بسام شكري
غزو أوكرانيا - النتيجة الحتمية لسياسة القيصر بوتين
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال معظم الجمهوريات التي كانت تضمه مباشرة واستقلال الجمهوريات السائرة في ركابه والتي كانت تعرف بالمعسكر الاشتراكي فقد خلت الساحة الروسية من سياسيين محنكين بسبب سيطرة الحزب الشيوعي السوفييتي على الحكم طوال فترة سبعين عاما من حكمه وعدم السماح لاي حزب سياسي بالعمل وبسبب الاعمار الكبيرة لقيادة اللجنة المركزية للحزب السوفييتي والتي جعلتهم عاجزين على أي رد فعل لما قام به غروباتشوف من السماح بتوحيد المانيا وتفكيك الاتحاد السوفييتي وبعد اول رئيس لروسيا الرئيس بوريس يلتسن الذي كانت مرحلته الانتقال من النظام الشمولي الى النظام البرلماني قد كانت الفرصة المواتية لصعود مدير مكتبه رجل المخابرات السوفييتية السابق فلاديمير بوتين مسؤول جهاز المخابرات السوفييتي في المانيا الديمقراطية ليصبح رئيس جمهورية روسيا الاتحادية الجديدة والتي ضمت بقايا الاتحاد السوفييتي , ففي بداية حكم بوتين لم تكن له خطة واضحة وكان همه الوحيد المحافظة على ما تبقى من الإمبراطورية السوفييتية السابقة وما ان مرت سنوات شهد نظام الحكم فترات تبادل رئاسة الدولة بينه وبين مساعده مدفيدف في مسرحية مكشوفة وفي النهاية قام بتغيير الدستور الروسي ليضمن لنفسه حكما يمتد لغاية سنة 2032 عندها بدأ فلاديمير بوتين بالاستقرار نفسيا وظهرت لديه فكرة الاستعمار القيصري القديم بصورة عصرية تتماشى مع الأوضاع الدولية وبأسلوب مخابراتي يعتمد كافة الوسائل لتحقيق اهدافه, وكانت أوروبا اول ما فكر في تفكيكها للوصول الى استعمارها فقام بتأسيس أحزاب يمينية في الدول الأوروبية لتفكيك الاتحاد الأوروبية واخذ يمد تلك الأحزاب اليمينية بالمال والدعم اللوجستي من اجل الوصول الى البرلمانات لتفكيك وتخريب الاتحاد الأوروبي وقد اثمرت جهوده تلك عن وصول الأحزاب اليمينة الى السلطة في بولندا وسلوفاكيا وهنغاريا والنمسا ورومانيا وإيطاليا وجمهورية التشيك التي ثم خسر اليمين فيها انتخابات هذا العام , والمفارقة ان بقايا الشيوعيين في المانيا الديمقراطية قد قام بوتين بتحويلهم الى نازيين يمينيين وقام بتأسيس أحزاب يمينية وصلت الى البرلمان الألماني في الانتخابات الأخيرة في ولايات المانيا الشرقية الخمسة و بعدها وصلوا الى البرلمان الألماني في برلين , وفي نفس الوقت قام بوتين بتأسيس عصابات اجرامية متخصصة لسرقة البنوك ومكائن الصراف لتصول وتجول في أوروبا في كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا والنمسا وهولندا وبلجيكا من اجل زعزعة الاستقرار هناك وقياس مدى قوة الأجهزة الأمنية في تلك الدول وقد فشل في تحقيق هدفه في زعزعة الاستقرار الأمني وتم القاء القبض على معظم تلك العصابات وانتهى نشاطها في سنة 2018, ومن اجل تطبيق العقيدة القيصرية الاستعمارية التي يؤمن بها بوتين فقد قام بدعم نظام الملالي في طهران واستعمله في احتلال العراق وسوريا ولبنان واليمن وبذلك فقد ضمن هيمنته على معظم دول الشرق الأوسط وقد أخذ بوتين بابتزاز إسرائيل بان قام بزرع على حدودها في سوريا ولبنان بميليشيات إيرانية عراقية أفغانية واخذ بشن حملات لاختراق الحدود السورية الأردنية عن طريق مهربي مخدرات محترفين وقد فشل في ذلك لقوة الجيش الأردني الذي احبط عشرات المحاولات العشوائية وفي افريقيا فقد قام بوتين باحتلال نصف ليبيا الغني بالبترول والغاز عن طريق مرتزقه فاغنر ودخل في صراع مع تركيا وقطر في احتلال النصف الاخر من ليبيا وقام بانقلاب عسكري في السودان واختطف الثورة السودانية من جماهيرها وقام بانقلاب عسكري اخر في مالي كان الهدف منه طرد قوات حلف شمال الأطلسي من مالي تلك القوات التي كانت تحارب تنظيم القاعدة الإرهابي في منطقة جنوب الصحراء وحل محلهم مرتزقة فاغنر سيئة الصيت ونجح في طرد قوات حلف شمال الأطلسي من مالي واليوم تسيطر المافيات والمرتزقة الروسية على معظم جمهورية افريقيا الوسطى كذلك وتحاول التغلغل اكثر في بعض الدول الافريقية الغنية مثل نيجيريا الدولة البترولية الغنية بالبترول والمعادن المختلفة عن طريق عصابات التهريب ونشر مذهب التشيع في نيجيريا عن طريق ايران حيث انتشر المذهب الأنثى عشري بأفكار متطرفة تدعم نظام الولي الفقيه الإيراني في أوساط الافارقة النيجيريين بشكل اصبح يهدد اصل العقيدة الإسلامية , وتمهيدا لغزو أوكرانيا ومن اجل حرمان أوروبا من الغاز والبترول وقبل شهر من ذلك الغزو قد امر النظام العسكري في الجزائر بقطع علاقات الجزائر الدبلوماسية مع المغرب بشكل اثار استغراب العالم فيحينها واغلاق الحدود وقطع أنبوب الغاز الجزائري الى اسبانيا والمار عبر المغرب ,واليوم فان خريطة روسيا القيصرية بقيادة بوتين تمتد من ايران شرقا حتى مالي غربا فهو يتحكم بأهم اربع دول بترولية هي العراق وايران والجزائر وليبيا ويطل على الخليج العربي والبحر المتوسط ومضيق باب المندب و يسيطر على وسط وشرق افريقيا ويمكنه إدارة معاركه مع الغرب من خلال عدة محاور وجبهات وفي أوروبا فهو يسيطر على ستة دول أوروبية عن طريق الأحزاب اليمينية الحاكمة والتي قام بإنشائها هناك.
بعد هذه النبذة عن المختصرة عن استراتيجية فلاديمير بوتين نتعرف على أسباب الغزو الروسي لأوكرانيا , فبوتين قد وصل الى مرحلة تمكنه من الغزو لامتلاكه قوة هائلة قام ببنائها تدريجيا على مدى سنوات عديدة بعد ان زرع الأحزاب اليمينية في أوروبا ومسك الأرض من ايران شرقا حتى جمهورية مالي غربا وتحكم بأكبر اربع دول بترولية هي ايران والعراق والجزائر وليبيا وخنق البحر الأحمر من الشمال والجنوب , وخطة بوتين من وجهة نظري و وفق الأفكار التي طرحتها في هذا المقال فانه لن يوقف الغزو حتى يستكمل احتلال كل أوكرانيا ثم ينتقل الى بولندا فألمانيا وهكذا لاحتلال بقية أوروبا او جعلها ترضخ لشروطه كقيصر لأوروبا من خلال التحكم بمصادر الطاقة التي يملكها لكن الواقع الذي لم يفهمه بوتين هو انه كلما طالت الحرب كلما دخل في خانة الخسارة لان أوروبا تمد أوكرانيا يوميا بأسلحة جديدة ومتطورة وتقوم بتدريب الجيش الاوكراني على تلك الاسلحة ولان الخسائر التي تقع في صفوف الجيش الروسي لا يمكن تعويضها الا من خلال تجنيد المزيد من المرتزقة لان الجيش الروسي النظامي لا يمتلك قوة بشرية تمده سنويا بشكل يضمن الاستمرار في الحرب بنفس عدد الجيش الروسي الذي يقاتل الاوكرانيين بدون عقيدة واما الجيش الاوكراني فهو يدافع عن ارضه بعقيدة وايمان بينما الجيش الروسي لا يقاتل بعقيده لأنه جيش معتدي على الشعب الاوكراني الذي تربطه معه روابط تمتد الاف السنين وبوتين الذي يراهن على ايران من انها حليفه الذي يمسك به معظم مناطق الشرق الأوسط ويمدها بالتكنلوجيا النووية ولكنه لا يعلم بانه اذا ما رفضت ايران الاذعان لقرارات المنظمة الدولية للطاقة الذرية فلا أمريكا ولا إسرائيل سوف تقوم بتوجيه ضربات عسكرية لها لردعها وانما حلف شمال الأطلسي سيقوم بضربها وتدمير أنظمتها الدفاعية وجعلها اربع دول بدلا من دولة واحدة ولا تتمكن ايران من الرد على سبعة وعشرين بلدا أوروبيا في وقت واحد هذا اذا ما بقيت لديها القوة لالتقاط أنفاسها.
ان خطة بوتين بلعب ورقة الغاز الروسي للسيطرة على أوروبا قد فشلت فقد قات المانيا بإعادة تشغيل محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم الحجري وتشغيل المفاعلات النووية التي تولد الطاقة الكهربائية واتفقت المانيا وفرنسا الأسبوع الماضي على ان تزود المانيا فرنسا بالكهرباء مقابل تزويد فرنسا لألمانيا بالغاز لتشغيل مصانعها التي تعمل بالغاز, وقد قامت كل من المانيا وفرنسا واسبانيا والاتحاد الأوروبي الشهر الماضي بالاتفاق مع المغرب وموريتانيا لاستثمار حقول الغاز فيها كبديل للغاز الروسي وبذلك فان سوق الغاز الروسي سوف يشهد كسادا خلال السنتين القادمتين وسوف ينهار الاقتصاد الروسي الذي يعتمد على تصدير الغاز.
وأخيرا فان بوتين لن يعيش لأكثر من عشرين سنة أخرى لكي يتمكن من تنفيذ مخططه في تقسيم أوروبا واستعمار الشرق الأوسط وشمال افريقيا وهو طوال الفترة السابقة من حكمه لم يتمكن من خلق عقيدة أيديولوجية في روسيا ولا نظام سياسي دستوري برلماني وهو لم يسمح لاي حزب سياسي روسي من الوصول الى السلطة ومازال يستعمل نفس أساليب المخابرات السوفييتية في اغتيال معارضيه في حين ان الزمن قد تغير وصار الكذب على الناس من الماضي بعد تطور تكنلوجيا الاتصالات وقد أصبح العالم قرية صغيرة.
ان إيران التي يعتمد عليها بوتين قد انكشفت لعبتها الطائفية امام الشعوب الإيرانية وشعوب المنطقة من خلال تسعة عشر عاما من الاحتلال الإيراني للعراق الذي نشر الجهل والتخلف والفساد ومن خلال الحرب الطائفية في كل من سوريا واليمن ومن النظام الفاسد في لبنان وأصبح ملالي طهران ظواهر صوتية تثير السخرية والاشمئزاز سواء في داخل ايران او في الدول التي تحتلها وبوتين سوف لن يتمكن من خلق نظاما سياسيا قويا يمكن ان يخلفه بعد وفاته بنفس المنهج القيصري الحالي ولهذه الأسباب وغيرها فان أوروبا التي تمتلك أنظمة سياسية عريقة وبرلمانات وأحزاب سياسية تمتلك برامج وايديولوجيات لا تخاف من القيصر بوتين وتعتبره ظاهر مؤقته يتكفل الزمن بإزالتها.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1706 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع