بقلم أحمد فخري
قصة واقعية قصيرة -على ايدي نظام البعث
تدور احداث قصتنا لهذا اليوم في زمن الحصار الجائر الذي فرض على العراق واثقل كاهله منذ عام 1990 وحتى سقوط نظام صدام حسين في 2003. جرت احداث القصة بتلك الفترة العصيبة لطبيب عراقي يدعى زهير فاضل السعدي الذي عانى الامرين على ايدي النظام الظالم. اليكم قصته بتفاصيلها دون اي زيادة او نقصان.
دخل الدكتور زهير بيته عائداً من العيادة الكائنة بالباب الشرقي ببغداد وفور دخوله الباب الرئيسي سمع صوت هاتف المنزل يرن بالحاح من غرفة الصالة، فنادى باعلى صوته قائلاً، "يا اهل البيت، الا تسمعون الهاتف؟".
احكم اغلاق الباب وراءه فسمع ابنه الاكبر يصيح،
سمير : تعال يا ابي. المكالمة لك انت، انه العم ليث.
وضع د.زهير حقيبته على طاولة المطبخ واسرع الى الصالة ليرد على المكالمة. امسك بالسماعة وقال،
د.زهير : الو.
د.ليث : الو، انا ليث يا زهير كيف حالك؟
د.زهير : كيف سيكون حالي يا ليث؟ اموري زفت وقطران والحمد لله، الحالة المادية على اسوأ ما يكون بحيث اصبح مرتبي اليوم لا يساوي اكثر من 30 دولاراً فقط والامور المادية تسير نحو الاسوأ حتى اضطررت ان اتنازل عن كثير من الامور الاساسية واعتبرها كمالية كي اوفر المصروف لبيتي ولعائلتي فانت تعلم ان سمير اصبح بالجامعة هذه السنة وباقي اولادي في الاعدادية والمتوسطة والكل يطلب مني الفلوس، والفلوس بجيب العروس.
د.ليث : لماذا يا صديقي؟ انت طبيب ناجح متخصص بجراحة التجميل. ولديك عيادة بالباب الشرقي، الناس كلها مستعدة لان تدفع كل ما لديها من اجل الخضوع لمشرطك السحري فتجري لهم عمليات التجميل بحرفية عالية.
د.زهير : ليس لطبيب مبتدئ مثلي كما تعلم، فانا بالكاد بدأت امارس مهنتي قبل فترة وجيزة والمرضى يفضلون اساتذتنا الكبار البارعين بدلاً عنا، ما العمل؟ قمت بالتنازل عن كل امكانياتي المادية حين بعت سيارتي وانفقت جميع مدخراتي ثم قمت بعدها ببيع مصوغات ومجوهرات ام الاولاد كي اسد الحاجة.
د.ليث : كلامك دقيق جداً يا اخي فانا اعرف الكثير من اساتذة الجامعات قاموا ببيع اثاث بيوتهم بالكامل وجلسوا على الارض. حتى في آخر المطاف اضطروا لبيع شبابيك منازلهم ليغطوها باكياس بلاستيكية كي يوفروا لاسرهم لقمة العيش. تخيل ابو الزوز، بالامس ركبت سيارة اجرة فاكتشفت بالصدفة ان السائق هو عميد كلية طب الاسنان لابنة صاحبنا دكتور لؤي.
د.زهير : اجل نحن نسمع بتلك المآسي كل يوم ناهيك عن الجرائم التي اصبحت مألوفة جداً. لقد تفوقنا على تكساس والحمد لله.
د.ليث : على العموم لدي خبر جيد ربما سيفرحك قليلاً.
د.زهير : يا ليت، فانا لم اسمع خبر جيد منذ طوفان نوح.
د.ليث : لدي مراجع يعاني من انحراف بالانف ويحتاج الى طبيب تجميل بارع مثلك. لقد رشحتك انت بالذات كي تعالجه، فما هو رأيك؟
د.زهير : بامكانك ان تبعثه الى عيادتي في الغد لاجري له الفحوص.
ليث : المريض جالس عندي الآن. سيأتيك غداً وسازوده بعنوان عيادتك.
د.زهير : ما اسمه؟
ليث : اسمه زياد برواري. انه من اهالي السليمانية.
د.زهير : طيب لقد سجلت اسمه عندي. دعه يأتي غداً صباحاً وساقوم انا باللازم. شكراً لك اخي ليث.
باليوم التالي كان د.زهير ينتظر قدوم المريض الذي حوله اليه صديقه الدكتور ليث لكنه لم يأتي الا في الساعة الواحدة ظهراً فاستبشر خيراً لأن في ذلك اليوم لم يزوره اي مراجع. دخل العيادة فرحب به د.زهير ترحيباً يليق بالملوك وبدأ يجري له الفحوصات بشكل مكثف ثم اخبره انه يحتاج الى عملية لتقويم الانحراف بالانف فوافق المراجع واتفقوا على ان يعود اليه خلال يومين كي يخضع للعملية. وبعد يومين اجرى له العملية وكانت ناجحة لكنه وضع بعض الضمادات على انفه واخبره ان هذه الضمادات سوف تزال خلال بضعة ايام. وبعد مرور اسبوع آخر قام بازالة الضمادات جميعها فتفحص كاكا زياد انفه بالمرآة وفرح فرحاً شديداً. قال له،
زياد : يا دكتور انت حقاً فنان، لم اتوقع ان تكون النتيجة بهذا الشكل، دكتور انت مكانك ليس هنا بل مكانك في السليمانية حيث ستجد عيادتك جاهزة وبيتك جاهز وبامكانك التدريس بكلية الطب هناك وسوف تعمل بكل حرية وامان بلا خوف ولا قيود.
ضحك الدكتور على ما تقدم به المريض واخبره بانه ضابط بالجيش العراقي ولا يمكنه ترك وظيفته مهما كلف الامر لان ذلك سيعتبر خيانة للدولة خصوصاً وان المنطقة الشمالة محمية من قبل الامريكان لغاية خط عرض 32. لكن كاكا زهير الحّ كثيراً وحاول ان يقنعه كي يعدل عن رأيه الا ان د.زهير اعتذر منه بادب واخبره بان ذلك يعتبر امراً مستحيلاً.
رجع الدكتور الى بيته فاستقبلته زوجته بخبر صادم لتعلمه بان صاحب البيت جائهم بذلك اليوم وطالبهم بالايجار المتأخر منذ شهرين والا فانه سيضطر لطردهم منه. بقي د.زهير يفكر بالموضوع كثيراً ليحل تلك المشكلة العويصة التي خرجت له من جديد. هنا صار يفكر اكثر بما قاله كاكا زياد حتى بدأت فكرة الانتقال الى السليمانية قابلة للهضم فتنتشله من معاناته المادية التي صارت لا تطاق. وبعد مرور يومين جائه كاكا زياد من جديد ليتسلم وصفة طبية لبعض المضادات الحيوية فسأله،
زياد : ماذا كان ردك يا دكتور؟ هل فكرت بموضوع الانتقال للشمال؟ الم تغير رأيك؟
د.زهير : بالحقيقة اما الشمال او الرصيف. لو فرضنا انني وافقت على عرضك، فكيف ساصل الى السليمانية؟
زياد : أذا كنت جاداً بالموضوع يا دكتور فبالامكان ترتيب لقاء مع احد المهربين الذين سينقلوك الى هناك بكل سهولة.
د.زهير: بالحقيقة انا فكرت ملياً وقررت ان اوافق على الانتقال الى هناك. دع المهرب يأتي لنتحدث معاً بشكل مكثف وبالتفصيل.
زياد : سامحني دكتور ولكن، ما الذي جعلك تغير رأيك؟
د.زهير: يقول المثل، ما الذي جبرك على المر فتقول الامر منه.
زياد : ان شاء الله تجري امورك جميعها بخير وتستقر هناك لتمارس حياتك التي تستحقها بين اهلك وناسك.
خرج كاكا زياد من العيادة وبقي د.زهير يفكر بتردد فيما لو كان قراره صائباً او انه قد تسرع في حسم اموره. لكنه قرر ان يترك الامر للخالق فهوي الذي سيحسم الامور جميعها بالنهاية. وبعد يومين اخريين عمت الشائعات بالبلد على ان رئيس الدولة قرر توزيع الاراضي للضباط والاطباء. لذلك علم زهير ان ازمته المالية في طريقها للانفراج وان المجازفة بالذهاب الى السليمانية سيكون مخاطرة هو في غنى عنها لانه سيعرّض نفسه وعائلته لخطر كبير لذلك اتصل بزياد هاتفياً ليخبره بصرف النظر عن فكرة الانتقال الى السليمانية.
ولكن بتلك الفترة شعر د.زهير انه مراقب من قبل السلطة. إذ بدأ يلاحظ سيارات مجهولة مظللة تتبعه اينما حل وصار يسمع اصوات قرقعات وخشخشات غريبة اثناء المكالمات الهاتفية من منزله وكذلك الحال من هاتف عيادته مما يشير الى انه كان مراقباً من قبل جهة امنية. لم يكن ذلك غريباً عليه لانه كان ضابطاً بالجيش ويعي تلك الامور بشكل جيد. لكنه لم يكن ليكترث بكل تلك الاجرائات والتتبعات علماً منه انه لم يقترف ذنباً او اي شيء يخل بعمله او لولائه للوطن.
بعد ظهر احدى الايام خرج د.زهير متوجهاً الى عيادته فرأى شخصاً واقفاً باحدى الشوارع يتظاهر بأنه يبحث عن محل تجاري. وللعلم فقط فان المنطقة كانت سكنية ولا يوجد فيها اي محل تجاري. لم يكترث كثيراً لذلك الشخص ولوح بيده ليوقف سيارة اجرة كي تأخذه الى عيادته. وعندما وصل البناية التي تقبع فيها العيادة رأى نفس الشخص يتظاهر بانه يبحث عن محل تجاري آخر بالمنطقة فعلم وقتها ان ذلك الشخص مكلفٌ بمراقبته. فتقرب منه وقال باذنه، "اخبر من ارسلك اليّ بان الفكرة قد وصلت". اراد ان يفهمهم انه مدرك لما يحاولون فعله.
دامت عملية المراقبة هذه ما يقرب من ستة اشهر وفي النهاية قرروا ان يلقوا القبض عليه في وسط شباط 2001 إذ اخذوه للتحقيق ووجهوا له تهمة التجسس لصالح جهة اجنبية. وبالرغم من انه انكر تلك التهمة بشكل قاطع واخبرهم بانهم كانوا يراقبونه لاكثر من نصف عام. فاصيبوا بالدهشة لعلمه بتلك المراقبة. هنا قرر ان يبرئ ساحته من كل التهم لذلك صار يحدثهم بكل شيء من الالف للياء وانه اراد المغادرة الى شمال العراق ليحسن وضعه الاقتصادي لا غير لكنه لم يجرؤ على فعل ذلك، فلماذا يحاسبونه على ما لم يفعله؟ لكنهم لم يكونوا مقتنعين بطرحه لقضيته بكل صدق وامانة.
بالبداية نقلوه الى مقر الاستجواب التابع للمخابرات بالحاكمية. بعدها نقل الى الشعبة الخامسة للمخابرات العسكرية بالكاظمية. فشكلوا وقتها هيئة تحقيق متألفة من رئيس الهيئة الذي يحمل رتبة عميد ركن وعنصران من عناصر الامن وعنصران من المخابرات وعنصران من الاستخبارات. كان د.زهير صادقاً في جميع إدلائاته وطروحاته لذلك لم يعرضوه لاي نوع من التعذيب. كان يعتقد ان العملية ستدوم شهرين او ثلاثة على اكثر تقدير وسوف لن تزيد عن توبيخ بسيط من اللجنة. فقد كان على يقين بانه سينال حريته في النهاية لانه متأكد من عدم اقترافه اي ذنب يستحق العقاب.
بيوم من الايام واثناء وجوده بالاستخبارات العسكرية دخل عليه رئيس لجنة التحقيق والذي كان برتبة عميد ركن قال له،
العميد الركن : يا زهير، انت كنت ترغب بالذهاب الى الشمال. لذلك فاليوم ستصاب بالزائدة الدودية وستأخذك سيارة اسعاف الى مستشفى الرشيد العسكري. واثناء سيرها بالطريق ستصاب بحادث لتنقلب رأس على عقب فيأخذك شخص من مكان الحادث وينقلك الى الشمال. وفي الشمال ستستقر هناك وتقوم بتزويدنا بالمعلومات الاستخبارية عنهم.
د. زهير : هل هذا منطق يا سيادة العميد؟ اتريدني ان اصبح جاسوساً على ابناء بلدي؟ بامكانك ان تطلب مني الذهاب لاسرائل، فسوف لم ولن اتردد ثانية واحدة. لكنني لن اتجسس ضد اهلي وأبناء جلدتي.
تركه العميد وشأنه بعد ذلك الرفض القاطع. فبقي حوالي شهر لدى الاستخبارات حتى حولوه بعدها الى المخابرات بمنطقة الحاكمية. وهناك بقي ما يقرب من خمسة اشهر يعرضوه فيها للمزيد من التحقيق ثم قدموه بعدها للمحاكمة. توقع الدكتور زهير انه سينال البرائة بما لا يقبل الشك لانه لم يقترف اي ذنب ليعاقب عليه. واثناء جلسات المحاكمة اصيب بالدهشة حينما ادلا المهرب الذي كان سينقله الى الشمال بشهادته، مما يدل على انه كان عميلاً مزدوجاً وهو الذي وشى به إذ كان يعمل لدى المخابرات الكردية (الاسايش) وبنفس الوقت كان يعمل لدى المخابرات العراقية. وعندما امسكت به المخابرات العراقية سرد لهم كل شيء من الالف للياء ومن ضمنها خطة تهريبه للدكتور زهير. واثناء الادلاء بشهادته تحدث عن شاب آخر من السماوة الذي كان يتراسل مع شقيقه الهارب الى الشمال.
بآخر المطاف حكموا على الدكتور زهير بالسجن لستة سنوات مع مصادرة جميع امواله المنقولة وغير المنقولة وقرروا طرده من الخدمة العسكرية واعتبروها جريمة مخلة بالشرف اما الواشي فحكم بالسجن لسبع سنوات.
خلال فترة اقامته بالمخابرات العسكرية كان يسمع صرخات وعويل وبكاء الاشخاص الذين يخضعون لاقسى انواع التعذيب فيقشعر لهم جسده ويصاب بالهلع لما قد تؤول اليه حالته. كذلك كان يرى زملائه الذين يقيمون معه في الزنزانة حين يعودون من جلسات التعذيب وقد اصيبت اجسادهم ووجوههم بالكدمات والجروح والقروح والحروق المخيفة.
<<<<<<<<<<<<<<<<<
بعد مرور ستة اشهر نقل الدكتور الى سجن ابو غريب. وفور وصوله هناك سمع من باقي السجناء عن قصص مرعبة مروا بها اثناء وجودهم بالامن او المخابرات او الاستخبارات من اشكال التعذيب القاسي بدم بارد وبلا رحمة.
في احدى الايام استيقظ العراقيون على نكتة انتشرت بشكل مكثف كان مفادها شخص شاهد في منامه حلماً غريباً إذ قام بانقلاب عسكري ضد صدام حسين وحاكم جميع وزرائه واعوانه واعضاء القيادة القطرية والقومية وارسلهم الى حبل المشنقة. وعندما استيقظ من نومه علم انها كانت مجرد اضغاث احلام ولسوء طالع ذلك المسكين، قص رؤياه على زوجته. فقامت زوجته بدورها الوطني والقومي وسردت ذلك الحلم لجارتها التي قامت هي الاخرى بسرد الحلم لزوجها مما تسبب في القاء القبض على ذلك الرجل وزجه بالسجن. كانت تلك القصة مجرد طرفة ولم يشك احد بكونها اكثر من ذلك. لكن ما اثار دهشة د.زهير هو انه فور دخوله السجن اصابته صدمة كبيرة لما علم ان الطرفة لم تكن طرفة ابداً بل قصة حقيقية. فاذا كان د.زهير قد حكم بـ 6 سنوات بسبب نيته المغادرة فإن ذلك الرجل (الحالم) قد حكم ب 8 سنوات. وكانت تلك هي سخرية الحالة المزرية.
بقي د.زهير في سجن ابو غريب حتى صدر قرار العفو العام لسنة 2002 فاطلق سراحه. وكان بانتظاره صديقه المقرب د.ليث خارج السجن والذي قص عليه قصة غريبة جداً وكانت كالتالي: اتضح ان لجنة التحقيق التي ادانته وتسببت في سجنه يتسلم جميع افرادها هديات ثمينة من الرئاسة تتمثل بمليون دينار توزع على اعضاء اللجنة التحقيقية بالتساوي. اما إذا حُكِمَ على شخص ما بالاعدام فإن كل فرد من افراد تلك اللجنة سيتسلم مكافأة مالية قدرها مليون دينار. لذا كان هدف جميع اعضاء اللجنة هو الصاق تهمة التجسس لصالح دولة اجنبية وحصول المحكوم على حكم الاعدام حسب المادة 157 من قانون العقوبات. علماً ان جميع القرارات التي تصدر بهذا المضمار تُعْرَض على رجل واحد فقط يدعى (عبد حمود). ربما كان عبد حمود في حالة نفسيه جيدة بذلك اليوم الذي اطلع على قضية د.زهير فاخبر اعضاء اللجنة بان ذلك الشخص (د.زهير) لم يقم باي جرم يذكر لذلك طلب منهم تغيير الحكم عليه وامرهم ان يغيروا المادة المحكوم بها. فغيروها من المادة 157 الى المادة 175. والمضحك المبكي بهذه المادة الجديدة انها تخول القاضي اتخاذ قرار الحكم ما بين البرائة وحتى الاعدام. والنقطة الثانية التي شفعت للدكتور زهير هي رفضه القاطع لتهمة التجسس ضد الجانب الكردي. وهذا ما دفعهم لاتخاذ قرار حبسه بدلاً من اعدامه.
لا نريد الاطالة عليكم، اطلق سراح الدكتور زهير في تشرين اول 2002 وكما هو معلوم فإن دخول الامريكان وسقوط نظام صدام وقع في نيسان 2003. ومن سخرية القدر ايضاً هو بعد ما يقرب من ست او سبعة اشهر من خروجه من السجن كان الدكتور يقود سيارته بالقرب من ساحة ميسلون ببغداد وسط زحمة سير خانقة، واثناء وقوفه بالسيارة ينتظر تحرك المركبات، مر من امامه رجل يرتدي الزي البدوي مع نظارة غامقة غطى بها عينيه. وعندما تفحصه جيداً وبنفس الوقت قام هو بتفحص الدكتور زهير، تعرف على تقاطيع وجهه فصار يهرب بعيداً ويختفي بين الناس. بقي د.زهير يحاول ان يتذكر شكل ذلك البدوي دون جدوى. وبعد مداولات طويلة بينه وبين ذاكرته المهترية عادت اليه الذكريات المؤلمة لتعذبه من جديد فعلم وقتها ان ذلك الوجه تابع للعميد الركن رئيس اللجنة التحقيقية التي ادانته ورشحته للاعدام.
<<<<<<<<<<<<<
بعد مرور ما يقرب من 10 سنوات دخل عيادة د.زهير ثلاثة شبان قد تعرض احدهم لاصابة شديدة على كليته اليمنى مع تهتك كبير بالجلد. تفحصها الدكتور جيداً واخبر المريض ان بالامكان معالجتها بواحد من طريقتين: اما ان يجري له عملية جراحية فورية وسيكون ذلك الحل الانجع او ان يقوم بتضميدها من الخارج والانتضار حتى تلتئم ذاتياً. لكن المريض اختار الحل الثاني فوافق د.زهير على ذلك وباشر بتضميد جراحه بعد ان عقمها بشكل جيد ثم طلب منه العودة بعد اسبوع لمتابعة اندمال الجرح وتغيير الضمادات.
وبعد مرور سبعة ايام عاد اليه من جديد مع اثنان من اصحابه فتفحص الجرح وكان على ما يرام فسأله،
د.زهير : اخبرني يا بطل، كيف وقع لك ذلك الحادث؟
المريض : انا انتمي الى جيش المهدي وقد تلقيت رصاصة اثناء مقارعتي للدواعش.
د.زهير : يبدو انك تلقيت الرصاصة اثناء هروبك لان الرصاصة اصابتك من الخلف.
المريض : وكيف عرفت ذلك يا دكتور؟
د.زهير : انا كنت طبيباً عسكرياً واعرف تلك الامور.
المريض : أذاً فانت كنت من اعوان صدام اليس كذلك؟
د.زهير : اجل كنت كذلك سابقاً وبعدها اصبحت سجيناً سياسياً وبامكاني ان افقع عينك إن اردت.
المريض : كلا انا اعتذر يا دكتور. لم يكن قصدي ذلك ابداً.
بعدها سأل المريض طبيبه إذ قال،
المريض : من كان رئيس لجنة التحقيقة التي ادانتك يا دكتور؟
ولما اعطاه اسم العميد الركن اصيب الشبان الثلاثة بنوبة من الضحك الهستيرية. ثم نظروا اليه وقالوا، "احمد الله يا دكتور لانك خرجت باقل الخسائر، لقد نجاك الله من ذلك المجرم". فسألهم عنه لكنهم طلبوا منه ان يترك الموضوع وان لا يذهب ابعد من ذلك.
...تمت...
871 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع