د يسر الغريسي حجازي
02.10.2022
الامتثال والتفوق
"بينما تشير التربية إلى دور الأسرة، يشير التعليم الي نقل المعرفة والمهارات، ورفع الروح المعنوية. من المفترض أن تشكل التربية الضمائر وأن يشكل التعليم أناسًا كاملين، ومستنيرين، وناضجين. يمكن للقيم الأخلاقية مثل: المسؤولية، والنزاهة، والشجاعة، والتعاطف، أن تحدد المعايير الاجتماعية النزيهة، والقوانين المتساوية"..
ما هي التربية الجيدة وكيف تسمح بالتنمية الشخصية الجيدة؟ والسؤال هو كيف نضمن التنمية الاجتماعية الجيدة، والإمكانات البشرية، والمهارات المعرفية والإرادة البشرية وفقا للمعارف الثقافية، والأخلاقية، والفكرية؟
تعتمد التنمية الشخصية على البيئة والأحداث التي نمر بها خلال الطفولة وسن المراهقة لغاية الوصول الي سن الرشد. من الصراعات، الي والعقوبات، وخيبات الامل، والمصالحات، ولحظات الحب والعاطفة. كما ان هذه المشاعر المتكاملة، تمثل نسيج القيم الأخلاقية التي يتعلمها كل واحد منا. وهي التي ستؤثر على السلوك والتنمية الشخصية لكل فرد. ينجذب كل فرد واعٍ إلى الحوار الداخلي، لقياس المواقف وتعلم التفكر وفهم وتفسير المواقف، والتعرف على أنفسنا بشكل أفضل. كما ان التنمية الشخصية تتمحور حول كل ما عاشه الانسان خلال فترة نموه، واكتساب المهارات الحياتية، ووصول الادب، والخبرة التي تؤهله للاندماج في البيئة الاجتماعية. ويركز المبدأ على تفسير الحقائق، والتفكير، والسلوك، والقيم الأخلاقية التي تغرس في الانسان منذ بداية الحياة. على سبيل المثال، القواعد غير مرنة، والتي تشمل قيود فكرية للإنسان بما فيها المحظورات غير القابلة للنقاش والقوالب النمطية، والحذر من الاختلافات الفكرية. يمكن لهذه القواعد ان تشكل قيود للإنسان، وان تمنع الذكاء العاطفي والاجتماعي، والأخطر من ذلك ان تزرع عقائد يساومها الشك والرفض القاطع لكل ما هو غير مألوف، والفتاوي، والأحكام المسبقة. أكد أرسطو وفلاسفة آخرون مثل نيتشه وروسو، أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده، ولا يمكنه تطوير الوعي الذاتي إذا عزل نفسه عن المجتمع. لا يمكن للإنسان ان يعكس طبيعته. وإذا منع من حرية التفكير، واجبر على نمط حياة صعب، يمكن ان يتحول الي شخص معقد، شرس ومتطرف في أفكاره. لذلك، سيتم برمجة الدماغ الانسان وفقًا للبيئة، والعادات، والمعتقدات، والعناصر النمطية الحاسمة.
اما في المجتمعات المرنة، يسمح للمواطن بممارسة مواطنته والتعبير عن رايه، وفي وقت لاحق، يصبح من ضمن المراقبين الاجتماعيين. وبعدها يشارك في التفاعلات الاجتماعية. كما تتم إعادة صياغة الأفكار بشكل أكبر في مرحلة البلوغ، وذلك وفقًا للمجتمع والبيئة الاجتماعية. سيسمح المجتمع بالمشاركة وتبادل الأفكار، بناءً على المعلومات المقدمة. سيكون التفكير أكثر منطقية، ويرجع ذلك إلى مهارة التحليل الجماعي حول حقائق معينة. هناك قدرة كبيرة على الاتفاق بين المجموعات، ويستقر التأثير الاجتماعي في مجموعات المجتمع من شان اتخاذ قرارات عادلة وسريعة. وفي المجموعات تحدد الهوية الاجتماعية، والتحكم يأتي بطبيعة ظهور التكوينات الاجتماعية. كما يركز التعليم الجيد على تعزيز المسؤولية، والاستقلالية، والاحترام، والتعاطف مع المحيط.
يجب أن يكون المستوى العاطفي مرتبطًا بالضمير البشري، حتى يكون الانسان قادرًا على التواصل الجيدً، ومعرفة كيفية الاستماع والفهم، والمشاركة في الحوار الأسري والاجتماعي. علينا فقط الفهم انه ما يضر بالمحيط، يضر بنا أيضا. وإذا أردنا ان نعيش في الهدوء، علينا ان نؤمن بان كل أبناء المجتمع هم ابنائنا أيضا.
لا تكفي المودة وحدها، بل يجب أن نوفر الاطمئنان لأبنائنا حتى يصلوا الي القناعة بما لديهم. ثم نشجعهم على أن يصبحوا مستقلون ومتماسكًون بالأسرة والمجتمع. ينطبق هذا المثال علي الأبوة أيضًا، على الأعراف الاجتماعية، والمساواة في الوصول الي جودة الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
بالنسبة إلى إميل دوركايم، عالم الاجتماع الفرنسي وأحد المهندسين الرئيسيين للعلوم الاجتماعية الحديثة، تعتبر الحقائق الاجتماعية جزءًا من القوى الاجتماعية. والقرارات التي يتم اتخاذها لحل المعضلات، تصب في تخصصات العلوم الاجتماعية. وفي المجموعات الاجتماعية، تكون القواعد القانونية والأخلاقية مشبعة بالأيديولوجيات والعقائد، وكذلك النظام المالي. يعرض دوركايم القضايا الإستراتيجية في التقدم التقني والحلول المبتكرة وآثارها الاقتصادية والمعرفية على المجتمعات. كلما ازداد التقدم بشكل أسرع، كلما زادت الإنتاجية والاستهلاك والتبذير والانحراف. يتساءل دوركايم إلى أي مدى يمكن أن يحافظ توسع الازدهار التكنولوجي والمالي على النزاهة الأخلاقية والمصفوفة الاجتماعية؟ (دوركايم 1895:14). ويقترح أن القواعد والقوانين تجسد كقوة اجتماعية، أو قيد قادر على تحديد السلوك البشري. وفي حالة القيود على حرية الانسان وحرمانه من حقوقه الأساسية، يتحول الاعتراف بقوة العبودية التي تمارس على المجتمع. ويُعرّف الانحراف حسب الأعراف الاجتماعية، بما هو مسموح به في الحقوق والواجبات والوصول الي الخدمات الأساسية بشكل غير متساوي. تنتج الأعراف المنحرفة، الي التهميش الاجتماعي، ووصمة العار، والنميمة، والتآمر والعنف والامراض النفسية. لذلك فإن التعليم الجيد هو بداية التطور الاجتماعي، والنمو الاقتصادي، والبيولوجي، والاجتماعي.
1373 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع