اوكتوبر فيست ثاني أقدم احتفال في المانيا

 بسام شكري

اوكتوبر فيست ثاني أقدم احتفال في المانيا

المانيا من الدول التي مازالت متمسكة بالثقافة المجتمعية والاحتفالات والكرنفالات ومهرجان أكتوبر فيست ويعني مهرجان أكتوبر اكبر واقدم مهرجان في المانيا وقد بدا الاحتفال به لأول مرة بمناسبة زفاف ولي عهد بافاريا الامير لودفيك سنة 1810 من الاميرة تيريز دي ساكس ومازال مستمر لغاية اليوم وقد توقف المهرجان مرتين فقط في تاريخه , خلال الحرب العالمية الثانية وخلال جائحة كورونا , المهرجان الثاني في المانيا من حيث الأهمية والقِدم وعدد المشاركين هو مهرجان كرنفال مدينة كولونيا الذي يبدا سنويا في 11-11 الساعة 11 صباحا وينتهي في نهاية الشهر الثاني وهو بمناسبة تحرير مدينة كولونيا من الاحتلال الفرنسي في زمن نابليون في منتصف القرن الثامن عشر لكن كرنفال كولونيا توقف ثلاث مرات في تاريخه خلال الحرب العالمية الثانية وسنة 2003 احتجاجا على الغزو الأنجلو امريكي للعراق وخلال جائحة كورونا وهناك الكثير من المهرجانات والكرنفالات في كافة الولايات الالمانية.

فترة مهرجان أكتوبر فيست هي ستة عشر يوما تبدا في 16 سبتمبر وتنتهي في اول يوم احد من شهر أكتوبر و يطلق عليه عدة أسماء , فسكان بافاريا يطلقون عليه اسم ( فيزن ) Wies`nومعناه باللهجة البافارية الأرض الخضراء لأنه أقيم لأول مرة في ارض خضراء مفتوحة ويطلق عليه العرب اسم مهرجان البيرة وهو اكبر مهرجان يستهلك بيرة في العالم ويطلق عليه الإيطاليين مهرجان الفرح لان كل المشاركين فيه يرقصون ويغنون ويأكلون ويشربون , في هذا العام شارك في المهرجان حسب الإحصاءات الرسمية ما يزيد على السبعة ملايين ونصف شخص وانتهى يوم الاثنين 3 أكتوبر ويحرص الامريكان من اصل بافاري على حضور المهرجان سنويا في مجموعات كبيرة مرتدين الملابس البافارية التقليدية فيما يفضل الإيطاليين الحضور في يوم الاحد الثاني للمهرجان , لكن السويسريين والنمساويين يشاركون في جميع الأيام , وفي المهرجان تشاهد البشر من كافة الجنسيات والألوان وهم يرتدون ملابس بافاريا وبرنامج المهرجان يبدأه عمدة برلين الساعة الثانية عشر ظهرا بفتح برميل كبير من البيرة بواسطة مطرقة خشبية كبيرة امام الاف الحاضرين في ساحة الاحتفال الرئيسية , ويتضمن المهرجان مسيرات ضخمة تدور في شوارع مدينة ميونخ مكونة فرق من العمال والفلاحين والجنود وكافة المهن في المانيا يرتدون ملابس القرن الثامن عشر ويحملون الأدوات التي كان يستعملها اجدادهم في ذلك الزمن وتشارك مجموعات كبيرة من الخيالة وعربات البيرة التي تجرها الخيول الألمانية الضخمة ذات الشعور الطويلة التي تبدا من رقيتها لتصل الى الأرض بأقدامها الضخمة المليئة بالشعر , مكان الاحتفال الرئيسي في نفس الساحة التي بدأت فيها في القرن الثامن عشر لكن الاض الان قد تم تسويتها وإزالة الأشجار منها وتم رصفها بالحجر وتحتوي تلك الساحة على مدن العاب ضخمة فيها الاف الألعاب التي يستعملها الكبار اكثر من الأطفال وذلك حسب التقاليد الألمانية بان الانسان يجب ان يفرز هرمون الأدرينالين لكي يشعر بالسعادة ومعظم الألعاب مبنية على تلك الفكرة وهي السرعة والاثارة , وقد جربت احدى تلك الالعاب قبل ثماني سنوات وهي تشبه مرجوحتين متقابلتين وهي مرتفعة بمقدار 200 متر عن الأرض وتتسع لمئة شخص في كل مرجوحة وتلف الراكبين في كل الاتجاهات ما ان بدأت تلك الاله بالحركة حتى شعرت باقترابي من الموت لسرعتها وتقلبها من الأعلى الى الأسفل ومن اليمين الى اليسار وما ان نزلت من تلك الاله الشيطانية حتى استفرغت كل ما في معدتي من طعام وبقيت ثلاثة أيام نائم على ظهري بسبب الدوار الذي اصابني.

مكان الاحتفال الكبير يحتوي إضافة الى مدن الألعاب على قاعات ضخمة تسع كل واحدة منها لخمسة الاف شخص ذات سقوف مرتفعة ومقاعد تلك القاعات مصممة على الطريقة الألمانية التقليدية وهي عبارة عن مساطب خشية بدون ظهر طول الواحدة منها مترين تتسع لأربعة أشخاص تقابلها مسطبة خشبية أخرى بنفس الحجم بينهما طاولة خشبية والناس يجلسون على تلك المساطب متقابلين لساعات يشربون ويتناولون الطعام ويستمعون للموسيقى ويغنون بشكل جماعي مع كل اغنية , معظم الاكل الذي يقدم هو الدجاج المشوي بنفس النهكة الاصلية التي كانت في القرون الثامن عشر وهناك القليل من الى لحم الثيران والخنزير المشوي وتقدم المشروبات كافة , لكن البيرة الألمانية البافارية هي ما تشربه الأغلبية بعضها طبعا بدون كحول لان ليس كل الالمان يشربون الكحول كما نتصور, حجم كأس البيرة الواحد هي لتر يقدمونها في اقداح ضخمة بعضها من الزجاج واغلبها من السيراميك الألماني التقليلي بارتفاع ثلاثين سنتمتر للقدح الواحد وتقوم النساء البافاريات بالتنافس في حمل اكبر عدد من الاقدام قد تحمل بعضهن عشرين لترا مرة واحدة بكلتا يديها ويأكلون مع الشرب كميات من البريتسل وهو اشبه بالسميط العربي لكن بدلا من السمسم يضعون عليه الملح لكي يساعدهم على عدم السكر وقطر القطعة الواحد المشبكة من البريتسل اكثر من خمسة وثلاثين سنتمترا يتشارك اكثر من شخص في اكلها , اما الموسيقى التي تعزف هي الموسيقى الشعبية الألمانية , وعلى ذكر الموسيقى حدثت لي قصة طريفة , فصباح اول يوم وصلت فيه المانيا فتحت الراديو فسمعت موسيقى المارشات العسكرية تعزف في الراديو وقد اعادتني تلك الموسيقى الى زمن الانقلابات والحروب العربية خلال الستينات والسبعينات وقد لعنت حظي فصباح اول يوم في المانيا تنشب حرب ؟ بعد قليل بدأ الراديو يذيع إعلانات ثم عادت الموسيقى العسكرية واستمر الحال لأكثر من ساعتين وبالصدفة اتصل بي صديق عربي بالتلفون فسالته عن الحرب فاستغرب لسؤالي وقال لي ليس هناك حرب لماذا هذا السؤال الغريب فأخبرته بان المارشالت العسكرية تعزف في الراديو منذ الصباح فضحك طويلا واخبرني بان تلك الموسيقى التي نعزفها نحن العرب في اوقات الحروب هي الموسيقى الشعبية الالمانية وسوف تسمعها كثيرا هنا وتتعود عليها , وكلما سافرت الى بافاريا تذكرت تلك الحادثة , الموسيقى الشعبية الألمانية تستعمل الطبول الكبيرة والات النفخ الضخمة ومن تلك الموسيقى خرجت السمفونيات الموسيقية الأكثر هدوء والارق تعبيرا ً.
ساحة الاحتفال الكبيرة تحتوي إضافة الى القاعات الكبيرة ومدن الألعاب الاكشاك التي تبيع الاكل التقليدي الألماني وملابس المهرجان والألعاب الشعبية مثل رمي الثقل والاصابة بالبندقية، قد يكون المولد في مصر مشابه لمهرجان أكتوبر فيست لكن الذي يميزه هو عدم وجود أي اطعمة او موسيقى غير بافارية وحتى ملابس المشاركين تكون الملابس التقليدية البافارية.
ميونخ ثاني اكبر مدن المانيا وهي عاصمة قياصرة المانيا عندما كانت النمسا وسويسرا وهنغاريا جزء من مملكة المانيا لذلك فان الملابس المستعملة في تلك الدول مازالت نفسها لغاية اليوم وهي للرجال سروال جلدي قصير يصل للركبة بحمالات جلدية وجوارب صوفية تصل الى تحت الركبة وحذاء جلدي ضخم والنساء يرتدين فستان طويل يصل الى الاقدام بالوان زاهية عليه صدرية تبدأ من الخصر بلون اخر نهاياتها دانتيل مختلف الألوان وتنتهي الى نهاية الفستان للقدمين , قد يكون الفستان مفتوح الصدر للنساء المتزوجات وقد يكون على الاغلب مغلق الصدر لغاية الرقبة للنساء العازبات , وميونخ هي اغنى واغلى واجمل مدن المانيا وتلفظ باللغة الألماني منشن , وكلمة منش بالألماني تعني الناس وذلك لكثرة الناس فيها منذ تأسيسها , وفي ميونخ اقدم واهم الصناعات الكبيرة مثل شركات مان ومرسيدس وبي ام دبليو وغيرها الكثير وقد انعكس التطور الصناعي الألماني على الآلات المستخدمة في الزراعة وتلك المكائن الزراعية لا تشاهدها في خارج المانيا وتقوم بعدد كبير من الفعاليات اختصارا للعمال والوقت والمال.
عندما سافرت من شمال غرب المانيا الى ميونخ بالسيارة قطعت خمسمائة وستين كيلومتر مررت بالاف القرى والمدن الجميلة التي تجمع بين المزارع والمصانع وقد مررت بأجمل الطرق السريعة وخصوصا الشارع الذي يربط مدينتي نورن بيرغ و ميونخ الذي بني في بداية الحرب العالمية الثانية ليكون كذلك مهبط للطائرات طوله 150 كيلومتر وعرضه في بعض الأماكن ستة مسارب وهو ما يزال بنفس الكفاءة والجودة بسبب التقليد الألماني لصيانة كل شيء يقومون بعمله , وعلى ذكر الصيانة بعد أربعة أيام من زيارتي لمهرجان أكتوبر فيست ذهبت لزيارة بعض الأصدقاء في منطقة الحدود الألمانية الجيكية النمساوية وسكنت في بيت مبني في القرن الرابع عشر الميلادي وقد تمت صيانته بشكل ممتاز حيث ان سماكة الجدران هي تسعين سنتمتر مما يوفر عزل للحرارة والصوت يجعلك في عالم داخلي يعطيك الكثير من الأمان والراحة وقد ذكرني ذلك البيت بالنظام المتبع في بعض دول الخليج العربي مع الأسف الشديد بان العمر الافتراضي للبيوت التي يتم بنائها هو عشرين عاما يتم بعدها هدم البيت وبناء بيت جديد بنفس الطريقة مما يؤدي الى خسائر مادية وتخريب للبيئة وفقدان للثقافية البيتية.
ثقافة المهرجانات والاحتفالات هي جزء من تراث الشعوب الناطقة بالألمانية و لها تقاليد عريقة تمتد الى ما قبل الديانات وهي مازالت مستمرة فعندما يحصل حدث تاريخي مهم يتمسكون باستذكاره سنويا وتلك هي الشعوب الحرة فقصة السيدة والاقزام السبعة مثلا مازال الناس يحكونها لأطفالهم ولا يخلو بيت الماني من تمثال لقزم او صورة له وهناك الاف النصب الحجرية تمثل السيدة والاقزام السبعة منتشرة في معظم الولايات الألمانية وعلى الرغم من تعرض المانيا للكثير من الغزوات الخارجية خلال تاريخها لكن شعبها ما يزال متمسك بعاداته وتقاليده وتراثه حتى في مجالات الاكل والاعشاب الطبية وطريقة تناول الطعام وخياطة الملابس وبمناسبة الملابس فان الشعب الألماني لا يهتم بالموضة بل يهتم بالجودة والمتانة وما تزال معظم النساء الالمانيات يقمن بحياكة الملابس يدويا بالصوف التقليدي , قد يتعرض شعب ما لغزو وتغيير لغته وتقاليده ودينه ومذهبه بقوة السلاح كما يحصل في العراق منذ عشين عاما لغاية اليوم لكن الشعوب لا تنسى تاريخها وثقافتها فمازال العرب مثلا يستذكرون المعلقات السبعة على جدران الكعبة المشرفة وكرم حاتم الطائي وشجاعة عنترة بن شداد , وسرعان ما سيعود العراقيين الى لهجاتهم الاصلية وعاداتهم وتقاليدهم بعد طرد الغزاة وتحرير العراق.
لقد كان مهرجان أكتوبر فيست هذا العام شديد الازدحام حيث يبدأ يوميا من الساعة العاشرة صباحا وينتهي في منتصف الليل ويمتلئ بالزوار وفي يومي السبت والأحد - عطلة نهاية الأسبوع - خلال المهرجان تخرج مسيرات ضخمة للمشاركين بملابسهم التقليدية وموسيقاهم التي تشحذ الهمم وتعطي ايحاء بالقوة والانتصار، ومدينة مثل ميونخ تستقبل اكثر من سبعة ملايين نسمة خلال أسبوعين بأعلى درجات التنظيم والامن والنظافة جديرة بان تكون موضع احترام وتقدير , هذه بعض صور المهرجان أتمنى ان تروق للقارئ العربي.

بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

704 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع