الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
كريم العراقي فارس وقلم عراقي تَرجّل عن صهوة جواده
تَرجّل عن صهوة جواده الشاعر العراقي الشهير كريم العراقي فجر الجمعة 1 سبتمبر 2023 في أحد مستشفيات أبوظبي عن عمر ناهز 68 عاماً، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض، وقد نشر هذا الخبر مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الثقافية عارف الساعدي عبر موقع "فيسبوك".
لقد لاقى هذا الخبر المُحزن تفاعلا شعبيا واسعا في أرجاء العراق، كما تناقلت هذا الخبر الفضائيات العربية ووكالات الأنباء المختلفة.
لقد أمر رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني وزارة النقل باستكمال الإجراءات لنقل جثمان الفقيد ليُوارى الثرى في العراق، حسبما ذكرت وكالة الأنباء العراقية الحكومية (واع).
وقد نعى الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد الشاعر الراحل كريم العراقي قائلا: "رحل عن عالمنا اليوم الشاعر الكبير كريم العراقي الذي أغنى الثقافة والفن بالكثير من الأعمال المبدعة". وقدّم في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس": " أحر التعازي لعائلته وجمهوره ومحبيه".
كما قدّم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التعازي إلى الأسرة الثقافية والفنية برحيل الشاعر الكبير كريم العراقي الذي ترك أثراً مهماً في ذاكرة العراقيين الفنية، حسبما أفادت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع).
كريم العراقي (1955-2023)، واسمه الحقيقي (كريم عودة)، هو شاعر عراقي معاصر وإعلامي من مواليد محلّة الشاكرية في كرادة مريم في صَوب الكرخ ببغداد.
حصل على دبلوم علم النفس وموسيقى الأطفال من معهد المعلمين في بغداد، وعمل معلمًا في مدارس بغداد لعدة سنوات، ثم عمل مشرفًا متخصصًا في كتابة الأوبريت المدرسي.
بدأ الكتابة والنشر منذ أن كان طالبًا في المدرسة في مجلات عراقية عديدة، وتنوعت اهتماماته، لتشمل كتابة الشعر الشعبي والأغنية والأوبريت والمسرحية والمقالة، فضلا عن اهتمامه بالثقافة والأدب.
كانت بدايته في مجال كتابة الأغنية عام 1974 في أغنيتين للأطفال: (الشميسة) و (يا خالة يالخياطة) قدمها وهو طالب في المرحلة المتوسطة.
اختار كريم العراقي لقبه من اسم العراق تعبيرا عن حبه لانتمائه لوطنه (العراق) بعيدا عن كل العناوين الأخرى، وكأنه بهذا الاختيار أراد أن يقول أن عشيرتي هي العراق الكبير، ومن جميل شعره:
الشمسُ شمسي والعراقُ عراقي... ما غيَّرَ الدخلاءُ من أخلاقي
أنا منذ فجر ِالأرض ِألبسُ خوذتي... ووصية ُالفقراءِ فوقَ نطاقي
وأنا الجميلُ السومري البابلي... كانت يدي قيثارة َالعشاقِ
وتحالفت كلُ العصور ِلمقتلي... فأغظتــُها بتماسكي الخلاّقِ
لقد كانت مسيرة كريم العراقي الأدبية تسير في رَحَى لقبه، وقد كتب العديد من القصائد التي تؤكد حبه الشديد وتعلقه بالعراق، منها قوله:
فقيٌر في بلادي غير أني غنيُ النفس مملكتي عُلاكا
مريضٌ غير أني لست اشفى على يد أي جرّاحٍ سواكا
أأحيا كي أراك كما أحب؟ أُقبِّلُ يا عراقَ الحزنِ فاكا
كنوز الأرض تعجز ان تساوي رغيفَ العزِّ تحملهُ يداكا
قدّم كريم العراقي العديد من الأعمال الناجحة، منها أغنية (تهانينا يا أيام) لصلاح عبد الغفور و (دار الزمان ودارة) لسيتاهاكوبيان وأغنية (جنة جنة) للفنان رضا الخياط و (عمي يبو مركب) لفؤاد سالم و (وي هلة) لأنوار عبد الوهاب و (عرفت روحي أنا) لرياض احمد و (يا أمي) لسعدون جابر و (هلة بيك هلة) وهي أغنية رياضية غناها سعدون جابر إثر فوز العراق بكأس الخليج 1979 والتي أقيمت في عاصمتنا الحبيبة بغداد.
كما قدّم كريم العراقي كلمات لأربع أغان لسعدون جابر من ألحان الفنان بليغ حمدي عام 1981 وثلاث أغان لحسين نعمة وكذلك أغنية (الشمس شمسي والعراق عراقي) ألحان وأداء جعفر الخفاف.
غادر كريم العراقي بلده العراق إلى تونس مطلع التسعينات بموجب دعوة عمل في مدينة سوسة التونسية بالتزامن مع مغادرة عراقيين كثيرين من الوسط الأدبي والفني. وبعد عدة سنوات غادر تونس متنقلًا بين عدة دول عربية إلى أن استقر أخيرًا في الإمارات العربية المتحدة.
وعمل كريم العراقي محررًا فنيًا لعدة سنوات في مجلة فنون العراقية، ومحررًا صحفيًا أيضًا في عدة مجلات عربية في مصر والسعودية والإمارات، إضافة إلى كونه عضوا في جمعية المؤلفين وناشري الموسيقى العالمية.
غنى من شعر كريم العراقي العديد من المطربين العراقيين والعرب. كما أجريت معه العديد من اللقاءات والمقابلات في القنوات الأرضية والفضائية العربية والكثير من الصحف العربية.
لقد ظل قلب كريم العراقي مُعلق بوطنه العراق، وقد عبّر عمّا يجيش في نفسه بكلام بليغ يحمل في طياته حكم بليغة:
لا تَشْكُ للناس جُرحاً أَنْتَ صَاحِبُهُ ... لا يُؤْلِمُ الجَرْحُ إلا مَن بِهِ ألَمُ
شَكْوَاكَ لِلنَّاسِ يا ابنَ النَّاس منْقصَةٌ ... ومَن مِنَ النَّاسِ صَاحِ مَا بِهِ سَقَمُ
فالهمُّ كالسّيْلِ والأحزان زاخِرَةٌ ... حُمْرُ الدَّلائلِ مَهْمَا أهْلُها كَتمُوا
فَإِنْ شَكَوْتَ لِمَنْ طَابَ الزَّمَانُ لَهُ ... عَيْنَاكَ تَغْلِي وَمَنْ تَشْكُو لَهُ صَنَمُ
لقد حصل كريم العراقي على جائزة الأمير عبد الله الفيصل العالمية عام 2019م، كما حصل على جائزة منظمة اليونسيف لأفضل أغنية إنسانية عن قصيدة (تذكّر) والتي لحنها وغناها الفنان كاظم الساهر. في هذه القصيدة يصف كريم العراقي معاناة الشعب العراقي في ظروف الحصار الظالم على العراق، ومما قاله فيها:
تذكَّر كلما صلَّيت ليلاً
ملايينٌ تلوك الصخرَ خُبزا
على جسر الجراح مشت وتمشي
وتلبسُ جلدها وتموتُ عزَّا
تذكَّر قبل أن تغفو على أي وسادة
أينام الليل من ذبحوا بلاده؟
أعماله ومؤلفاته:
- ديوان (للمطر وأم الضفيرة)، من الشعر الشعبي العراقي صدر عام 1974 في بغداد.
- (ذات مرة)، حكايات شعبية.
- (سالم يا عراق)، قصائد شعرية للأطفال.
- (الخنجر الذهبي)، رواية للأطفال.
- (الشارع المهاجر)، رواية للأطفال.
- (كسل وبغلته الرمادية)، رواية للأطفال.
- إعداد وتقديم البرنامج التلفزيوني (في ضيافة الأغنية).
- مسرحية (ياحوته يامنحوته).
- مسرحية (عيد وعرس).
- مسرحية (دنيا عجيبة).
- مسرحية (يقظة الحراس).
- كتاب (هنا بغداد) صدر في دبي يونيو 2009.
كما كتب مجموعة قصص وسيناريو وحوار للأفلام السينمائية التالية: (عريس ولكن)، (افترض نفسك سعيدًا)، و(مخطوبة بنجاح ساحق) وفيلم الأطفال (الخياط المرح).
كما كتب سلسلة تلفزيونية عنوانها (مناجاة للواحد الأحد) عرضها راديو وتلفزيون العرب.
فضلا عن كل هذا فقد نشر كتاب (أغاني وحكاياتها) الجزء الأول، (حكايات بغدادية)؛ وهي مجموعة قصص قصيرة، ألبوم (ها.. حبيبي) وهو ألبوم صوتي الذي يضم 17 قصيدة، ألبوم (يا شاغل الفتيات)، البوم (دللول) والذي انتجته روتانا.
لقد ظل العراق في قلب كريم العراقي ولم يغب عنه حتى بعد غيابه عنه بجسده، فكتب له الكثير من الأعمال والأغاني مثل هنا بغداد، سالم يا عراق، الشمس شمسي والعراق عراقي. كما كتب مجموعة قصصية بعنوان "حكايات البغدادية".
وفي العام 2005 كان لكريم العراقي كاسيت بصوته لأول مرة لشركة روتانا بعنوان (دللول)، وهي أبرز قصيدة في المجموعة يؤديها الشاعر مع عزف منفرد للعود وتوضح حبه للعراق. لقد قدّم كريم العراقي بصوته هذه القصيدة وأهداها إلى الشعب العراقي ليقول عنها في مطلعها: "أهدي قصيدة دللول أدعية للعراق الجريح إلى جميع أطياف الشعب العراقي وإلى الأمهات العراقيات".
https://www.youtube.com/watch?v=NwcBEpja22o
كريم العراقي وكاظم الساهر:
لقد كانت هناك رحلة طويلة لكريم العراقي مع الفنان كاظم الساهر امتدت على مدى ثلاثة عقود ونصف من العام 1987. وقد بدأت هذه العلاقة في الجيش وكانت أول أغنية في مسلسل (شجاهه الناس)، ثم كتب للساهر أكثر من 70 أغنية.
لقد كانت الانطلاقة الحقيقية (لكريم العراقي) مع الساهر في مصر، ومن خلال وجوده في القاهرة، ثم التعامل مع الفنانين العرب (ديانا حداد، فضل شاكر، عمر العبدللات، سميرة سعيد، محمد منير، هاني شاكر، اصالة نصري، صابر الرباعي، وآخرين). كما تعامل مع مطربين عراقيين مغتربين منهم، رضا الخياط، ماجد المهندس، عادل مختار، رضا العبد الله وغيرهم.
لقد نعى الفنان كاظم الساهر رحيل الشاعر كريم العراقي، وكتب في تدوينه: "الصديق ورفيق الدرب الأستاذ كريم العراقي في ذمة الله.. إنّا لله وإنّا اليه راجعون".
ووصف المطرب عاصي الحلاني الفقيد، فكتب على حسابه الشخصي على "فيسبوك": "إنا لله وإنا إليه راجعون، وداعًا نبض العراق الشاعر الكبير والصديق كريم العراقي".
كما نعته الفنانة أحلام، والمطربة ديانا كرازون، وحاتم العراقي، والمطربة أصالة التي كتبت قائلة في نعيه: "لا تشك للناس، جرحًا أنت صاحبه لا يؤلم الجرح إلا من به ألم، شكواك للناس منقصة ومَن مِن الناس صاح ما به سقم، وداعًا كريم العراقي".
رحم الله ابن العراق البار كريم العراقي وجزاه خيرا على ما قدمه من قصائد وطنية هادفة ستبقى شاهدا حيا على حبه وانتمائه الأصيل لبلده.
(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (آل عمران: 145).
1582 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع