الباحث بسام شكري
الجامعة العربية مؤسسة قد عفا عنها الزمن
على مدى عقود ومنذ تأسيسها فان اجتماعات الجامعة العربية المستمرة لم تتمكن من توحيد العرب وقد كانت اجتماعات بروتوكولية للعلاقات العامة ولقاءات على موائد فاخرة وخطب مجاملات بين رؤساء الوفود العربية, في الوقت الذي كانت تسمية هذا التجمع بالجامعة العربية لتجميع الأنظمة العربية في نظام سياسي واقتصادي وبشري واحد لم يحصل ذلك ابدا وبقيت الجامعة العربية في حدود الاجتماعات الدورية والبيانات الاستنكارية وغير المُلزمة ولم تعلن او تنشر الجامعة العربية على وسائل الاعلام في يوم ما حقائق ما يحصل خلال اجتماعاتها مثل مواقف الدول التي تعرقل أي تؤيد قراراتها وهذا يدل على استحمار واستغفال المواطن العربي.
الخراب الذي سببته الجامعة العربية للعرب كثير وتاريخها السيء حافل وهنا لا اريد ان اتهجم على الجامعة بل استعرض جرائمها بحق الدول العربية , لنبدأ بالقريب المسكوت عنه والممنوع من التحدث به وهو الانقلاب البريطاني الذي قام بتنفيذه جهاز المخابرات الإسرائيلي والذي حصل في عاصمة سلطنة عمان في جزيرة زنجبار سنة 1964 وادى الى سلخها عن جسم السلطنة وذلك بعد شهر من منح بريطانيا زنجبار الاستقلال في الوقت الذي كان الجيش المصري في اليمن وكان يمكنه خلال ساعات من إعادة الشرعية وقد نجم عن ذلك الانقلاب قتل ثلاثة عشر الف عربي عماني وحرق جثثهم وسلب ممتلكاتهم وفقدان جزء عربي عزيز من سلطنة عمان وبقيت الجامعة العربية تتفرج وقد قيل في حينه ان الجامعة العربية دائرة تابعة لوزارة الخارجية المصرية وموقف مصر كان موقف المتفرج على الانقلاب لذلك لم تتحرك الجامعة العربية ولم تصدر حتى بيان استنكار للانقلاب ولم تقوم الجامعة العربية او أي دولة عربية في حينها ولغاية اليوم بمسائلة بريطانيا عن ذلك الانقلاب , قضية فلسطين ودور الجامعة العربية السلبي فيها غني عن التعريف منذ 1948 مرورا بحربي 1967 و1973 وصولا الى اتفاقات السلام العربية المنفردة مع إسرائيل والاهم والأخطر منها هو اتفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني سنة 1993 والذي قسم الأراضي المحتلة الى ثلاث أصناف هي الف وباء وجيم ولم تقم إسرائيل بإعطاء الفلسطينيين الأراضي التي كانت ضمن الاتفاق لغاية كتابة هذا المقال ومازالت إسرائيل تحتل كافة الأراضي الفلسطينية ولم تعترض السلطة الفلسطينية لغاية الان على عدم تنفيذ الجانب الإسرائيلي لالتزاماته في اتفاقية أوسلو للسلام وخلال السنوات الثلاثين الماضية قامت إسرائيل بتدجين الفلسطينيين وتحويل الفدائيين الذين كانوا يقاتلونها في كل بقاع العالم الى دبلوماسيين في سفارات فلسطين حول العالم يتقاضون رواتب عالية ويعيشون في فلل فخمة ويركبون في سيارات غالية الثمن وكانت تلك الإجراءات تحت مسمى استقلال دولة فلسطين لكن أي شيء لم يتحقق من ذلك الاستقلال المزعوم وفي أراضي الضفة الغربية مارست السلطة الفلسطينية كل أنواع الفساد الإداري والمالي والظلم والقهر وقد اصبح الشعب الفلسطيني تحت احتلالين وكل تلك الاحداث والجامعة العربية تتفرج .
سلسلة الصراعات والحروب العربية مستمرة فالذي حصل في لبنان من الاحتلال السوري والاجتياح الإسرائيلي واحتلال لبنان واجلاء الفلسطينيين من لبنان الى تونس كانت خلاله الجامعة العربية تصدر بيانات الاستنكار والاستهجان وقد أدى تخلي اسبانيا عن الرقابة الإدارية لإقليم الصحراء الغربية سنة 1975 الى اندلاع حرب بين الجزائر والمغرب مازالت مستمرة لغاية الان وقد كان المغرب عندما كان الإقليم تحت الرقابة الإدارية الاسبانية قد اصدر بيانا سنة 1957 بان إقليم الصحراء الغربية هو اراضي مغربية محتلة من قبل اسبانيا ، ودور الجامعة العربية خلال تلك الحرب التي مازالت مستمرة لم يتعدى اصدار البيانات وتدخلت الأمم المتحدة وارسلت مندوبا عنها مازال يعمل وتدخل الاتحاد الافريقي وتدخلت اسبانيا لإنهاء المشكلة لكن الجامعة العربية بقيت صامته صمت الموتى , واما الحرب العراقية السورية التي حدثت على مدى ثلاثة وثلاثين عاما منذ 1970 بين جناحي حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق وانتهت بالغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 والماسي التي مرت بالشعبين العراقي والسوري والاضرار التي لحقت باقتصاديات البلدين نتيجة لتلك الصراعات لا يمكن تقديرها , اما الغزو الأمريكي للعراق الذي ساهمت الجامعة العربية فيه واعطته الشرعية القانونية مازالت نتائجه المدمرة على العراق والمنطقة مستمر, المشكلة بين قطر والبحرين كانت لأسباب حدودية وقد حسمته محاكم دولية وبقيت الجامعة العربية تتفرج على المشكلة ولم تكلف الجامعة العربية نفسها حتى بتهدئة الموضوع وخلال الغزو العراقي للكويت كانت مواقف الجامعة العربية سلبية تحركها مراكز القوى الدولية وامريكا بالذات وتحولت مواقف الجامعة العربية الى مبرر قانوني لأمريكا والدول المتحالفة معها في حرب 1991 لتحرير الكويت وقتل الاف العراقيين وللجامعة العربية دور كبير في فرض حصار الأنثى عشر عاما على الشعب العراقي والذي أدى الى وفاة مليون ونصف عراقي وتهجير مليون عراقي الى كل بقاع الأرض هروبا من الموت في العراق نتيجة عدم توفر الغذاء والدواء وانهيار العملة العراقية , والانقلاب الحوثي في اليمن والحرب من اجل إعادة الشرعية لم تكن الجامعة العربية سوى مكتب علاقات عامة لإصدار البيانات . دور الجامعة العربية مما سمي بالربيع العربي كان سلبيا بامتياز واقصى قرار اتخذته تلك الجامعة المشؤومة هو طرد النظام السوري من الجامعة بدون ان يكون لها أي دور مما حصل من احداث وأدى الى وفاة وجرح وتهجير ملايين السوريين وظهور داعش وقيامه باحتلال ثلث مساحة كل من العراق وسوريا وتدمير الاف المدن والقرى وقتل الاف الأبرياء وتهجير ثمانية ملايين سوري وعراقي وكان اختفاء داعش على طريقة الأفلام الهندية ولم تصدر الجامعة المشؤومة قرارا تضامنيا واحدا حول ظاهرة داعش , وما يزال بقايا الدواعش يعيشون في مخيم الهول في سوريا وغيره من المخيمات في العراق وسوريا بدون أي محاكمة عن جرائمهم، والمشكلة التي حصلت بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي لم تبدي الجامعة المشؤومة أي نشاط لتفهم الموضوع ومحاولة حله ضمن إطار الجامعة العربية وحتى عندما انتهت المشكلة بقيت الجامعة صامتة صمت الموتى.
ان زنجبار مازالت عربية على الرغم سلخها من سلطنة عمان وسكانها العمانيين ما يزالون الأغلبية في الجزيرة وفلسطين مازالت محتلة على الرغم من كل اتفاقيات السلام العبثية وحزب البعث هو حزب واحد ومبادئه وأهدافه وشعاراته نفسها ولم تكن هناك حرب بين الشعبين العراقي والسوري وانما اصل المشكلة كراهية شخصية ومصالح مادية بين أعضاء في ذلك الحزب , والسوريين واللبنانيين ما يزالون شعب واحد على الرغم من كل ما حصل من حروب والعراقيين والكويتيين ما يزالون الخال وابن الأخت كما يقولون وهم يتكلمون بلهجة متشابهة وعاداتهم وسلوكهم متشابه , والمغرب والجزائر ما يزالون شعبا واحدا وهم نفس القبائل العربية والامازيغية منتشرة في البلدين ولو اتحد المغرب والجزائر في اقتصاد واحد لأصبح قوة هائلة تنافس اقتصاديات الاتحاد الأوروبي والبحرين وقطر ما يزالون شعب واحد من نفس العوائل والعشائر ولو نسوا خلافاتهم واتحدوا اقتصاديا لأصبحوا قوة اقتصادية كبيرة في الخليج ليكونا اقوى اقتصاد في الشرق الاوسط واليمن ما يزال شعبا واحدا لو تمكن من التوحد والاستقلال عن السياسة الإيرانية ولو انضم اقتصاديا الى دول مجلس التعاون الخليجي سيرفع اقتصاديات دول المجلس الى مصاف الدول المتقدمة ولأصبح اليمن خلال سنوات قليلة من الدول المتقدمة اقتصاديا .
حل مشاكل العرب الذي ناهز عددهم الأربعمائة وخمسين مليون نسمة هو بإلغاء الجامعة العربية المشؤومة وتشكيل مؤسسة اقتصادية اجتماعية بدلا عنها واليوم وقد أصبحت المملكة العربية السعودية رئيسة للقمة العربية الحالية لغاية حول القمة القادمة وأصبحت الجامعة العربية في داخل البيت الخليجي لذا فان العرب جميعا يتطلعون الى دور البيت الخليجي الغني بالموارد والاقوى اقتصاديا والمستقل بالقرار السياسي في اجراء تغييرات جذرية تخدم العرب واقتصاداتهم ويتوقع العالم اجمع تلك المتغيرات بشكل حاسم وسريع في ظل النتائج الإيجابية المتوقعة للغزو الروسي لأوكرانيا واستقلال دول العالم ودول الخليج العربي بالذات عن القرار الأمريكي , في نفس الوقت لا يجوز محاسبة مصر كدولة مستضيفة للجامعة العربية وهيمنة المصريين على رئاسة الجامعة لأننا جميعا مارسنا كل أخطاء الجامعة العربية ويجب علينا ان نرتقي الى مستوى التحديات العالمية وتحمل المسؤولية بشكل مشترك , اذا كان القادة العرب يتصرفون بمنطق شيخ العشيرة الذي يزعل من شيخ عشيرة ثانية لأنه لم يوافق على زواج ابنه من ابنته , اولان اغنام عشيرة ثانية دخلت أراضيه بالخطأ فانه سيقوم بمعاقبة كل تلك القبيلة اما بالغزو او التآمر المستمر عليها واستنزاف مواردها او بقطع الأنهار عنها او قطع العلاقات الدبلوماسية معها فعليهم ان لا يخلطوا بين التصرف بمنطق شيخ العشيرة وبين مصالح الملايين من أبناء شعبهم وان يتحدوا اقتصاديا ولا يخلطون بين مواقفهم السياسية و ( اخلاق البادية ) مع المصالح الاقتصادية لشعوبهم لان الموارد الاقتصادية هل مُلكا للشعب العربي وليس مُلكا لشيوخ العشائر .
ان التطور التكنولوجي في عالم الاتصالات وتناقل الاخبار بسرعة كبيرة قد أوقف سيل الأكاذيب والتعتيم الإعلامي الذي مارسته الأنظمة العربية، وذلك التطور قد جعل العرب يعرفون كل اما يجري في العالم من خلال الانترنيت خلال ثواني معدودة وتجربة الربيع العربي سوف تتكرر وبشكل يتناسب مع التطور العلمي المستمر في العالم ولن يكون هناك متسعا من الوقت يمكن شيوخ العشائر من ركوب الطائرات والهرب بأموالهم للخارج , صحيح ان ما يسمى الربيع العربي مثيرا للجدا وتدور حول من حرك الشارع العربي بتلك السرعة المفاجأة للشكوك , لكن لماذا أوصل شيخ عشيرة تونس وشيخ عشيرة مصر وشيخ عشيرة ليبيا وسوريا واليمن شعوبهم الى تلك الدرجة من الفقر والفساد والإرهاب حتى تهب الملايين ضدهم؟
علينا ان نضع السياسة جانبا ونتجه نحو الاتحاد الاقتصادي لان المصالح الاقتصادية في عالم اليوم هي التي توجه المصالح السياسية وليس العكس كما يفعل شيوخ العشائر والشيخ الذي يصر منهم على رايه سيفقد كرامته وكرسيه في وقت قياسي غير متوقع وان رايي هذا ليس رجما ً بالغيب وانما بناء ً على فهم وتحليل ودراسة لواقع الحال والاحداث الدولية والتطورات التكنولوجية المتلاحقة وان الجيوش الأمنية التي يسلطها شيوخ العشائر اليوم على شعوبهم سوف تقف عاجزة عن حمايتهم وان ظهور اقطاب دولية جديدة تتكلم بمنطق الاقتصاد ومصالح الشعوب كالصين والاتحاد الأوروبي وزوال روسيا وتقسيمها وانقسام أمريكا على نفسها سوف يجبر شيوخ العشائر على مسايرة مجريات الأمور هذا اذا بقي لديهم الوقت.
لنلغي الجامعة العربية ونوقف هدر ملايين الأموال شهريا على مؤسساتها الميتة والغير فعالة وننقذ ما يمكن إنقاذه ولنؤسس مؤسسة اقتصادية تدير اقتصاداتنا بعيدا عن السياسة وانا استبشر خيرا لوجود الجامعة العربية الان في الحضن الخليجي ورئاستها من قبل المملكة العربية السعودية في الوقت الحالي وقد قفزت دول الخليج قفزات اقتصادية عظيمة خلال فترة وجيزة وأصبحت اقتصاداتها تنافس الاقتصاديات العالمية وخصوصا المملكة العربية السعودية وقطر والامارات.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
4797 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع