إبراهيم الولي*
عن الزلازل وسدود المياه
اثارت الزلازل ، شديدة القوة ،التي ضربت جنوب تركيا والشمال الغربي من سوريا الشهر الماضي، والتي اوقعت خسائر جسيمة في المناطق والممتلكات، وربما ادت في النهاية إلى تغيرات ديموغرافية في تلك مناطق نتيجة للتغير الجغرافي على الارض، رحمة الله الواسعة على الشهداء من الرجال والاطفال والنساء ممن توفاهم الله نتيجة تلك الزلازل وارتداداتها وعجل الرب الكريم بشفاء الملايين من الجرحى ، و بعد : . اقول ان هذه الوقائع قد اثارت اهتمام العالم ،فصار لزاما على علماء الجيلوجيا ان يبادروا الى اعطاء تفسير لما حدث ، دون أن يكون بامكانهم التنبوء، مائة بالمائة بما سيحدث في المستقبل ، فلعل الانسان يستطيع اعداد نفسه وذويه لمواجهة المخاطر القادمة . صحيح ان كل مافي الطبيعة وظواهرها،ومنها الزلازل وحركة الكواكب، هو من خلق الله سبحانه ، القائل ؛ بسم الله الرحيم: (إذا زُلزلت الأرضُ ِزِلزالها *واخرجت الأرض اثقالها* وقال الانسان مالها *يومئذٍ تحدث اخبارها * بأن ربك اوحى لها * )… صدق الله العظيم. لكن ذلك لايمنع من تبصير الناس بمخاطر الزلازل حين وقوعها لنتجنب ماقد توقع من تدمير لحياتهم بكل تفاصيلها، بما في ذلك تاثيرها المدمر للسدود المائية ،و لزيادة الاهتمام العالمي بالالتزام بمدونة الامم المتحدة حول نوعية و متانة مواد البناء و شروط السلامة و قواعد البناء بحيث يمكن ، ولو الى درجة ما ، تحاشي انهيار المباني العالية الارتفاع خصوصا ، و لقد نجحت بعض الدول ، كاليابان، بتطوير تقنيات لبناء العمارات بحيث ،تتمكن من الصمود امام الزلازل بدرجة ملحوظة . تعريف: ماهي الزلازل وكيف تقع واين تقع؟ الزلزال هو اهتزاز في القشرة الارضية يختلف شدة وضعفا بسبب حركة الالواح التكتونكية Tectonic plates في باطن الأرض باعماق متفاوتة بما تطلق من طاقة داخلية سببها خارجي، وهو حركات الكواكب السماوية الأقرب الى الأرض في نطاق المجموعة الشمسية .وهي في الغالب؛ القمر والمشتري والزهرة والمريخ وعطارد ، وربما غيرها من الكواكب الأقرب الى الأرض في نطاق المجموعة الشمسية.. تدور الكرة الارضية حول محورها بسرعة هائلة، كما انها تدور حول الشمس بسرعة أعلى.. وفوق هذا وذاك ، فهي تدور كجزء من المجموعة الشمسية بسرعة فائقة الى جهات مجهولة. تحورت الكرة الارضية، عالمنا الذي نعيش عليه ، خلال ملايين السنين لتستقر على ما نرى اليوم من جغرافية سطح وباطن. فهي كما بينت ،قد استقرت على يابسة ومسطحات مائية اي المحيطات . واما اليابسة فهي القارات ، اما عن باطنها فقد استقر على قلبها Core المكون من معادن مصهورة بدرجة عالية جدا من الحرارة , وقشرة نعيش عليها وبينها الواح ضخمة مبعثرة في باطنها موزعة على 7 جهات من العالم وقد سميت بالصفائح التكتونكية . الصفائح السبع تتحرك فيما بينها فتنزلق احيانا لتطلق طاقة هائلة بقدرحجم الصفيحة التي اطلقتها... فان كانت صغيرة كانت الطاقة المطلقة منها أقل من الصفيحة الاكبر، وتلك هي الحالة مع الهزات الارتدادية التي تعقب الزلالزل الكبيرة. و بالتالي فان حركة هذه الصفائح هي ما ندعوه بالزلازل ، وذلك حينما تُستفز الصفائح فتطلق طاقة حركية تظهر على القشرة الخارجية التي نعيش عليها فتكون زلزالا تقاس قوته وشدته بمقياس ريختر الذي يكون شديدا عندما يزيد عن سبع درجات فما فوق أما دون ذلك فمتوسط، وما يعده ضعيف التاثير والتدمير. نظريات الزلازل ؛ تخضع الكرة الارضية التي نعيش عليها الى قوى جذبية مختلفة ، فهي عبارة عن جسم معلق في فضاء تثبت توازنه ، في دورانه وثباته على محوره ، الكواكب المحيطة به قربا او بعدا...تلك هي القمر والزهرة والمشتري وزحل و عطارد .. تتحكم هذه الكواكب بالارض عن طريق الجاذبية وهي أي الكواكب ، تتبادل نفس التاثير الجاذبي فيما بينها ، ولعل ظاهرة المد والجزر التي تقع على مياه البحار بتاثير مباشر من تحركات القمر قربا او بعدا ...او حين يقع مداره بين الأرض والشمس خيرمثل لهذا التاثير المتبادل المباشر. تلك هي النظرية الحديثة لحدوث الزلالزل أي انها تقصر السبب الى عوامل خارجية. اما النظرية السابقة فتقوم على تفسير داخلي مؤداه ان الطبقة الوسطى من التركيب الداخلي للكرة الارضية يتكون من مادة لدنة شديدة الحرارة ترتكز على لب الأرض earth core الذي يكون من معادن مصهورة باعلى درجات حرارة ... هذه الطبقات تكون في تفاعل مستمر مطلقة تيارات حمل عملاقة يؤدي بعضها الى احداث انزلاقات في الصفائح الكتوكنيكية..فتولد هذه الأخيرة طاقة هائلة يكون صداها قد انعكس على الأرض فتلك هي اهتزازات الزلازل كما أن هذه التفاعلات المستمرة في جُبّة الأرض lithosphere التي يبلغ سمكها مئات الاميال قد تجد لها منفذا الى القشرة لتطلق من خلال فوهة سطحية ما تحمل من مواد منصهرة تدعى lava فتلك هي البراكين. جدير بالذكر ان النظرية الجديدة التي كما بينت ،تصر على ان نشاط الكواكب حول الارض تجذب الأرض بما يؤثر على سرعة حركة الأرض بتسارع او تباطؤ، مباشرة على الصفائح القارية فتحدث انزلاقات في تلك الصفائح.. فذلك ما سماه العلماء باجهاد الأرض من خلال حركة الكواكب العشوائية ، فربما ادى ذلك الى الزلالزل. ترتكز النظرية الجديدة على ان التحفيز الذاتي للطاقة في الالواح سببه الجهد الكواكبي...فالكواكب التي ذكرنا تتحكم من خلال الحاذبية في سرعة الأرض زيادة او نقصانا كما أن الكواكب تتبادل نفس التاثير الجاذبي فيما بينها...هذه النظرية نادى وتحمس لها الاستاذ الدكتور صالح عوض سالم...عالم جيولجي عراقي في كلية العلوم جامعة بغداد.منذ العام 2021…كما أن العالم الهولندي هانز هوجر بيتس تبنى نفس النظرية فيما بعد معترفا بانه قد استرشد بنظرية الدكتور صالح . سدود المياه الحديث عن سدود المياه وعلاقتها بالزلازل، يقودني إلى الحديث عن سدود تركيا وتأثيرها المباشرالبنّاء حينا و الضاراحيانا اخرى، على العراق، ولو ان سدود ايران قد أضرت هي الاخرى بالزراعة في العراق، ذلك لأن السدود التركية تغذي مباشرة شرياني الحياة في العراق ؛دجلة والفرات ، والشاهد على هذا انما هو التأثير المباشر على افراغ دجلة والفرات من حوضيهما حتى لقد وصف حوضاهما بالارض القاحلة ، للاسف ، وهاهما السدان الرئيسان في العراق ،سد الموصل على دجلة وسد حديثة على الفرات ، يشكوان شحة ما يصلهما من حصتيهما من الجارة تركيا. يوجد في تركيا حاليا 861 سداً ،أهمها وهو ما يعني العراق، هما سد أتاتورك على منابع نهر الفرات، مساحته 817كم2 ، وسد اليسو 313 كم2 الواقع على منابع دجلة على بعد 65 كم من الحدود العراقية السورية ، ويتألف من 22 سد و 19 محطة كهربائية بسعة تخزينية قدرها 40 مليار كم3. وفضلا عن هاذين السدين العملاقين فهناك كل من: سد كيبان 675 كم2 وسد كاراكايا268كم2 وسد هرفانلي 263كم2 كما ان تركيا تنوي انشاء 210 سدود آخرى في المستقبل. توجد 600 محطة لتوليد الطاقة الكهربائية ويقدم مشروع GAP (Guneydogu Anadolu Projesi) في جنوب شرق الأناضول 47% من الطاقة الكهربائية من خلال 22 سد و 19 محطة كهربائية. هذا عن السدود التركية المتحكمة بدجلة والفرات. وبما ان النهرين هما من الأنهارالدولية ، أي العابرة للحدود بين الدول بحيث تكون تركيا بلد المنبع والعراق بلد المصب الرئيس، وان كانت سوريا تعتبر بلد مصب آخر ، فهي أي سوريا تمتلك ثلاثة سدود رئيسة على نهر الفرات. تلك هي ، سد الطبقة وسد البعث وسد تشرين ، وليس من شك بأن الجانب السوري يسهم في أي انتقاص من حصة العراق المائية من نهر الفرات. واذا ما القينا نظرة على الجانب الإيراني من ناحية السدود ، فسنجد أن لايران عشرات السدود في طول البلاد وعرضها وقد أثرت بصورة مباشرة على جميع الروافد التي تغذي نهر دجلة فلها دور سلبي على الزراعة في المحافظات العراقية الشرقية فضلا عن تأثيرها السلبي على نهر دجلة ذاته من خلال قطع او تغير مسار روافد النهر ،على ان هذا التاثير لا يقارن بالتاثير التركي على دجلة والفرات. وها هي ايران تشكو الآن من حاجتها إلى مياه الأنهار وقد بدأت تتذمر من قيام تركيا ببناء سدود على حدودها المشتركة مع ايران. بعد هذا العرض السريع لحالة السدود في تركيا خاصة، يثار التساؤل في الوسائط العلمية وغيرها عن مدى تأثير الزلازل عن تلك السدود. فمن قائل أن حجم المخزون الهائل من المياه في السدود الضخمة هذه والتي تقدر بمليارات الاطنان لابد يحدث بثقله على طبقات الأرض بما يؤدي إلى انزلاقات في الصفائح ولو طفيفة ، فتحدث الزلازل ، ولهذا يجد هذا الفريق بأن من المعقول أن تلجأ تركيا وغيرها إلى تصريف كمٍّ من الخزون لتخفيف الوزن. أما عن الطرف الآخر فيسفّه هذه المقولة ضارباً كمثل بالوزن والثقل الهائل لمياه المحيطين الهادي والأطلسي على طبقات الأرض، إذ لو كان الثقل هو العامل المؤثر في احداث الزلازل ، اذن لكانت المحيطات تحت تأثير مستمر لحدوث الزلازل ،وذلك بالطبع لم يحدث إلا لماماً ، أفلا يبدو ذلك منطقياً ! الجيوبولتك والسدود بعد أن استعرضت وصفا للسدود ذوات التأثير السلبي على العراق ، لابد أن أبين مدى اهتمام المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة بهذا الامر ، ولعل اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1997 وهي (قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية) خير مؤشر على ذلك ، فقد تضمنت 27 مادة تنظم بشكل عام مسؤولية دول المنبع والمصب وحقوقهم في المياه الدولية أو المشتركة. فهي تنص على ( أن تنتفع دولة ما في اراضيها بمجرى ماء دولي تتشاطره مع دول أخرى على نحو معقول ومنصف للدول الأخرى التي تتشاطر معها نفس المجرى المائي). كما نصت على الامتناع بحسب أحكام القانون الدولي العام عن الِاضرار بحقوق الدول الأخرى ، وعن التعسف في استعمال الحق. وخلال كتابتي هذه المقالة، تابعت زيارة السيد غوديرش الأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق واهتمامه الواضح بمسألة شحة المياه في العراق، وقد وعد خيراً حين يلتئم مؤتمر المياه الدولي وشيكاً في نيويورك ، ربما في 23 الجاري ، ليكون المؤتمر الثاني لنفس الغرض. وفي هذا اعتراف عالمي بتطورات شحة المياه في اماكن عديدة من عالمنا وليس في الشرق الأوسط وحده، فإذن باتت المسألة تتعلق بالاساس بالجيوبولتك فالمياه من اهم عناصر استقرار النظم السياسية في أي بلد ، وهنا يبرز عامل قوة وضعف دول المنبع او المصب على السواء ، ففي حالة العراق هذه نجد ان فعل الجيوبولتك يميل إلى دول المنبع، فتركيا وايران المعنيان بهذه المسألة هما من سعة الحجم أرضا وسكانا ومواردا وتاريخا معاصرا..ما يتيح لهما الصوت الاعلى في المفاوضات. صحيح أن الأمر لا يستدعي اللجوء إلى العنف فتبقى الدبلوماسية الناعمة التي تعتمد الضرب على وتر المصالح المشتركة كالميزان التجاري بين الدول فذلك في صالح العراق الذي يستورد من الجارتين مالايقاس بما يصدر لهما.. فذلك عنصر ضغط يمكن اللجوء إليه ،عدا عن نشاط ومقدرة المفاوض العراقي في المحافل الدولية المهتمة بهذا الامر اعني المؤتمر القادم الوشيك للمياه. و هنا لابد من التذكير بان المؤتر السابق للمياه كان قد نص على التزام دول المصب بمبادئ المشاركة المعتدلة و المنصفة في التغامل مع المشاركين معها في تلك الانهار ، و يبدو لي ان الجارتين ، وتركيا خاصة تعمل بهذا المبدأ الذي يقوم على الابهام في التعامل بين الدول Ambiguity، فالصحيح ان يصار الى الاتفاق على ارقام محددة ، ولو نقريبية لكمية حصص د ول المصب ، وفي مقدمتها العراق الذي هو بامس الحاجة لها ، فسيكون ذلك دليل حسن نية و صدق تعاون بين الدول . وفي الختام أود أن أذكّر الجارتين العزيزتين بقول البارئ عز وجل في سورة المٌلك: بسم الله الرحمن الرحيم ( قل أرءيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماءٍ معين) صدق الله العظيم والله من وراء القصد.
*سفير عراقي سابق
4293 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع