قاسم محمد داود
"حركة القوميين العرب" نشأتها ونهايتها ـــ (الجزء الأول)
القومية هي في الأصل فكرة مكتسبة يعززها شعور يعبر عن الانتماء البشري، أما القومية كفكرة أو كاتجاه عقائدي سياسي يتوخى قيام "الدولة/ الأمة" فنشأت في أوروبا في القرن التاسع عشر. بالدعوة إلى الولاء، والإخلاص للأمة، والشعور بالوعي القومي، وتمجيد الأمة والتركيز بشكل أساسي على تعزيز ثقافتها. ثم التقط التنويرين ورواد النهضة العرب هذه الفكرة وحاولوا أن يجيبوا على عدة أسئلة أبرزها إلى متى البقاء تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية ومحاولات محو الشخصية العربية. من هنا نمت النزعة القومية العربية وتحولت إلى حركة سياسية واضحة المعالم منذ ما يقرب من قرن، بعد تأسيس (الجمعية العربية الفتاة) في باريس والتي أسسها مجموعة من الطلاب العرب عام 1891. امتازت الجمعيات السرية التي تشكلت في كل من بيروت ودمشق والقاهرة وإسطنبول خلال الفترة (1870 –1908) بدقة أكثر من سابقاتها في تحديد مطالبها وتعيين أهدافها من المطالب العامة والغامضة الداعية إلى اصلاحات سياسية وادارية، أكدت هذه الجمعيات رغبتها في الحكم الذاتي ومن ثم الانفصال عن الإمبراطورية العثمانية. وقبل استقلال بعض الدول العربية من الاستعمار، برزت قبلها فكرة القومية العربية على يد المفكرين والمصلحين العرب، وقد جاءت كدعوة استجابة ملحة لما أظهرته القومية الطورانية(1) التركية، التي تماهت مع القومية الأوربية في فكرتها العنصرية، تجاه العرب، ومحاولة جعلهم تابعين للقومية الطورانية التركية، التي انطلقت من نظرة قومية استعلائية لعنصرهم العرقي، وحاولت أن تقصي كل مقومات العرب الأساسية في الدولة العثمانية التي انهارت بعد الحرب العالمية الأولى بعد تحالفها مع المانيا في هذه الحرب، واقتربت من الفكر الأوروبي الذي ينطلق من تعصب للجنس الآري، حيث عمل على هذا التوجه حزب (الاتحاد والترقي) القومي، ثم استكمل هذا التوجه أيضاً بعد وصول كمال اتاتورك للحكم في تركيا، بعد سقوط الخلافة الإسلامية، حيث الغى أتاتورك اللغة العربية في المدارس ومحى الكثير مما يمثل العرب والمسلمين في تاريخهم إتباعاً لما أقدمت عليه القومية الطورانية التركية وتقليداً للغرب في فكرهم، خاصة الرؤية العلمانية بعد اقصاء الكنيسة في الغرب وغير ذلك من الفكر الأوربي، هذا من جهة ومن جهة أخرى كان التهديد للوجود العربي ثقافياً وفكرياً، بدأ هذا أيضاً كمخطط من الاستعمار الفرنسي والبريطاني في الكثير من البلدان العربية المستعمرة، خاصة في الجزائر وشمال إفريقيا، وشعر العرب أن قومتيهم العربية مهددة، ووجودهم كأمة ترتبط بكيان وهوية يتقلص بخطط معدة ومبرمجة، وعلى أعلى المستويات من المستعمرين بدعوى التقدم والتمدن، وهدفها الذوبان والتلاشي في الفكر الغربي، حيث تعرض الوجود العربي كأمة للإقصاء والانسلاخ بالتدريج من خلال التعليم والفكر والثقافة بوسائل متعددة، مثل الغاء الهوية والثقافة والفكر في الكثير من بلاد العرب المستعمرة.. يقول المفكر الراحل (د. محمد عابد الجابري) في كتابه المعنون (الهوية ..العروبة والإسلام والغرب)، أن الدلالة التي انطلق منها العرب لاستنهاض الهمم لعروبتهم وقوميتهم في الأدبيات العربية النهضوية المبكرة، عبارات مثل: (أيها العرب أنهضوا)، أو مثل (العروبة تناديكم)... ومع ذلك يمكن القول أن المضمون الحديث والمعاصر لكلمتي (عرب) و(عروبة)‘ المرتبط بالنهضة، لم يبدأ في الذيوع والانتشار إلا بعد منصف القرن العشرين، وقد ظهر ذلك أولاً في لبنان وسوريا وفلسطين. وأن هذين المفهومين أنما كانا يستمدان معناهما من رد الفعل ضد الحركة التي كانت تهدد الوجود العربي ككيان متميز له صفاته ولغته العربية وتاريخه العميق داخل الإمبراطورية العثمانية، وكانت هذه الحركة من احزاب وجمعيات تركية تطمح إلى دمج القوميات الأخرى المتعايشة داخل الإمبراطورية التركية الطورانية. مما عرف باسم سياسة (التتريك). في منتصف القرن التاسع عشر أدت النوادي الأدبية والجمعيات الثقافية العربية دوراً مميزاً في توعية الشعور القومي كما أسلفنا، لدى قطاعات واسعة من الجماهير العربية، كما استكملت هذا الدور انعكاسات الثورة العربية الكبرى عام 1916، التي رفعت شعارات، التحرر، والاستقلال القومي، والتي ترافقت مع الحرب العالمية الأولى وظهور (عصبة العمل القومي) التي تأسست عام 1933، في سوريا وكان لها فروع في الأقطار العربية المجاورة، هدفها العمل على استقلال الدول العربية ووحدتها. ثم ظهور (جمعية العروة الوثقى)، وهي جمعية قومية طلابية أُسست في جامعة بيروت الأمريكية عام 1918، ولها فرع أُسس في جامعة دمشق خلال رئاسة الدكتور قسطنطين زريق (1909 – 2000)، خلال الأعوام 2949- 1952، وضمت عدد من الشخصيات اللبنانية والفلسطينية والعراقية، لعل أبرزهم الدكتور جورج حبش مؤسس (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، وكان الطلبة ينشرون الفكر القومي العربي، خاصة بعد نكبة 1948، والتي خرج من رحمها حركة (الفداء العربي)، ثم (حركة القوميين العرب) موضوع بحثنا هذا.
البدايات:
تحكمت ثلاثة عوامل سياسية في تطور الأحداث في المشرق العربي بعد تقسيم فلسطين. وكان أول هذه العوامل المعارضة الشديدة التي ابدتها الجماهير العربية لقيام دولة إسرائيل. وقد عبرت هذه المعارضة عن نفسها بالعداء المتزايد للغرب، ذلك العداء الذي أتخذ، بشكل إجمالي، صورة سلبية غير نشطة، وإن كان قد أفصح عن نفسه بين حين وآخر، بمظاهرات معادية للغرب طافت شوارع المدن الرئيسية. اما العامل الثاني فتمثل في الاضمحلال التدريجي لنفوذ الصفوة الحاكمة التي لم تقم بأي دور فعال حلال الحرب العربية - الإسرائيلية في العام 1948، أما العامل الثالث فكان في نشوء حركة جديدة وواعية تقوم على أساس تصميم الشباب العربي وتحركه لمواجهة التحدي. رغم أن وثائق "حركة القوميين العرب" لا تشير من قريب أو بعيد إلى صلتها بـ "كتائب الفداء العربي" فإنه يمكن اعتبار الكتائب بمثابة الظهور العلني الأول للحركة، إذ ليست "هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل" التي نشطت الحركة خلف واجهتها في الطور التأسيسي سوى امتداد عميق لـ "كتائب الفداء العربي" التي كان مقاومة الصلح مع إسرائيل من أبرز اهدافها، ويفسر ذلك أن الحركة ركزت في طورها التأسيس على مسألة العنف أو "بناء منظمة كفاحية مسلحة تقارع العدو من خلال العنف"، فينتمي شعار "الثأر" الذي تبنته الحركة في إطار منظومتها الرمزية الثلاثية: وحدة ، تحرر، ثأر إلى العقلية القومية الفدائية للكتائب. كما أن كلاً من هاني الهندي وجورج حبش القائدان البارزان في "حركة القوميين العرب" كانا من بين القادة المؤسسين للكتائب. كان القادة المؤسسون" لكتائب الفداء" شباباً قد تشبعوا بأفكار سياسية متطرفة من خلال تجربتهم المرة كمتطوعين يحاربون إلى جنب الجيوش العربية في فلسطين. وكانوا شاهدوا بألم في ميدان القتال التناقض بين قوة إسرائيل وبين ضعف الجيوش العربية المجزأة، ومما زاد في حدة تجربتهم المؤلمة، الهزيمة العسكرية وإجبار الفلسطينيين على النزوح من ديارهم. تشكلت "كتائب الفداء العربي" التي تأسست في بيروت في مارس/آذار 1949. في اجتماع توحيدي انعقد في بيروت من اتحاد ثلاث مجموعات قومية فدائية شابة هي: مجموعة بيروت التي قادها كل من جورج حبش وهاني الهندي، وكانت تضم عدداً من النشطاء القوميين في جمعية "العروة الوثقى"، والمجموعة السورية التي كان محورها جهاد ضاحي طالب الحقوق في الجامعة السورية بدمشق، وكان معظم أعضائها من طلاب الجامعة السورية، والمجموعة المصرية التي قادها الفدائيان المصريان، حسين توفيق ابن وكيل وزارة الدفاع المصرية يومئذ وعبد القادر حفيد أحمد عرابي. كان للدكتور قسطنطين زريق بوصفه مستشار جمعية العروة الوثقى، الدور الأبرز والفعال وارتبط هذ الدور إلى حد بعيد ببروزه كأحد أهم المفكرين القوميين العرب الشباب في أواخر الثلاثينات إذ أصدر زريق عام 1939 كتابه الأول (الوعي القومي) الذي سيغدو مرجعاً من مراجع اجيال عديدة من القوميين العرب. وفي حين تبنت "الكتائب" البرنامج السياسي الذي وضعته مجموعة بيروت مع التأكيد على اهداف الوحدة العربية وتحرير فلسطين، قامت المجموعة المصرية – ذات الخبرة العملية في النشاط السري – بمد المنظمة الجديدة بأدوات ومفاهيم تنظيمية عظيمة الفائدة.
تألفت النواة القيادية المؤسسة لما سيعرف لاحقاً باسم "حركة القوميين العرب"، بعد اندثار "الكتائب" واعتقال العديد من قادتها في سوريا أواخر عام 1950. من ثمانية طلاب قوميين، على أهبة التخرج من الجامعة الأميركية ببيروت، كانوا جميعاً من نشطاء جمعية "العروة الوثقى" وقياديها، ومن مريدي حلقات قسطنطين زريق ونبيه أمين فارس. وكانت هذه النواة مؤلفة من جورج حبش وهو فلسطيني من اللد وابن تاجر متوسط للمواد التموينية، واحمد الخطيب وهو أبن عائلة كويتية متوسطة، ووديع حداد وهو فلسطيني من صفد وأبن مدرس للغة العربية، وهاني الهندي سوري وأبن ضابط كبير عمل في الجيش العراقي سابقاً ثم في الجيش السوري، وصالح شبل وهو فلسطيني من عكا وأبن أحد تجارها المتوسطين، وحامد الجبوري وهو عراقي من الحلة وأبن لأحد شيوخ عشيرة الجبور في الفرات الأوسط، وكان أول ثلاثة يدرسون في كلية الطب البشري في الجامعة الأميركية في حين يدرس الثلاثة الآخرون في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في الجامعة، كان أهم شيء اتفقت عليه مجموعة النواة هو اختيار بناء ما يمكن تسميته بـ (أخوية) قومية سرية، تُكثّف بحد ذاتها مجتمعاً قومياً نخبوياً مصغراً، لا نجد تعبيراً مناسباً أفضل من تعبير "مجتمع المؤمنين". تميزت هذه الأخوية القومية تبعاً لذلك بما يتميز به أي مجتمع مؤمنين أي بالمسلكية الطهرانية، والسمو القومي الروحي، والتزمت الإيماني والانضباط التام، فكانت أدق تفاصيل الحياة الشخصية من زواج أو سفر تحتاج إلى قرار جماعي، وتعبيراً عن ذلك بقي جورج حبش في بيروت عام 1951 رغم تخرجه نزولاً عند قرار النواة، ووصل تزمت الأخوية حداً أنها من هول كارثة فلسطين كادت أن تعتبر الضحك جريمة، اقتربت هذه "الأخوية" كثيراً من شكل أخويات طلاب الوحدتين الألمانية والإيطالية في القرن التاسع عشر، واقتدت بهما ويفسر ذلك أن تكون الأخويات قد حكمت مفهوم النواة النموذج التنظيمي الذي يجب أن تقوم عليه "أخويتها" إذ لم يستهويها النموذج التنظيمي والأيديولوجي لـ "البعث" الذي انتشر نشاطه في ساحة العمل السياسي في سوريا. ورأت فيه تنظيماً ذو اجنحة عديدة تنقصه الصلابة.
كانت النواة القيادية المؤسسة قد تلقت تكوينها الأيديولوجي في الحلقات القومية الأيديولوجية التي كان يعقدها قسطنطين زريق في إطار "الجمعية" أو "النادي الثقافي العربي" وكان زريق على وعي حركي مسبق بضرورة تحويل حلقته القومية الأيديولوجية إلى حلقة سياسية منظمة ودعا بعيد النكبة مباشرة الشباب إلى تشكيل منظمة محكمة لاستئصال الصهيونية تقوم على عقيدة صافية موحدة، وترتبط بولاء صحيح متين، تخضع كافة نزعاتها له وتولد أولئك الأفراد الذين يبنون الدول ويخلقون الأمم ويصنعون التاريخ وتعمل بوصفها الأداة التي توحد الأمة وتصلب عودها، وتبعث روحها و"تصهرها كلها في قالب واحد، وتخرجها أمة موحدة النزعات، متماسكة الأجزاء تقف بوجه الأحداث كتلة واحدة. وتشكل "حركة القوميين العرب" في هذا المنظور استجابة شابة مباشرة لمفهوم الأستاذ – المرشد عن المنظمة المحكمة" وقد اعترفت الحركة طوال طورها القومي التقليدي بسلطة زريق المعنوية، فكان على كل مرشح لعضويتها أن يدرس كتابيه المهمين: (الوعي القومي) الصادر عام 1939 و(معنى النكبة) الصادر عام 1948 جنباً إلى جنب مع كتب ساطع الحصري. بهذا المعنى كان زريق بالنسبة للحركة من الناحية الفعلية رجل دعوة أكثر منه رجل تنظيم وأستاذاً أكثر منه قائداً.
وعلى صعيد آخر كان لعلي ناصر الدين (1892- 1982) أحد مؤسسي "عصبة العمل القومي" علاقة وطيدة بالقوميين العرب، ولعل تأثيره الفردي على التطور السياسي للحركة في مراحلها المبكرة كان أعظم تأثير مورس عليها من الخارج فقد وجد القوميون العرب في ناصر الدين رجلاً ذا نزاهة فكرية عالية وصرامة معنوية حادة. وفي هذا السياق اتصلت النواة التي تُحكم سيطرتها على جمعية "العروة الوثقى" عام 1951 بعلي ناصر الدين إلى القاء محاضرة، أشترط علي ناصر الدين لموضوعها أن يكون "الثأر" فألقى في نيسان محاضرته "الثأر" أو محو العار. وقد وجدت النواة أن علي ناصر الدين يتكلم باسمها، ويعبر عنها فاختارت دون تردد منهجه العاطفي المؤثر منهجاً تاماً لها، باعتباره النموذج القياسي والمثال الكامل الذي ينبغي اتباعه، وهو ما يشكل كل أفكار ناصر الدين في المحاضرة وهي: "أن شيئاً واحداً بعينه، يمحو العار، وليس يمحوه لأي شيء آخر، على الأطلاق هو الثأر". من هنا يمكن القول بدقة متناهية للغاية، أن الحركة استقت "مفهوم الثأر" ومضامينه من علي ناصر الدين، وحين أصدرت أواخر عام 1952 أول نشرة تحريضية لها، فإنها اختارت لها عنوان "الثأر" وجعلت من الثأر الركن الثالث في منظومتها الرمزية الثلاثية: وحدة – تحر- ثأر.
حققت النواة خلال الفترة الفاصلة بين صيف 1951 وأوائل عام 1954 ثلاث نجاحات مهمة نسبياً بالنسبة لها، في لبنان والكويت والأردن، ففي لبنان تمكنت النواة من السيطرة على جمعية العروة الوثقى في بيروت – الجامعة الأميركية – وضمان استمرارها كجمعية قومية في حين أسس أحمد الخطيب الذي عاد إلى بلاده طبيباً عام 1952، مع عدد من الشخصيات القومية في الكويت النادي الثقافي القومي الذي كان واجهة الحركة وسرعان ما حقق نفوذاً باهراً، أما في الأردن فقد تبنت الحركة الدعوة للمقاومة المسلحة عبر تدريب أبناء المخيمات التي جعلتها الحركة على خط المواجهة مع الكيان الصهيوني، في توجه مبكر نحو خيار "الحرب الشعبية"، وفي ذات الوقت كانت الحركة تمارس العمل السياسي السلمي بكافة أشكاله، ومنها الانتخابات، حيث شاركت في الانتخابات البرلمانية عام 1955 من خلال ترشح عضوها "أحمد طوالبة". وكان الدكتور جورج حبش قد فتح حال عودته في أوائل عام 1952 عيادة شعبية في شارع الملك طلال في عمان تقدم الخدمات الطبية بشكل شبه مجاني لأبناء المخيمات، ثم لحق به الدكتور وديع حداد إثر تخرجه حوالي منتصف العام وأنظم إلى عيادة حبش. نشط الطبيبان الشابان بشكل علني ضمن إطار "النادي العربي" في عمان حتى نهاية 1954 وسرعان ما تمكنا من وضع موطئ قدم في المخيمات من خلال تشكيل "هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل" ثم إصدار نشرة "الثأر" التحريضية باسمها، ثم أطر الطبيبين الشابين تلك الخلايا في إطار تنظيم فدائي حمل أسم "أبطال العودة" ومثل ذراعاً فدائياً لهم. وتشكيل فرع حركة القوميين العرب عام 1953 وكان أهم عمل للفرع الجديد هو إصدار مجلة "الرأي" التي تم ترخيصها باسم الدكتور أحمد الطوالبة وهو أردني أصبح من أبرز كوادر الحركة ومرشحها في الانتخابات، لعبت مجلة الرأي دوراً أساسياً في التعبير عن تطور الحركة في طورها الأول، وكانت هذه المجلة توزع مجاناً في الضفة الغربية، وشنت حملة قاسية ضد حلف بغداد ودعاة الأحلاف والنفوذ البريطاني في الأردن ولطرد غلوب باشا(2) وإلغاء المعاهدة مما دفع السلطات الأردنية إلى إيقافها عن الصدور في آب 1955 بعد ثمانية شهور فقط من صدورها، ولكنها صدرت مرة ثانية في دمشق بعد ثلاثة شهور تحت الاسم ذاته، حيث دعت إلى أسقاط الحكم الرجعي في الأردن وتولى هاني الهندي عضو النواة المؤسسة للحركة رئاسة تحريرها بعد مؤتمر عمان عام 1954 بقليل الذي تقرر فيه تأسيس فروع للحركة في الأقطار العربية، وتشكلت لجنة من الدكتور جورج حبش وحمد الفرحان ومن عضوين آخرين، وقد صممت هذه اللجنة مبادئ الحركة وبنيتها الهرمية.
ثم على هذه الشاكلة نقل الفكرة إلى عمل وتشكيل الحركة كتنظيم قومي مركزي، فترك حامد الجبوري (عراقي) وصالح شبل (فلسطيني)عمان حيث كانا يساعدان جورج حبش على بدء الحركة في الأردن، وأسسا بشكل جنيني فرعاً عراقياً للحركة في عام 1955 في حين عاد نشطاء الحركة في جمعية "العروة الوثقى" وبدأوا بمحاولة استيعاب "منظمة الشباب القومي العربي" في كلية المقاصد البيروتية التي كان يرأسها محمد كشلي، أما أحمد الخطيب في الكويت فقد قام بتأسيس فرعاً صلباً سيلعب دوراً استراتيجياً في الحياة السياسية في الكويت خصوصاً وفي الخليج العربي والجزيرة العربية عموماً، بينما عاد هاني الهندي إلى دمشق وتولى تحرير "الرأي" التي أخذت تصدر منها بعد غلقها من قبل السلطة في عمان، والعمل خلف واجهة "النادي العربي"، واخذ نشطاء التنظيم الجديد يعرفون في الأوساط المحيطة بهم بـ "الشباب القومي العربي" أو بـ"القوميين العرب". وفي اليمن التي كانت تخوض حرباً طويلة للاستقلال، كان قياديو فرع الحركة آنذاك شباباً من الشمال والجنوب، وكان من أبرزهم فيصل عبد اللطيف ويحيى الأرياني وسلطان العبسي وعبد العزيز الدالي وقحطان الشعبي وعلى السلامة وعلي سالم البيض. وبالمجمل كانت سنوات 1953 – 1958 في تاريخ "حركة القوميين العرب" فترة انطلاق اتسعت خلالها دفعة نشاطات "الحركة"، فشملت كلاً من عمان ودمشق والكويت وبغداد والقاهرة، كما شهدت السنوات تحول ثورة 23 يوليو/ تموز من ثورة تحرير مصرية وطنية ذات أهداف اجتماعية محدودة إلى ثورة ذات نظرة وأفق واسعين فقد اكدت ثورة تموز/ يوليو في تلك الفترة عروبتها وثوريتها من خلال كفاحها من اجل تحرير ووحدة كافة الأقطار العربية.
المؤتمر التأسيسي الأول:
طوال السنوات التي تلت، وجد القوميون العرب أنفسهم، سواء بالتخطيط أو بمحض الصدفة، يخوضون المعارك نفسها التي كانت تخوضها الثورة المصرية بقيادة ناصر. وبعد أسابيع قليلة من فشل العدوان الثلاثي على مصر، عام 1956 وما رافقه من صعود لنجم جمال عبد الناصر كزعيم لحركة التحرر والوحدة العربيتين، كرست الحركة التزامها بالتوجهات الجماهيرية التحررية التي ستحمل أسم "الناصرية" نسبة إلى جمال عبد الناصر فبادرت النواة إلى عقد المؤتمر الأول للحركة في 25 كانون الأول 1956 ببيروت التي كانت آنذاك للكثير من الشباب العربي بوابة التفكير الحر وتطوير الشخصية، كما كانت الجامعات العربية عامة (على قلتها في ذلك الوقت) الخارجة للتو من تحت براثن الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي والإسباني، وهي الاستعماريات التي نُكبت بها الأمة العربية لأزمان متفاوتة، وفي احضان بيروت نشأت "حركة القوميين العرب". وكان هذا المؤتمر في حقيقته اجتماعاً قيادياً مصغراً، غير ان الحركة تعتبره بمثابة مؤتمرها الأول. والذي رسخ توجه الحركة نحو الناصرية، وبعد قيام الوحدة بين بين سوريا ومصر عام 1958 أيد الحركيون (التسمية التي اشتهر بها المنتسبون لحركة القوميين العرب) الوحدة وتمسكّوا بها ونظروا لها كمقدمة لقيام الجمهورية العربية المتحدة التي تشمل سائر أقطار الوطن العربي، وبذلك أصبحت الحركة تتجه نحو التماهي مع الناصرية.
أقر المؤتمر لأول مرة حمل أسم تنظيمي محدد يميز الحركة سياسياً كحزب مستقل عن الأحزاب القومية الأخرى، وأصدرت "اللجنة التنفيذية القومية" المنبثقة عن هذا المؤتمر بيانها كقيادة قومية جماعية للحركة وتألفت من أحد عشر عضواً هم : جورج حبش (فلسطيني)، وديع حداد (فلسطيني)، صالح شبل (فلسطيني)، حامد الجبوري (عراقي)، هاني الهندي (سوري)، أحمد الخطيب (كويتي)، الحكم دروزة (فلسطيني)، مصطفى بيضون (لبناني)، ثابت المهايني (سوري)، محسن ابراهيم (لبناني)، عمر فاضل (أبن مغترب عربي في الكاميرون)، ويشير الدكتور جورج حبش إلى أن اسم "حركة القوميين العرب" قد تم إقراره في المؤتمر الأول هذا وحُمل هذا الاسم في عموم التنظيم القومي. كانت "حركة القوميين العرب" من وجهة نظر مؤسسيها وأنصارها على امتداد الوطن العربي، فعل مقاومة للمخطط الصهيوني ضمن آمال عريضة، وبالدعوة للوحدة العربية كحل في مواجهة المستعمر عامة، وفي مواجهة الأنظمة المتعاونة معه، وضد الصهيوني وخطره الدائم على قلب الأمة في فلسطين، "وهي كانت بحق فكرة ثورية وتطهيرية جاءت في اوانها وإن ارتبطت بمسيرة الوعي القومي العالمي في منطقتنا منذ أواخر العهد العثماني".
كان الفكر التنظيمي للحركة من الناحية الإجرائية أو العملية هو فكر قيادتها المؤسسة، من هنا كان الفكر محكوماً بمفهوم القيادة للحارس القومي الحديدي، الذي يفنى في الأمة، كما يفنى الصوفي في الله ويفسر ذلك أنها لم تُعن بالكمية حسب تعبيرها بل بالنوعية، فحاولت ان تبني في أطارها المخصوص مجتمعاً مكثفاً قائماً بحد ذاته، لا نجد وصفاَ ادق له من وصف "مجتمع المؤمنين" أو "الأخوية العقائدية". وفي هذا المنظور رأى بعض القوميين أن حركتهم كانت تعلم الأخلاق، كدرس ثابت من دروسها. هدفت الحركة إذن لتشكيل نخبة مثقفة ذات وعي قومي، على المستوى السياسي يتبنى العداء للإمبريالية الأمريكية ويعتبر إسرائيل رأس الحربة لها، واشتراكي على المستوى الاقتصادي، وكان من المأمول أن تلعب هذه النخبة دور الطليعة في حركة التحرر والوحدة العربية.
وإذا كان القوميون قد وجدوا لاحقاً في الغيفارية (تشي غيفارا) تعبيراً يميز مسلكهم فأنهم في رقابتهم الأخلاقية الصارمة لسلوك العضو كانوا متأثرين بتقليد "عصبة العمل القومي" في الثلاثينات وكان "على القومي العربي أو الحركي أن يتصرف كشمس صغيرة، أن يضيء ويدفئ ويجر في مجراه طوقاً من الكواكب التابعة، جيرانه ورفاق عمله". ولما كانت القيادة المؤسسة محكومة بهاجس تجربة تنظيمية تتخطى عيوب البعث وتعدد أجنحته فأنه هالها ما في بعث الخمسينات من تيارات، من هنا ركزت على مبدأ نفذ ثم ناقش إذ من حق الحركة أن تصدر في بعض الأوقات تعليمات إلى أعضائها تطلب منهم تنفيذها دون مناقشة ومهما كانت آراؤهم في تلك التعليمات، وحق العضو بالنقاش بعد التنفيذ، وتضيف وثيقة المبادئ التنظيمية بـ "أننا دون هذا السلاح قد نتحول إلى حركة تجيد الجدل والنقاش ولكنها لا تجيد التنفيذ". بهذا المعنى قامت الحركة على نظام الطاعة، وهو ما عبرت عنه نظريتها التنظيمية التي حملت أسم "المركزية المرنة". وبينت الحركة أن المركزية المرنة أقرب بطبيعة الحال إلى المركزية يحكمها نظاما السرية والطاعة.
الهرم التنظيمي للحركة:
كانت حركة القوميين العرب هرماً تنظيمياً تراتبياً، تحكمه العلاقات العمودية، وتخضع فيه القيادات أو المراتب الدنيا إلى القيادات أو المراتب العليا، وفق مبدأي "لا تيارات ولا أجنحة" و "نفذ ثم ناقش" وفي مثل هذه البنية الهرمية التي تحكمها مركزية شديدة للغاية، لا يمكن للقيادات الدنيا أن تحاسب القيادات العليا، باستثناء المؤتمر. وبموجب تلك البنية الهرمية التي تقوم على المركزية الإدارية التنفيذية عُزل الأعضاء عمودياً وأفقياً عن أية علاقات او معلومات لا تعتبرها الحركة ضرورية للمرتبة التي هم فيها، فكان الهرم التنظيمي يتدرج كالتالي:
1 – الخلية: وهي الوحدة الأساسية في الحركة إذ أنها صلة الوصل ما بينها وبين الجماهير، وتتألف كل خلية من ثلاثة إلى سبعة أعضاء وفق تنظيم جغرافي (خلايا الأحياء) أو مهني (خلايا العمل)، وتجتمع كل خلية أسبوعياً، وتناقش جدول اعمال مقرر يتضمن البريد الوارد الخطي أو الشفهي من المراتب العليا، وجوانب سياسية وفكرية وتنظيمية، ومالية، وما تم انجازه من عمل خلال الأسبوع المنصرم وخطة عمل الأسبوع القادم، إضافة إلى بندي ما يستجد عرضه من أمور المتفرقات والنقد الذاتي. كان عضو الخلية يقود حلقات الأنصار أو الأصدقاء، ويخضع هؤلاء الأصدقاء لدراسة تشمل مختلف الجوانب قبل الترشيح للعضوية ويتم اشراك العضو المرشح في مجالات معينة وتكليفه ببعض المهام مع مراقبته دون اطلاعه عل أي سر من اسرار الحركة. والواقع أن عضو الخلية كان يتعلم آليات الاتصال مع الجماهير لغرض كسب من يقع عليه الاختيار لضمه إلى الحركة، وكيفية استغلال مهرجان معين أو تجمع جماهيري، وكيفية تنظيم الأعضاء المرشحين وفق نشرات داخلية وتوضيحية يتم مناقشتها في الخلايا بشكل منتظم، ويعد بذلك كي يكون إدارياً حزبياً من نوع خاص في مجال مرتبته.
2 – الرابطة: وتتكون من ثلاثة إلى سبعة أعضاء تعينهم الشعبة، وقد تكون رابطة جغرافية (في حي أو قرية، أو عدة أحياء أو قرى أو ناحية) أو مهنية (في مؤسسة أو شركة أو معمل أو عدة شركات) وتنفذ خطط الحركة في مجال عمل مرتبتها، وتقود عمل الخلايا، إذ كان كل قائد خلية عضواً في الرابطة.
3 – الشعبة: تتألف الشعبة كما هو الحال بالنسبة للروابط والخلايا من ثلاثة إلى سبعة أعضاء تعينهم "قيادة الإقليم" ويشرف أعضاء الشعبة على الروابط ويكونون مسؤولين عن قبول الأعضاء الجدد في الحركة، وقد اعتمدت الحركة في بعض الأقطار على سياسة تنظيم وجوه بارزة في المحافظة أو المدينة ووضعها في الصدارة أي في موقع الشعبة، غير أنه لم يكن ضرورياً أن تكون هذه الوجوه رغم وضيفتها الرسمية على دراية تامة بتفاصيل العمل، فكان هناك أحياناً أشبه ما يكون بجهاز خاص في كل شعبة.
4 – قيادة الإقليم: وتضطلع بوظائف قيادة الإقليم أو القطر، ويتم تعينها من قبل اللجنة التنفيذية القومية، وقد نصت بعض التعديلات التنظيمية اللاحقة على أن يكون مسؤول الإقليم معيناً من قبل المؤتمر الإقليمي في حين تُعين اللجنة التنفيذية القومية الأعضاء الآخرين.
5 - لجنة الإدارة: وتعتبر بمثابة مكتب سياسي منبثق عن اللجنة التنفيذية القومية، تضم المتفرغين الذين يقـودون العمل في عموم التنظيم القومي، وينفذون قرارات "اللجنة التنفيذية".
6 - اللجنة التنفيذية القومية: وهي بمثابة قيادة قومية لـ "الحركة" تميزت بهيمنة رباعي: الدكتور جورج حـبش والـدكتور وديع حداد والدكتور أحمد الخطيب وهاني الهندي عليهـا، الـذين مثّلـوا القيـادة المؤسـسة للحركة، وقد ظلت هذه القيادة مسيطرة على "الحركة" حتى مؤتمر عام 1963، ومنذ أواخر الخمسينات، قسمت "اللجنة التنفيذية" أعمالها بين ثلاث لجان:
أ- المكتب السياسي: وهو (لجنة الإدارة سابقاً).
ب -اللجنة الفكرية: ويترأسها – محسن إبراهيم- أحد أعضاء المؤتمر القومي، وتتـشكل مـن
أعضاء "الحركة" وأصدقائها.
ت -اللجنة المالية: وتتكون من الأعضاء الذين تعينهم "اللجنة التنفيذية" ويترأسها عضو مـؤتمر
قومي.
7 - المؤتمر القومي:
اعتبر المؤتمر القومي أعلى سلطة في "الحركة وكان يجتمع دورياً مرة في السنة، ويدعى
أحياناً إلى اجتماعات استثنائية، وكان يحدد أهداف الحركة المرحلية، ويرسم خطتها العامـة،
ويدرس برامج قيادات الأقاليم، و"ينتخب" محكمة "الحركة" و"اللجنة التنفيذية".
الأدوار الفكرية لحركة القوميين العرب:
كان البرنامج الفكري يركّز على المسألة القومية ووحدة الأمة العربية، لخلق عناصر لديها ولاء قومي لا قطري، معتمداً في ذلك على كتابات ساطع الحصري وقسطنطين زريق وقيادات الحركة من طراز الحكم دروزة ومحسن إبراهيم وهاني الهندي بالإضافة الى القضية الفلسطينية. يمكن القول في منظور التطور الفكري (الأيديولوجي) لـ: "حركة القوميين العرب"، من ظهورها الجنينـي في آذار ١٩٤٩ تحت اسم "كتائب الفداء العربي" إلى إعلان "تصفيتها شـكلاً ومحتـوى" فـي شـباط،١٩٦٩ أن الخطاب النظري الحركي، قد مر بثلاثة أطوار فكرية متميزة، هي الأطـوار القوميـة التقليدية، والاشتراكية العربية، والماركسية. كانت الحركة في كل طور من هذه الأطوار، تنفي ذاتها الفكرية القديمة، وتُعيد تأسيـسها في فضاء اجتماعي – فكري مغاير لا يبقى فيه من الذات القديمة سـوى أطيافهـا، فكـان الطـور الاشتراكي العربي نفياً للطور القومي التقليدي بقدر ما كان الطور الماركسي نفياً للنفي، إذا كان الطور القومي التقليدي قد ميز الحركة حين كانت "أخوية" قوميـة نخبويـة، سـرية ومنعزلة، محدودة الحجم تنظيماً ومتواضعة الحضور سياسياً، وينحدر معظـم كوادرهـا مـن أبنـاء الوجهاء وكبار الملاك والتجار المدنيين، وبسبب ظروف نشأتها، ربطت كل مفاهيمها الفكرية ومنطلقاتها الأيديولوجية بالعمل من أجل فلسطين "التي لا يتم تحريرها إلا بالوحدة العربية"، مما أدى إلى "غياب المضامين الاجتماعية والسياسية لفكرة الوحدة"، ومن ثم كانت محصلة ذلك أن الحركة لم تر في الوحدة العربية إلا وجهها المعبر عن القوة اللازمة للثأر والقضاء على إسرائيل. اما الطور الثاني فقد كان الطور الاشتراكي العربي، قد ميز الحركة فكرياً فـي طور انهيار شكلها "الأخوي" المغلق وانحلال روحها القومية التقليدية، وإعادة تأسيسها إثر الانفـصال المصري السوري (١٩٦١) في فضاء المجرى الناصري كمنظمة اشتراكية عربية طليعية للفئـات الوسـطى، وقد بدأت مجلة «الحرية» تطرح التساؤلات الكبيرة بعد الانفصال (سبتمبر / أيلول ١٩٦١)، وكانت مقالات محسن ابراهيم في الديمقراطية والتنظيم الثوري، بالإضافة الى مقالات محمد كشلي تثير المزيد من العواصف وسط قيادات وقواعد أعضاء الحركة في الجامعة الأميركية وفي هذا الطور ونتيجة للقصور الفكري الذي أدى إلى تباين الأهداف، وغياب الرؤية المشتركة بين أجنحة الحركة، ومن ثم عجل بحدوث انقسامات داخلها قبل أن تكمل عامها التاسع. ففي الوقت الذي بدأت تكتسحها الأفكار الماركسية خلال الفترة بين عامي 1960 و1966، ظلت القواعد الشعبية للحركة على تمسكها بالنهج الناصري الذي ارتضته قيادتها في عام 1958، فحدث أول تناقض جدي داخل الفريق المركزي للحركة إثر مؤتمرها في مارس/ آذار 1963 والذي شهد صراعاً حاداً بين الأطروحتين القومية والماركسية. ففي مؤتمر الحركة عام 1963، طرح محسن إبراهيم نظريته، لتبدأ بوادر الانقسام بين تيارين متمايزين: تيار يساري بقيادة محسن إبراهيم، ومحمد كشلي، وآخر يميني بقيادة هاني الهندي، وأحمد الخطيب. وتبلور الانقسام مع مؤتمرات الأعوام 1963 و1964 و1965. بينما عبر الطور الماركسي إثر نكسة حزيران ١٩٦٧ عن إعادة تأسيس الكتل الناصـرية اليـسارية في الحركة لوعيها، في السياق العالمي للماركسية. كان للحركة في كل طور من هذه الأطوار هدف وقضية مركزية هي التـي تحـدد سائر المستويات الأخرى، فكانت الأمة هي هدف وقضية الطور القومي التقليدي، في حين كان الـشعب العامل هو هدف وقضية الطور الاشتراكي العربي، بينما أصبحت "البروليتاريا" العربيـة هدف وقضية الطور الماركسي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – الطورانية أو البانطورانية: هي حركة سياسية قومية ظهرت بين الأتراك العثمانيين أواخر القرن التاسع عشر ميلادي، هدفت إلى توحيد أبناء العرق التركي الذين ينتمون إلى لغة واحدة وثقافة واحدة، أخذت الحركة أسمها من طوران وهي المنطقة الممتدة ما بين هضبة إيران وبحر قزوين مهد القبائل والشعوب التركية.
2 – غلوب باشا: السير جون باغوت غلوب المعروف باسم غلوب باشا ولقبه أبو حنيك، ضابط بريطاني عرف بقيادة الجيش العربي الأردني بين العامين 1939 – 1956.
4799 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع