارزاني
أحسب ان عنوان مقالتي هذه فيه شيئ من الاثاره والاستغراب ايضا ، مما يدعو
القارئ الكريم الى التساؤل المشروع ترى ، ما العلاقه بيني وبين هذا الرجل
الشجاع المؤمن بقضيةِ قضى عمره من اجل تحقيقها ؟
أكتب الان بمناسبة مرور 49 سنة على الفرصه التي جمعتني وهذا الرجل ،!
وأكتب ايضا بمناسبة مرور 29 سنة على رحيل هذه الشخصيه الكبيره الفذه !
كما أكتب ثالثة بمناسبة موقف انساني خصني به ! وسأتي عليه لأحقا
الحقيقه لم تكن لدي المعرفه الكامله بطبيعة المناطق الشماليه للعراق ،
وعلى الخصوص المرتفعات وذرى قمم جبال كردستان الوعره ، ووديانها السحيقه
المكتظه بالغابات ، وكهوفها المظلمه العميقه من قبل وانا ابن الجنوب !!
وحتى دخولي الكلية العسكريه سنة 1946 وتخرجي منها سنة 1949 برتبة ملازم ،
وكان من نصيبي ان التحق بمدرسة الحروب الجبليه ، مرشحا عن الفوج الاول من
اللواء الخامس عشر ولم تمض عليَ بهذه الوحده سوى ثلاثة اشهر فقط . إلا ان
الامور جرت كما شاءت لها ان تجري !!
إرتأيت ان اسرد هذه المقدمه لكي ، الفت عناية القارئ الكريم الى ارتباط
الاحداث التاليه بالجبال والمنطقه بكاملها والتي سارويها كما عشتها .
التحقت بهذه المدرسه ( مدرسة الحروب الجبليه ) التي كان موقعها في مكان
يعرف ب (اسواره توكه) ، الكائن بالقرب من مصيف سرسنك بمحافظة دهوك حاليا
، وكان آمر المدرسه آنذاك الرئيس الاول عزيز داخل ، وأحد معلميها الملازم
الاول سعيد حمو الذي اصبح فيما بعد برتبة فريق وخبير الحروب الجبيله ،
ومستشار صدام حسين والبعثيين بحروبهم العدوانيه .
كان منهج الدوره يقضي من جملة ما يقتضيه ، الاطلاع على المنطقه ميدانيا ،
وتسلق قمم الجبال عمليا ، ونصب الربايا عليها ، ومعرفة مسالك الطرق
والنياسم فيها ، وكيفية حماية الارتال للقطعات العسكريه المتقدمه على
محاور تقدمها وغيرها من امور، إلا أن ما يلفت النظر ان يقف المعلم بموقع
معين ، ويبدأ بشرح أهمية هذا الموقع التعبويه ومن ثم يقول بتاريخ كذا
.... هنا .. وقعت المعركه الفلانيه بين جحفل لواء الفلاني او الفرقه
العراقيه الفلانيه ، وبين ( المتمردين ) وطبعا ، كان يقصد المقاتلين
الابطال من الثوار الاكراد . ! ثم يسترسل فيقول ان فردا او اثنين منهم
اوقفوا الرتل المتقدم في هذا المكان الى كذا ... يوم .
وكنا نحن الضباط من ذوي الرتب الصغيره ، طلاب المدرسه كثيرا ما نتساءل ،
وربما مع أنفسنا كيف ان فردا او اثنين من هؤلاء المقاتلين بامكانهم ايقاف
جحفل لواء ؟ وهو يفوقهم عددا وعدة ؟
ومضت الايام والسنون وذا نحن نزور المنطقه مرة ثانية ليس بصفة طلاب مدرسة
الحروب الجبليه ولكن ، بصفة طلاب كلية الاركان العراقيه سنة 1957 وكان
الهدف من الزيارة ، دراسة طبوغرافية المنطقه من الناحيتين التعبويه
والسوقيه (استراتيجيه ) بدقة وتفاصيل اكثر شمولية من شانها ، وضع الخطط
المختلفه لصفحات الحرب المختلفه ، وكان التركيز ينصب على كيفية وإسلوب
مقاتلة الثوار الكرد ( المتمردين )!! حيث ان القتال في المنطقه الجبليه
يعتبر من الحروب الخاصه التي لا تشبه الحروب النظاميه الاعتياديه في
المناطق السهلة لأعتبارات كثيره .
وأتذكر في يوم من ايام زيارتنا للمنطقه وقف آمر كلية الاركان الزعيم
الركن حسن مصطفى شخصيا على سفح جبل ( شيرين ) المشرف على سهل وقرى بارزان
، ليشرح لنا تلك المعركه التي دارت رحاها بين فرقة مشاة متجحفله مع قطعات
اخرى ، وبين القله من المقاتلين الاكراد في منتصف سنة 1946 والتي تمخض
عنها محاصرة الفرقه بكاملها ، ومحاصرتها في ساحة ضيقه لا تتجاوز مساحتها
مساحة دائرة قطرها الخمسمائة متر من قبل اؤلئك النفر من المقاتلين ! ،
بعد ان استخدموا مدفعا جبليا كانوا ان استولوا عليه من القطعات العراقيه
في معركه سابقه ، وخلال تجوالنا بالمنطقه الكرديه شرقها وغربها جبالها
ووديانها ، لاحظنا وعورة ومدى مناعة هذه المنطقه وتضاريسها ، وصعوبة
التوغل فيها خاصة لقطعات نظاميه عراقية كانت ، او اية قوات اخرى تحاول
دخولها بغية احتلالها والسيطره عليها ، ولكن يبقى السؤال ذات السؤال ،
ترى لماذا كل تلك الحروب والضحايا وهل هم حقيقة متمردين ام دعاة سلام ؟
شاءت الظروف ان التحق بموقع البصره العسكري في يوم 18 من تموز سنة 1958
أي بعد الثوره المجيده باربعة ايام فقط ، من تأسيس الجمهورية العراقيه
الاولى لأشغل منصب ضابط الركن الحركات الثالث ووكيل ضابط استخبارات
الموقع .
كان من اولى مكتسبات الثوره هو الاعتراف بالاكراد كشركاء بهذا الوطن
ولأول مره بتاريخ العراق كما ورد ذلك النص بدستور الجمهوريه الأولى،
واصدارها قرارا آخر يقضي بدعوة الاخوة الاكراد للعودة الى العراق ،
والغاء كافة الاحكام والأجراءآت التعسفيه الصادره بحقهم من قبل السلطه
الملكيه السابقه ، ومن المعلوم ان المرحوم الملا مصطفى البارزاني وصحبه
الاخيار كانوا قد رحلوا الى الاتحاد السوفيتي سابقا ، إثر ملاحم المعارك
البطوليه الداميه التي دارت رحاها بين قطعات الجيش العراقي وبين الثوار
الاكراد الشجعان ، تحت قيادة القائد الكردي المحنك ملا مصطفى اواسط سنة
1946 وما بعدها ، وبالنظر لعدم تكافؤ القوى بين الطرفين نتيجة التفوق
الهائل من جانب القوات العراقيه من حيث العدد والعدة ، إضافة الى انحياز
ووقوف دول الجوار كل من ايران وتركيا الى جانب العراق عسكريا وسياسيا ،
لذا اصبح من المستحيل على الثوار الصمود ، ويعني البقاء وقبول المعركه هو
الانتحار بعينه ، ولما ادرك القائد الممارس صاحب التجربه الطويله ملا
مصطفى حجم المؤامرة المدبره لأبادة ليس فقط المقاتلين الاكراد بل
الجماهير الكرديه المدنيه البريئه في عموم المنطقه ، قرر ان ينسحب في
الوقت المناسب ، والخروج من الحصار والطوق الذي فرضته على المنطقه قوى
الشر للدول الثلاث المذكوره
فكان قراره الصائب هذا يعتبر سفر من اسفار المعارك التاريخيه ، حيث انسحب
بالوقت المناسب بانتظام مشيا على الاقدام ، بمنطقه وعره جدا مدة تزيد على
خمسين يوما ، نحو الحدود السوفيتيه الايرانيه وعبور نهر اراس ، الذي يفصل
الحدود بين ايران والاتحاد السوفيتي خلسة ، و في موسم ارتفاع منسوب
المياه ، وقد انهى انسحابه دون ان يعطي اية خساره بشريه ، وفق خطة انسحاب
دقيقه ومدروسه وغير مكشوفه ، وبعباره اخرى تمكن من ان يباغت خصمه الطرف
الثاني بنسحابه بسلام ، والتملص من الأسر المحتم او الاباده المؤكده ،
وهي حركة تسلل رائعه ودرس عسكري من الدروس العسكريه الجديره بالدراسه في
اكاديميات وكليات فنون الحرب العسكريه !!
اني لست بصدد شرح صفحة الانسحاب بل اني لا بد ان اوضح للقارئ الكريم سر
اعجابي بهذه العمليه العسكريه الناجحه بكل المقاييس ! وبشخص قائدها ! ولا
بد من السؤال التالي .. أليس هذا القرار ناتج عن وعي وقرأءه واقعيه
للحاله الراهنه آنذاك ؟ وعن ما يطلق عليه بلغة العسكر تقدير موقف عسكري
صائب و بُعد نظر لهذا القائد المحنك ؟ ، واستقراءه للحدث قبل وقوعه ، ومن
ثم درجة تحمله مسؤولية المحافظه على حياة المقاتلين من اصحابه ؟؟ وبما
يتمتع به هذا الرجل من قوة اراده وشجاعه وصمود وهو يقود رفاقه البالغ
عددهم حوالي المائتين فرد ، بظروف مناخيه قاسيه وارض وعره وجو بارد ممطر
يسيرون بحذر شديد ، وهم تحت وطأة ضغوط نفسيه هائله نتيجة شعورهم بالخوف
من إحتمال ألأيقاع والغدر بهم من قبل الطرف الاخرالذي يلاحقهم ؟ اليست
هذه صفة مميزه ونادره من صفات القائد الناجح ؟ ليس فقط في الجانب السياسي
بل أيضا في الجانب العسكري الحرفي الذي صقلته التجارب ؟ !!.
في آذار من عام 1959 إستلم مقر موقع البصره العسكري تعليمات ، صادرة من
مقر الحاكم العسكري العام الزعيم الركن احمد صالح العبدي تفيد ، ان
الاخوة الاكراد القادمين بحرا من الاتحاد السوفيتي سيصلون مدينة البصره
يوم 15 / 4 / 1959 على ظهر السفينه السوفيتيه المسماة ( جورجيا) وتطلب من
آمرية الموقع المذكور اجراء اللازم لأستقبالهم والعنايه بهم حتى مغادرتهم
البصره.
وتنفيذا لأوآمر الحكام العام وضع الموقع خطة وبرنامج للأستقبال بالتعاون
والتشاور مع الادارة المدنية لمدينة البصره، واتحاد العمال فيها وممثلي
النقابات ولاسيما نقابة الموانئ وسكك الحديد والنفط والطلبه من اجل تنظيم
مواكب الاستقبال بما يليق بهؤلاء الابطال القادمين لأرض بلدهم العراق
واهلهم وذويهم ، طالما شَردوا وغَيبوا من اجل حقوقهم المهضومه كل هذه
السنين الطويله ، ومدى اعتزاز وتقدير الثوره وقادتها بهم ،
وفي صباح يوم 15 / 4 / 1959 وصل البصرة قادما بالطائره من بغداد الزعيم
الكردي ملا مصطفى البارزاني ، وكان باستقباله بالمطار متصرف لواء البصره
وامر الموقع ومدير الشرطه وممثلي الاحزاب الوطنية الذين وصلوا البصره
خصيصا بهذه المناسبة ، ونزل بفندق شط العرب لغرض استقبال القادمين ، وفي
ذات اليوم تحركت الوفود المستقبله من جماهير البصره ومنظماتها الوطنية من
المجتمع المدني نقابات وجمعيات من مختلف المهن عمال وطلاب ومعلمين
ومهندسين واطباء ومحامين وغيرهم من الجماهير الغفيره ، مستخدمة الزوارق
والمراكب والسفن الصغيره البخاريه والشراعية والابلام ، منذ الصباح
الباكر باتجاه الفاو سالكة مجرى شط العرب حتى مصبه عند رأس البيشه .
وهكذا بدأ استقبال الباخره جورجيا وكأنها عروسة في ليلة زفافها الى
عريسها ، بين الهلاهل والطبول على الطريقه العراقيه ، وهي متربعه على
عرشها ، متأنية في سيرها في وسط شط العرب ، تحيط بها الجماهير المنقوله
بوسائط النقل المائيه المختلفه ، من كل حدب وصوب رافعة الاعلام العراقيه
والرايات الملونه، مصحوبه بدق الطبول والاجراس وهي تنشد وتهتف باسم الشعب
العراقي ووحدته الوطنية وتلاحمه وبحياة الثوره وقادتها وزعيمها الخالد
عبد الكريم قاسم ، وكانت صافرات وابواق السفن القادمه والمِدبرِه تطلق
صفاراتها ترحيبا وتكريما للباخره جورجيا وركابها ، حتى وصلت الى ميناء
المعقل بعد مسيرة استغرقت حوالي خمسة ساعات ، اذ كانت الباخره تسير ببطئ
شديد تحفظا مما تحدثه من امواج قد تسبب غرق الزوارق والسفن الصغيره
المحيطه بها ، ويا له من منظر جميل رائع يسحر الالباب حقا .
وعند رسو الباخره جورجيا على احد ارصفه المعقل ، صعد اليها كل من المرحوم
ملا مصطفى ، ووكيل المتصرف شاكر الدجيلي ، وآمر الموقع العقيد مجيد علي
ابو ديلاور يرافقه العقيد الركن ابراهيم فيصل الانصاري آمر الفوج الثاني
، ورئيس مهندسي الموانئ الدكتور طارق الكاتب ، والعقيد الركن الطيار صادق
العزاوي مدير الارصفه ، والعقيد الركن عامر حسك مدير شرطه البصره ،
وممثلو الاحزاب الوطنيه الذين جاء بعضهم من بغداد خصيصا ، اعرف منهم
الشهيد المحامي حمزه سلمان ممثلا عن الحزب الشيوعي العراقي ، ومن البصره
ذاتها رأيت اعضاء من اللجنه المحليه للحزب وشخصيات اخرى ، اذكر منهم سطان
ملا علي وجاسم مطير وحميد الحكيم وحميد السامر وحميد بخش وعزيز وطبان
وغيرهم ، لحضور هذه المناسبه إضافة الى ورؤساء النقابات كافة ، ومن
الملفت للنظر ان الزعيم الركن مزهر الشاوي مدير الموانئ العامه ووكيله
العقيد خضر عبد الجليل والمتصرف عبد الوهاب عبد الرزاق لم يكونوا من
المستقبلين كما يفترض بهم ان يكونوا !!!
الباخره جورجيا لم تكن باخرة عاديه بل ، انها كانت باخره كبيره جدا مخصصه
للركاب فقط ، يبلغ ارتفاع سطحها عن مستوى الرصيف بحوالي العشرين الى
الثلاثين مترا او اكثر، مما جعل الصعود اليها صعبا بعض الشيئ بسبب طول
سلم الصعود ، الا انها كانت بالداخل واسعة كبيره سهلت احتواء راكبيها
القادمين البالغ عددهم حوالي الخمسمائة فرد بين طفل وامرأة ورجل .
جرت عملية انزال الركاب بانتظام بين ترحيب الجمهور الذين اكتضت بهم ساحات
الارصفه، وهم ينشدون ويرقصون ويهتفون محيين مرحبين بالاخوة القادمين ،
وقد استغرقت العمليه حوالي ثلاثة ساعات ، نقلوا خلالها الى عربات
القطارات الصاعده الى بغداد مباشرة ، والتي جرى تهيأتها لهم خصيصا وفق
خطة مدقنه من قبل مديرية السكك ، وكانت جميعها من عربات الدرجه الاولى
والثانية ، وقد رافقت الجماهير الاخوة الاكراد حتى محطة القطار ولم تنصرف
منها الى ان غادر المحطه آخر قطار في وقت متأخر من مساء ذلك اليوم .
ثم حضرت الوفود والمدعون والجماهير الحفل الخاص بهذه المناسبة السعيده
المقام في نادي الادارة المحليه الواقع في العشار ، وكان من الحاضرين كل
من المرحوم ملا مصطفى البارزاني والاخرين كما اسلفت إضافة الى كابتن
الباخره جورجيا يرافقه اثنان من البحاره ، وكنت انا شخصيا من بين الحضور
لهذا الحفل ، حيث ابتدأ الممثلون بالقاء كلماتهم الترحيبيه بالتعاقب وفق
البرنامج الموضوع مسبقا ، والمهم هنا ، هي الكلمة الرائعه التي القاها
القائد الكردي بهذه المناسبة ورغم قصرها ، الا انها معبره عن صدق نوايا
واخلاص صاحبها ولأنها ذات دلالات وطنيه ، ودعوه الى وحدة الصف ، ونبذ
الخلافات ورفض التحارب والاقتتال بين الاخوة العراقيين ، واستخدام لغة
التفاهم والحوار بدلا من التنابز والتنافر ، وان كنت انسى فلا انسى تلك
المقوله التي وردت بكلمة هذه الشخصيه المحترمه ، حين قال مبتدءآ كلامه (
اني كفرد من هذا الشعب العراقي العظيم كنت في خدمته دوما ولا ازال ، وانا
الان جندي من جنود عبد الكريم قاسم ...... الخ )
لا يخفى على القارئ اللبيب ما لهذه الكلمة من معان عميقه ودلالات وطنيه
ودعوات مخلصه امينه اترك تقديرها للقراء الاكارم
وفي وقت اخر قام المرحوم البارزاني بزيارة موقع البصره العسكري ، وكان
باستقباله والترحاب به آمر الموقع العقيد مجيد علي وضباط هيئة ركن الموقع
والعقيد الركن ابراهيم فيصل الانصاري والعقيد خليل السوس وغيرهم من
الضباط ، وحال سماع خبر الزياره من قبل الجنود تراكضوا صوب المقر في
معسكر محمد القاسم قرب محلة الجمهوريه ، واحاطوا بالموقع وهم يهتفون
بحياة الزعيم عبد الكريم قاسم وحياة الزعيم الزائر ملا مصطفى البارزاني
وحياة الشعب العراقي ووحدته ، والاخوه الصميميه بين مكونات هذا الشعب وهم
يرددون اغنية المنولوجست العراقي الشهير المرحوم احمد الخليل ( هربجي
هربجي كرد وعرب رمز النضال .... الخ )
جلس الضيف الكريم على الكرسي المهيأ له مسبقا على يمين آمر الموقع ، ثم
يليه مكان جلوس المقدم الركن ماجد نجم الدراجي مقدم اللواء ، ثم يأتي
مكاني( كاتب هذه السطور ) وبدأ امر الموقع بالكلام مرحبا بالضيف ، شاكرا
له زيارته ومباركا بعودة الاخوه الاكراد ووصولهم سالمين الى ارض الوطن ،
متطرقا الى ثوره تموز الخالده وقيادتها الرشيده بزعامة الزعيم عبد الكريم
قاسم ، ومن ثم تكلم المرحوم البارزاني شاكرا حسن اللقاء والاستقبال ، ثم
اطرى على ثورة تموز واهدافها التحرريه وانجازاتها الكبيره ، ورجالها
المخلصين ، وخص بالذكر الزعيم عبد الكريم قاسم وموقفه من الاكراد
المُهَجرين وعودتهم للوطن واستقبالهم الرسمي الحافل ، وخلال الحديث كنت
صاغيا متلهفا بشده لسماع كلام هذه الشخصيه الفريده ، طالما سمعت الكثير
عن هذا الرجل وتردد اسمه دوما مقرونامقترنا بشدة البأس والنضال والصمود
بوجه الاعاصير دون كلل خلال ايام الدراسه العسكريه ، وسألت نفسي والاخرين
عن مآثرها وبطولاتها ، وسر ارتباطها العضوي بحقوق قومه الاكراد ، وتمسكها
بمبادئ الحريه والعدل وبجبال كردستان ووديانها وسهولها ومتاهاتها !! وفي
لحظه اللقاء اتاحت لي فرصة التحدث معه مباشرة فسألته ...
س - العفو ملا كم سنة قضيتم بالاتحاد السوفيتي ؟
ج - والله كاكا حوالي 12 سنة كنت اتنقل من مكان الى مكان .
س - ملا رجاء كيف ترى العراق الان ؟
ج - ارى العراق الان كمن ولد من جديد
س - منو الاحسن العراق او الاتحاد السوفيتي ؟
ج - كاكا بيتك دائما الاحسن .
س - كاكا رجاء إشراح تسون بعد ان رجعتم للعراق ؟
والله كاكا سنعمل مع قادة الثوره يد بيد .
سألني
س - شكد صار لك هنا ؟
ج - كاكا صار لي سنة وشويه
س - انت من بغداد ؟
ج - نعم انا من بغداد ولكن اصلي من الجنوب .
وهنا تدخل آمر الموقع العقيد عبد المجيد علي ليضيف قائلا :-
الرئيس الاول الركن عربي فرحان هو من ضباطنا الوطنيين النشطين ، وانا
اعتمد عليه كثيرأ ، التحق بالموقع بعد الثوره باربعة ايام وهو من اخوتنا
الصابئه المخلصين للوطن والواجب ( الحقيقه لا اعرف حتى الان لماذا تدخل
ولماذا ذكر هذا !! )
جواب الملا مصطفى
بارك الله بيه وبيكم وبكل المخلصين
تآمر المتآمرون وسقطت ثورة تموز سنة 1963 وشاعت الجريمه، وسالت دماء
الابرياء وذبح من ذبح من المخلصين للوطن والشعب ، وتفرق الجمع واتلف
الزرع والنسل ، وتمزقت عرى الاخوه والتلاحم بين مختلف اطياف الشعب
العراقي ، على ايدي عملاء الاجنبي وعصابة البعث وحل بالعراق ما حل يوم
الانقلاب الاسود في 8 من شباط 1963 .
وكان من نصيبي ان ادخل سجن نقرة السلمان السيئ الصيت دون تهمة او مذكرة
توقيف ، وكانت لي اختا حبيبه رحمها الله تسكن محلة ( رحيم آوه ) وهي محلة
يسكنها الاخوة الاكراد في كركوك ، وقيل لها ان اخاك المعتقل في نقرة
السلمان يمكن ان يطلق سراحه لو أنكِ تمكنتي من الوصول الى الملا مصطفى
البارزاني وهو خير ما يفعل لمن يستنجد به ويطلب مساعدته ، هكذا قيل لأختي
هذه المرأة البسيطه الساذجه والتي لا تقرأ ولا تكتب! و بحكم مشاعر الاخوة
وصلة الرحم شدت رحالها وسافرت قاصدة الشمال وهي لا تعرف من الشمال شيئا ،
وصلت هذه المرأة المسكينه مصيف صلاح الدين ، وهي تسأل وتبحث عن رجل
الساعه والانسان المرحوم ملا مصطفى البارزاني ، وقيل لها انه في كلار
توجهت الى كلار ، ولم تجده ايضا فارشدها احدهم بالذهاب الى كلاله ، فلم
تتوانى عن السفر ، رجعت ثانية الى كلاله ، وهناك عند الاستفسار منها عن
الجهة التي تريد ؟ قالت لهم بكل براءه انا قادمة لملاقاة القائد الملا
مصطفى البارزاني ، لأطلب منه اطلاق سراح اخي الضابط عربي فرحان فانتبه ،
احد الاشخاص من الحاضرين عندما نطقت اسمي ، وكان هذا الشخص الرئيس الاول
الركن محمود سامي عبد الشكور زميلي في الكليتين العسكريه والاركان ،
والذي التحق هو الاخر بالمقاتلين بالشمال بعد الانقلاب الاسود ، فاخذها
واستاضافها عنده مشكورا ، وفي اليوم الثاني اصطحبها الى مقر المرحوم
الملا مصطفى ، وقدمها له شارحا معاناتها من اجل اخيها المعتقل بلا جريمه
او تهمه فرحب المرحوم غاية الترحاب بها ، ومن خلال شرح الزميل محمود سامي
له عن تأريخي وخلفيتي ، تذكرني جيدا هذا الرجل الشريف وتذكر يوم لقائي به
في البصره عند قدوم الاخوه الاكراد الى وطنهم العراق ، هذا ما روته لي
فيما بعد المرحومه اختي ام يحيى عند عودتها وزيارتها لي ، وان المرحوم
البارزاني كلف الصديق العزيز محمود سامي عبد الشكور ان يرعى هذه السيده
الفاضله ، وان يؤمن لها سلامة العوده بعد ان طمئنها قائلا ، بانه سيعمل
جاهدا وبكل ما يقدر عليه من اجل اطلاق سراح اخيك وكل المعتقلين الوطنين
الاخرين من عسكريين ومدنيين ، ثم اردف قائلا لها يا ايتها السيده لا تنسي
بلغيّ سلامي للصديق أخيكِ .
بقى ان يعرف القارئ الكريم نتيجة جهود هذه السيده فاقول ، نعم ان المرحوم
الملا مصطفى لم ينس وَعّده لأختي فقد طلب من رئيس الوزراء آنذاك طاهر
يحيى التكريتي ان يطلق سراحي والضباط الاخرين من نقرة السلمان ، الا انه
رفض بحجة عدم موافقة سلام عارف رئيس الجمهوريه في حينه ، وقد أكد لي هذا
الموضوع فيما بعد الزعيم طه ياسين رئيس المحكمه العسكريه في البصره .
والان وانا اعيش بالزمن الضائع ، وبعد مضي كل هذه السنين الطويله ، اشعر
وكأني ابحث عن مفاخر الرجال وهم كألدرر نادره ! وقد ضاعت القيم من اجل
المقام ، وبِِيعَت الذمم بالدولار فاين اجد امثال ذلك القائد الاتسان ذي
المعروف والاحسان ؟؟
المجد كل المجد للقائد الكردي الخالد ملا مصطفى البارزاني
له الخلود في طهر ثراه
له الذكرى الطيبة في ذكراه
الحقوقي / عربي الخميسي
(ضابط متقاعد)
نيوزيلانده - اوكلاند
626 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع