أحمد العبدالله
صدّام حسين:٢آب..صفعة للولد العاقّ!!(٣-٤)
في 2-8-2023 يكون قد مضى ثلث قرن, دار خلاله الزمن دورة كاملة وفق التقويم الهجري, على الحدث الأخطر في تاريخ دولة العراق الحديث, وهو ذلك القرار الخاطئ الذي اتّخذه الرئيس صدّام حسين في لحظة غضب وانفعال, بدفع وتحريض من الحلقة الضيّقة المحيطة به؛(طه الجزراوي, علي حسن المجيد, لطيف نصيّف جاسم, حسين كامل) وآخرون, دون التبصّر بعواقبه الوخيمة ومآلاته المدمّرة. ودفعه لذلك العنجهية والغطرسة التي استبدّت بحكام الكويت في ذلك الحين, بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لاستدراج العراق لفخ نُصب له بخبث ودهاء, وابتلعت(قيادتنا الرشيدة)الطُعم بسذاجة, فوقعت الكارثة, وانتهى عهد العراق القوي المقتدر, وتشرذم العرب وغدوا في أضعف حال, وانتهى الحال بسيطرة حثالات إيران على مقدّراته. ولا زالت فصول هذه المأساة مستمرة.
لم تكن الأجواء في ذلك الصيف الساخن توحي بهذا التطوّر الخطير, رغم حالة التوتّر التي خيّمت على مناخ العلاقات بين البلدين في الأسبوعين الأخيرين قُبيل الاجتياح. وكانت النُذُر الأولى للخلاف مع الكويت قد ظهرت للعلن للمرة الأولى, في مؤتمر قمة بغداد أواخر شهر أيار 1990. وبدأت مساعي دبلوماسية عربية لاحتواء هذا الخلاف المتعلق بقيام الكويت ومعها الإمارات بإغراق أسواق النفط من خلال تجاوز حصصهما المحددة من(أوبك), بدون وجود أي مسوّغ اقتصادي لهذا الإجراء, وتبع ذلك انهيار أسعاره ووصول سعر البرميل لسبعة دولارات, والتأثير الكارثي لذلك على العراق, الخارج توًّا من حرب ضروس مع إيران. ورفض الكويت شطب المبالغ المالية التي سبق أن منحتها له خلال سنوات الحرب تلك.
كان المتغيّر الأبرز هو خطاب الرئيس صدّام حسين في 17 تموز 1990, بمناسبة اليوم الوطني, وفيه تصعيد لنبرة الخطاب السياسي العراقي, بقوله:(قطع الأرزاق أشدُّ من قطع الأعناق), وأضاف الرئيس؛ إن هذا القول ليس هو(أقوى الإيمان), ممّا يعني تلويحًا باستخدام الخيار العسكري المباشر. ولكن الكويتيّين تجاهلوا كل تلك التحذيرات, وكذلك النصائح التي تلقّوها من زعماء وقادة عرب؛كالملك حسين وياسر عرفات, ولم يركنوا للتهدئة والحلول الوسط, وتقديم بعض التنازلات البسيطة للعراق تخص الديون وترسيم الحدود, لامتصاص غضبه المتصاعد, ونزع فتيل الأزمة المشتعلة. بل استبدَّ بهم الطيش والغرور, والتي تجلّت بعدم تقديمهم مبادرة حقيقية للحل في مؤتمر جدة, قُبيل الغزو بساعات قليلة.
وسبب هذا الصلف والتعنّت الذي لا يتناسب مع حجمهم وقدراتهم, كما ظهر لاحقًا, هو ممارسة الولايات المتحدة الامريكية ضغوطًا عليهم, لإبداء التصلّب مع العراق وعدم تقديم أي تنازلات له. وكان العراق أيضا تصله إشارات معاكسة, تتحدث عن(تآمر كويتي)لإضعافه وتركيعه اقتصاديا باستخدام سلاح النفط. والغاية من هذه اللعبة المزدوجة, هو دفع القيادة العراقية لارتكاب حماقة بواسطة استفزازها, واستغلال ذلك كذريعة لتنفيذ المخطط المرسوم. فكلا الطرفين؛العراق والكويت, قد وقعا ضحية تضليل مقصود, وليس القيادة العراقية هي فقط من تعرضت للخديعة. من خلال تسريب معلومات لكل منهما, تجعل أحدهما يشكُّ في الآخر, للإيقاع بينهما. وهذا ما نجحوا به في النهاية.
خرج العراق منتصرًا عسكريًا في حربه مع إيران, وبجيش جرّار يقترب من المليون, أو يزيد, ولكن باقتصاد منهك وديون ثقيلة, وكان يأمل من إخوانه الخليجيّين أن يدعموه ماديًّا, ويتحمّلوا جزءًا من أعباء إعادة إعماره, ويطفئوا ديونهم المترتبة عليه, فقد كانت الحرب والتضحيات الجسيمة التي تحمّلها, دفاعًا عنهم, كما عن العراق, ولكن شيئًا من ذلك لم يحصل. وبوجود قيادة عراقية أسكرتها نشوة النصر على إيران, وتلبّستها حالة من الإعجاب بالنفس المصحوب بالعناد, وتعوزها الحكمة والتروّي في المواقف الصعبة, وصمّت آذانها عن النصائح التي تلقّتها من جهات مختلفة قبل الغزو وبعده, توصيها بالحذر ممّا يُطبخ لها, وتستسهل الذهاب للحرب كخيار أول, وليس أخير. في وضع كهذا؛ يغدو الغزو أمرًا مفروغًا منه!!.
(فتية آمنوا بربهم)من ضباط الجيش الكويتي, قاموا بثورة على(قارون الكويت), وطلبوا مساعدة العراق عسكريًّا!!. هذا هو(السيناريو)المهلهل والارتجالي الذي أخرجه(حسين كامل), لتبرير الاجتياح العراقي للكويت, والذي لم ينطلِ على أحد. وبعد ستة أيام طلب(الفتية)الانضمام للعراق بوحدة اندماجية, فأصبحت الكويت محافظة عراقية باسم(كاظمة), وتحمل الرقم(19), و(عاد الفرع إلى الأصل)!!, وأحيل(الفتية)على(التقاعد المبكر)!!. هذا هو بالمختصر المفيد الذي حصل. وفيما بعد, في منتصف التسعينات تقريبًا, وصف الرئيس صدّام حسين هذه العملية بأنها كانت؛(صفعة لولد عاقّ)!!.
وممّا رواه حسين كامل لبعض زائريه في عمان, بعد انشقاقه وفراره إلى الأردن؛ إنه ذهب لمكان احتجاز الضباط الكويتيّين الذين أسرَتهم القوات العراقية عند دخولها السريع للكويت والسيطرة عليها خلال 12 ساعة!!, وهروب(العائلة الصباحية)إلى السعودية. وكان هؤلاء الأسرى لا زالوا تحت وقع الصدمة, ولم يستفيقوا من هولها بعد, فاختار(ابن شبعاد)بضعة منهم, و(شحنهم) في سيارة(كوستر), وجلبهم معه إلى بغداد, حيث تم الباسهم الزي العربي, وأدخلهم على الرئيس صدّام حسين, والذي ما أن وقع نظره عليهم, حتى لوّح لهم بيده, وخاطبهم قائلًا؛(حيّا الله الثوار)!!.
كان كل شيء يجري بإيقاع سريع جدًا, فالقوات الأمريكية وصلت طلائعها للمنطقة خلال أيام قليلة, وكأنها كانت على علم بما سيحدث!!, ثم تبعتها جيوش من دول أخرى, وصل عددها لـ28 جيشًا. وقام تحالف دولي من 33 دولة. وكان الهدف في البداية حماية السعودية من تهديد عراقي مزعوم, ثم صار هدفه بعد حين؛تحرير الكويت, ثم انتهى الحال بتدمير العراق!!. وكانت قرارات مجلس الأمن تترى, وجميعها تحت الفصل السابع, فقد صدر(12)قرارًا ضد العراق في أقل من أربعة أشهر, حتى صارت الفاصلة الزمنية بين قرار وآخر, تُقاس بالساعات وليس بالأيام!!, وهي حالة شاذة ولم تحصل سابقا, ولا أظنها ستتكرر مستقبلًا. وكان أقساها القرار 661 في 6-8-1990, بفرض الحصار الكامل على العراق, ثم القرار 678 في 29-11-1990, والذي أباح استخدام القوة, لإخراج العراق من الكويت, إذا لم ينسحب منها قبل يوم 15-1-1991.
في المقال القادم والأخير من هذه السلسلة, إن شاء الله؛ دور أسرة(آل صباح)في التآمر على العراق حتى غزوه واحتلاله انطلاقًا من أرضهم.. الكويت تتسبّب بموت مليون ونصف مليون طفل عراقي.. ماهي(أم الجرائم)التي ارتكبتها الكويت بحقِّ العراق؟!.. صحيفة كويتية؛(اللهم لا تُبقي في العراق حجرًا على حجر)!!.. بماذا(تنبّأ)صدّام حسين في عام 1982, وتحقّق بحذافيره بعد 2003؟!.. رسالتي إلى إخواننا في الكويت؛احذروا يومًا ستبكون فيه بدموع حقيقية, وليست كاذبة مثل(دموع)نيرة سعود الصباح. وقد تصبحون مجرد (جائزة ترضية)في صفقة تُعقد مع القوى العالمية المتنفذة, و(تروحون بالرجلين)!!.
................................
الجزء الثاني من هذه السلسلة..
https://www.algardenia.com/maqalat/59536-2023-07-21-09-22-11.html
الگاردينيا - مجلة ثقافية عامة - صدّام حسين؛ لقد غَدَر الغادرون!! (٤-٢)
مجلة ثقافية عامة
www.algardenia.com
3149 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع