بقلم: صفوة فاهم كامل
في ذكرى تأسيس القوة الجوية العراقية- صقرعراقي بسبعة أرواح
يحتفل الجيش العراقي الباسل، وخاصةً طيّاريه الأفذاذ في هذه الأيام بالذكرى الثانية والتسعين لتأسيس قوتهم الجوّية البطلة حامي سماء العراق الصافية، والدرع الحصين لأرضه، والعين الساهرة لحدوده.
وفي هذه المناسبة العزيزة على قلب كل مواطن عراقي وطني وغيور على بلده، ومن تاريخها المليء بالبطولات الزاخرة، وبالإنجازات التي شهدَ لها الأشقاء والأصدقاء وأرعبت الأعداء والمناوئين، وصارت جزءاً من سفر هذه المؤسسة العريقة، إليكم واحدة من قصص أحد نسور الجو الشجعان، الغريبة بفقراتها والظريفة في توقيتها، وقعت أحداثها خلال سبعينيات القرن الماضي فاستحقَّ أن نُطلق عليه تميّزًا (صقر عراقي بسبعة أرواح) وندوّن أدناه تفاصيلها بكل أمانة:
عادةً ما توصف القطّة بأنها ذات سبع أرواح، كما ويشار لأي شخصٍ نجا من موت محقق مرّات متعددة بأنه (كالقطّة بسبعة أرواح...!).
هذا المثل الشائع والمتداول يدفعنا للتساؤل في معناه: هل أن القطط ستعود للحياة إن فطست سبع مرات...؟!
وما هو السبب الوجيه حول هذه المقولة أو هذه الأسطورة ولماذا القطط تحديدًا ...؟
اعتقدَ الفراعنة القدماء أن للقطة أكثر من روح، وأنها قادرة على النجاة من الحوادث المختلفة، وكلّما نجت من حادثٍ مميت نقصت روح من أرواحها السبعة.
فهل هذه التفسيرات تنطبق على البشر أحيانًا...؟ أو هل أن للإنسان روحاً ثانية كما يعتقد الفراعنة...؟
والإنسان بطبيعته مخيّر بأفعاله كيفما يريد ومتى ما شاء، لكنه في النهاية مسيّر بأقدار الله الذي لا رادَّ لإرادته سبحانه وتعالى.
ومثال على ما ذكرناه فأن الراهب الروسي راسبوتين، كانت له قوة روحانية للشفاء، وأيضًا قوة عجيبة للبقاء حيًا أمام سُم السيانيد، ورصاص المسدسات، والسلاسل الحديد، إلى أن أغرق ومات بعد جُهدٍ جهيد ...؟!
وتاريخنا العسكري الحديث يُذكّرنا بشواهد حقيقية ووقائع أغرب من الخيال.
وكمثال صارخ على ذلك، ما حدث للضابط الإنكليزي أدريان كارتون دي ويارت، الذي شارك في حرب البوير في أفريقيا عام 1899 ثمَّ الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. فتلقى من هذه الحروب نوائب وبلايا ما لم يتلقها أيًّ من زملائه. فقد أصيب بطلق ناري في رجله، ثمَّ في صدره وبطنه، وفقد إذنه، واخترقت رأسه رصاصة وخرجت منها بلا أضرار، وأصيب بشظايا متعددة من جسمه حتى بُترت يده اليسرى، وقُلعت إحدى عينيه، وسقطت طائرته في عرض البحر قرب مصر، لكنه نجا منها حتى وصل إلى الساحل سباحةً، وسُجن لسنتين في معسكرات الأسر. وأرسله تشرتشل مع وفد إلى الصين كممثل رسمي لبريطانية، لكن طائرته سقطت في عرض البحر ومات كل ركابها إلا هو...! إلى أن ماتَ ميتةً طبيعية عام 1963، وهو في الثالثة والثمانين من العمر، ونال ما ناله خلال خدمته الطويلة من أوسمة ونياشين رفيعة لا تمنح إلا للبسالة في مواجهة العدو. وأصدر كتابًا بعنوان: الملحمة السعيدة (happy odyssey) قال فيه: (بصراحة... لقد استمتعت بالحرب...!)
ومثل هكذا قصص ومفارقات وأقدار انطبقت نسبيًا على ضابط طيار عراقي شاب حديث التخرّج، فعلَ ما يفعله كلَّ طيار أثناء ساعات طيرانه الأولى في طائرات عسكرية بجناح ثابت أو متحرك لكن ما اختلف عنهم تعرّضه إلى حوادث مؤسفة بل مميته لا يحسد عليها. ومن يسمع سيناريوهاتها وتفاصيلها لا يستنتج في مخيلته إلا ويُجزم أن هذا الطيار قد ماتَ مقتولًا لا محال من تلك الحوادث، لكن مشيئة الله هي الأعظم وعنايته الإلهية هي الأقوى من كل المصائب والمحن.
الطيار العراقي محمد طارق سيد حميد والمولود في مدينة كركوك، المتخرج حديثًا من كلية القوة الجوية عام 1970، في دورتها التاسعة عشر، تخصّص في قيادة طائرة ميك 21، القتالية الأسرع من الصوت التي كانت في حينها من أحدث الطائرات العسكرية في العالم وأكثرها تطورًا.
واجه الطيار طارق، وهو في بداية تسلقه الجو ثلاثة حوادث طيران قاهرة. كان في حينها في زهرة شبابه وبداية حياته كطيار عسكري يحلم بالطيران بجناحه ويفتخر بالدفاع عن بلده ويزهو حين يخترق جوف السماء تاركاً أزير الطائرات خلفه لسكان الأرض.
الحادثة الأولى جرت له عندما كان يقود طائره ميك 21 PFM، في طلعة (تدريبية) يوم 16 تموز 1972، وهو اليوم والتأريخ الذي لا يمكن أن ينساه في حياته وهو برتبة ملازم طيار. ففي تلك الطلعة كان هو (المهاجم) المقصود من التدريب والطيار الآخر هو (الهدف). وأثناء عمليه التقاطع وبينما هو يقترب من الطائرة الهدف حدثت مشكله في الطائرة، حيث تباطأ دوران المحرك (RPM) على أقل درجة دوران Idle Run)) وهو على ارتفاع 5500م.
تم إشعار السيطرة الجوية بالعطل، وصدرت الأوامر بإلغاء الواجب وعودة الطيار وطائرته للمطار. كان الطيار طارق، يحوّل الارتفاع الى سرعه كي يتمكن من السيطرة على الطائرة محاولا جهد إمكانه الوصول الى القاعدة، وكان قائد السرب في الجو أيضًا بطائره مزدوجة فاستفسر منه عن ارتفاعه وعن موقعه فقال له الآن بارتفاع 4 ألاف متر، وفي حاله انحدار تدريجي. فردَّ عليه أمر السرب: عند وصولك الى ارتفاع ألفي متر ومحرك الطائرة لم يستجب، فعليك التهيؤ لقذف نفسك خارج الطائرة!
وصلت الطائرة إلى ارتفاع 1800م وأخبر آمره بذلك فقال له الآمر: اقذف الآن من الطائرة ...! لكن الطيار طارق لم يقذف، مخالفًا ما صدر إليه من أمر، وكان هذا خطأً كبيرا منه مُعتقدًا أنه سيصل الى مدرج الطائرات في منطقه الهبوط النهائية. وصلت الطائرة إلى ارتفاع 300م، حتى نزلت العجلات من بطن الطائرة وعندها هوت الطائرة بسرعه مخيفة باتجاه الأرض وبشكل عمودي. هنا قرر الطيار ضغط عتله كرسي القذف لينطلق خارجًا قبل أن تصطدم الطائرة في الأرض وتنفجر، ليهبط بالمظلة في وضع مرتبك وكانت ملامسته للأرض صادمة، وسرعه الرياح في حينها 20م/ثا، فسقط على الأرض بقوة وأخذت المظلة تسحبه وسحلته مسافة150م على الأرض إلى أن تمكن من السيطرة عليها والتحرر منها بعدما أُصيب جروح وكدمات متعددة في جسمه وانسلخ جلده.
وعلى إثرها نُقل فورًا بسيارة إسعاف الى مستشفى الحبانية العسكري ومكث فيها أربعه أيام للتداوي والعلاج. مُنح بعدها إجازة مرضيه لمده 21 يوماً، فكانت مناسبة جميلة وفرصة ذهبية أن يتزوج خلالها ويتمتع بإجازة مرضية في ظاهرها، لكنها عسليّة في واقعها، وهذه هي مشيئة الله التي أنقذت الطيار طارق، من قفص الموت لتدخله القفص الذهبي بعد سوء حظه الطالع ...!
الحادثة الثانية وقعت يوم 26/1/1975 أي بعد أقل من ثلاثة سنوات على الحادثة الأولى وفي نفس طراز الطائرة السابقة ميك 21 لكنها مزدوجة المقصورة والطيار محمد طارق كان قد ترفّع في حينها إلى رتبة ملازم أول.
في ذلك اليوم وضمن منهاج الطيران الاعتيادي كانت لديه طلعة قتال جوي تسمى (واحد ضد واحد)، وبينما هو يهم بالخروج إلى مدرج المطار لتنفيذ الواجب وفي لحظة حظ سيّئة رن هاتف أمر السرب وكان في الطرف الثاني أمر معمل تصليح الطائرات يطلب أرسال ضابطين لفحص طائرة الميك 21، المزدوجة بعد أن تم تبديل محركها بآخر جديد. قرر آمر السرب الذهاب إلى المعمل لأجراء الفحص بنفسه مصطحبًا معه الملازم الأول الطيار محمد طارق، وتأجيل طلعته القتالية التدريبية إلى وقت آخر، وهذا حظ آخر دقَّ أبوابه. وليس الأسوأ من الحظ السيء إلا الرضا به ...!
واستلم الضابطان الطائرة من ساحة وقوف الطائرات وجلس أمر السرب في المقصورة الأمامية للقيادة فيما جلس الطيار محمد طارق، في المقصورة الخلفية لمراقبة العدادات. تمَّ تشغيل الطائرة، وبدأت مؤشر عداداتها تعمل بصورة طبيعية على الأرض. بعدها أقلعت الطائرة حتى وصلت إلى ارتفاع 5 ألاف متر، وبدأ قائد الطيار بعمل دوران بالطائرة وبعض المناورات العمودية والألعاب الجوية وبعدها تسلّق إلى ارتفاع 11000م واخترقت الطائرة حاجز الصوت. ولدى هبوطه والعودة إلى المطار ووصول الطائرة إلى ارتفاع 6 ألاف متر، سمع الطيار طارق، صوت فرقعة غير مألوفة أعقبها بثوانٍ معدودة انطفئ محرك الطائرة. حاول تشغيلها مرة ثانية وثالثة لكن المحرك لم يستجب، وتوهج ضوء ضغط الزيت الأحمر ليؤشر على أن المحرك قد توقف نهائيا وأصابه العطب، وبعدها توهج ضوء الحرق، أي أن المحرك أصابه الحريق في الداخل، فحاول الطيار في المقصورة الأمامية إطفاء لكن جهوده باءت بالفشل وهما في هذا الارتفاع الشاهق بين السماء والأرض ...!
في هذه اللحظات الحرجة وهما ما بين الموت والحياة اتخذ قائد الطائرة قراره الحاسم بقذف كرسيهما إلى الأعلى وترك الطائرة تهوي إلى الأرض كتلة ملتهبة هامدة، وهما بارتفاع 1800م. في تلك الأثناء أصيب الطيار طارق، وهو في الجو ما يعرف بالأغماء الموقت الذي يستمر لثوانٍ معدودة، أفاق من إغمائه بعدها ووجد نفسه في السماء معلّقا تحت مظلته وزميله معلق أيضًا، وهو يهوي معه إلى الأرض، فحمد الله على نجاته وندبَ حظّه على هذه المهمة العاثرة، لكن الحظ أحيانًا يساند الشجعان ...!
وبينما هو يقترب من الأرض هبوطًا بمضلته، شاهد الطيار طارق، طائرة هليكوبتر تقترب منه، وراوده الشكوك والخوف من أن قائد هذه الهليكوبتر لم يره واحتمال اصطامه بمروحة الطائرة أو قطع حبال المظلة، وتلك حالة مميتة أخرى وحاله كحال من يهرب من المطر فيأتيه البرد ...! لكن تبين فيما بعد أن طائرة الهليكوبتر كانت في الجو لحظة عطب الطائرة المقاتلة والتقطت نداء استغاثة منها باللاسلكي وتوجهت لإنقاذ الطيارين.
والمنطقة التي من المفروض أن يهبط بها الطياران هي المناطق المحاذية لنهر ديالى وكانت في حالة فيضان وقتئذ بحيث غطى الماء جميع الأراضي المحاذية للنهر، وهذه مشكلة أخرى واجهها الطياران، فبحثا عن منطقة يابسة للهبوط عليها تستطيع طائرة الهليكوبتر من الهبوط بقربهم لإنقاذهم، وهذا ما تمكنا منه بعد جهد في منطقة رخوة نوعًا ما، فهبط قائد الطائرة أولًا ثم الطيار طارق.
نقلتهما طائرة الهليكوبتر على الفور إلى مستشفى الرشيد العسكري وأُخذت لهم الأشعة التي أظهرت تقاريرها بإصابة الطيار طارق، بكسر انكباسي في الفقرة السابعة والثانية عشر من عموده الفقري وآلام في ظهره ظلّت ملازمة له حتى اليوم لكن الأهم أن الله حفظ روحه مرة ثانية وأنعم عليه بحياة جديدة، بعد أن لعب النحس دوره السيء مرة ثانية ...!
أما الحادثة الثالثة فحدثت هذه المرة بطائرة هليكوبتر(سمتية) لا طائرة مقاتلة. وكما هو معلوم فإن نتائج سقوط مثل هذه الطائرات يكاد يكون الموت لطاقمها محتوماً ونسبة نجاتهم ضئيلة جدًا لعدم احتوائها على مظلة هبوط اضطرارية أو تحوطات أمان أخرى.
في بداية شهر آب من عام 1975، كان الطيار محمد طارق، يتمتع بإجازاته السنوية الاعتيادية مع عائلته. ويبدو أن الحظ يأتي لمن لا يأتي إليه. فسحبهُ القدر أن يذهب إلى القاعدة الجوية بملابسة العسكرية الرسمية لاستلام راتبه الشهري.
وبعد أن استلامه الراتب ذهب إلى موقع السيطرة الجوية للسلام على زملائه الطيارين والفنيين. وبينما هو جالس بجانبهم لاحظ ظهور شعاع من جهاز CRDF الذي يظهر اتجاه الطائرة والاتصال بالمطار. كان في الجو في حينها تشكيل من أربعة طائرات، ثلاثة منها بدأت بالهبوط أما الرابعة فقد اختفت من جهاز الرادار.
في تلك الأثناء دخل إلى غرفة السيطرة آمر القاعدة الجوية للاطلاع على الموقف وتمَّ إيجازه، وهنا نبّهه الطيار طارق، عن الإشارة الظاهرة في جهاز CRDF، فسأله آمر القاعدة هل تعرف المنطقة جيدًا؟ فأجابه بالإيجاب والتأكيد فقال له الآمر: إذًا اذهب إلى طائرة الهليكوبتر المتهيئة للطيران الآن مع طيارها وخذ معك طاقم انقاد طبي واتجه للمنطقة لاستدلاهم ...! لكن الطيار طارق، لم يخبر آمره في تلك اللحظة، بأنه مجاز رسميًا ومثبّت ذلك في الأوامر اليومية، وهذا يعني مخالفة عسكرية سواء من الآمر أو الطيار نفسه!
ذهب الطيار طارق، بسيارته الشخصية إلى ساحة وقوف السمتيات ووجد الطائرة جاهزة للإقلاع مع طاقمها وبعد دقائق أقلعت الطائرة وجلس الطيار طارق، بين الطيارين الذين يوقدان الطائرة وأخذ يوجههم إلى منطقة التي ظهرت على شاشه ال CRDF، وفعلا وصلوا للمنطقة وشوهدت الطائرة جاثمه على الأرض وهناك آثار واضحة لزحف الطائرة على الأرض لمسافه 100 متر تقريبا ولا وجود لحالة قذف من الطائرة وكان قائدها قد استشهد بداخلها وهو الملازم أول الطيار عماد عبد الواحد.
وكان قائد طائرة البحث على صلة قرابة حميمة مع الطيار الشهيد، وعندما تيقّن ذلك أصيب بصدمة نفسية جعلته شارد الذهن غير قادر على التصرف ولا يستطيع تكملة قيادة الطائرة، فهوت الطائرة من ارتفاع عشرين متراً، ولم يستطع حتى الطيار الثاني من السيطرة عليها فارتطمت الطائرة في الأرض بقوة وتدحرجت أربعة مرات وخُلعت الباب الجانبية وبدأ الوقود يتدفق من الخزان الاحتياطي فاستطاع الطيار طارق وزملاؤه الطيارون من الخروج خارج الطائرة وأن ينفذوا بجلدهم في الوقت المناسب قبل أن تحترق الطائرة.
وبعد قليل جاءت طائرة إنقاذ لتقلّهم إلى مستشفى الرشيد العسكري لأجراء الفحوصات الطبّية الروتينية عليهم، وكان الطيار طارق، قد أُصيبَ بكُسرَ في بنصر يده وتدلّى من مكانه، في المقابل أظهرت نتائج الأشعة السينية لفقرات ظهره المنزلقة أصلًا في حادث سابق، رجوعها إلى وضعها الطبيعي فكانت مفارقة عجيبة للطبيب المعالج، كما اُستبشرَ بعد يومين بخبر سعيد بأن رزقه الله طفلة جديدة أسماها (سالي) ... سلّته وأنْسَته مرارة هذا الحادث وطيّبت نفسه لحياة جديدة خالية من عثراتها وشرّها.
ولم تثنِ تلك الحوادث المميتة من عزيمة الطيار طارق، ولم تُحبط معنوياته بل استمرَّ في تحدّيه للطيران القتالي والعمليّاتي وعشقه لها بشكل طبيعي مع زملائه الطيارين في القواعد الجوية طيلة السنوات التي تلت هذه الحوادث. وعندما بدأت تُسمع أصوات طبول الحرب بين العراق وإيران، ومعها بدأت الخروقات الإيرانية والاعتداءات المستفزّة ضد مدن وقصبات العراق يوم 4/9/1980، ومع رفع درجة الاستعداد القتالي للقوة الجوية في جميع القواعد، شرعت طائرات الاستطلاع ومنها طائرة الطيار محمد طارق، تصول وتجول في سماء العراق في مهمة استطلاع وتصويري تحشّد قطعات العدو الإيرانية البرّية على طول الحدود الشرقية للعراق لغاية يوم 22/9/1980، وفيها اشتعل فتيل الحرب الشاملة البرّية والجوية والبحرية بين البلدين لتستمر ثماني سنوات عُجاف خسر فيها العراق الألاف من أبنائه، منهم طيارون أكفاء لا يمكن تعويضهم، وطائرات مقاتلة لا تقدر بثمن وخسائر مادّية كبرى.
وهكذا كانت حياة محمد طارق، كطيار عسكري تدرّج في مسلكها وارتقى المناصب بشكل طبيعي وحصل على شهادة الماجستير من كلية الأركان عام 1980/ دورة 46، وعملَ مدرساً في جامعة البكر للدراسات العسكرية، حتى أحيل على التقاعد عام 1992، بعد خدمة فعليّة جليلة في الجيش العراقي ناهزت الربع قرن، ذاق فيها المرّ والحلو، قطع خلالها ألاف الكيلومترات وأمضى مئات الساعات، محلّقًا في سماء الوطن، وأنقذته العناية الألهية من موت مؤكّد مرّات عديدة أثناء خدمته في السلم والحرب، ليستريح بعدها استراحة مقاتل أبديّة على الأرض وسط عائلته وأولاده وبين جدران بيته، ومنها شرع بإعداد وكتابة مذكراته كي تبقى ملاحمه البطولية مع زملائه الآخرين، نبراسًا للطيّارين الأحداث ودروساً مستنبطة في الحياة والنجاة، والظفر والنصر ضد أعداء الوطن.
تُرى... هل مثلما ذكرَ سلفه الضابط الإنكليزي أدريان، سيكتب الطيار طارق في مذكراته: (بصراحة... لقد استمتعت بالطيران الحربي...!)؟
﴿ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ﴾ صدق الله العظيم
مستل من كتابي، من ذاكرة الأيام والأزمان
577 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع