د. سعد ناجي جواد
من هي الاطراف المسؤولة عن المأزق السياسي العراقي؟ وهل يأتي الفرج من الخارج كما يؤمن البعض؟
عام اخر يضيع من عمر العراقيين ولا يزال البعض يمني النفس بالفرج. عام اخر يضيع والاحزاب والقيادات المشاركة في العملية السياسية لا تزال تبحث عن الاغلبية في البرلمان، وعن من هو الطرف الاحق في تشكيل الحكومة، وعن السبيل للخروج من (الانسداد السياسي) هذه العبارة التي تجري على كل لسان في العراق هذه الايام. عام اخر يضيع ومعه ضاعت وتضيع اموال العراق، واخرها ضياع وسرقة مبلغ 26 مليار دولار خصصت لما يسمي بقانون (الامن الغذائي) في عمليات فساد ونهب منظم، وكالعادة لم تتحقق كل الوعود التي اطلقت عندما مرر هذا المشروع في البرلمان، والان تجري احاديث واحاديث عن سرقة مخصصات ونهب اموال كبيرة باسم مشاريع وهمية من الاموال المخصصة لهذا القانون، ولم يتم مسائلة فاسد كبير واحد على الرغم من الملفات الكبيرة التي تنشر. علما ومن الامور التي يجب ان تعطي كل من يظن خيرا بسياسي هذه الايام ان البرلمان، الذي فشل لحد هذه اللحظة ولمدة سنة كاملة في عقد جلسة مكتملة لاختيار رئيس جمهورية ورئيس وزراء، متجاوزا كل المدد الدستورية، عقد جلسة بحضور كامل (273 عضوا) في حزيران/ يونيو 2022 وفي قمة الخلافات بين الاطراف المتصارعة، وصوت على تمرير قانون الامن الغذائي!!! ثم انفض ولم يكتمل مرة اخرى بهذا العدد. والسبب واضح ولا يحتاج لشرح وتفسير. ولم يعقد البرلمان جلسة واحدة يجمع فيها 165 عضوا يشكلون الاغلبية لاختيار حكومة جديدة.
يمكن القول بان الاطراف المشاركة في العملية السياسية جميعها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذا التعطيل. الاطراف الخاسرة مسؤولة لانها رفضت ان تقبل بنتائج الانتخابات وتجلس في مقاعد المعارضة لتحاسب وتراقب اي حكومة تتشكل، وبموجب اللعبة الديمقراطية التي يتبجحون بها. والاطراف الرابحة وخاصة التيار الصدري الذي فاز باغلبية المقاعد، مسؤول ايضا، فقرار استقالة 75 نائبا فائزا يمثلون التيار بناءا على اوامر السيد الصدر، ترك المجال مفتوحا للاطراف الخاسرة لكي تقوم بمليء المقاعد الشاغرة بنواب من كتلهم وبدون اي اعتبار لاصوات الناخبين. وحلفاء السيد الصدر مسؤولون لانهم لم يتضامنوا معه كي يبطلوا عمل البرلمان الذي كان سيفقد شرعيته اذا ما تجاوزت الانسحابات الثلث. والطرف الذي يتحمل المسؤولية الاكبر هو القضاء الذي حابى الاطراف الخاسرة ولم يتخذ اي قرار حاسم في كل المخالفات التي جرت. فهو لم يقل فيما اذا كانت استقالة النواب الصدريين صحيحة ام لا، خاصة وانها لم تعرض على البرلمان. وهو لم يقل لنا اذا كان قرار استبدال المستقيلين باخرين خاسرين صحيح ام لا. وسكوته اضفى شرعية على هذه المخالفة. نعم القانون اعطى الحق للنائب ان يستقيل كحالة منفردة، لكن كيف يمكن قبول وتمرير وتبرير استقالة جماعية ولاعضاء يمثلون الاغلبية، واختارتها اغلبية من المصوتين؟ واخير هو لم يقل لنا كيف يمكن تبرير مرور سنة كاملة على اعلان نتائج الانتخابات دون تشكيل حكومة؟ والدستور ينص على انه يجب انتخاب رئيسا للجمهورية خلال ثلاثين يوما، وبعدها يكلف الرئيس خلال خمسة عشر يوما ممثل الكتلة الاكبر كرئيس للوزراء، (وهذه بدعة اخرى حيث ان النص كان يقول الكتلة الفائزة الا ان مجلس القضاء الاعلى السابق فسرها بطريقة خدمت طموحات طرف على حساب طرف اخر)، ثم على رئيس الوزراء المكلف ان يقدم تشكيلته الوزارية خلال ثلاثين يوما. اي ان كل العملية يجب ان تنتهي خلال 75 يوما كحد اقصى (شهرين ونصف)، وبعكسه تعتبر الانتخابات لاغية ويجب اعادتها خلال ستون يوما. وها قد مرت سنة كاملة ولم يتم اختيار رئيسا للجمهورية ولم يتم تشكيل وزارة، والقضاء العراقي ظل متفرجا. وبعد مطالبات بان يفعل شيئا اصدر توضيحا قال فيه انه ليس من صلاحية مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية حل البرلمان. وهذا الكلام صحيح ولكنه يندرج في باب التفسيرات الضبابية، لان ما مطلوب من القضاء هو ليس اصدار قرار بحل البرلمان، وانما هو مطالب بتوضيح فيما اذا كانت الاجراءات التي اتبعت قانونية ودستورية ام لا؟ والحكم ببطلان هذه الاجراءات اذا كانت مخالفة لمواد الدستور هو الذي سيودي الى حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة.
الشيء المؤسف انه في ظل كل هذه الكوارث لا تزال تصدر اصوات تقول للعراقيين بان الفرج ات قريبا من الخارج، فهناك من يبشر بدور للامم المتحدة ومجلس الامن، واخر يلمح لدور الولايات المتحدة والغرب، والاخر يعتقد ان دول الجوار المتنفذة في العراق هي التي ستنهي هذه الازمة. وهذه الافكار هي ليست حكرا على العامة او على الذين يعتقدون بانهم على علم ببواطن الامور، وانما كل سياسي هذه الايام يؤمنون بها، وبدلا من ان يلجاوا الىالجلوس مع بعضهم البعض واختيار حكومة طواريء تخرج البلاد من ازمتها، او يعترفوا بفشلهم (كما اكدوا ذلك جميعا وعلى الهواء مباشرة وفي مناسبات مختلفة) وينسحبوا من المشهد السياسي تاركين المجال لمن هو اكفا منهم لاصلاح الامور. بدلا عن ذلك كله تنقل لناالاخبار يوميا اللقاءات المكثفة الي يقوم بها سياسيو البلد مع السفراء الاجانب وممثلي المنظمات الدولية لكي يطرحوا عليهم مشكلة العراق. ونسوا او تناسوا ان من اعتمد على الولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل قبل عشرون عاما لم يجلب للعراق سوى الدمار والفقر والجوع وتمزيق المجتمع وهيمنة الفساد والى غير ذلك من الكوارث. ونسوا او ربما لا يستطيعون استيعاب حقيقة ان من خطط للاحتلال ونفذه كان يريد ان يوصل العراق الى هذه النتيجة او الحال، وبالتالي فكيف يمكن ان يصدق ان نفس هذه الاطراف ستصلح الامور؟
ماحكَّ جلدكَ مثلُ ظُفركَ
فتولّ انت جميع امرِكَ
واذا قصدتَ لحاجةٍ
فاقصد لمُعترفٍ بقدرك
ابيات قالها قديما الامام الشافعي (رض) مليئة بالعبر لمن يريد ان يعتبر. وحتى تصل غالبية العراقيين الى هذه الحقيقة فلن يكن هناك مخرج لمآسي العراقيين. الغرب صور الديمقراطية بانها انتخابات فقط، ولهذا فان ابواقهم لاتزال تكرر وتعدد المرات التي ذهب فيها العراقيون للانتخابات، اما ما هي نتائج هذه المهازل والمسرحيات الانتخابية فلا احد يتحدث عنها في الغرب ومن هو سائر في ركابه. كل التجارب التاريخية تقول ان وضعا كالذي هو موجود في العراق لا يمكن ان يستمر، وان الشعب لا بد وان ينتفض لكي ينهي معاناته، ويبقى السوال هو متى.
3336 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع