ضحى عبد الرحمن
كاتبة عراقية
مباحث في اللغة والأدب/٤٣
حرق الكتب والمكتبات
ذكر إحسان عباس" دخلت المغرب والأندلس بعض كتب الغزالي، ثم تعرضت للحرق ايام علي بن تاشفين ثاني خلفاء المرابطين. وتقدم بالوعيد الشديد من سفك الدم واستئصال المال إلى من وجد عنده شيء منها (4) وأحرقها ابن حمدين بقرطبة. واستفتي في الأمر الفقيه أبو الحسن البرجي فأفتى بتأديب محرقها وتضمينه ثمنها، وتابعه على ذلك اثنان آخران من الفقهاء والغالب ان ما صنعه ابن حمدين انما كان بأمر تاشفين بن علي بن يوسف إذ تفيد رسالة صدرت عنه إلى ابي زكريا يحيى بن علي والفقيه القاضي ابي محمد بن جحاف وسائر الفقهاء والوزراء والاخبار والصلحاء والكافة ببلنسية (10 جمادي الأولى 538) يوصيهم فيها ببعض الوصايا، ومنها انه يحذرهم من كل كتاب بدعه وصاحب بدعه " وخاصة؟ وفقكم الله - كتب ابي حامد الغزالي، فليتتبع أثرها وليقطع بالحرق المتتابع خبرها ويبحث عليها وتغلظ الايمان على من يتهم بكتمانها". (تاريخ الأدب الأندلسي/59).
ـ قال ابو العلاء الربعي" تزوج سيبويه بالبصرة جارية عشقته، وهو قد بنى عقد كتابه، وصنف أوائل أبوابه، وهي في جزازات وقِطع جلود وخرق وأشقاف بيض، فلم يكن يقبل على الجارية وكان غير مشغول بها، وهي مشغوفة بحبه، ولم يكن يشغله غير النظر والسهر والكتب، فترصدت خروجه الى السوق في بعض حوائجه، وأخذت جذوة نار فطرحتها في الكتب حتى أحرقت، فرجع سيبويه ونظر الى كتبه في هباء، فغشي عليه أسفا، ثم أفاق فطلقها، ثم ابتنى الكتاب بعد ذلك ثانية". (كتاب الفصوص5/9)
ـ ذكر "أحمد رأى النبي (ص) بيد عمر (رض) كتابًا اكتتبه من التوراة، وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعر وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتَّى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه". (مسند أحمد3/387).
ـ قال إبن قيم الجوزية" قال المروذي: قلت لأحمد: استعرت كتابًا فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم! فاحرقه". (الطرق الحكمية2/710).
ـ قال ابو الطيب الحسيني القنوجي" كانت الفلسفة ظاهرة في اليونانيين والروم قبل شريعة المسيح عليه السلام فلما تنصرت الروم منعوا منها، وأحرقوا بعضها، وخزنوا البعض إذ كانت بضد الشرائع". (أبجد العلوم1/380).
ـ قال التوحيدي " جمع أبو سليمان الداراني كتبه في تنور وسجرها بالنار، ثم قال: والله ما أحرقك حتى كدت أحترق بك". (المقابسات/112)
ـ قال ابن خلدون " ولما انقرض ملك الفرس الأول أحرق الإسكندر هذه الكتب، ولما جاء أردشير جمع الفرس على قراءة سورة منها تسمّى أسبا". (تأريخ ابن خلدون2/190).
ـ قال ابو الطيب الحسيني القنوجي" ذكر إحراق الكتب وإعدامها" نقل عن بعض المشايخ: أنهم أحرقوا كتبهم منهم: العارف بالله - سبحانه وتعالى - أحمد بن أبي الحواري فإنه كما ذكره أبو نعيم في الحلية: لما فرغ من التعلم جلس للناس فخطر بقلبه يوما خاطر من قبل الحق فحمل كتبه إلى شط الفرات فجلس يبكي ساعة ثم قال: نعم الدليل كنت لي على ربي ولكن لما ظفرت بالمدلول علمت أن الاشتغال بالدليل محال فغسل كتبه وذكر ابن الملقن في ترجمته من طبقات الأولياء ما نصه: وقد روي نحو هذا عن سفيان الثوري أنه أوصى بدفن كتبه وكان ندم على أشياء كتبها عن الضعفاء وقال ابن عساكر في الكنى من التاريخ: إن أبا عمرو بن العلاء كان أعلم الناس بالقرآن والعربية وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ثم تنسك وأحرقها. فائدة: ذكرها البقاعي في حاشيته على شرح الألفية للزين العراقي وهي أنه قال: سألت شيخنا - يعني ابن حجر العسقلاني - عما فعل داود الطائي وأمثاله عن إعدام كتبهم ما سببه؟ فقال: لم يكونوا يرون أنه يجوز لأحد روايتها لا بالإجازة ولا بالوجادة، بل يرون أنه إذا رواها أحد بالوجادة يضعف فرأوا أن مفسدة إتلافها أخف من مفسدة تضعيف بسببهم. انتهى.
أقول: وجوابه بالنظر إلى فن الحديث لا يقع جوابا عن إعدام ابن أبي الحواري وأمثاله لأن الأول: بسبب ضعف الإسناد والثاني: بسبب الزهد والتبتل إلى الله - سبحانه - ولعل الجواب عن إعدامهم: أنه إن أخرجه عن ملكه بالهبة والبيع ونحوه لا تنحسم مادة العلاقة القلبية بالكلية ولا يأمن من أن يخطر بباله الرجوع إليه ويختلج في صدره النظر والمطالعة في وقت ما وذلك مشغلة بما سوى الله سبحانه وتعالى". (أبجد العلوم1/141).
ـ قال ياقوت الحموي" كان أبو حيّان قد أحرق كتبه في آخر عمره لقلّة جدواها، وضنّا بها على من لا يعرف قدرها بعد موته. وكتب إليه القاضي أبو سهل عليّ بن محمّد يعذله على صنيعه، ويعرّفه قبح ما اعتمد من الفعل وشنيعة. فكتب إليه أبو حيّان يعتذر من ذلك: حرسك الله أيّها الشّيخ من سوء ظنّي بمودّتك وطول جفائك، وأعانني من مكافأتك على ذلك، وأجارنا جميعا ممّا يسوّد وجه عهد إن رعيناه كنّا مستأنسين به، وإن أهملناه كنّا مستوحشين من أجله، وأدام الله نعمته عندك، وجعلني على الحالات كلّها فداك. وافاني كتابك غير محتسب ولا متوقّع على ظماء برّح بي إليه، وشكرت الله تعالى على النّعمة به عليّ، وسألته المزيد من أمثاله، الّذي وصفت فيه بعد ذكر الشّوق إليّ، والصّبابة نحوي، ما نال قلبك والتهب في صدرك من الخبر الّذي نمى إليك فيما كان منّي من إحراق كتبي النّفيسة بالنّار وغسلها بالماء، فعجبت من انزواء وجه العذر عنك في ذلك، كأنّك لم تقرأ قوله جلّ وعزّ(( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)). وكأنّك لم تأبه لقوله تعالى (( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ)). وكأنّك لم تعلم أنّه لا ثبات لشيء من الدّنيا وإن كان شريف الجوهر كريم العنصر، ما دام مقلّبا بيد اللّيل والنّهار، معروضا على أحداث الدّهر وتعاود الأيّام. ثمّ إنّي أقول: إن كان- أيّدك الله- قد نقب خفّك ما سمعت، فقد أدمى أظلي ما فعلت، فليهن عليك ذلك، فما انبريت له، ولا اجترأت عليه حتّى استخرت الله عزّ وجلّ فيه أيّاما وليالي، وحتّى أوحى إليّ في المنام بما بعث راقد العزم، وأجدّ فاتر النّيّة، وأحيا ميّت الرّأي، وحثّ على تنفيذ ما وقع في الرّوع وتريّع في الخاطر، وأنا أجود عليك الان بالحجّة في ذلك إن طالبت، أو بالعذر إن استوضحت، لتثق بي فيما كان منّي، وتعرف صنع الله تعالى في ثنيه لي: إنّ العلم- حاطك الله- يراد للعمل، كما أنّ العمل يراد للنّجاة، فإذا كان العمل قاصرا عن العلم، كان العلم كلّا على العالم، وأنا أعوذ بالله من علم عاد كلّا وأورث ذلّا، وصار في رقبة صاحبه غلّا- وهذا ضرب من الاحتجاج المخلوط بالاعتذار- ثمّ اعلم علّمك الله الخير أنّ هذه الكتب حوت من أصناف العلم سرّه وعلانية، فأمّا ما كان سرّا فلم أجد له من يتحلّى بحقيقته راغبا، وأمّا ما كان علانية فلم أصب من يحرص عليه طالبا، على أنّي جمعت أكثرها للنّاس ولطلب المثالة منهم ولعقد الرّياسة بينهم ولمدّ الجاه عندهم فحرمت ذلك كلّه،- ولا شكّ في حسن ما اختاره الله لي وناطه بناصيتي، وربطه بأمري- وكرهت مع هذا وغيره أن تكون حجّة عليّ لا لي، وممّا شحذ العزم على ذلك ورفع الحجاب عنه، أنّي فقدت ولدا نجيبا، وصديقا حبيبا، وصاحبا قريبا، وتابعا أديبا، ورئيسا منيبا، فشقّ عليّ أن أدعها لقوم يتلاعبون بها، ويدنّسون عرضي إذا نظروا فيها، ويشمتون بسهوي وغلطي إذا تصفّحوها، ويتراءون نقضي وعيبي من أجلها فإن قلت: ولم تسمهم بسوء الظن، وتقرع جماعتهم بهذا العيب؟ فجوابي لك أن عياني منهم في الحياة هو الذي يحقق ظني بهم بعد الممات، وكيف أتركها لأناس جاورتهم عشرين سنة فما صح لي من أحدهم وداد، ولا ظهر لي من إنسان منهم حفاظ؟ ولقد اضطررت بينهم بعد الشهرة والمعرفة في أوقات كثيرة إلى أكل الخضر في الصحراء، وإلى التكفف الفاضح عند الخاصة والعامة، وإلى بيع الدين والمروءة، وإلى تعاطي الرياء بالسمعة والنفاق، وإلى ما لا يحسن بالحر أن يرسمه بالقلم، ويطرح في قلب صاحبه الألم، وأحوال الزمان بادية لعينك، بارزة بين مساءك وصباحك، وليس ما قلته بخاف عليك مع معرفتك وفطنتك، وشدة تتبعك وتفرغك، وما كان يجب أن ترتاب في صواب ما فعلته وأتيته بما قدّمته ووصفته، وبما أمسكت عنه وطويته، إما هربا من التطويل، وإما خوفا من القال والقيل. وبعد، فقد أصبحت هامة اليوم أو غد فإني في عشر التسعين، وهل لي بعد الكبرة والعجز أمل في حياة لذيذة، أو رجاء لحال جديدة؟ ألست من زمرة من قال القائل فيهم:
نروح ونغدو كل يوم وليلة وعما قليل لا نروح ولا نغدو
وكما قال الآخر:
تفوّقت درّات الصبا في ظلاله إلى أن أتاني بالفطام مشيب
وهذا البيت للورد الجعدي وتمامه يضيق عنه هذا المكان، والله يا سيّدي لو لم أتعظ إلا بمن فقدته من الإخوان والأخدان في هذا الصقع من الغرباء والأدباء والأحباء لكفى، فكيف بمن كانت العين تقرّ بهم، والنفس تستنير بقربهم، فقدتهم بالعراق والحجاز والجبل والري، وما والى هذه المواضع، وتواتر إلي نعيهم، واشتدت الواعية بهم، فهل أنا إلا من عنصرهم؟ وهل لي محيد عن مصيرهم؟ أسأل الله تعالى رب الأولين أن يجعل اعترافي بما أعرفه موصولا بنزوعي عما أقترفه، إنه قريب مجيب. وبعد، فلي في إحراق هذه الكتب أسوة بأئمة يقتدى بهم، ويؤخذ بهديهم، ويعشي إلى نارهم، منهم: أبو عمرو بن العلاء، وكان من كبار العلماء مع زهد ظاهر وورع معروف، دفن كتبه في بطن الأرض فلم يوجد لها أثر. وهذا داود الطائي، وكان من خيار عباد الله زهدا وفقها وعبادة، ويقال له تاج الأمة، طرح كتبه في البحر وقال يناجيها: نعم الدليل كنت، والوقوف مع الدليل بعد الوصول عناء وذهول، وبلاء وخمول. وهذا يوسف بن أسباط: حمل كتبه إلى غار في جبل وطرحه فيه وسد بابه، فلما عوتب على ذلك قال: دلّنا العلم في الأول ثم كاد يضلنا في الثاني، فهجرناه لوجه من وصلناه، وكرهناه من أجل ما أردناه. وهذا أبو سليمان الداراني جمع كتبه في تنور وسجرها بالنار ثم قال: والله ما أحرقتك حتى كدت أحترق بك. وهذا سفيان الثوري: مزق ألف جزء وطيرها في الريح وقال: ليت يدي قطعت من هاهنا، بل من هاهنا ولم أكتب حرفا. وهذا شيخنا أبو سعيد السيرافي سيد العلماء قال لولده محمد: قد تركت لك هذه الكتب تكتسب بها خير الأجل، فإذا رأيتها تخونك فاجعلها طعمة للنار.
وماذا أقول وسامعي يصدّق أن زمانا أحوج مثلي إلى ما بلغك، لزمان تدمع له العين حزنا وأسى، ويتقطع عليه القلب غيظا وجوى وضنى وشجّى، وما يصنع بما كان وحدث وبان، إن احتجت إلى العلم في خاصة نفسي فقليل، والله تعالى شاف كاف، وإن احتجت إليه للناس ففي الصدر منه ما يملأ القرطاس بعد القرطاس، إلى أن تفي الأنفاس بعد الأنفاس، «ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون» . فلم تعنّى عيني- أيدك الله- بعد هذا بالحبر والورق والجلد والقراءة والمقابلة والتصحيح وبالسواد والبياض، وهل أدرك السلف الصالح في الدين الدرجات العلى إلا بالعمل الصالح، وإخلاص المعتقد والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا وخدع بالزبرج، وهوى بصاحبه إلى الهبوط؟ وهل وصل الحكماء القدماء إلى السعادة العظمى إلا بالاقتصاد في السعي، وإلا بالرضا بالميسور، وإلا ببذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم؟ فأين يذهب بنا وعلى أي باب نحط رحالنا؟؟ وهل جامع الكتب إلا كجامع الفضة والذهب؟ وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما؟ وهل المغرم بحبها إلا كمكثارهما؟ هيهات، الرحيل والله قريب، والثواء قليل، والمضجع مقض، والمقام ممض، والطريق مخوف والمعين ضعيف، والاغترار غالب، والله من وراء هذا كله طالب، نسأل الله تعالى رحمة يظلنا جناحها، ويسهل علينا في هذه العاجلة غدوها ورواحها، فالويل كل الويل لمن بعد عن رحمته بعد أن حصل تحت قدره. فهذا هذا.
أم إني- أيدك الله- ما أردت أن أجيبك عن كتابك لطول جفائك، وشدة التوائك عمن لم يزل على رأيك مجتهدا في محبتك على قربك ونأيك، مع ما أجده من انكسار النشاط وانطواء الانبساط لتعاود العلل علي وتخاذل الأعضاء مني، فقد كلّ البصر وانعقد اللسان وجمد الخاطر وذهب البيان، وملك الوسواس وغلب اليأس من جميع الناس، ولكني حرست منك ما أضعته مني، ووفيت لك بما لم تف به لي، ويعزّ علي أن يكون لي الفضل عليك، أو أحرز المزية دونك، وما حداني على مكاتبك إلا ما أتمثله من تشوقك إلي وتحرقك علي، وأن الحديث الذي بلغك قد بدد فكرك، وأعظم تعجبك، وحشد عليك جزعك، والأول يقول:
وقد يجزع المرء الجليد ويبتلي عزيمة رأي المرء نائبة الدهر
تعاوده الأيام فيما ينوبه فيقوى على أمر ويضعف عن أمر
على أني لو علمت في أي حال غلب علي ما فعلته، وعند أي مرض وعلى أية عسرة وفاقة لعرفت من عذري أضعاف ما أبديته، واحتججت لي بأكثر مما نشرته وطويته، وإذا أنعمت النظر تيقنت أن لله جلّ وعزّ في خلقه أحكاما لا يعازّ عليها ولا يغالب فيها، لأنه لا يبلغ كنهها ولا ينال غيبها، ولا يعرف قابها ولا يقرع بابها، وهو تعالى أملك لنواصينا، وأطلع على أدانينا وأقصاينا، له الخلق والأمر، وبيده الكسر والجبر، وعلينا الصمت والصبر إلى أن يوارينا اللحد والقبر، والسلام. إن سرّك- جعلني الله فداك- أن تواصلني بخبرك، وتعرفني مقر خطابي هذا من نفسك فافعل فإني لا أدع جوابك إلى أن يقضي الله تعالى تلاقيا يسر النفس، ويذكر حديثنا بالأمس، أو بفراق نصير به إلى الرمس، ونفقد معه رؤية هذه الشمس، والسلام عليك خاصّا بحقّ الصفاء الذي بيني وبينك، وعلى جميع إخوانك عاما بحق الوفاء الذي يجب عليّ وعليك، والسلام. وكتب هذا الكتاب في شهر رمضان سنة أربعمائة". (معجم الأدباء/294).
ـ قال التوحيدي " قال سيد العلماء ابو سعيد السيرافي لولده محمد: تركت لك هده الكتب، تكتسب بها خير الأجل، فإذا رأيتها تخونك، فأجعلها طعمة للنتر". (المقابسات/112)
ـ قال النهرواني" حَدثنَا المظفرين يحيى بْن أَحْمَد الشرابي قَالَ حَدَّثَنَا حسن بْن عليل الغنوي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَالك اليمامي مُحَمَّد بْن مُوسَى بْن يحيى بْن يزِيد النجار، قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُد بْن يحيى بْن عِيسَى بْن النجار بْن زِيَاد بْن النجار، قَالَ: صَحِبت أَبَا الْعَتَاهِيَة فِي طَرِيق مَكَّة فترافقنا فَأَنْشَدته يَوْمًا بَيْتا فَضَحِك، وَالشعر:
اخلع عذارك فِيمَا تستلذ بِهِ واجسر فَإِن أَخا اللَّذَّات من جِسْرًا
واحفظ خَلِيلك لَا تغدر بِهِ أبدا لَا بَارك الله فِي من خَان أَو غدرا
وَالشعر لأبي الْعَتَاهِيَة، فَقَالَ لي: يَا دَاوُد هَل مَعَك من شعري فِي عتبَة شَيْء؟ قلت: نعم، قَالَ: أرني، قَالَ: فَأَخْرَجته فَنظر إِلَيْهِ فَجعل يلوي رَأسه، فَلَمَّا مر هَذَا الْبَيْت:
فالليل أطول من يَوْم الْحساب على عين الشجي إِذا مَا نَومه نَفرا
قَالَ: فَجعل يُحَرك رَأسه وَيَقُول: يَا أَبَا الْعَتَاهِيَة لَيْسَ لَك وَالله علم بِيَوْم الْحساب، قَالَ ثُمَّ قَالَ: عَليّ بنارٍ، فَأخذ الْكتب فأحرقها وَقَالَ لي: عَلَيْك بِمَا هُوَ خير من هَذَا، فَأخْرج كتابا فِيهِ مَكْتُوب:
أَلا هَل منيب إِلَى ربــــــه فيستغفر الله من ذَنبه
على أَن فِي بعض أَحْوَاله حوادث يخبرن عَن قلبه
فَلم أر كالميت فِي أَهله يحب ويهرب من قربه
يحب محبوه إبعاده وهم مجمعون على حبه
وَقَالَ لي: اكْتُبْ فَكتبت، وأملي عَليّ:
لَا تكذبن فإنني لَك نَاصح لَا تكذبنه
واعمل لنَفسك مَا استطعت فَإِنَّهَا نَار وجنه
وَاعْلَم بأنك فِي زمان مشبهاتٍ هن هنه
صَار التَّوَاضُع بِدعَة فِيهِ وَصَارَ الْكبر سنه
(الجليس الصالح/505).
ـ كان للوجيه بن صورة المصري دلال الكتب، دار بمصر موصوفة بالحسن فاحترقت، فقال فيها ابن المنجم:
أقول وقد عاينت دار ابن صورة وللنّار فيها وهجة تتضرّم
فما هو إلا كافر طال عمـــــــره فجاءته لمّا استبطأته جهنّم (المستطرف/253).
ـ قال بن حيان: كان ابن حزم صاحب حديث وفقه وجدل وله كتب كثيرة في المنطق والفلسفة. ولم يخل فيها من غلط، وكان شافعي المذهب يناضل الفقهاء عن مذهبه ثم صار ظاهريا فوضع الكتب إليها في هذا المذهب وثبت عليه إلا أن مات. ولان له تعلق بالآداب ثم شنع عليه الفقهاء وطعنوا فيه، وأقصاه الملوك وأبعدوه عن وطنه، وتوفي بالبادية سنة ست وخمسين وأربعمائة. وكان كثير المواظبة على التأليف وكثرة التصنيف. ومن مصنفاته كتاب (الفصل بين أهل الآراء) و (أهل النحل) وكتاب (الصادع والرادع) في الرد على من كفر أهل التأويل من فرق المسلمين، والرد على من قال بالتقليد. وكتاب حديث شرح الموطأ والكلام على مسائله، و (كتاب الجامع) في صحيح الحديث باختصار الأسانيد والاقتصار على أصحها. وكتاب (التلخيص والتخليص) في المسائل النظرية وفروعها التي لا نص عليها في الكتاب ولا الحديث وكتاب (منتقى الإجماع وبيانها من جملة ما لا يعرف فيه اختلاف). وكتاب (الإمامة والسياسة) في سير الخلفاء ومراتبها الندب والواجب منها. وكتاب (أخلاق النفس)، وكتاب (الاتصال إلى أتم كتاب الخصال)، وكتاب (كشف الالتباس ما بين أصحاب الظاهر وأصحاب القياس)، ومن شعره بعد إحراق كتبه:
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمنه القرطاس، بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلّت ركائبي وينزل إن أنزل ويدفن في قبري
(لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة1/73). (الإحاطة في أخبار غرناطة4/91)
636 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع