قصة قصيرة / مجزرة بشعة هزت اسبانيا - الجزء الثاني

بقلم أحمد فخري

قصة قصيرة/مجزرة بشعة هزت اسبانيا- الجزء الثاني 

 من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط

https://algardenia.com/maqalat/60155-2023-09-07-11-21-44.html

بعد معاناة رحلة طويلة دامت 16 ساعة حطت الطائرة بمطار نينيو اكينو في مانيلا عاصمة الفلبين وعلى متنها المحققين انس وتريزا. خرجا من قاعة المطار وركبا سيارة اجرة متجهين الى عين الفندق الذي نزلت فيه المشتبه فيها كرستينا وهو (فندق مانيلا برنس). وصل المحققان غرفة الفندق وهما منهكين للغاية فتوجها الى السرير مباشرة ليرقدا لاكثر من 9 ساعات. وباليوم التالي تناولا إفطارهما في مطعم الفندق الفخم ذو المائدة المفتوحة والشلالات المائية المبهرة. واثناء تناولهما الطعام سألته:

تريزا : من اين تريد البدأ بمهمتنا اليوم؟

انس : بدايةً سنتجه الى الشرطة المركزية الفلبينية بمنطقة كيوزون كي نتأكد من تسلمهم التبليغ من شرطتنا الاسبانية المركزية بخصوص قدومنا الى هنا وامكانية تسهيل مهمتنا في اجراء التحقيق. بعدها سنقوم بالتخطيط للمزيد من الخطوات من هناك.

تريزا : حسناً.

انس : وخّا.

تريزا : ماذا قلت؟

انس : قلت لك وخّا، وتعني حسناً باللهجة المغربية.

تريزا : وخّا، هل لديك العنوان؟

انس : نعم، انه بالملف هذا. والشخص المسؤول هناك هو العميد برايان اكينو.

تريزا : هل قلت اكينو؟ اعتقد انني سمعت بهذا الاسم من قبل، ربما هناك سياسي فلبيني يدعى اكينو.

انس : اجل انت على حق، كانت رئيسة جمهورية الفلبين سابقاً تدعى كورازون اكينو وقد توفيت عام 2009. انه تشابه الالقاب لا غير.

ركب المحققان سيارة اجرة وطلبا من السائق نقلهما الى مقر الشرطة المركزية. سأل السائق عن العنوان فقال انس بانها بمنطقة كيوزون. وبعد مرور ساعة كاملة من المضي بزحمة السير الخانقة وصلا مبنى الشرطة المركزية فدخلاه وسألا عن العميد برايان اكينو.

قادهما عون الشرطة الى مكتب العميد فطرقا الباب ليدخلا. قدّم انس نفسه ووميلته المحققة تريزا فمد لهم العميد يده قائلاً،

العميد برايان اكينو: مرحباً بكما بالفلبين، كنت في انتظاركم. أمل ان تكون رحلتكم مريحة؟

تريزا : كانت رحلة متعبة للغاية لاننا اضطررنا الى تغيير الطائرة بمطار بانكوك ومكثنا هناك 3 ساعات.

انس : سيادة العميد، نحن سعداء بزيارة بلدكم الفلبين للمرة الاولى.

العميد برايان اكينو: والفلبين ترحب بكم بحرارة. كيف استطيع تقديم الخدمة لتسهيل مهمتكم؟

تريزا : نتمنى ان تخولونا اجراء التحقيقات بشكل رسمي. فنحن جئنا نبحث عن تحركات المشتبه بها اثر اقامتها لسنة كاملة في الفلبين.

انس : وكذلك نريدك ان تسمح لنا بحمل السلاح بالنظر لخطورة المهمة.

العميد برايان اكينو: سوف ازودكم بتصريح رسمي يخولكم استجواب المواطنين الفلبينيين وغير الفلبينيين ولكن يتعذر عليّ منحكم تصريح بحمل السلاح. ما استطيع فعله هو ان يصاحبكم ضابط شرطة فلبيني مسلح اينما ذهبتم وسوف يتمكن من التدخل بالسلاح إن لزم الامر. سوف يساعدكم ايضاً بالترجمة الى الانگليزية وقت اللزوم.

تريزا : هذا لطف منك حضرة العميد.

انس : ومتى نستطيع مباشرة عملنا؟

العميد برايان اكينو: لحظة واحدة لو سمحتم ساستدعي المحقق الى هنا.

رفع سماعة الهاتف من على منضدته وتكلم فيه بلغة التگالوك ثم ارجع السماعة وقال،

العميد برايان اكينو: لقد ناديت المحقق ريتشارد كي تتعرفوا عليه.

تريزا : هل هو الشرطي المسلح الذي سيصاحبنا اينما ذهبنا؟

العميد برايان اكينو: اجل انه هو بعينه. وهو بنفس الوقت محقق موهوب.

ما هي الا دقائق ودخل عليهم شاب يبدو وكأنه مراهق لكنه يحمل الملامح الاسيوية مرتدياً اللباس المدني. ادى التحية الرسمية لرئيسه ثم التفت اليهما وقال بالانگليزية،

ريتشارد : انا المحقق ريتشارد، سالازمكم في تنقلاتكم الاستكشافية للتحقيق بقضية المجني عليه ماكس كوردوبا.

تريزا : احييك يا محقق ريتشارد.

انس : تشرفت بلقائك يا محقق ريتشارد.

العميد برايان اكينو: ريتشارد سيمنحكم كل المعلومات التي تحتاجونها وسوف يلازمكم اينما ذهبتم كي يسهل عليكم المهمة.

تريزا : شكراً لك سيادة العميد دعنا لا نضيع المزيد من وقتك الثمين، هيا بنا نبدأ المهمة.

العميد برايان اكينو: اتمنى لكم التوفيق.

خرج الثلاثة من مكتب العميد وسارا باتجاه بوابة قيادة شرطة الفلبين وكانوا على وشك ان يوقفوا سيارة اجرة الا ان مرافقهم اعترض وقال،

ريتشارد : لدي سيارة مخصصة للمهمة، بامكانكم ان تتبعوني الى مراب السيارات.

مشى انس وتريزا خلفه حتى وصلوا الى سيارة صغيرة من نوع تويوتا يارس فركبت تريزا في الامام الى جانب ريتشارد بينما جلس انس بوسط المقعد الخلفي لتبدأ الرحلة. وفي الطريق سأل المحقق،

ريتشارد : من اين سنبدأ رحلتنا؟

انس : حسب بياناتنا فإن المشتبه بها الانسة كرستينا كانت تسكن بنفس الفندق الذي نقيم به نحن الآن لذلك نريد ان نبدأ من هناك.

تريزا : سنقوم بطرح بعض الاسئلة على الادارة الفندق والعاملين فيه.

ريتشارد : حسناً، ساذهب الى شارع القديس مارسيلينو.

قاد المحقق سيارته وسط الزحام الخانق لاكثر من ساعة حتى وصل الى مراب السيارات خلف الفندق. ترجل المحققين الثلاثة منها وتوجهوا نحو المدخل الزجاجي الرئيسي فرحب بهم بواب الفندق وفتح لهم الباب ليدخلوه ويتوجهوا الى الاستعلامات. سأل المحقق ريشارد احدى الموظفات هناك قال،

ريتشارد : نريد التحدث الى المدير لو سمحت.

موظفة الاستعلامات : ساستدعي السيد فرناندو على الفور.

بعد انتظار بسيط جائهم رجل بدين البنية بملامح اسيوية يرتدي بدلة رسمية سوداء. مد يده ليصافحهم ثم قال،

المدير فرناندو : انا مدير الفندق هنا، بلغني انكم تريدون التحدث الي.

ريتشارد : اجل، لدينا زوار من شرطة اسبانيا وبنفس الوقت هم نزلاء لديكم بالفندق يريدون التحدث اليك والى بعض العاملين بالفندق بصفة رسمية.

المدير فرناندو : بكل سرور.

انس : سيد فرناندو، هل تتذكر سيدة تدعى كرستينا كوردوبا من اسبانيا؟

المدير فرناندو : اجل اتذكرها جيداً، لقد سكنت عندنا فترة طويلة. اعتقد انها بقيت 12 او 13 شهراً. منحناها سعراً خاصاً لانها مكثت فترة طويلة.

تريزا : هل سبق لك والتقيتها؟

المدير فرناندو : اجل التقيتها اكثر من مرة. انها انسانة مهذبة ولطيفة جداً. تحيي جميع من يصادفها من النزلاء والعاملين بالفندق.

ريتشارد : هل سبق لها ان تشاجرت مع احد؟

المدير فرناندو : مرة واحدة فقط. ولكن لم يكن شجاراً بالمعنى الصحيح، بل كان اعتراضاً على طريقة عمل الفندق. القصة وما فيها ان على جميع نزلاء الفندق اعادة تفعيل مفاتيح غرفهم الالكترونية صباح كل يوم. لذلك جائت باحد الايام وكانت غاضبة لانها لم تتمكن من الدخول الى غرفتها. لكنني تدخلت بنفسي وقتها واخبرتها بانها ستمنح مفتاحاً الكترونياً لا يحتاج الى التفعيل طوال فترة بقائها بالفندق. فشكرتني ولم تتكرر معها تلك المشكلة. بعد ذلك لم نسمع منها اي صوت سوى التحية الصباحية والمسائية.

انس : وماذا عن الزوار؟ اقصد، هل كان يزورها احد؟

تريزا : وهل سبق لها ان باتت خارج الفندق؟

المدير فرناندو : لا هذا ولا ذاك. حسب معلوماتي لم يكن لديها اي علاقات مما يدفعها لاستضافة اي شخص هنا بالفندق. ولا اذكر ان منظفي الغرف بلّغوا عن مبيتها خارج غرفتها.

ريتشارد : هل كانت كريمة لتمنح مكافئات للعاملين بالفندق؟

المدير فرناندو : اجل، اخبرني بعضهم انها كانت تغدق عليهم بالنقود والهدايا بسخاء.

تريزا : هل كانت تتناول افطارها بمطعم الفندق كل يوم؟

المدير فرناندو : اجل، كل يوم دون انقطاع.

انس : هل بامكاننا مشاهدة غرفتها الآن؟

المدير فرناندو : انا آسف جداً، غرفتها غير متاحة الآن لانها سُكِنَتْ من قبل زوجان صينيان ومعهما طفلة. بكل الاحوال فالحجرة تخضع لعملية تنظيف كاملة وشاملة بعد مغادرة اي نزيل ولا يُتْرَك بعدها اي آثر او دليل قد يفيدكم بابحاثكم.

تريزا : شكراً لك سيد فرناندو لقد ساعدتنا كثيراً.

خرج المحققون من الفندق فاقترح ريتشارد ان يذهبوا الى المقاهي والمتاجر والمطاعم المتاخمة للفندق كي يسألوهم عنها. فدخلوا مقهى ومطعم يبعد مسافة دقيقة واحدة عن باب الفندق الرئيسي يدعى سكووپ. هذه المنشأة تديرها ثلاث سيدات يعملن هناك لفترات طويلة. عرض عليهن المحقق انس صورة كرستينا من هاتفه النقال فتعرفن عليها واخبرنه ان تلك السيدة كانت تتناول الكثير من وجباتها بمطعمهم وكانت تغدق عليهم بالاكراميات. اقترحت تريزا على المحققان ان يجلسا قليلاً بنفس المطعم ليتناولا القهوة فوافقا. جلست على كرسيها وفتحت الحديث إذ قالت،

تريزا : يبدو ان صفحتها بيضاء ولم نجد عليها اي ادلة تفيدنا بتحقيقنا حتى هذه النقطة. ما رأيك يا انس؟

انس : ربما علينا ان ننظر في بحثنا من زوايا مختلفة.

نظر الى المرافق ريتشارد وسأله،

انس : كنت اريد ان اسألك يا محقق، من خلال عملك بسلك الشرطة هنا، هل سبق لك وسمعت بنادي اسمه (نادي كالي)؟

مباشرة بانت على وجه ريتشارد علامة امتعاض وضجر فلوى شفتيه وقال،

ريتشارد : بالحقيقة لم اسمع بذلك النادي ولكن...

تريزا : ولكن ماذا؟

ريتشارد : الكالي هو فن قتال الشوارع بالفلبين. يتدرب عليه افراد يريدون ان يقوموا باعمال اجرامية او افراد عصابات او اناس يهدفون لان يقدموا عروضاً فنية. ولكن كيف سمعتم بهذا الفن؟

تريزا : ورد ذكره في قائمة مصاريف للمشتبه بها كرستينا. فقد كانت تدفع مبلغ 82 يورو شهرياً لهذا النادي.

ريتشارد : وكم تساوي 82 يورو بعملتنا؟

انس : حوالي 5000 پيسوس.

ريتشارد : انه مبلغ معتاد لمثل تلك النوادي.

انس : هل بامكاننا ان نعثر على ذلك النادي؟

تريزا : وهل هناك معلومات نستطيع الاستدلال بها عن تلك الرياضة؟

ريتشارد : امنحوني بعض الوقت لو سمحتم.

اخرج ريتشارد هاتفه النقال وصار يكبس على ازراره ثم اجرى مكالمة هاتفية مع رئيسه. بعدها نظر اليهم وقال،

ريتشارد : لقد حصلت من مديري على عنوان النادي الذي سألتوني عنه. كذلك ارسلت لكما رابطاً على هواتفكم النقالة يشرح لكم عن فن قتال الكالي كي تأخذون فكرة عامة عنه.

فتح انس وتريزا هاتفيهما وصارا يتابعان المقطع الذي ارسله المحقق ريشارد.

https://www.youtube.com/watch?v=rETvArj4QLY&t=160s

بعد ان اكملا متابعته نظرا الى بعضهما البعض وصرخا سوية "يا الهـــــــــي". بقيا هادئين لبعض الوقت ثم نطق انس وكأنه يحدث نفسه قال،

انس : خنجران يحدثان خدوش وطعنات.

تريزا : الطعنات والخدوش باعداد زوجية وبزوايا مختلفة تتطابق مع تقرير الطبيب الشرعي الذي اجرى التشريح في اسبانيا.

ريتشارد : حسب العنوان المرسل الي من مديري، فالنادي ليس بعيداً عن هنا. انه بمحاذاة مجمع تجاري يدعى مركز روبنسون للتسوق.

انس : روبنسون؟ اجل، اجل، انه مذكور في قائمة مشتريات كرستينا وهذا يدل على انها كانت تتسوق منه على الدوام.

تريزا : هل بامكاننا السير الى هناك إذاً؟

ريتشارد : انه يبعد حوالي كيلومتر واحد فقط. ولم لا؟

انس : إذاً دعنا نترك السيارة بالمراب ونذهب اليه مشياً على الاقدام.

سار انس وتريزا مع ريتشارد في شوارع مانيلا المكتظة بالعربات بكل الاحجام يتصدرها الـ (توك توك) الشهير الذي يملأ الاجواء ضجيجاً ويزيدها تلوثاً. ولما وصلا المجمع روبنسون قال،

ريتشارد : يقع نادي كالي خلف بناية المجمع، سندور من الشوارع الفرعية لنصل اليه.

دخل الثلاثة باباً زجاجياً كتب فوقه (نادي كالي الرياضي). فاستقبلهم رجل مسن قصير القامة بابتسامة عريضة قال،

الرجل : تفضلوا، كيف استطيع خدمتكم؟

هنا تكلم معه ريتشارد بلغة التگالوك فاومأ له الرجل برأسه واقتادهم الى مكتب مديرة النادي. وضح ريتشارد لرفيقيه،

ريتشارد : سيأخذنا الى مكتب مديرة النادي الآن.

دخل المحققون الثلاثة فرحبت بهم سيدة نحيفة بعقدها الخامس وطلبت منهم الجلوس امام مكتبها لتعرف نفسها،

المديرة : انا اسمي ديگنا مديرة وصاحبة هذا النادي. كيف استطيع خدمتكم؟

ريتشارد : هؤلاء زوار محققون من اسبانيا ولديهم بعض الاستفسارات عن سيدة اسبانية لديهم سبب ليعتقدوا بانها كانت تتدرب لديكم اسمها كرستينا كوردوبا.

ديگنا : اجل اعرف كرستينا عز المعرفة. تدربت لدينا بما يقرب من عام كامل ثم رجعت الى بلادها.

تحدثت تريزا بالانگليزية وقالت،

تريزا : لماذا تدربون الناس على مثل هذا النوع من القتال الدامي؟

ديگنا : سامحيني حضرة المحققة، هل سبق لك وان تعرضتِ للاغتصاب؟

تريزا : كلا، لكني رأيت الكثير من ضحايا الاغتصاب في بلدي اسبانيا من خلال عملي بالشرطة.

ديگنا : هل تعرضوا جميعهن للطعن ببلدك؟

تريزا : لا.

ديگنا : لدينا بالفلبين 10 حالات اغتصاب من كل 10000 من نسمة الفلبين. هذه النسبة ليست عالية جداً لان الفلبين تبلغ المرتبة ال 60 في العالم. لكن اللافت للامر ان الغالبية العظمى من تلك الحالات تعرضن للطعن بعد الاغتصاب. لذلك فإن اغلب طلابي هنا هم من السيدات ممن تعرضن للاغتصاب او هن يعشن في مناطق فقيرة مهددة بهذه الممارسات الخطيرة. لذلك يجدن انفسهن مرغمات على الدفاع عن انفسهم بحمل السلاح.

هنا صرح انس،

انس : انا تدربت على فن القتال الصيني (الوو شو كوان) وحزت على الحزام الاسود. لكن مدربينا كانوا يؤكدون دائماً على عدم استعمال العنف ومحاولة التخلي عن ايذاء الخصم.

ديگنا : التخلي عن ايذاء الخصم (إلا)...

هنا رفعت سببابتها اليمنا امام انفها وقالت،

ديگنا : الا إذا كانت حياتك مهددة بالخطر اليس كذلك يا محقق؟

انس : اجل هذا صحيح.

ديگنا : الكالي فن يختلف عن باقي فنون القتال الاسيوية الاخرى مثل التايكواندو والكندو والهابكيدو والووشوكوان والكونگفو. فتلك الفنون ينظر اليها فقط على انها رياضات. حتى ان واحداً منها (التايكواندو) بات معترف به في الالعاب الاولومبية. لكن الكالي هذا لديه هدف سامي ونبيل فهو ينجيك من خطر الموت. هل ترى الفرق يا محقق؟

اومأ انس برأسه بالايجاب مؤيداً حديثها. فسألت تريزا،

تريزا : هل لديكم احزمة ملونة أو درجات أو اوسمة؟

ديگنا : لدينا القاب ولكل لقب له شارة ملونة عليها صورة لحيوان تعلق على صدر المنتسب وكذلك الخنجر الذي يحمله يكون بنفس اللون وعليه نفس الشارة. تبدأ الدرجات من ارنب باللون الابيض، الثعلب باللون الازرق، الذئب باللون الاصفر، الفهد باللون البني، واخيراً الاسد باللون الاحمر وهو اعلى المستويات. الخناجر جميعها مصنوعة من الخشب ولا تجرح. يحملها ويتدرب عليها طلاب جميع المستويات لغرض التدريب ما عدى المستويين الآخرين البني والاحمر. فالبني والاحمر بامكانهم التدرب بها لانها بنصول فولاذي.

ريتشارد : ماذا كان ترتيب كرستينا؟

ديگنا : كانت تحمل مستوى الفهد البني. لقد كانت واحدة من افضل واسرع الفتيات اللواتي انتسبن الى النادي منذ تأسيسه. وبعد ان انهت عاماً كاملاً معنا طلبتُ منها شخصياً البقاء عندنا ومواصلة تدريبها للمستوى الاحمر والعمل كمدربة بالنادي بشكل دائم الا انها اعتذرت واخبرتني بان لديها مهمة يجب ان تؤديها ببلدها.

تريزا : الم تخبرك عن طبيعة تلك المهمة؟ هل ذكرت لكِ جدها باي شكل من الاشكال؟

ديگنا : كلا.

انس : هل بامكاننا مشاهدة التدريب الحي في قتال فعلي؟

ديگنا : بكل سرور، تفضلوا معي.

انتصبت من مكانها وسارت نحو الباب المؤدي الى صالة واسعة فشاهدوا ما يقرب من 30 امرأة بمختلف الاعمار والمستويات منشغلات بالتدريب على القتال. صرخت المديرة بهن واعطتهن اشارة التوقف حين سمعوها تقول (هومينتو) فتجمدت النساء باماكنهن. بعدها نادت المدربة اسمين من اسماء المتدربات فدخلن الحلبة وتقابلتا بمنتصف القاعة يحملن على صدورهن الشارة البنية وبايديهن الخناجر ذات النصول الفولاذية وانتظرتا الامر من المدربة. ولما اعطتهما الامر ببدئ النزال، بدئتا بتقديم عرض شيق يدل عن فن كبير في الهجوم والدفاع دون ان يتسببا بايذاء الواحدة للاخرى. وحين انتهى النزال طلبت المديرة من الفتاتين التقدم اليهما لتسأل الاولى، (وقتها صار ريتشارد يترجم للمحققين)

ديگنا : لماذا بدأتِ تتدربين الكالي يا ايلينا؟

ايلينا : لانني تعرضت للاغتصاب مرتين. وبالمرة الثانية قام المهاجم بطعني 3 مرات في بطني لكنني نجوت من الموت باعجوبة.

نظرت المديرة الى الفتاة الثانية وسألتها،

ديگنا : وانت يا زيا لماذا بدأت تتدربين الكالي؟

زيا : تعرضت اختي الكبرى للاغتصاب والطعن ثم ماتت بعد اسبوع بالمشفى لذلك امرني والدي الانضمام الى هذا النادي كي استطيع الدفاع عن نفسي كي لا تتكرر الكارثة.

تريزا : يبدو اننا حصلنا على اجوبة لجميع تسائلاتنا.

انس : لا ليس بعد يا تريزا انتظري قليلاً.

التفت الى مديرة النادي السيدة ديگنا وسألها،

انس : يا سيدة ديگنا، هل يمكننا ان نحصل على خناجر من عندك؟ من باب الذكرى طبعاً.

ديگنا : اجل، بامكانكم شرائها.

انس : اريد اربعة خناجر بنصول معدنية خنجرين بنيين وخنجرين باللون الاحمر.

ديگنا : اجل بكل سرور، المبلغ الكلي 2000 بيسوس.

وبعد ان دفع ثمنها واستلم علبتين تحتويان على الخناجر نظر الى شريكته تريزا وقال،

انس : دعينا نعود لاسبانيا فالقضية الآن باتت واضحة وضوح الشمس.

تريزا : هيا يا انس لقد حصلنا على كل المعلومات اللازمة لحل قضيتنا.

خرج المحققون الثلاثة من النادي وعادوا الى الفندق مستقلين التوك توك هذه المرة. هنا اخبروا مرافقهم المحقق ريتشارد بان مهمته قد انتهت وانهما سوف يحجزان على اول طائرة لترجعهما الى اسبانيا. تمنى ريتشارد لهما رحلة آمنة وتركهما ليعود الى محل عمله بعد ان اخذ سيارته من المراب. وفي حجرة الفندق جلس انس يستعمل هاتفه النقال كي يحجز رحلة العودة من شركة الطيران لكن اقرب رحلة متاحة كانت بعد 3 ايام فحجزها وقال،

انس : بما اننا سنبقى هنا بمانيلا رغماً عن انفنا وما باليد حيلة. فدعنا نستمتع بوجودنا فيها كسواح، ما رأيك؟

تريزا : فكرة صائبة، تعال الى هنا وامنحني الطاقة اللازمة لاشعر بحنانك قبل ان نخرج للراحة والاستجمام غداً.

باليوم التالي وبعد الانتهاء من وجبة الافطار سأل انس موظفة الاستعلامات عن الاماكن المهمة التي يرتادها السواح في زياراتهم بمانيلا. فاقترحت عليه بعض المعالم المشهورة حين شرحت،

الموظفة : بامكانك زيارة مؤسسة (انتراموروس) لانها كانت مركز العاصمة مانيلا ابان الاستعمار الاسباني ومكان حاكمها الاسباني قبل بدء الثورة الفلبينية التي ادت لطرد الاستعمار. كذلك تستطيع زيارة ساحل مانيلا على البحر والمسمى (باي ووك). او زيارة حديقة (فالنزولا) الشهيرة حيث النوافير المائية الراقصة او معبد (ماركينا) الصيني الذي يحتوي على تماثيل ذهبية لبوذا او حديقة (ريزال بارك) التي شيدت لتكريم الثائر ريزال.

انس : شكراً لك يا انسة.

خرج المحققان من الفندق واستقلا الـ (توك توك) لينقلهما الى ساحل البحر (باي ووك). هناك تبينوا ان الساحل مسيّج ومراقب من قبل الشرطة للزيادة في الامان فدخلاه وصارا يتجولان على الساحل الصخري الذي تُمْنَعْ فيه السباحة. وبعد ان قضوا اوقاتاً جميلة لا تنسى واخذوا الكثير من الصور التذكارية، رجعا الى مركز المدينة ليقتنيا بعض الهدايا التذكارية التي كتب عليها اسم مدينة مانيلا. ثم عادا الى مركز التسوق روبنسون فطلب انس من رفيقته ان تنتظره قليلاً بينما يجلس على احدى كراسي التدليك (المساج) لانه كان يعاني من الآم في الظهر فضحكت عليه تريزا وقالت بانه يمارس الجنس معها اكثر من طاقته. وبعد ان اكملا جولتهما بالمجمع رجعا الى الفندق كي يقوما بجولة سياحية جديدة بيوم جديد في الغد. بقي الشريكان يستمتعان باوقاتهما في مانيلا حتى جاء موعد السفر والعودة الى الوطن فحزما حقائبهما وتوجها الى مطار (نينو اكينيو) بمانيلا ليرجعا الى اسبانيا. وبينما هم في الجو بداخل الطائرة تباحثا بخصوص القضية حين قال،

انس : يبدو ان كرستينا هي القاتلة بلا ادنا شك وعلينا ان نبذل كل طاقاتنا لالصاق التهمة بها.

تريزا : وماذا عن الهلال الذي رسمه المجني عليه بدمه؟ الا يشير ذلك الى ان القاتل مسلماً او عصابة ارهابية اسلامية؟

انس : الصورة التقطها باكو بهاتفه النقال بينما كان واقفاً فوق البقعة التي عثر فيها على جثة المجني عليه. اي انه التقط الصورة بشكل مقلوب لذلك فانا اعتقد ان الصورة الحقيقية هي هكذا، انظري.

اخرج انس هاتفه النقال وعالج صورة الهلال ليقلبها الى اليمين ثم عرضها لشريكته تريزا.

تريزا : يا الهي، لا اصدق ذلك، المجني عليه اراد ان يخبرنا بان القاتله هي حفيدته كرستينا لانه كتب الحرف (C) وهو اول حرف من اسم كرستينا. يبدو انه فارق الحياة قبل ان يكمل كتابة باقي حروف اسمها. كلام منطقي وسليم لكن المشكلة تكمن في ان الدليل غير قاطع ولم نعثر على اداة الجريمة بعد. يجب ان نفتش عنها ببيت كرستينا بمدريد.

انس : بل يجب علينا ان نجلس معها وان نحقق بشكل مكثف فقد تنهار وتعترف. وقتها سوف لن نحتاج لاداة الجريمة لان الاعتراف سيد الادلة كما تعلمين يا تريزا.

بعد ساعات طوال من الطيران المضني حطت الطائرة في مطار مدريد ففتحت تريزا هاتفها اثناء سير الطائرة على ارض المطار وتحدثت مع مديرها اللواء الفونزو لتخبره بعودتهما لارض الوطن قالت،

تريزا : سيدي علمت من نائبي في مدريد ان المشتبه بها كرستينا لم ترجع للعاصمة مدريد بعد، لانها بقيت في مدينة اليكانتي لذلك سنبقى انا والمحقق انس هنا بمدريد حتى تعود كرستينا فنقوم باستجوابها لنحاول انتزاع الاعتراف منها.

اللواء الفونزو : حسنا تريزا، ابقيني في الصورة بكل خطوة تخطوها.

تريزا : سافعل ذلك سيدي.

وعندما بلّغت شريكها بذلك قال انس انه يعاني من تعب شديد على اثر الرحلة واقترح عليها ان يبيتا في بيتها بمدريد لتلك الليلة ثم يذهبان سوية الى الادارة العامة في الغد ليكملا التحقيق هناك فأيدته. وفور دخول المحققين بيت تريزا توجها بحقائبهما الى حجرة نوم تريزا ليتخلى انس عن جميع ملابسه ويدخل الحمام فيستمتع بدوش ساخن منعش. وبينما كان يغمر جسده برغوة الصابون المعطر انفتح باب الحمام الزجاجي ودخلت عليه تريزا عارية تماماً لكي يستحما سوية. وبدلاً من الاستحمام، مارسا الحب تحت رذاذ الدوش الساخن. ثم خرجا ليسرعا الى السرير وينامان لاكثر من 10 ساعات متواصلة.

في صباح اليوم التالي استيقض المحققان على رنين هاتف تريزا المدوي فردت عليه لتسمع صوت نائبها يخبرها بان المشتبه بها كرستينا قد عادت فعلاً الى مدريد على متن طائرة الساعة الثامنة صباحاً. فانتفضت من الفراش وصارت تنادي انس باعلى صوتها كي يستيقظ.

ركبا سيارة تريزا وتوجها بها لشركة ازياء كوردوبا. اخبرا موظفة الاستعلامات عن رغبتهما في التحدث الى المديرة كرستينا فقالت بانها في مكتبها. سار المحققان بالممر ودخلا المصعد الذي اقلهما الى الطابق الذي يقبع فيه مكتب كرستينا. طرق انس باب المكتب فسمعها تقول، "تفضل". فتحا الباب ودخلا مكتبها. نظرت باعينهم وقالت،

كرستينا : اهلاً حضرات المحققين، هل عثرتما على قاتل جدي بعد؟

انس : انسة كرستينا كوردوبا نريد ان نصطحبك معنا الى مركز الشرطة المركزية.

كرستينا : هل جئتما لتلقوا القبض عليّ؟

انس : كلا، لكننا نريد ان نتحدث معكِ بالمقر، فقد استجدت الكثير من الاحداث معنا ونريد ان نأخذ رأيك فيها.

كرستينا : بكل سرور، فقط امهلوني بعض الوقت كي انهي قليلاً من الامور العالقة هنا وسوف اتي معكما.

تريزا : سنقف خارج مكتبك لننتظركِ.

كرستينا : كما تشاؤون.

بعد حوالي 10 دقائق انفتح باب مكتبها من جديد وخرجت كرستينا مرتدية فستاناً في غاية الاناقة من تصميمها فنظرت اليهما وقالت، (ڤاموس) بمعناى هيا بنا.

رجع الثلاثة الى مركز الشرطة فادخلها انس حجرة التحقيق بينما راحت تريزا تترصد لمجريات الاستجواب في الحجرة المجاورة وتتابعه من خلال المرآت ذات الاتجاه الواحد. جلست كرستينا على الكرسي وجلس انس امامها فبدأ حديثه،

انس : جئنا بك اليوم لنستفسر عن بعض الامور بما يخص حياتك الخاصة.

كرستينا : حياتي الخاصة؟ حياتي انا...؟ لماذا؟ هل صرت محط شبهة؟ ايعقل ذلك؟ هل نسيت ان المقتول هو جدي؟

انس : نحن نريد معرفة بعض المعلومات وحسب.

كرستينا : انا اعلم انكم حضرتم الى مكتبي واخذتم بعض المستندات المالية من هناك في غيابي. كيكي هو الذي اخبرني بذلك عبر الهاتف وقتها.

انس : انسة كرستينا، لماذا لم تخبرينا عن زيارتك للفلبين؟

كرستينا : انا لم اكذب عليكم ابداً. اخبرتكم من قبل بانني اتنقل بالكثير من العواصم.

انس : وهل تمكثين سنة كاملة بتلك العواصم؟

كرستينا : آه، انت تتحدث عن مكوثي الطويل بمانيلا. اليس كذلك؟

انس : اجل.

كرستينا : ذهبت الى هناك بعد ان اقترح علي شريكي كيكي الذهاب والاستمتاع باجازة طويلة الامد خاصة وانه لا يمانع من البقاء وحده بمدريد والاهتمام بشؤون الشركة.

انس : وما هو الشيء الذي فعلتيه هناك؟

كرستينا : كنت اتنزه كثيراً ومارست التسوق والسباحة وبعض الرياضات الاخرى لابقي على نشاطي.

انس : اي نوع من الرياضات؟

كرستينا : قلت لك رياضات يا محقق انس. ما الامر؟ هل تنوه الى شيء معين؟

انس : كنت امل ان تخبريني بنفسك.

كرستينا : آه تقصد (الكالي) اليس كذلك؟ يبدو انك توصلت الى ممارستي لفن قتال الكالي.

انس : لم اتوصل الى تلك المعلومة وحسب بل التقينا انا والمحققة تريزا بمدربتك السيدة ديگنا.

كرستينا : وهل اخبرتكم بانني تفوقت بدورتها؟

انس : اجل ونعلم كذلك انك حصلت على مستوى الفهد بالشارة البنية على القميص والخنجر الفولاذي ذو المقبض البني.

كرستينا : يا الهي، هل يعقل انك تشك بقتلي لجدي وتقول اني استخدمت الكالي ضده؟ لا اصدق ذلك. انت مخطئ تماماً.

انس : لماذا تعلمت فن الكالي إذاً؟ ولماذا صرفت عاماً كاملاً بالفلبين تاركة ورائك اشغالك وتصاميمك؟ ولماذا جعلت شخصاً تافهاً مثل كيكي يدير اعمالك؟

كرستينا : يبدو انك لا تعرف علاقتي بكيكي لذلك تتحدث عنه بهذه الطريقة المبتذلة.

انس : إذاً حدثيني انت عنه ودعي الامور تكون اكثر وضوحاً لانك الآن بوضع لا تحسدين عليه ابداً. فالادلة كلها ضدك وهي تشير الى انك انت من قتل المجني عليه جدك.

كرستينا : كيف اقتل جدي؟ ايعقل ذلك؟ هل جننت يا محقق انس؟ حسناً، ساخبرك عنه ولكن بالبداية اريد فنجان قهوة لو سمحت.

بهذه الاثناء انفتح باب الحجرة ودخلت المحققة تريزا تحمل صينية عليها ثلاثة اكواب فخارية كبيرة من القهوة مرسومٌ عليها شعار شرطة مدريد. اعطت واحداً لكرستينا وواحداً لانس ثم جلست تترشف من الثالث كي تتابع افادة كرستينا فسمعتها تقول،

كرستينا : ان اسم كيكي الحقيقي هو كوستا. وكما تعلمون فإن جدي كان رجلاً ثرياً يملك مزرعة ابقار كبيرة وكان لديه الكثير من العاملين فيها. وفي احدى زياراته الى اليونان شاهد طفلاً صغيراً جاء اليه ليتسول منه رغيف خبز لانه كان جائعاً ويريد ان يأكل. كان ذلك في جزيرة (كوس). اثار منظره استعطافه فسأل جدي عليه، قالوا انه طفلٌ يتيم الابوين ولم يقبل احد من اهل الجزيرة ان يتبناه. كان عمر كوستا وقتها ثلاثة اعوام فقط. لذلك اجرى جدي مباحثات مطولة مع السلطات هناك فوافقوا على ان يتبناه ويتخذه ولداً. وبعد ان اتم جميع الاجراءات الرسمية. منحه جدي لقب العائلة فصار اسمه كوستا كوردوبا وحينها اصبح اخاً لامي بالتبني. لكن عمر كوستا في ذلك الحين كان مقارباً لسني لذلك تربينا ببيت جدي بالمزرعة كالاخوين. وعندما وصلنا سن البلوغ، لاحظ الجميع على كوستا ميولاً نحو الذكور واصبحت حركاته وتصرفاته انثوية. تلك التصرفات كانت تغضب جدي إذ كان يؤنبه كثيراً لانه كان يريده ان يخشوشن ويصبح رجلاً شديد البأس، لكن دون جدوى. بقي الحال على ما هو عليه حتى تطور الامر إذ صار جدي يضربه ضرباً مبرحاً ويحرمه من الطعام لايام طويلة الا ان كيكي كان يكيد جدي بان يعطيه تلميحات وحركات انثوية تثير غضبه اكثر واكثر فيستعمل معه المزيد من القسوة والمزيد من التجويع والحبس. بقي هذا الحال لسنين طويلة حتى قرر كيكي الهرب من البيت كي يتخلص من عنف جدي. عمره في ذلك الوقت كان 15 سنة تقريباً. لم نسمع عنه لعدة سنوات بعد تركه البيت والمزرعة. وبعد ذلك خسر جدي مزرعته وجميع امواله بسبب قروضه للبنك التي لم يعد قادراً على سدادها فانتقلت انا وجدي وامي الى قرية ڤيلا خويوسا. بعد سنتين انتقلت انا وحدي الى العاصمة مدريد لاكمل دراستي هناك ثم تخرجت من معهد الاندلس للتفصيل والخياطة. وفي يوم من الايام ظهر كيكي امامي بشارع من شوارع مدريد وهو يبتسم.

انس : ماذا كنت تعملين وقتها؟

كرستينا : كنت اعمل كمصممة ازياء لاحدى مصانع الالبسة النسائية الصغيرة باجر متدني. فرحت كثيراً بلقائه بعد ذلك الغياب الطويل وطلبت منه ان ينتظرني خارج المصنع كي نتحدث اكثر بعد العمل. وبالمساء جلس بمقهى قريب من المصنع ينتظرني فدخلت عليه ليأخذني بالاحظان. علمت وقتها انه احترف تصميم الملابس مثلي. وانه يفضل ان اناديه كيكي بدلاً من كوستا. اقترح علي ان نعمل سوية لانه ادّخر بعض النقود فاخبرته باني ايضاً ادّخرت القليل من النقود فاتفقنا على ان نتحد ونفتح محلاً صغيراً لخياطة وتصميم الملابس النسائية. كانت بدايتنا بسيطة وكان دخل المحل بالكاد يطعمنا ويغطي الايجار ويسد رمق العيش لذلك كنا نعيش بنفس المحل. ولكن بعد مرور بضع سنين صارت شهرتنا كبيرة وصار اغنياء البلد يأتون الينا ليتبضعوا من منتجاتنا فاصبح لنا اسم رنان بكامل اسبانيا. انتقلنا من محلنا الصغير لنشتري شقة بعمارة في وسط مدريد بمنطقة (بورتا ديل سول). وبعد اقل من سنة اشترينا العمارة بالكامل. في تلك الاثناء شاركنا بمعارض ازياء دولية وحُزنا على اعجاب الكثير من الشركات ذات الشهرة العالمية الرنانة مثل (دولچي اند گبانا) و(كارتيه) و(ايف سانت لوران) و(گوچي) و(ڤكتوريا سيكرتس) فصاروا يتعاملون معنا. في ذلك الحين واصبحت لدينا الكثير من الارصدة الدسمة ببنوك العالم.

انس : ما يشغلني الآن هو: لماذا سافرت الى الفلبين لفترة طويلة ولم يحذو حذوك شريكك كيكي؟

كرستينا : انت مخطئ تماماً يا محقق انس. فكيكي سافر الى الفلبين قبلي بعام وبقي هناك لمدة سنة كاملة وهو الذي اقترح علي ان اذهب الى هناك.

انس : هل تدرب فن الكالي هو الآخر؟

كرستينا : اجل، اجل، قال ان فن الكالي سوف يجعله بمأمن كبير ولن يسمح لاحد من التنمر عليه بالمستقبل. لكنه طلب مني عدم البوح بذلك لاي انسان لان الرجال لا يحبون ان يكون الشخص المثلي مقاتلاً مقتدراً فيخافونه وينفرون منه.

انس : هل تعتقدين ان كيكي من الممكن ان يقتل جدك؟

كرستينا : كيكي؟ لا، لا، مستحيل. لا يمكن ذلك ابداً فهو انسان رقيق ولطيف ومسالم جداً.

انس : حسناً سنتوقف عن الاستجواب قليلاً وسنعود اليك بعد قليق.

اومأ انس برأسه الى شريكته تريزا كي تلحق به ليتحدثا على انفراد فخرج من الغرفة وتبعته شريكته. وقفا بعيداً عن مسمع كرستينا فقال لها،

انس : يبدوا اننا صرفنا النظر عن كيكي ولم نشك به في البداية. يجب علينا جلب كيكي للتحقيق كي نقارن بين افادته وافادة كرستينا.

تريزا : وكيف تقترح فعل ذلك؟

انس : ساستدعي كيكي الى هنا لاحقق معه. فلربما يكون هو القاتل ونكون قد اضعنا وقتنا بالشك بكرستينا كل هذه المدة.

تريزا : وكيف سينفعنا مجيء كيكي الى هنا؟

انس : لانك ستكونين ببيته تفتشين البيت عن اداة الجريمة بعد ان تحصلي على مذكرة تفتيش من القاضي.

تريزا : وبماذا ستتحدث معه؟

انس : ساحاول ان اماطل معه لاطول فترة ممكنة واسأله اسئلة طويلة وغير ذات اهمية لافسح لك المجال والوقت الكافي لتفتشي بيته بالكامل. وعندما تجدين اداة الجريمة سترجعين الى هنا وتواجهينه بها كي ينهار ويعترف.

تريزا : فكرة جهنمية. دعنا ننفذها على الفور.

اعطى انس تعليماته لنائبه كي ينقل كرستينا الى حجرة التحقيق رقم (1). ثم بعث احد مساعديه مع 3 من عناصر الشرطة لاحضار كيكي من الشركة وطلب منهم وضعه بحجرة التحقيق رقم 4 المتاخمة لمكتبه. وبعد ساعة ونصف دخل رجال الشرطة ومعهم كيكي فاخذوه مباشرة الى حجرة التحقيق رقم 4. ولما تأكد انس من وجوده هناك طلب من شريكته تريزا ان تذهب فوراً الى منزل كيكي وتبدأ بتفتيش بيته بحثاً عن اداة الجريمة. جلس انس امام كيكي وقال له بكل برود،

انس : كيف حالك يا سيد كيكي؟

كيكي : انا بخير. لماذا جئت بي الى هنا؟ الم اخبركم بكل ما لدي من معلومات؟

انس : لقد اشتقنا اليك الا تريد التحدث الينا؟

كيكي : انت انسان شرير ولا اود ان اكلمك.

انس : بالحقيقة، نريد التحدث معك ببعض الامور التي استجدت مؤخراً. قل لي يا سيد كيكي، هل انت مدخن؟

كيكي : وما علاقة التدخين بالقضية؟

انس : ليس هناك اي علاقة. فقط اردت ان احضر لك طفاية كي ترمي الرماد فيها.

كيكي : كلا انا لا ادخن شكراً لك.

انس : كم هو عمرك؟

كيكي : لقد اخبرتك بالتحقيق الاولي عمري 32 سنة.

انس : هل تعلم انك لست الابن الحقيقي للمجني عليه ماكس كوردوبا؟

كيكي : بالطبع اعرف ذلك. فقد تبناني عندما كنت صغيراً وجاء بي من اليونان الى اسبانيا. أهذا ما اردت ان تتحفني به؟

انس : هل كنت تحبه؟

كيكي : كنت احبه كما يحب اي ولد اباه بالتبني.

انس : لكنه كان يصرخ عليك ويستعمل معك العنف كثيراً ويبقيك بحجرة مظلمة لفترات طويلة ويجوعك ويضربك.

كيكي : كل الاباء يعنفون ابنائهم لسبب او لآخر وانا كنت اتلقى منه التأنيب بسبب ميولي.

انس : ماذا تقصد بميولك؟

كيكي : اقصد ميولي الجنسية فانا وكما تعلم (گأي) اي انني لا اميل للنساء بل الى الجنس الخشن. فانا اشعر انني خلقت ذكر عن طريق الخطأ.

انس : هل مارس اباك الجنس معك؟

كيكي : لو كان قد فعل ذلك لما غادرت المنزل. كان ابي يريدني ان اترك ميولي واتزوج من امرأة مثل باقي الرجال.

انس : وكيف كانت علاقتك بكرستينا؟

كيكي : انا اعتبرها اختاً لي. اسمع مني يا حضرة المحقق، انا رجل اعمال وقد تركت شركة فيها 45 موظفاً وعلي ان اعود باسرع وقت ممكن. لماذا تسألني كل هذه الاسئلة السخيفة وانت تعرف الاجوبة عليها مسبقاً.

انس : إذاً، سيد كوستا كوردوبا، انت تعترف بانك قتلت والدك بالتبني ماكس كوردوبا. اليس كذلك؟

كيكي : انا لم اقولها ابداً. لماذا تضع الكلام بفمي؟ هل انت توجه لي تهمة القتل الآن؟ واذا كنت كذلك فانا اريد ان استدعي المحامي الخاص بي السيد گوزباتشو الڤاريز.

انس : إذا كنت حقاً تريد استدعائه الى هنا فليس لدي اي مانع. علماً بان ذلك حق من حقوقك يكفله لك القانون والدستور الاسباني. استعمل هاتفك النقال واطلب منه المجيء فوراً.

استل كيكي هاتفه الوردي المملوء بصور الدببة البيضاء من جيبه واتصل بالمحامي ثم نظر الى انس وقال،

كيكي : انه في المحكمة الآن. سوف يحضر الى هنا خلال ساعة.

انس : إذاً سوف اتوقف عن استجوابك حتى يحضر المحامي وبعدها سنواصل حديثنا.

خرج انس من قاعة التحقيق رقم 4 ودخل مكتبه الذي يقع مباشرة الى جانب القاعة رقم 4 حيث يجلس فيها كيكي. جلس انس خلف منضدته واتصل هاتفياً بشريكته تريزا ليسألها،

انس : هل عثرتم على اداة الجريمة؟

تريزا : كلا يا انس. لقد فتشنا جميع الغرف بمنزل كيكي ومخزن النبيذ والحمامات الثلاثة دون جدوى. ما العمل؟

انس : لا اعلم. لا اعلم. لا اعلم. لحظة واحدة دعيني افكر قليلاً... اجل وجدتها، اذهبي الى بيتك واحضري الخنجرين الذين جئنا بها من الفلبين ذوات المقابض الحمراء وارجعي بها الى هنا بسرعة.

تريزا : لماذا؟

انس : ساشرح لك خطتي عندما تأتين الى هنا.

تريزا : حسناً، فبيتي يقع على الطريق الى المركز. ساجلب معي الخناجر الحمر واعود على الفور. وماذا عن كيكي؟

انس : انه ينتظر حضور محاميه وبذلك منحني الفرصة الكافية لتنفيذ خطتي للايقاع به.

تريزا : اراك لاحقاً يا انس.

اغلق الخط معها ثم وقف في مكتبه ينظر من حوله فازال الخزانة التي كانت تغلق مجال الرؤيى من زجاج الحجرة المطل على الممر وفتح الستائر المعدنية ليصبح مكتبه مكشوفاً تماماً امام من يمشي بالممر. جلس خلف منضدته ينتظر شريكته لتعود بالخناجر. وبعد مرور اقل من ساعة طرق بابه رجل يرتدي بدلة زرقاء يحمل حقيبة دبلوماسية سأل،

الرجل : هل انت المحقق انس؟

انس : اجل، كيف استطيع مساعدتك سيدي؟

الرجل : انا المحامي كوزباتشو حاضر عن موكلي السيد كوستا كوردوبا.

انس : اجل، اجل تفضل عندي.

المحامي كوزباتشو : اريد ان اقابل موكلي كوستا كوردوبا.

انس : ستقابله، ستقابله، ولكن اولاً اردت ان استدعيك لفنجان من القهوة.

المحامي كوزباتشو : لا اريد قهوة ولا اريد ان اضيع الوقت. اريد فقط مقابلة السيد كوستا فوراً.

انس : إذاً تفضل معي سامنحك الوقت الكافي للحديث معه على انفراد.

اخذ انس المحامي كوزباتشو واقتاده الى القاعة رقم 4 المحاذية لمكتبه وقال،

انس : ساغلق عليكما الباب كي تتمكنا من الحديث بسرية تامة. سوف لن يضايقكما احد. خذا وقتكما الكافي.

اغلق الباب عليهما وعاد الى مكتبه بالحجرة المجاورة ينتظر قدوم شريكته تريزا بفارغ الصبر. فلو تأخرت اكثر من اللازم سوف لن تنجح الخطة لانه سوف يضطر لاطلاق سراح كيكي. فجأة دخلت تريزا حاملة كيساً بلاستيكياً من الذي يستعمل بالتسوق في السوق الحرة واعطته لانس قالت،

تريزا : اتمنى لو اعرف ما هي خطتك يا انس.

انس : اسمعي مني جيداً، ساضع هذين الخنجرين فوق منضدتي هنا بمكتبي كي يتمكن اي شخص من مشاهدتهما عندما يمر بالممر من امام مكتبي. وبعدها...

اوقفته تريزا عن الكلام وقالت،

تريزا : لا تكمل حديثك، لقد فهمت خطتك. الآن علمت لماذا يسمونك ثعلب اسبانيا. دعنا ننتظر قليلاً ثم نبدأ بالتنفيذ.

جلست تريزا بمكتب انس ليتفقا على افضل موقع يضعان في الخنجرين على المنضدة كي لا يثير الشكوك. اكملت شرب قهوتها ثم وقفت وقالت،

 

 تريزا : هيا بنا للصيد.

خرج المحققان من مكتب انس ودخلا الحجرة المجاورة رقم 4 فسألهم انس،

انس : هل تحدثتما بما فيه الكفاية؟

المحامي كوزباتشو : لقد طلبت من موكلي (المتهم) كوستا بعدم الاجابة عن اي سؤال لذلك انصحكم بعدم اضاعة وقتكم معه.

انس : انت مخطيء يا حضرة المحامي فالسيد كوستا كوردوبا غير متهم لاننا لم نوجه له اي تهمة، كنا فقط نستفسر منه عن بعض المعلومات كي نحاول ان نتوصل الى القاتل الحقيقي.

هنا انتصب كيكي بغضب شديد وسأل،

كيكي : هل هذا يعني بانني استطيع المغادرة وقتما اشاء؟

انس : بالتأكيد تستطيع، لكننا نتمنى لو انك تبقى بضيافتنا قليلاً حتى نكمل معك الحديث. هل تريد فنجان قهوة؟

كيكي : لا، لا اريد قهوتك اللعينة، انا متعب وعلي ان اغادر فوراً.

انس : كما تشاء يا سيد كيكي اقصد يا سيد كوستا.

خرج كيكي من القاعة بصحبة محاميه فسارا بالممر، لكن وجه كيكي كان الى جهة اليمين ولم يلمح الخنجرين بداخل مكتب انس. لذلك ناداه انس بطريقة ذكية وقال،

انس : يا سيد كوستا، يا سيد كوستا، توقف.

فتسمر كيكي بمحله واستدار نحو انس. وبتلك اللحظة واثناء استدارته نحو انس نظر من خلال زجاج مكتب انس فلمح الخنجرين فوق المنضدة ليتعرف عليهما جيداً لكنه لم يشأ ان يثير الشكوك حول نفسه فنظر الى انس وقال،

كيكي : ماذا هناك يا محقق؟

انس : لقد نسيت ان اسألك سؤالاً مهماً جداً. هل لديك شريك حياة؟

كيكي : لا ليس بالوقت الحالي ساخبرك عندما احظى برجل وسيم مثلك كي يضاجعني.

انس : شكراً لك، بامكانك الذهاب الآن، آسف على الازعاج.

التفت كيكي نحو مكتب انس ونظر الى الخنجرين للمرة الاخيرة ثم اكمل سيره مع محاميه ليتوجها الى الباب الرئيسي لمركز الشرطة فاستدعى انس جميع افراد فريقه بمن فيهم شريكته تريزا. وقفوا متراصين بداخل مكتبه الصغير الضيق الذي منوه له بشكل مؤقت فبدأ الحديث،

انس : لم نتمكن من تثبيت التهمة على كيكي لانه ذكي للغاية وقد قام باخذ احتياطاته من كل الجوانب بحذر كبير وتخلص من اداة الجريمة بذكاء لافت، لذلك قمت باعداد خطة بديلة ساشرحها لكم جميعاً وستساعدوني كلكم فيها. بما اننا لم نتمكن من العثور على اداة الجريمة بداخل بيت كيكي لذلك اصبحت خطتي كالآتي: احضرت خنجرين يشبهان اداة الجريمة تماماً "حسب اعتقادي طبعاً" ووضعتهما فوق مكتبي. وعملت جهد امكاني كي يراهما كيكي اثناء مروره من امام المكتب. فماذا سيعتقد؟

تريزا : سيعتقد واحد من احتمالين، اما اننا عثرنا على اداة الجريمة بطريقة ما او ان لدينا خنجرين مشابهين لهما. لذلك سينتابه الخوف والفضول فيقوم بالذهاب الى المكان الذي اخفى فيه اداة الجريمة ليتأكد من انهما ما زالا بنفس المكان. ونحن سنكون مترصدين له لنتتبعه عن كثب.

عنصر : انك حقاً ذكي يا سيادة المحقق انس. لقد نصبت له فخاً قاتلاً. يبدو انه اكل الطعم حين نظر الى الخنجرين مرتين.

انس : اريدكم ان تحضروا لي شخصاً متمكناً باستعمال المسيرات ذات كامرات بالرؤيى الليلية. لاننا سوف نتتبعه بهذه الطريقة. فكيكي ذكي جداً وقد يتمكن من كشف اي سيارة تتعقبه.

عنصر : سيدي، انا اسمي نائب عريف دومينكو وانا خبير بالمسيرات. بامكاني ان اوفر لك مسيرة كما تريد.

انس : إذا دعنا نبدأ بتتبع الاثنين من الآن ونكون على اتصال دائم باللاسلكي على القناة رقم خمسة كي نتحدث بحرية كاملة ولا يعترضنا احد. الانطلاق من الآن فوراً. سوف تكون غرفة عملياتنا في قاعة الاجتماعات بالطابق الثاني.

رجع العريف دومينكو الى غرفته فاخرج من خزان القبو آخر واحدث مسيرتين التين زودتهما به شرطة مدريد. حملها ورجع بها فرأى في طريقه كيكي ومحاميه منكبين يملآن استمارة خروجهما من مركز الشرطة فصعد الى السطوح وصار يهيئ المسيرة. وعندما كان بكامل استعداده اتصل عن طريق القناة الخامسة باللاسلكي وقال،

دومينكو : المسيرة جاهزة سيدي لقد ربطتها بالشاشة الكبيرة التي في قاعة الاجتماعات لديكم.

انس : ارتفع بها الى 200م وافتح الكاميرا لتراقب سيارة المحامي المرسيدس البيضاء التي ستخرج بعد قليل من المراب.

دومينكو : حسناً سيدي. السيارة ظهرت الآن على شاشتك الكبيرة.

ركب كيكي الى جانب المحامي وانطلقا بالسيارة متجهين الى بوابة المراب. انحازت السيارة يساراً وراحت تجوب شوارع مدينة مدريد فبقيت المسيرة تتبعها حتى وصلت الى حي ڨالڨيردي اين يسكن كيكي. وهناك توقفت السيارة امام المنزل ونزل منها كيكي بينما عاد المحامي بسيارته الى مكتبه.

امر المحقق انس بان يتوجه فريق (آ) مرتدين ملابس عمال نظافة كي يتواجدوا بالشارع خارج منزل كيكي. وامر الفريق (ب) كي يمكثوا على مسافة 300 متر من المنزل يكونون مستعدين باسلحتهم وملابسهم الواقية. تحدث انس باللاسلكي وقال، "عندما تكون الفرق باماكنها يجب اعلامي. اما انت يا دومينكو فاريدك ان ترتفع الى 500 م كي لا تجلب الريبة لدى كيكي" فرد عليه وقال، "لقد ارتفعت الى 500 م الآن سيدي". نظر انس الى تريزا وقال، دعينا نتوجه الى حي ڨالڨيردي الآن ونكون قريبين من بيت كيكي.

حمل انس وتريزا حواسيب محمولة مع اجهزة اتصالات وخرجا الى سيارة تريزا فوضعوا فيها المعدات وانطلقوا الى الحي. وعندما وصلوا هناك سأل انس عبر اللاسلكي،

انس : كم هي المدة التي تتمكن مسيرتك من المكوث بالجو قبل ان ينتهي شحنها يا دومينكو؟

دومينكو : ثلاث ساعات سيدي ولكن لدي مسيرة ثانية مشحونة وجاهزة بامكانها الصعود الى 500 متر قبل ان ينتهي شحن الاولى لتحل محلها.

انس : هذا جيد، وهل بامكانك شحنها بالميدان؟

دومينكو : اجل سيدي، الشحن يستغرق ربع ساعة فقط.

انس : جيد جداً. هل بامكانك ان ترينا منزل كيكي وتعمل دورة كاملة حوله الآن؟

دومينكو : تفضل سيدي.

لفت المسيرة بكامرتها حول المنزل ولم يشاهدوا اي شيء مريب. استمروا بمراقبة المنزل لساعات طوال حتى حل الظلام لذلك باشر دومينكو بتشغيل نظام الرؤيا الليلية وواصل عملية الترصد بمسيرته. وفي الساعة الحادية عشر والنصف تماماً. انفتح باب المراب وخرجت سيارة كيكي الرينج روفر ذات الدفع الرباعى فقال انس، "انتباه انتباه الى جميع العناصر، سيارة كيكي تتحرك. اريد فرقة (أ) و فرقة (ب) ان تتبعه على مسافة 2 كلم. لانه سيشعر بمصابيح سياراتكم إن اقتربتم منه كثيراً. اما انت يا دومينكو فواصل متابعة سيارة كيكي من على ارتفاع 500 متر واريدك ان توجه الفريقين (أ) و (ب)".

دومينكو : حاضر سيدي.

بقي الجميع يتتبع سيارة كيكي ارضاً وجواً حتى وصلت الى مفرق طرق فانحرفت الى اليسار. هنا صاح انس باللاسلكي قائلاً، "انتباه انتباه جميعاً انه يتوجه الى منطقة تلة (گوادا لاخارا) وبما انه سيكون مرتفعأ لذلك اريد من المتتبعين التوقف قليلاً كي لا يراكم من الاعلى. اما انت يا دومينكو فاريدك ان ترتفع اكثر كي لا تقصر المسافة العمودية بين المسيرة وسيارة كيكي".

دومينكو : ارتفعت بمسيرتي الى 800 متر سيدي.

راقب الجميع سير السيارة على الشاشة حتى توقفت امام احدى الاكواخ المشيدة من الخشب فنزل كيكي من السيارة ودخل الكوخ. سأل انس شريكته،

انس : هل لدينا علم بهذا الكوخ؟

تريزا : كلا، ربما كان قد تسلفه من صديق او حبيب او اشتراه نقداً دون تسجيله بالبلدية.

انس : حسناً، الآن اريدكَ يا دومينكو الهبوط ببطئ شديد ومحاولة الحصول على مشهد من خلال شباك الكوخ.

وفور انتهاء انس من تصديره امره. انفتح باب الكوخ من جديد وخرج كيكي حاملاً معه مجراف بذراع خشبي طويل. فامر انس دومينكو بالتوقف عن الهبوط ومحاولة تتبع كيكي اينما ذهب. تسلق كيكي لاعلى التل من وراء الكوخ ودخل غابة كثيفة يصعب تتبعها من على المسيرة. هنا اصدر انس الاوامر لفريقه بالترجل من سياراتهم لكي يتتبعوا كيكي مشياً على الاقدام. فجأة جائه نداء من احد العناصر قائلاً، "سيدي، نحن نتتبع كيكي سيراً على الاقدام والآن توقف كيكي عن السير في الغابة وصار يحفر حفرة بالارض".

انس : راقبوه جيداً فقط وجهزوا الكاشفات الضوئية ولكن لا تشغلوها بعد، اكرر لا تشغلوها بعد. انا وتريزا في طريقنا اليكم الآن.

عنصر : حاضر سيدي. انتظر، انتظر، لحضة سيدي لقد اخرج كيكي شيئاً من الحفرة التي حفرها انه يخرج كيساً بلاستيكياً شفافاً. والآن هو يخرج منه شيئاً. يبدو لي وكأنها خناجر.

انس : افتحوا الكاشفات الضوئية الآن واطلبوا منه ان يتوقف عن الحركة ولكن لا تطلقوا النار عليه مهما حصل.

انفتحت الكاشفات الضوئية ليصبح المكان مضائاً كالنهار وصرخو بكيكي كي يتسمر بمكانه فوقف وهو حاملاً الخناجر بيده وينظر اليهم بذهول. بهذه اللحظة وصل انس وشريكته تريزا فترجلا من السيارة ليقترب منه انس وقال له،

انس : اخيراً وقعت بايدينا ايها الاسد. شكراً لانك زودتنا باداة الجريمة.

امسك كيكي الخناجر من مقابضها واندفع نحو انس ينوي طعنه لكن انس تفادى الخناجر ورجع للخلف. لقم جميع عناصر الشرطة اسلحتهم كي يطلقوا النار على كيكي لكن انس امرهم بانزال اسلحتهم. رمى انس مسدسه على الارض ورفع معصميه امام وجهه استعداداً للقتال مع كيكي. هجم كيكي على انس ماسكاً خناجر بطريقة فنية فالتحم الاثنان بقتال يدوي مثير للدهشة. وبحركة سريعة وخفيفة خمش كيكي كتف انس فقطع قميصه وسال منه الدم فصرخت تريزا قائلة، "دعني نطلق عليه النار يا انس". لكن انس اعطاها اشارة برفع راحة يده بوجهها بمعنى لا تتدخلي. قبض كفيه باحكام ورفعهما امام وجهه من جديد واوعز لكيكي كي يهاجمه. فاندفع كيكي مسرعاً باتجاه انس وسدد خنجره الايمن باتجاه وجه انس لكن انس ابعد رأسه للخلف وسدد لكمة مستقيمة ومباشرة فاصاب صدغ كيكي ليسقطه ارضاً. انتصب كيكي من جديد وهو يتأرجح من شدة اللكمة والتقط الخنجرين ثانية من على الارض ليهجم بهما على انس الا ان انس كان مستعداً لذلك الهجوم فسدد له ركلة مستقيمة وقوية من قدمه الايمن اصابت وجه كيكي فسقط على الارض مغشياً عليه. هنا صفق له جميع العناصر وصاروا يصرخون وكأنهم يشجعون مباراة فريقهم المفضل لكرة القدم. تقربت منه تريزا وسألت،

تريزا : هل تعتقد انه مات يا انس؟

انس : كلا انه فاقد للوعي وحسب. لا تقلقي فانا اريده حياً اكثر منك. كان حدسي في محله من البداية عندما شكيت بان كرستينا بريئة. والآن ساترك لك مهمة وضع الاصفاد على معصمي هذا اللوطي.

تريزا : انه لشرف عظيم.

بعد ان احكمت الاصفاد على معصميه من وراء ظهره صفعته بضع صفعات ليستعيد وعيه فتح عيناه فقالت له بتهكم،

تريزا : يسعدني لقائكِ جلالة الاميرة النائمة. اوووووه كم تبدين جميلة.

كيكي : اذهبي للجحيم ايتها العاهر الحمقاء. لولاك لما انهارت حياتي.

تريزا : كم كنت ساسعد لو انني البستكِ الاساور الذهبية المرصعة بالماس لكن الحالة الاقتصادية لا تسمح بهذه الايام العصيبة لذلك ارجو ان تقبل جلالتكِ بالاساور الفولاذية.

اقترب انس منه وقال باللغة العربية، "ما يوقعش الا اللوطي يا لوطي". فسأل كيكي،

كيكي : ماذا يقول هذا (المورو) القذر؟

فاجابه انس بالاسبانية بلهجة الكتلان هذه المرة قال،

انس : هذا الـ (مورو) القذر قد اوقع بك في قاع البئر ايها الكيس الاسود من القمامة. سوف تجلس بضيافة السجن لسنين طويلة. ولكن على الاقل ستستمتع هناك كثيراً لانك ستكون سلعة مرغوبة لدى السجناء. هاهاها.

نظر الى شريكته تريزا وقال،

انس : دعينا نرجع بهذا الصيد الثمين الآن. اليوم اتطلع لنوم هانئ لم اعهده منذ امد بعيد جداً.

انزل دومنكو مسيرته لتحط على الارض فوضعها بشاحنة الشرطة. ركب الجميع مركباتهم ليعودوا الى المركز فيوْدِعوا كيكي زنزانة خاصة ذات حراسة مشددة.

رجع كلٌ الى منزله لعلمهم اليقين بان القدر الاكبر من المهمة قد انتهى استعداداً ليوم حافل بالاحداث الممتعة في الغد. وباليوم التالي وصل جميع اعضاء الفريق وهم بغاية الغبطة فاستقبلهم اللواء الفونزو وضيفه العميد خوان ثوبييتا رئيس مركز اليكانتي فاثنوا على جهود الفريق واخبروهم ان الجزء الاعظم من مهمتهم قد انتهى وان عليهم الآن ان ينفذوا الاجراءات القانونية لاكمال ما بدأوا به. وبهذه الاثناء جاء احد العناصر وهمس باذن انس ليخبره بان الآنسة كرستينا قد جائت لمقابلته فطلب منه ان يدخلها مكتبه ويحضر لها بعض القهوة. وبعد قليل دخل انس وتريزا المكتب لمقابلة كرستينا فاصابتهم الدهشة عندما وقفت كرستينا بوسط الغرفة تصرخ بوجوههم فسألها انس،

انس : ما الذي يغضبك يا آنسة كرستينا؟

كرستينا : لقد ابلغني محامي الشركة انكم القيتم القبض على كيكي من دون اي مبرر.

انس : لا ليس من دون اي مبرر. لقد حصلنا على ادلة دامغة تشير الى انه هو من قام بقتل جدك ماكس كوردوبا.

كرستينا : وكيف عرفت ذلك؟ هل وجدت تسجيل فيديو يجسد عملية القتل؟ ما هذا الهراء الذي تقوله؟

تريزا : لقد وجدناه في غابة نائية بجنح الظلام خارج مدريد يخرج اداة الجريمة من حفرة في الارض والآن المختبر الجنائي في صدد فحصها بشكل دقيق.

كرستينا : وما هي مصلحة كيكي بقتل والده بالتبني؟ هيا اخبرني لو سمحت.

انس : لديه سببين مهمين. الاول هو، الانتقام من جدك لانه كان يضربه كثيراً ويحرمه من الطعام عندما كان طفلاً. والثاني هو ان يرمي التهمة واللوم عليكِ انت لكي يدخلك السجن فيخلو له الجو في الشركة وكل الملايين بالارصدة المصرفية.

كرستينا : هذا هراء. انت فقط تحاربه لانه مثلي. كيكي لا يمكن ان يكون قد ارتكب كل هذه الافعال. كيكي لديه قلب من ذهب.

تريزا : قلب من ذهب بالتأكيد. هل تعرفين انه بعد ان قتل جدك بدم بارد وقطع جسده بخناجره، استخدم دم جدك ليكتب الحرف(C) حتى يوهمنا بان الفاعل هو انت يا كرستينا. المخبر الجنائي الآن بصدد تطابق البصمات المرسومة بالدم للحرف (C). والآن دعيني اسألك يا انسة، لماذا تعتقدين انه ذهب الى الفلبين وتدرب على فن الكالي قبلك؟ ولماذا نصحك بأن تذهبي بعده لتتدربي على الفن ذاته؟

كرستينا : هذا هراء لا يمكن تصديقه، لقد نصحني بالكالي لكي احمي نفسي من المتنمرين.

تريزا : لكن الخنجر الذي دفنه بالارض لونه احمر ويحمل علامة الاسد. وحسب علمنا بانك كنت تحملين المرحلة ما قبلها اي (الفهد) بالخنجر البني اليس كذلك؟

هز ذلك الكلام كرستينا بشكل كبير فبقيت ملجمة وهي بحالة ذهول كالذي يصاب بالكوما. وبتلك اللحظة دخل عنصر شرطة ليسلم المحققين انس وتريزا نتيجة فحص البصمات الذي طابق بصمات اصابع كيكي للحرف (C) المرسوم بالدم والذي وجد على السجادة بالقرب من الضحية. امسكت المحققة تريزا بالتقرير واعطته الى كرستينا لتطلع عليه بالتفصيل فانتصبت واقفةً من الكرسي الذي كانت تجلس عليه وصارت تبكي بحرقة شديدة، قالت،

كرستينا : إذاً هذا اللقيط اللعين هو من قتل جدي. لقد كنتم على حق.

انس : هذا ما نحاول ان نخبرك به يا آنسة كرستينا ولكن حبك له قد غشى عينيك وجعلك لا ترين الحقيقة.

كرستينا : إذاً ارجو منكم ان تعدموه.

انس : للأسف، عقوبة الاعدام ألغيت الاسبانية منذ 1995. لكنه سوف يبقى في السجن لسنين طويلة كوني مطمئنة يا كرستينا.

كرستينا : حمداً لله. وشكراً لكما لانكما بقيتما تبحثان عن الادلة حتى كشفتموها كلها للآخر.

خرج المحققان انس وتريزا تغمرهما السعادة بما قدما من عمل احترافي منسق. وهنا سأل انس شريكته،

انس : اسمعي تريزا، لو فرضنا، يعني فقط لو فرضنا مثلاً، كفرضية، انني انتقلت بعملي من اليكانتي الى مدريد فهل تعتقدين ان ابنك اليخاندرو سوف يقبل بي كحبيباً لامه.

تريزا : اليخاندرو بامس الحاجة لاب مثلك يا انس. وامه كذلك بامس الحاجة لحبك وخدماتك الجليلة.

قالتها وهي تغمز له لتوصل رسالة دسمة.

انس : إذاً انت موافقة للاقتران بي؟ فانا اريد ان اكون اكثر من حبيب. اريد ان اصبح زوجك واباً لابنك وشريكاً في قضاياك المستعصية. فهل تقبلين ان تتزوجيني؟

ابتسمت بوجهه ثم وضعت ذراعيها حول رقبته، قبلته قبلة طويلة وساخنة وقالت،

تريزا : وخــــــــــا.

...تمت...

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1550 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع