مصطفى محمد غريب
الطائفية وانتهاك حقوق الانسان في العراق
قضية حقوق الانسان هي قضية العدالة الاجتماعية يحققها نظام سياسي ديمقراطي انساني يخرج من هيمنة النظام الرأسمالي يرفض قوانين الاستغلال وتتحقق فيه مقولة حقوق الانسان كاملة عندما تكون المساواة بين البشر، من هنا تتحقق الكرامة ولا يبقى استغلال الانسان في العيش الكريم والرغيد ولهذا تنص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الانسان "•يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء" وهذا لا يمكن ان يتحقق في ظل الأنظمة القمعية والاستغلالية وفي مقدمتها الرأسمالية بل من خلال نظام ديمقراطي انساني بالمعنى الكامل
لا بد من تدقيق الإعلان العالمي لحقوق الانسان لأنه اعلان اممي المفروض الالتزام به بشكل واضح وعدم الكيل بمكيالين كما تفعل البعض من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية فهم يتحدثون عن حقوق الانسان وفق مصالحهم الطبقية ونظرياتهم الاستغلالية ولطالما تنافت مع الكثير من القوانين التي تخص حقوق الإنسان ، إن الاعلان العالمي لحقوق الانسان عبارة عن مبادئ عامة تخص حقوق الانسان وكرامته والحقوق المتساوية والتمتع بالحرية في ما يؤمن به من معتقدات وايديولوجيات وقد كفل الاعلان تمتع الفرد بحرية" القول والعقيدة " ومن هذه الرؤيا نجد أن منذ تأسيس الدولة العراقية لم يجر الالتزام بهذا الاعلان، وقد تم خرق القوانين الداعية للالتزام بحق الانسان في الحرية والمساواة في الكثير من المجالات وبخاصة كبت الحريات وممارسة اكثر الاساليب وحشية بما فيها الاغتيال والإعدام واصدار احكام قرقوشية طويلة.. مر العراق بظروف قاسية جراء الانقلابات العسكرية فاطلق مثلاً على انقلاب ( 8 شباط 1963 ) بالانقلاب الدموي الارهابي المشؤوم، ولم تجر تغييرات على سياسة الاضطهاد والتعسف والغاء الآخر بعد ان اطيح بانقلاب 8 شباط في ( 18 تشرين الثاني 1963 ) بقيادة رئيس الجمهورية عبد السلام عارف، واستمرت سياسة الاضطهاد والاعتقال والارهاب والبطش ومصادرة الحريات واستمرت عملية خرق الحقوق الأساسية وكبتها مع اختلاف طفيف حتى كان انقلاب ( 17 تموز 1968) بقيادة حزب البعث جناح البكر صدام حسين الذين اتبعوا سياسة المراوغة والخداع والقتل والإعدام حتى على قادة وكوادر بعثية بحجة التآمر، ومارس هذا النظام الاغتيال ضد الحزب الشيوعي العراقي وتكلل مسلسله الاجرامي بإعدام مجموعة من الشيوعيين واصدقائهم، لقد كانت سنوات حكم البعث العراقي خلال ( 35) عاماً بقيادة صدام حسين عبارة عن جحيم لا يطاق بمفرداته الارهابية والدكتاتورية وما شنه من حروب داخلية وخارجية حتى أدت سياسته الهوجاء والمخالفة لأبسط حقوق الانسان وحرياته الى قيام الولايات المتحدة وحلفائها من احتلال العراق بحجة وجود اسلحة الدمار الشامل، ومما زاد الطين ما قامت به سلطة الاحتلال من تأسيس هجين طائفي " مجلس الحكم " بقيادة الحاكم المدني الامريكي بريمر الذي ساهم في وضع اللبنة الاولى في التقسيم الطائفي الذي أورث البلاد نظام المحاصصة الطائفية وبعد انتهاء فترة مجلس الحكم تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة لدورتين انتخابية ووفق قانون انتخابات غير عادل فصلته الاحزاب والتنظيمات الشيعية المتنفذة على قياس فوزها وسد الطرق أمام أية معارضة وطنية ترفض التقسيم الطائفي وتوجهاته في تشكيل الميليشيات المسلحة لكي تستمر في قيادة السلطة والهيمنة على مقاليد البلاد واتباع سياسة استحواذيه وسياسة إشاعة إرهاب المخالفين او المعارضين، اضافة الى استعمال العنف والاغتيال والقتل وتهجير الآلاف من العائلات العراقية داخلياً وخارجياً وأدت هذه السياسة الى زيادة في خرق حقوق الانسان وسهلت لتنظيم داعش الاستيلاء على مناطق واسعة من غرب البلاد وبخاصة مركز محافظة نينوى الذي له أهمية استراتيجية إضافة الى وسط البلاد واقسام غير قليلة من العاصمة بغداد ووفق تقارير عديدة من بينها ( مركز جنيف للعدالة ) اشارت ان الحكومة العراقية استخدمت القوة العسكرية وسمحت للطائرات الحربية العراقية والقوات البرية بقصف البعض من المناطق تحت ذريعة تواجد قوات تنظيم داعش، واستعرض مركز جنيف الحالة البائسة لحقوق الانسان في العراق عام ( 2022 ) والتجاوزات المستمرة من قبل المؤسسات الأمنية والميليشيات الطائفية وأكد على أن " العراق ما يزال متذيلاً قائمة الدول وفق المؤشر العالمي للسلامة والأمن ،
وتنوعت أساليب البطش والعنف الطائفي وكبت الحريات ومحاربة المعارضة الوطنية تحت طائلة (4 إرهاب ) ونذكر البعض من اتجاهات خرق الحقوق ..
1 ــ أظهرت الوقائع عن ارتفاع معدلات القتل والاستهتار والمضي في الجريمة السياسية الطائفية وعدم الالتزام بحماية المواطن من التهديدات المعادية لحقوق الانسان
2 ــ نشر ووفق تقارير مسؤولة ارتفاع نسب الاغتيال والخطف بشكل كبير وقد تكللت هذه التوجهات بفقدان العشرات من المواطنين مازال مصيرهم مجهول لحد هذه اللحظة
3 ـــ استمرار التصفيات الجسدية والخرق الفاضح للقانون حيث رصد حوالي ( 1306 ) انتهاك .. " ملاحظة للعلم الأرقام تخص تقريباً 2022 وما بعدها "
4 ــ قتل حوالي ( 1341 ) مدني كما أصيب وجرح حوالي ( 10000 )أجراء عمليات تجاوزت الأعراف القانونية واستخدمت وفق السياسة الطائفية والحزبية وشملت جميع المكونات
5 ـــ لم تكتف القوى المتنفذة ولا مافيا القتل التابعة التي استخدمت العنف والإرهاب بما آلت اليه الأوضاع الداخلية السيئة وبخاصة الممارسات غير القانونية في الاعتقال التعسفي والاختطاف القسري والإعدام حيث وجهت أصابع الاتهام للتنظيمات المهيمنة على السلطة والميليشيات المتنفذة وما ارتفاع الاعتقالات التعسفية والاغتيال إلا برهان على ما جرى للمتظاهرين السلميين في تشرين حيث كشف النقاب عن اغتيال حوالي أكثر من( 800 ) شهيد منهم
6 ــ الاعتماد على المخبر السري في توجيهات التهم الكيدية والوشاية بهدف إرهاب المواطنين، واشارات التقارير شبه الرسمية عن اعتقال( 67154 ) مواطناً عراقياً بضمنهم ( 211 ) فتاة وامرأة إضافة الى رصد( 225 ) عملية قتل رافقت المداهمات والحملات التعسفية
7 ـــ لم تسلم المعتقلات ولا السجون لوزارة الداخلية من اقتحام البعض من الحشد الشعبي وقوات سوات حيث وبشكل علني تم الاعتداء على البعض من المعتقلين ثم القيام بتعذيبهم وأمام أعين إدارة تلك السجون والمعتقلات التي لم تتخذ أي اجراء لحمايتهم أو محاسبتهم
8 ـــ كشف النقاب على أن السلطات الحكومية ما زالت تحتجز " آلاف النساء والأطفال الذين جرى اعتقال معظمهم بناء على أدلة واهية، وتعرضوا للتعذيب ليعترفوا بجرائم لم يرتكبونها، ومنهم من توفى بسبب التعذيب الشديد"
9 ــ ونتيجة الاعتقالات الكيدية والتعسفية واللاقانونية، فقد جرى ابتزاز المعتقلين مادياً لحماية حياتهم وقد أشارت منظمات حقوقية إنسانية أن "عملية الابتزاز هي من أقذر الوسائل
10 ــ هناك حالات لا تحصى من الإعدامات والوفيات باعتبارها أدوات للقمع والإرهاب ضد المعارضين ،وصُنف العراق ضمن الدول التي يجري تنفيذ الإعدام فيها، وباستطاعتنا ذكر جميع الخروقات بالوقائع والاسماء وهي موجودة في إدارة السلطات الأمنية الرسمية
أما حالات التهجير والتهجير القسري فهي كثيرة ومجرد النظر إلى الاعداد الرقمية فقد يصاب الانسان بواقع الفجيعة وبخاصة منع المواطنين المهجرين والمبعدين قسراً من الرجوع الى أماكنهم ومنازلهم في المحافظات تحت ذرائع وحجج غير مقبولة ، وذكرت التقارير الرسمية وشبه الرسمة عن( 300 ) ألف عراقي نازح يعيشون حالة من البؤس والشقاء في مخيمات مأساوية حيث رصد العديد من الوفيات وبخاصة لأطفال صغار، كما يجري إغلاق البعض من المخيمات وطرد البعض منهم وخير مثال طرد حوالي 220 عائلة من ناحية " جرف الصخر " ومنعوهم من العودة لأراضيهم وممتلكاتهم ومنازلهم بسبب الاستيلاء وسيطرة الميليشيات الطائفية عليها، وهناك عشرات الحوادث والوقائع التي تخرق فيها حقوق الانسان وتهان كرامته بسبب المحاصصة الطائفية والميليشيات المسلحة ، ونذكر الرقم الأمثل لمواقع غير رسمية حيث قدر بـ " 400" موقع يضم حوالي أكثر من 14 الف عائلة مهجرة ونازحة ؟
ــــ ونقول الحقيقة أننا لم نستطع الإلمام بكل الوقائع والحوادث والتجاوزات في خرق حقوق الانسان ، وهناك حالات مسجلة رسمية وأخرى اخفيت من قبل السلطات او المليشيات ولم يغب عن منظمة العفو الدولية الخروقات الواسعة لحقوق الانسان حيث تضمن تقريرها لأعوام ( 2022 ــ 2023 ) حينما قالت " في خضم استمرار انعدام الاستقرار السياسي ووقوع اشتباكات متقطعة بين الجهات المسلحة، قـُتل عشرات الأشخاص وانضم الآلاف إلى الـ 1.2 مليون نسمة الذين كانوا أصلا نازحين داخلياً " وقد تضمن التقرير الكثير من الإدانات ومواضيع القتل غير المشروع خلال المظاهرات والاحتجاجات وبخاصة انتفاضة تشرين التي حاولت الحكومات العراقية الإفلات من العقاب، ولم يتم معالجة أوضاع الضحايا والشهداء وعائلاتهم والعكس هو الصحيح فقد أظهرت طرق الفساد المالي منذ غزو العراق واحتلاله من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الذي يقدر بمليارات الدولارات مدى تغلغل الفساد المالي في أكثرية مرافق الدولة، وأشارت هيومن رايتس ووتش " الشعب العراقي هو الذي تحمّل الثمن الأكبر لهذا الغزو، حيث فقد حوالي نصف مليون شخص حياتهم، وخسر ملايين الآخرين منازلهم، وعانى عدد لا يُحصى من المدنيين من انتهاكات من قبل جميع أطراف النزاع "وقد كان ديدن الحكومات العراقية التستر على المجرمين وغض النظر عن جرائمهم وبخاصة تلك الاغتيالات التي طالت شيوعيين وديمقراطيين ومستقلين معارضين لنهج المحاصصة والميليشيات الطائفية والتبعية لإيران، كما لم يجر الكشف عن الجرائم والمجازر التي ارتكبت ضد المشاركين في انتفاضة تشرين، ونشرت جريدة طريق الشعب بمناسبة اليوم الدولي للحق في معرفة الحقيقة فيما يخص من انتهاكات " الجسيمة لحقوق الانسان "العديد من اللقاءات مع مواطنين وطنيين وديمقراطيين كشفوا ما يتعرض له المواطن من انتهاكات وخرق لحقوق الانسان ومحاولات السلطات التستر على الجرائم اللاإنسانية بحق المواطنين، وأكد عمر العلواني رئيس مؤسسة حق لحقوق الانسان " أنهُ لا يوجد أي اهتمام بهذه المناسبة في العراق، حيث لا تزال المطالب بدون استجابة، والجرائم تتزايد بمرور الوقت ولا يوجد أي كشف لأي تفاصيل، ابتداءً من جرائم 2006، وحتى يومنا هذا، مع وجود نمط للإفلات من العقاب" وقد تبين من خلال ذلك وقضايا اخرى تمس حياة المواطن العراقي ان النظام العراقي الحالي لم يستطع حماية المواطنين ولم يستطع ان يحقق ابسط انواع العدالة وحرية التعبير عن الرأي إضافة الى الاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة والغلاء والبطالة وسوء الخدمات والتربية والتعليم ولم تتح الفرص أمام الخريجين للعمل واستمرت على المحاصصة البغيضة للوظائف وقد ابدعت في توسيع العطل الرسمية وغير الرسمية وبمناسبات معينة حيث يتم اغلاق الشوارع والجسور والدوائر الرسمية بينما البلاد تعاني من مشكلة الكهرباء والماء التي انفقت عليها مليارات الدولارات واصبح الاسم الأجل على " السيد الكهرباء راح يزور وجاء بسبعة طيور" وبقى الحر والبرد والظلام للمواطنين للفقراء .
4488 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع