عبد الرضا حمد جاسم
الفصل الثالث - هل الوردي عالم اجتماع؟
هل درس الوردي المجتمع العراقي؟
أسئلة من تلك التي سطرتها في المقدمة ابدأ الإجابة عليها في هذه والتاليات.
انا لست متخصصاً بعلم الاجتماع لكن اطلعت على بعض الشيء عنه من الانترنيت حيث ورد انَ علم الاجتماع هو:
1 ـ الدراسة العلمية للمجموعات الاجتماعية والكيانات خلال تحرّكِ بشري في كافة أنحاء حياتهم.
2 ـ الدراسة العلمية للسلوك الاجتماعي للأفراد، والأساليب التي ينتظم بها المجتمع بإتباع خطوات المنهج العلمي.
3ـ دراسة علمية واعية ودقيقة نسبياً للمجتمع.
4 ـ الدراسة العلمية لمظاهر أو جوانب الحياة الاجتماعية للفرد، فهو كم من المعرفة تكوّن خلال تراكم استخدام المنهج العلمي في دراسة أبنية ومكونات الحياة الاجتماعية.
5 ـ دراسة المجتمع والسلوك الاجتماعي بفحص المجموعات والمؤسسات الاجتماعية.
6 ـ العلم الذي يدرس العلاقات الاجتماعية.
لكن للراحل الوردي رأي "متميز" في ذلك حيث كتب في ص 20من كتاب/دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 التالي:[الواقع ان علم الاجتماع هو بطبيعته "متواضع "يستمد أكثر معلوماته من السوقة ومن السفلة والمجرمين والغوغاء فهؤلاء بمنابزاتهم و مفاخراتهم وبتعاونهم وتنازعهم يمثلون القيم الاجتماعية السائدة اصدق تمثيل وهم بهذا المعنى افضل من المتعلمين فالمتعلم عادةً يميل الى التحذلق والى التظاهر بخلاف ما يضمر اما العامي فهو في الغالب غير قادر على اخفاء ما في اعماق نفسه من عُقد و قيم فهي تظهر عليه حين يتنازع او يتشاتم و حين يتعاون او يتفاخر]انتهى
ولتأكيد رأيه هذا كتب في ص363 من نفس الكتاب التالي: [لكي نفهم طبيعة التوازن الاجتماعي في المدن العراقية ندرس شخصية "الاشقياء" فهؤلاء كانوا يمثلون القيم الاجتماعية السائدة المحمودة ومنها والمذمومة] انتهى.
هذا ما وجدته عن علم الاجتماع عند الراحل الوردي واغرب ما ورد هو رأي الوردي فيه فهو ربما الوحيد الذي يقيس المجتمع على ما يخرج من افواه "الشاذين" ممن أشار إليهم. ومع ذلك يحق لي أن أسأل:
عن الكيفية او الطريقة او البرنامج الذي والتي درس بها الراحل الوردي المجتمع العراقي وللفائدة او التوضيح أنقل لكم التالي:
ورد في ص249 من كتاب /مئة عام مع الوردي /محمد عيسى الخاقاني :[مناقشة مع العلامة حسين علي محفوظ: طرح على الراحل الوردي فكرة في غاية الأهمية تتعلق بشخصية الوردي وهي أن الوردي دائما ما يشيد بدايل كارنيجي وكتابه الشهير كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس ويرى الوردي ان النقاط الأساسية التي اعتمدها كارنيجي تنفع كل انسان ان يعيش مع الاخرين بفهم ووعي كامل. فأيد الوردي ما قاله محفوظ، فسأله محفوظ إذن فمن الأولى أن تطبق هذه المفاهيم التي طرحها كارنيجي والتي تؤيدها على نفسك؟
وأسقط بيد الوردي، فهو بطبيعته لا يستقبل احداً في بيته حتى لو كانت الزيارة لعيادته وهو مريض، ولا يرضى ان يقاطعه أحد ولا يَقْبَلْ اغلب الدعوات التي توجه اليه ولا يحب المصافحة باليد ويكره التقبيل اثناء السلام. وكما هو معروف منهج كارنيجي لم يكن كذلك بل كان عكس ذلك تماماً. بعد ان أكد الوردي ما قاله محفوظ بكلمة أي والله استدرك قائلاً: انا لا افعل ذلك ألا لأني أرى مجتمعنا العراقي قد افاض وأسرف في المجاملات وهو عكس المجتمع الأمريكي الذي يشكو البرودة وقلة المجاملات فكتب كارنيجي يدعوهم للعودة اليها فأردت ان ابعد تلك الصفات عن نفسي اولاً وادعو لها في المجتمع العراقي ثانياً.] انتهى
السؤال هنا: اذا كان ذلك مقترح دايل كارنيجي لمعالجة البرودة في العلاقات بين الناس هناك فهل امتناع الوردي عن هذه الأمور يُعْتَبَرْ دعوة "لتبريد" العلاقات بين افراد المجتمع العراقي؟ ثم كيف لمثل هذا الانسان "الوردي" ان يدرس المجتمع وهو بعيد عنه وربما لا يعرف كيف يتفاعل مع اعضاءه من الذين يريد الاستماع اليهم او محاورتهم بشأن المجتمع؟ و العجيب انه يلتقي السقطة والسفلة والمجرمين والمعمرين ويستقصي منهم النتائج وهو في نظرهم "يستنكف" من "مطالستهم" مصافحتهم وهم الذين "يقدسون" مثل هذه الأمور الاجتماعية ؟
القارئ الكريم يعلم تأثير العلاقات والمجاملات في مثل هذه الحالات.
ينقل لنا الراحل الوردي قول يقول عنه مأثور عن الشخص الاجتماعي حيث كتب في ص290 من كتاب: الاحلام بين العلم والعقيدة/1959التالي: [من الاقوال المأثورة ان الرجل يكون اجتماعياً بمقدار ما هو ضحل في تفكيره وهذا القول لا يخلو من صواب كبير] انتهى
الحقيقة لا اعرف من اين استل الوردي هذا القول "المأثور" وكيف عرف الوردي ان هذا الامر لا يخلو من صواب كبير؟ لكن لو نتابع ما جاء بعده نجد ان الوردي ابتدعه و لحنهُ ليجعله سند لقول اخر حيث كتب في نفس الصفحة: [وقد يصح ان نقول ايضاً بأن الانسان كلما كان كثير الاندماج في مجتمعه أشتد ابتعاده عن العبقرية. فالشخص الاجتماعي اللبق الذي يعتاد على حسن المعاشرة ويسعى نحو التحبب الى الناس وكسب رضاهم يصعب عليه ان يبدع الافكار الجديدة التي هي من مستلزمات العبقرية. أنه يستطيع ان يكون ناجحاً في حياته الاجتماعية ولكن النجاح الاجتماعي شيء والعبقرية شيء أخر] انتهى
لا اعرف هل كان الراحل الوردي ضحلاً عندما التقى السفلة والسقطة والمجرمين وسمع ما قالوه ونقله واستفاد منه في دراسته؟ وإن كان كذلك كيف تمكن من أن "يبدع" ما طرحه عن المجتمع العراقي؟ هل يريد الوردي في طرح مثل هذه الأمور ان يقول عن نفسه او يشير الى انه عبقري؟
لقد ورد في الفقرتين اعلاه مفردة او كلمة "العبقري" وأجد من الضروري هنا أن انقل لكم رأي الراحل بالعبقري والعبقرية بشكل سريع على ان اعود اليه في القادمات.
اليكم رأي الوردي بالإنسان العبقري حيث كتب في ص206 من كتاب خوارق اللاشعور/1952التالي: [أن العبقري النادر هو من يجمع بين العقل والجنون وبين السعي والكسل وبين الإرادة واللامبالاة ونود الان أن نقول إضافة الى ذلك: إنه يتصف بالتفكير الفطري والتفكير المدني. بأن العبقرية هي اجتماع النقائض في شخصية واحدة] انتهى
وفي ص207 من نفس الكتاب (بعد عدة أسطر فقط) كتب التالي: [انظر على سبيل المثال الى النبي العبقري محمد ابن عبد الله لقد كان هذا العبقري النادر حكيماً واقعياً بعيد النظر حين يضع الخطط او يدير المعارك أو يسوس الناس فإذا توجه نحو ربه نسي نفسه وانغمر في إيمان عجيب تحسبه جنوناً وما هو بجنون] انتهى
قبل التطرق الى نصوص الدكتور الوردي حول دراسته للمجتمع العراقي أجد من اللازم ان اُعرج على رأي الوردي في حضارة العراق: كتب في ص 17 /دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 تحت عنوان: "صراع البداوة والحضارة" التالي: [خلال دراستي للمجتمع العراقي وجدت فيه ظاهرة ألمحها فيه أينما توجهت في نواحيه المختلفة عبر الزمان والمكان وهي التي اسميتها بظاهرة "صراع البداوة والحضارة"] انتهى
وتفسيراً لذلك كتب في نفس الصفحة التالي:
1ـ [لقد أجمع علماء الآثار أن العراق كان مهبط حضارة تعد من أقدم الحضارات في العالم].
2ـ [فالذي يهمنا بالدرجة الاولى أن نعرف أن العراق قد احتضن منذ بداية التاريخ البشري حضارة مزدهرة].
3ـ [وظلت الحضارة تراود العراق حيناً بعد حين].
4ـ [وقد مر عهد إبان تأسيس الدولة العباسية أصبح العراق فيه مركز الحضارة العالمية حتى صارت عاصمته بغداد بودقة اجتماعية ضخمة تذوب فيها خلاصة ما أبدعه البشر من تراث حضاري حتى ذلك الحين].
5ـ [في ص28 من نفس الكتاب كتب التالي: هنا نجد الشعب العراقي واقعاً بين نظامين متناقضين من القيم الاجتماعية: قيم البداوة الأتية اليه من الصحراء المجاورة وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم]
6ـ [في ص31 من نفس الكتاب، عن الحضارة كتب التالي:(هناك عوامل عديده جعلت المنطقة العربية تنتج في بعض بقاعها حضارات مزدهرة حيناً بعد حين، فقد أشرنا الى حضارات العراق ومصر ...الخ].
........................
اُناقش النقاط الستة اعلاه:
*ورد في (1): أجمع علماء الأثار أن العراق "مهبط حضارة" تعد من اقدم الحضارات في العالم:
أقول :أسْتَغْربْ استعارته هذه العبارة او المفهوم فالمعلوم ان ال"مهبط" فيها دلالة على مٌسْتَقْبِلْ لنازل من أعلى سواء كان هذا الأعلى "فيزيقي او ميتافيزيقي" .أعتقد أن لطرح الراحل هذا علاقة بما كتبه عن "آدم" في هامش ص49 من كراسته/شخصية الفرد العراقي: بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث/1951 حيث ورد التالي: [لا يهمنا من قصة آدم انه خُلِقَ من طين..........انما يهمنا الان هو ما ذكرت المأثورات الدينية عن آدم من انه عَلَّمَ الناس الزراعة أو أن صنعته كانت الزراعة فقد روي عن النبي محمد :"افضل الكسب الزراعة فإنها صنعة ابيكم آدم" و في هذا اشارة لا تخفى عن ان الزراعة بدأت في العراق و كذلك بدأت به المدنية على اعتبار ان قيام المدنية كان مرادفاً لقيام الزراعة. ومن الممكن القول: بأن آدم لم يكن ابا البشر جميعاً بأنواعهم العديدة فهناك انواع من البشر سبقوا آدم كما اشار ابن خلدون في تاريخه، أن آدم بالأحرى ابو البشر المتمدنين الذين امتهنوا الزراعة وهو حسب المأثورات الدينية قد كان ساكناً في جنوب العراق حيث بزغت أنوار المدنية الاولى في فجر التاريخ]انتهى.
يعني هبوط الحضارة مرتبط بهبوط آدم كما في الروايات الدينية. ولا بد ان ابين لكم ما طرحة الوردي عن الزراعة والنبي محمد والمناقض لما ورد اعلاه حيث ففي ص 26 من كراسة الاخلاق: الضائع من الموارد الخلقية/1958كتب التالي: [من الأحاديث المروية عن النبي محمد إنه مر ذات يوم ببعض دور الأنصار في المدينة فوجد فيها محراثاً فقال: "ما دخلت هذه دار قوم إلا ودخلهم الذل"].
ثم يُكمل الوردي بالتالي: [وأعتقد ان هذا الحديث ينطبق على العشائر العراقية انطباقاً كبيراً...الخ]
هناك عندما أراد ان يتكلم عن المدنية والحضارة استل حديث او قصة آدم وحديث النبي محمد وهنا عندما أراد ان يتكلم على البداوة استل حديث للنبي محمد!! أليس في ذلك ما يثير؟؟؟؟؟؟
نعود الى "مهبط حضارة" لم يُشِر الوردي الى اسم عالم من أولئك العلماء الذي قالوا بهبوط الحضارة على العراق ...حيث مما يعنيه هذا القول إن العراق ليس مُنتجاً للحضارة انما الحضارة هبطت عليه من عليين. والذي تهبط عليه الحضارة ربما لا يشعر بقيمتها لأنه لم يفكر بها ولم يتعب في انتاجها فيفرط بها بسهولة.
لماذا أقول هذا؟ الجواب هو التالي: [كتب الراحل الوردي في ص30 من /دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 التالي: [ومشكلة العراق أنه حين ينحسر عنه المد البدوي لا يستطيع ان يتكيف للحضارة سريعاً حين تأتي اليه فهو يبقى متمسكاً بقيمه البدوية زمناً يقصر او يطول تبعاً للظروف التي تواجهه عند ذاك] انتهى
ثم يتبع ذلك بالقول: [من طبيعة القيم الاجتماعية بوجه عام انها تبقى فعالة زمناً بعد ذهاب العوامل المساعدة لها، فالناس إذا تعودوا على قيم معينة صعب عليهم بعد ذلك ان يتركوها دفعة واحدة] انتهى
لا اعرف لماذا حدد الراحل الوردي انها "مشكلة العراق"...ماذا عن المجتمعات الأخرى؟ طبعاَ كما سيأتي لاحقاً سأبين كيف أن الراحل الوردي وضع أقبح الصفات على المجتمع العراقي وجعله متفرداً بها من دون كل مجتمعات المعمورة وهنا يؤكد الوردي أن العراق غير منتج للحضارة حين ذكر التالي: [لا يستطيع ان يتكيف للحضارة سريعاً حين تأتي اليه فهو يبقى متمسكاً بقيمه البدوية]...وكأن العراق منبع البداوة وليس منتج الحضارة فقد قلب الراحل الأمور فأصبحت القيم البدوية هي قيم العراق!!
*ورد في (2): [[فالذي يهمنا بالدرجة الاولى أن نعرف أن العراق قد احتضن منذ بداية التاريخ البشري حضارة مزدهرة].
أي أن العراق قد احتضنت ما هبط عليها من حضارة والتي تحتضن الحضارة او كانت "مهبط" لها لا تكون كمن انتجتها وبنتها... فمن لم ينتج الشيء كثيراً ما يستسهل التفريط به ولا يتحمس لحمايته والدفاع عنه ولا يتمكن من إعادة انتاجه اما من ينتج الشيء فيمكنه إعادة انتاجه او إصلاحه وتطويره ويكون متحمس في حمايته والدفاع عنه حاله حال ألاُم في دفاعها عن وليدها.
*ورد في (3): [وظلت الحضارة تراود العراق حيناً بعد حين].
وهنا ايضاً إشارة على أن العراق لم ينتج حضارة انما هي تراوده هبوطاً من الأعلى او دخولاً من الجوانب. والمراودة هنا كما استنتج انها تعني التكرار او التعاقب ويعني عدم الاستمرار ويعني تفريط "المحتضن لها" بها...ولكن في كل الأحوال هي ليست من: "امرأة العزيز تراود فتاها...."
*ورد في (4): [ "ان العراق أصبح مركز الحضارة العالمية"...ايضاً ليس فيما ورد هنا من أن العراق منتج للحضارة فقد يكون المركز عبارة عن تَّجمع لمتخصصين او مختصين كما نجد اليوم في بعض مدن الخليج من انها مركز سياحي او مركز تسوق او مركز أبحاث وليس لأهلها من دور مهم فيها.
*ورد في (5) [... وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم]...هنا صارت حضارة العراق "منبعثة" أي خرجت الى فضاء العراق من دون تدخل سكان العراق أي عدنا الى ان العراق لم تنتج الحضارة.
*ورد في (6) : [هناك عوامل عديده جعلت المنطقة العربية تنتج في بعض بقاعها حضارات مزدهرة حيناً بعد حين، فقد أشرنا الى حضارات العراق ومصر]...هنا العراق منتجة للحضارة.
اصبح لدينا الان ان العراق:
1 ـ مهبط للحضارة.
2 ـ محتضنة للحضارة.
3 ـ تراودها الحضارة.
4 ـ مركز الحضارة.
5 ـ تنبعث منها الحضارة.
6 ـ تنتج الحضارة.
هذا يعني فيما يعنيه حيرة الوردي في حضارة العراق او الحضارة في العراق... مرة كانت "مهبطاً لها" ليس لها دور في انتاجها ومرة "احتضنت" وربما لم تحسن احتضانها... ومرة "راودتها" أي لا دخل لها بها "تهبط وتغادر" ومرة "مركزاً" لها لا نعرف هل أحسنت إدارة هذا المركز؟ ومرة" انبعثت" منها أي لا دخل للإنسان العراقي فيها ومرة "أنتجتها "وهذه تنفي كل سابقاتها...وهنا الضياع الذي ضاع فيه الراحل الوردي ودفعه للصق كل غريب بالإنسان العراقي او المجتمع العراقي. واليكم نماذج لذلك "اللصق" والذي كان بقصد واحد هو ترجيح فكرته عن الانسان العراقي والمجتمع العراقي مستخدماً فيه الكثير من "العيوب العلمية" من كذب وتحريف وتزوير وادعاء وتأليف حكايات ركيكة.
اليكم بعض من ذلك "اللصق":
1ـ في ص46 من كراسة شخصية الفرد العراقي كتب: [وأني لا أنكر بأن ازدواج الشخصية ظاهرة عامة توجد بشكل مخفف في كل انسان حيث وجد الانسان، ولكني أُؤكد لكم بأن الازدواج فينا مُرَّكز ومتغلغل في أعماق نفوسنا...الخ] انتهى.
2 ـ في ص359 /دراسة في طبيعة المجتمع العراقي كتب: [يغلب على ظني ان الوضع الذي رأيناه في المراقص العراقية قلما نجد ما يشبهه في مراقص البلاد الأخرى فهو من مظاهر الكبت الجنسي الذي اشتدت وطأته في العراق بوجه عام وفي المدن بوجه خاص].
((ملاحظة: أسأل الوردي: كم عدد المراقص في بقية العراق "خارج بغداد"؟ ربما هناك مرقصين او ثلاثة في مدينة البصرة فقط...وهناك ستة عشر محافظة عراقية خالية تماماً وفي كل تاريخها من المراقص. ثم هل درس الوردي حالة المراقص في الدول الأخرى حتى يطلق صيحته هذه؟ بل هل دخل الوردي يوما الى مرقص؟ الجواب كلا...اما كيف "غلب على ظن الوردي ذلك"؟ اجيب أنه سمع او قرأ في كتاب او ادعى او الَّفَ هذه الرواية كما غيرها العشرات.
3 ـ في ص 359 من نفس الكتاب كتب: [يجب ان لا ننسى في هذا الصدد ان العراق هو البلد الذي استفحلت فيه عادة غسل العار الى درجة يندران يكون لها نظير في أي بلد اخر].
وفي ص237 من نفس الكتاب كتب: [وهذه العادة موجودة في كثير من المناطق في البلاد العربية ولكني اميل الى الظن بأنها في الريف العراقي أوسع انتشارا واشد وطأة منها في أي منطقة أخرى من الوطن العربي ...الخ]
*أقول: هل مثل هذه الأمور المهمة تسير وفق "أميل الى الظن"؟ كيف يجزم الوردي بذلك؟ هل أجرى مسحاً ميدانياً او اطلع على مضابط دوائر الشرطة او عاش في الريف العراقي فترة جيدة؟ هل قام بدراسة ذلك في البلدان العربية الأخرى؟ الجواب على كل هذه الأسئلة هو واحد وهو: كلا كبيرة جداً.
كيف اسند الوردي أقواله هذه ...اليكم:
في ص239 من كتاب/دراسة في طبيعة المجتمع العراقي كتب التالي:
*[ذكرت احدى الصحف البغدادية منذ بضع سنوات أن رجلاً في قرية سلمان باك قتل اخته لأنها "اتصلت" بزوجها قبل ليلة الزفة] انتهى
أقول: لاحظ عزيزي القارئ منذ سنوات نشرت احدى الصحف ان رجلاً!!! هكذا بنى الوردي اطلاقه هذا!!!!
**[شهدتُ في احدى محلات الكاظمية حادثة من حوادث "غسل العار" تعاون فيها أهل المحلة على قتل امرأة منهم...الخ] انتهى
أقول: شاهد أهالي المحلة يتعاونون في قتل امرأة في الكاظمية!!!! لم يخبرنا الوردي اسم المحلة ومتى حصل ذلك؟ انا اجزم هنا ان الوردي يكذب لأنه لو حصل ذلك لصارت هذه الحالة قصة تتناقلها الأجيال.
***[أن قصص "غسل العار" في العراق كثيرة جداً تكاد لا تُحصى. وقد قدم لي أحد طلابي تقريراً يتضمن من هذه القصص ما يدهش ويُذهل]
السؤال هنا: هل هذه معلومات يمكن ان يستند عليه "عالم" اجتماع او حتى كاتب يحترم ما يكتب؟؟؟ احد طلاب الوردي اخبره في تقرير...أليس في ذلك من السخف الكثير.
4 ـ في ص360/دراسة في طبيعة المجتمع العراقي كتب: [الواقع ان الحجاب قد انتشر في أكثر البلاد الاسلامية منذ زمن بعيد ولكنه لم يبلغ من حيث تأثيره الاجتماعي في تلك البلاد كما في العراق فهو في العراق ذو تقليد استمدت جذورها من عادة غسل العار وظلت محافظة على بعض معانيه].
*أقول: هل هناك من يتفضل عليَّ / علينا ببيان العلاقة بين غسل العار والحجاب؟ هل النماذج التي نقلناها عن الوردي في (3) أعلاه عن غسل العار وقعت لنساء غير متحجبات "سافرات" ...بل هل كانت هناك امرأة واحدة سافرة في الكاظمية او سلمان باك التي وردت أعلاه؟
في ص305 دراسة كتب: أيضا [في عام1951 قدم لي أحد الطلاب تقريرا عن مدينة هيت ذكر فيه ان الحجاب اخذ ينتشر في المدينة منذ عهد ليس ببعيد فقد كانت المرأة الهيتية سافرة كغيرها من نساء الأرياف والمدن الصغيرة ولكنها بدأت تميل نحو الحجاب من جراء احتكاكها بالنساء الحضريات اذ هي صارت تقلد هؤلاء النساء...الخ] انتهى
أقول: هل يعرف الوردي معنى السفور؟ الجواب كلا
هل هناك من أبناء ريف العراق من يؤيد اقوال الوردي هذه؟؟؟كلا و الف كلا
واليكم ما كتب في ص305 [أن السفور البدوي الذي كان منتشراً بين أكثر النساء في العهد العثماني هو اليوم سائر في طريق الزوال انه كان في الواقع سفورا محتشما يكاد يخلو من مساوئ الحجاب ومساوئ التبرج...الخ]
و اليكم ما يناقضه من ص349 من نفس الكتاب حيث كتب: [الواقع ان عادة اللواط كانت منتشرة في المدن العراقية في العهد العثماني انتشارا واسعا و يمكن ان نعزو ذلك الى عوامل عديدة أهمها ما يلي:
ـ التربية الزقاقية: فقد رأينا كيف كان الأطفال يعدون اللواط من مظاهر الغلبة وكانوا يفاخرون به و ويطلقون عليه اسم (كسر العين)....الخ
ـ شدة الحجاب، فقد ثبت علمياً انه كلما اشتد الحجاب في المجتمع زادت نسبة اللواط بين افراده...الخ].
أقول: قارن عزيزي القارئ بين المقطعين واحكم على أحكام الراحل الوردي، اعتمد الوردي على "تقرير طالب واحد" ليعممه.
5 ـ في ص 370: [ان نزاع المحافظين والمجددين ظاهرة اجتماعية تكاد تكون محتومة في مثل هذه الظروف التي مر بها العراق ولكني أستطيع ان أقول ان النزاع الذي حصل في العراق كان عنيفاً جداً وقد تطرف كل من الفريقين فيه تطرفاً أدى الى نتائج فكرية واجتماعية غير محمودة]
في ص 371 كتب: [وتلك هي مشكلة المحافظين في جميع انحاء العالم تقريباً والظاهر ان مشكلتهم في العراق تفوق مشكلة غيرهم في البلاد الأخرى].
أقول: كيف عرف الوردي ذلك..."ربما" درس العراق...لكن كيف عرف ان مشكلة المحافظين في العراق تفوق مشكلة امثالهم في البلاد الأخرى؟ لماذا لم يعرض علينا كيف توصل الى ذلك؟
6 ـ في ص 381 كتب: [لعلي لا اغالي إذا قلت ان الشعب العراقي في مرحلته الراهنة هومن أكثر شعوب العالم ان لم يكن أكثرهم ولعاً بالسياسة وانهماكاً فيها] انتهى
*أقول: هل اطلع الوردي على حال شعوب العالم الأخرى، ووعي تلك الشعوب وقارنها بالعراق حتى يطلق هذا القول؟ ان هذا القول لا يطلقه قارئ او متعلم انما هو حديث المقاهي. ثم عن أي شعب يتكلم الراحل الوردي...هل عن الشعب الذي لا يوجد في نسبة عالية من بيوته جهاز راديو؟ هل الشعب الذي يعيش في الأرياف ومحروم من ابسط الخدمات؟ الوردي يتكلم عمن يلتقيهم في أسواق بغداد ومقاهيها وازقة حاراتها والجامعة من القلة التي تمكنت من الوصول الى الجامعة وعَّدُهم هم شعب العراق.
7 ـ في ص382 كتب: [قد يقول قائل ان الدعايات والإذاعات التي اشتد اوارها في الحرب العالمية الثانية كان لها الأثر في ذلك وهذا قول لا يخلو من صواب. ولكننا يجب ان لا ننسى ان تلك الدعايات والإذاعات كانت موجهة نحو الكثير من الأقطار فلماذا كان تأثيرها في العراق اشد من الأقطار الأخرى؟].
* أقول: أسأل الوردي: كم عدد أجهزة الراديو التي دخلت العراق او التي كانت موجودة في العراق اثناء الحرب العالمية الثانية؟ يمكن أن أجيب بتطرف انها ربما لا تتعدى عدة الاف ...هل أجرى الراحل الوردي استطلاعات للراي ليتبين تأثير تلك الدعاية على الشعوب والبلدان الأخرى وقارنها مع ما "اجراه" من استطلاعات على تأثير الدعاية على الشعب العراقي؟ الوردي يعرف ان هناك بعض أجهزة الراديو في بعض مقاهي ازقة بغداد وبيوت كل روادها كما اعتقد كانت خالية من تلك الأجهزة.
8 ـ في ص355 كتب التالي: [اشتهرت المدن العراقية بأنها من أكثر مدن العالم في عدد مقاهيها بالنسبة الى عدد سكانها]. وفي ص56 شخصية الفرد العراقي 1951 كتب التالي: [العراق مشهور بمقاهيه وهي على كثرة عددها تغص بالرجال ففي أصغر قرية كما في أكبر مدينة في العراق تجد المقاهي منتشرة انتشارا فضيعا ولعل هذه الظاهرة سببها حجاب المرأة او تعالي الرجل على المكوث معها في البيت ثانياً. إلى ان يصل ليقول: فإذا علم الناس برجل يكثر المكوث في بيته مع امراته وأولاده اتهم بالتخنث].
*أقول: هذا كذب!! حيث هناك عدد محدود جداً من المقاهي في المدن العراقية الأخرى و بعض الأرياف و القرى لا يوجد فيها مقهى انما فيها ما يمكن ان أقول عنه بائع شاي...ربما كل مقاهي العراق لا تزيد عن مقاهي ازقة بغداد وشوارعها رغم محدوديتها...و ما استند عليه في تكذيب الوردي هو ان الوردي لم يُحصي مقاهي المدن في العالم ...هل احصى الوردي عدد المقاهي في مدن العالم وقارنها مع المقاهي في مدن العراق؟
الجواب كلا طبعاً. هل احصى الراحل الوردي عدد المقاهي في العراق وقت اعداده لكتابه هذا؟ الجواب كلا...هل سأل عن مقاهي باريس و روما و مدريد وتكساس التي درس فيها الماجستير و الدكتوراه وقبلها بيروت التي درس فيها البكالوريوس وغيرها؟ الجواب كلا طبعاً
انا أسجل هنا ما اعرفه عن مدينتي التي ولدت وعشت فيها الناصرية وهي مدينة كبيرة كان عدد سكانها يقترب من (300) ألف نسمة او أكثر وقتها وكانت فيها أربعة مقاهي فقط لا يرتادها الشباب لأن ذلك غير مرغوب به اجتماعياً ولن يصحب رب الاسرة أولاده معه اليها الا في القليل النادر الشاذ حيث فيها فقط مقهى التجار و مقهى العروبة و مقهى الجمهورية و مقهى ميزر وعدد محدود من بائعي الشاي. الوردي يتجول في الكاظمية وهي مدينة دينية يرتادها الزوار من مدن أخرى بعيدة فكان فيها عدد قليل من المقاهي ويتردد الوردي على منطقة شارع الرشيد /الميدان والحيدرخانه وكانت منطقة تجارية في قلب العاصمة بغداد...وتردد على ازقة بغداد المحيطة بمركزها حيث كانت لكل زقاق او عدة ازقة مقهى وهي مناطق مزدحمة ضيقة فيها تنوع كبير من حيث السكان...هذا ما شاهده الوردي وعممه كعادته على العراق. هذا ما كان امام عين الوردي في محيطه الضيق...لكنه غير موجود بهذه الصيغة في كل العراق الباقي.
وكتب في ص58: [البدو يطلقون على من يكثر من مجالسة النساء لقب "زير النساء" وهو لقب يصعب على البدوي تحمله]انتهى
*أقول: هل يتفضل علينا احدكم بتعريف "زير النساء" وهل ينطبق عليه ما ذكره الراحل الوردي هنا؟
9 ـ ص57/شخصية الفرد العراقي كتب الوردي: [...إني بعد دراسة طويلة للجماعة الأولية في العراق لاحظت فيها ظاهرة غريبة قلما نرى مثلاً لها في البلاد الأخرى. وهي ظاهرة لا نفطن لها نحن لوجودها عادةً لأننا قد تعودنا عليها واعتبرناها طبيعية اما الأجنبي فقد يلمح آثارها بوضوح. وقد يلاحظ الباحث في العائلة العراقية ظاهرة يمكن ان نطلق عليها بظاهرة "ألتجزأ" واقصد ب "ألتجزأ" هو ما نلاحظه من انقسام في أسلوب الحياة بين الرجل والمرأة والطفل] الى ان يصل ليقول في نفس الصفحة: [قل ان نجد في هذه الدنيا مجتمعاً تجزأت فيه العائلة مثل هذا ألتجزأ البليغ].
أقول: نفس السؤال اطرحه على الراحل الوردي: هل تفضلت بإجراء دراسة على "هذه الدنيا" أو "البلاد الأخرى" ولم تجد فيها ما وجدته في دراستك للعائلة العراقية؟؟ وهل هناك مجتمع في العالم لم تتجزأ به حياة الرجل و المرأة و الطفل؟؟
10 ـ ص68: [ان العراقي مشهور بكثرة انتقاده لغيره، تقول سيدة أمريكية زارت العراق ذات يوم: بأن العراقي بارع في اكتشاف العيوب في غيره وماهر في عرضها على المستمع شيئاً فشيئاً...].
أقول: انظروا كيف اعتمد الوردي قول صاغه ونسبه لسيدة أمريكية زارت العراق ذات يوم...من هي تلك السيدة و كيف عَرَفَتْ ذلك ؟؟ الجواب هو ان الوردي لا يعرف تلك المرأة و لم يقرأ لها و لا يعرف اين ورد قولها هذا ومتى وكيف بنت رأيها هذا...اي ان الرواية كاذبة/ معيبة/مخجلة.
11 ـ في ص380 كتب: [مشكلة أبناء الجيل الجديد في العراق انهم آمنوا بصحة "من جد وجد" إيماناً غير محدود واعتبروه مفتاح النجاح وسبيل النجاح في كل مجال].
اقول: لو كان هذا الحال لما وصل الحال الى حال اليوم "وقت دراسة الوردي". يبدو ان الوردي لا يعرف المجتمع الذي يعيش فيه وهو منه.
12 ـ ص350: [ليس لدينا إحصاء عن مبلغ انتشار اللواط في المدن العراقية في العهد العثماني ولكن هناك تخميناً تقريبياً يشير الى ان نسبة انتشاره كانت لا تقل عن 40% من مجموع سكان المدن وهذه نسبة كبيرة ولعلها أكبر مما هي في البلاد الأخرى باستثناء امارات الخليج].
*أقول: على فرض ان مدينة عدد سكانها عشرة الاف نسمة وعلى فرض ان نسبة الرجال 60% أي ستة الاف ذكر يمكن ان يكون منهم 10% أطفال دون سن العاشرة و10% رجال كبار بالسن ومتزوجين وأصحاب عوائل الباقي 40% من الذكور هؤلاء حسب تخمينات الوردي كلهم مصابين بالانحراف الجنسي أي أربعة الاف ذكر وهناك من بين الفروقات 1% منحرف جنسي سلبي...
السؤال: هل يُعقل هذا؟ هل يُعقل ان 40% من مجموع سكان المدن في العراق منحرفين جنسياً؟
هل من يطرح هذا الطرح عاقل؟
هل يمكن ان يكون طارح هذا الطرح قارئ جيد ولا أقول عالم اجتماع؟
من اين اتى الوردي بهذه النسبة ومن هي الجهة التي خمنت هذا التخمين وكانت محط ثقة الراحل الوردي ليعتمده؟
هكذا درس الراحل الوردي المجتمع العراقي والشخصية العراقية في ضوء علم الاجتماع الحديث!!
لماذا ركزتُ على هذا الموضوع؟
الجواب هو لأهميته القصوى في الوصول الى جواب للسؤال التالي: هل الدكتور علي الوردي يعرف البلد الذي عاش ويعيش"وقتها" فيه و كتب عنه؟ او تعمق بدراسته؟ ام انها عملية "قَطع ولصق واسترسال وتضخيم وتصغير حسب الهوى وبسطحية" عجيبة و مخجلة؟.
الراحل الوردي عاش في مجتمع متنوع وراثياً واجتماعياً فيه ابناء سكان العراق الاصليين و فيه من بقايا جنود و مقاتلي احتلالاته و فيه وافدين متسللين وفيه احفاد السومريين والأكديين والعموريين والكلدانيين والكاشيين والفرس والهنود والأفارقة والترك و الكورد والعرب/الحضر و البدو و الآذاريين والشيشان والالبان والافغان والافارقة وغيرهم تلك التي تشكل و يتشكل منهم المجتمع في تلك المساحة التي يطلق عليها اليوم العراق وبغداد عاصمتها بتنوعها... كل مجموعة لها "كيفية في تشكيل عقولها (وراثة) وهناك ما "يُعرض" عليها وهو مختلف كلٌ حسب ثقافته وموروثه ومنبته...فكيف يمكن الجزم هنا في طرح موضوع واحد عن مجتمع بهذه النوعية؟ هذا التنوع الهائل في المجتمع العراقي لم يدفع الراحل الوردي لدراسته انما اكتفى بال "فرجة" على ما كان امامه من مجتمع في حارات وازقة بغداد المتنوعة جداً...وربما السبب ان ليس للبدو من دور في ذلك التنوع وهذا يكفي لدحض الكثير من طروحات الوردي.
يتبع لطفاً.......
681 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع