موفق نيسكو
التعريف بمخطوط كتاب: تَعلُّق الكلدان بالدولة الإسلامية
(وهو القسم الأول من المجلد الثالث من كتاب "كلدو وأثور" لمطران الكلدان أدّي شير، وكان يعتقد أنه مفقود)
وقع بين يديّ مخطوط كتاب من مخطوطات مطرانيه أبرشية سعرد للكلدان في ماردين- تركيا، تمت فهرسته في 14/9/ 2012م في مركز المخطوطات الشرقية، عينكاوا- أربيل، مخطوط من القرن 19-20، اسمه: (تَعلّق الكلدان بالدولة الإسلامية)، وأحققه وأنشره اليوم مع صفحات منه للتعريف به لأول مرة، والكتاب من تأليف أدي شير +1915م، مطران أبرشية سعرد الكلدانية، الذي كان مثقفاً وذو كفاءة علمية، ويفتخر بسريانيتهِ إلى أن انخدع وتأثر سياسياً وقومياً بأشقائه الآشوريين الجدد الذين سَمَّاهم الإنكليز والذين سبقوه في العمل السياسي باستخدامهم لاسمهم الآشوري المزيف الذي اخترعه لهم الإنكليز بإقامة إقليم آشور شمال العراق، فبدوره ولأغراض سياسية وطائفية وعبرية، اخترع المطران أدي شير سنة 1912م مصطلح "كلدو وأثور" المزيف أيضاً، لإقامة إقليم كلدو وأثور، وألَّف كتابه المعروف باسم مزيف هو "كلدو وأثور"، علماً أنه لا علاقة لكلدان وآشوريي اليوم بالقدماء، سوى قيام الاستعمار الغربي الأوربي بخداعهم وذلك بسرقة اسمين من أسماء حضارات العراق القديم وتسميتهم بهما، فالكلدان والآشوريون الحاليون هم آراميون سريان نساطرة المذهب، وهم من أصول عبرية يهودية، قامت روما بتسمية الطرف المتكثلك منهم كلداناً، وثبت اسمهم في 5 تموز 1830م، وسَمَّى الإنكليز الطرف الذي بقي نسطورياً، آشوريين سنة 1876م.
وكتاب "كلدو وأثور"، طُبع بمجلدين في مطبعة الآباء الكاثوليك الدومينيكان، بيروت 1912-1913م، المجلد الأول تاريخ الآشوريين والكلدان القدماء قبل الميلاد، والثاني تاريخ الكنيسة النسطورية من انتشار المسيحية بعد الميلاد إلى ظهور الإسلام، وإلى عهد جاثليق أو بطرك النساطرة يشوعياب الجدلي (628-645م)، أمَّا المجلد الثالث، ويشمل تاريخ الكنيسة النسطورية بعد الإسلام، فكان يُعتقد أو أُشيع أنه فُقد بعد مقتل المطران أدي شير على أيدي العثمانيين في الحرب الأولى منتصف حزيران 1915م، لكن مطران الكلدان سليمان الصائغ، نشر بعدها بعدة سنوات سلسلة مقالات وفقرات كثيرة من تاريخ الكنيسة النسطورية منذ ظهور الإسلام وعصر الخلفاء الراشدين ثم عصر الدولة الأموية إلى بداية القرن الثامن وعصر عبد الملك بن مروان والحجاج الثقفي، ونشرها تحت عنوان "تاريخ كلدو وأثور"، في مجلة النجم سنة 1928-1930م، قائلاً: هذا هو المجلد الثالث المتمم للمجلدين السابقين لأدي شير، ويبدو أن المطران سليمان الصائغ كان يملك نسخة من الكتاب أعلاه ومعلومات وأبحاث للمطران أدي شير حيث يقول في أول مقال له في مجلة النجم سنة 1928م: إنه كان قد نشر ترجمة أدي شير سابقاً في مجلة المشرق 1925م، وسيعيدُ ذلك في مجلة النجم، ويضيف إليها ما وقع عليه من معلومات جديدة.
ومقالي هذا يُعرِّف لأول مرة بالمجلد الثالث، الذي يبدأ بقسم أول عن العلاقة مع الإسلام، اسمه: (تَعلّق الكلدان بالدولة الإسلامية)، ويقع في 45 صفحة بخط اليد، وقد أُلِّف بعد سنة 1913م وقبل مقتل المطران، أي سنة 1914م قبل أو بداية الحرب الأولى، وواضح أن موضوع الكتاب يندرج بما يُسمَّى "أدب التَزَلُّف أي التَمَلُّق"، وهذا المصطلح استعمله المطران أدي شير كما سنرى، وهدف هذا الكتاب بالذات هو التزلّف أو التملّق للدولة العثمانية، ليس لعدم التعرض للمسيحيين عموماً، بل لعدم التعرض لطائفته الكلدانية فقط، لكن يبدو أن الكتاب لم يتشفع حتى له شخصياً، حيث قتله العثمانيون.
إن مقدمة الكتاب مستمدة ومطابقة باختصار لمقدمة المجلدين الأول والثاني من كتاب "كلدو وأثور"، وكثير من الفقرات إضافةً لأسلوب الكتابة والخط والمصادر والهوامش، كلها مطابقة ومستمدة منه أيضاً، ومعتمدة كثيراً على مكتبة أبرشية مدينة سعرد التي كان أدي شير مطراناً لها ويملك فيها مكتبة عامرة يستشهد بها كثيراً في كتبه ومقالاته، منها كتابه (تعلّق الكلدان بالدولة الإسلامية) حيث يُسمِّيها ص32 (مكتبتنا السعردية)، مثلما يُسمِّيها في مج 1، 2، من "كلدو وأثور"، وغيرها من كتبه.
الكتاب عبارة عن رسالة تزلّف أو تملّق واستعطاف، يوجهها المطران إلى الدولة العثمانية التي يُسمِّيها "دولتنا الجليلة"، وأن الكلدان خاضعين للعرش العثماني العالي والحضرة العلية السلطانية التي ينتمي الكلدان لها، وهذه الدولة العثمانية هي التي تحميهم، ثم يذكر المطران بعض الصلوات والأدعية التاريخية عموماً وبالذات التي تمجد الإسلام والمسلمين من أرشيف كنيسته ومكتبته السعردية، طالباً من الله عبر هذه الأدعية الخشوعية لسلطة الدولة العثمانية أن يوطِّد أركان عرشها المجيد الجليل، ويوقِّرها بالعز، وسعادة البلاد، ورفاه العباد، وأن تبقى أبدية إلى انقضاء الدهر، ليس بالقول فقط، بل بالفعل، وقد نظَّمَ المطران الأدعية الدينية ووجهها للسلطان العثماني ودولته ورتَّبها حسب الأعياد والآحاد الكنيسة، ففي عيد الدنح يُقال الدعاء الفلاني للسلطان، وفي أحد السعانين دعاء آخر، وسبت النور دعاء، وعيد القيامة دعاء، وعيد القديس أوكين دعاء..إلخ.
وذكر المطران أن الكلدان ساعدوا المسلمين ضد الروم بداية ظهور الإسلام، لأن الروم كانوا يضطهدون الكلدان، ويخالفوهم في العقيدة، وأن جاثليق أو بطرك النساطرة يشوعياب الجدلي المعاصر لصاحب شريعة الإسلام محمد عليه السلام، تنبأ بالوحي الإلهي لمحمد بالنصر والعظمة والقدرة، وقد كاتَبَ وأرسل هدايا لنبي الإسلام، لذلك أجابه النبي وأعطاه عهداً بحماية الكلدان، وكذلك فعل خلفاء المسلمين بعده حيث أعطوا عهوداً للكلدان، وهذه العهود والامتيازات منحها صاحب شريعة الإسلام وخلفائه المباركين الأجلاء أيد الله دولتهم إلى الأبد، للكلدان فقط، مُفضِّليهم على بقية المسيحيين كاليعاقبة (أي السريان الأرثوذكس) والروم والملكين، وذلك لصدق الكلدان مع الإسلام، ومساعدتهم لهم في بداية الدعوة الإسلامية، لذلك قَرَّبهم صاحب شريعة الإسلام وشرَّفَهم بعهد جليل، وحذا حذوه خلفائه العظام لما رأوا من الكلدان من الأمانة والوفاء والصدق، ففضلوهم على غيرهم، وتعاملوا مع بطركهم واستجابوا لمطالبه، وساعدوا الكلدان في أمورهم وقضاء حاجاتهم وبناء الكنائس، ومنعوا الآخرين كاليعاقبة (السريان الأرثوذكس)، ثم ذكر المطران الخدمات التاريخية التي قدَّمها المسيحيون خاصة الأطباء السريان للمسلمين.
طبعاً الملاحظة المهمة هي: إن هذا المطران في كتابه هذا كما في المجلدين 2،1 من "كلدو وأثور"، زوَّرَ كل كلمة نسطوري أو سرياني من مصدرها الأصلي في التاريخ، وكتبها كلداني، فالجاثليق النسطوري، والأطباء السريان، واللغة السريانية، وغيرها، كلها أصبحت عنده في كتابه هذا، كلدانية، وأن المسلمين اختصوا الاهتمام بالكلدان دون غيرهم من المسيحيين الآخرين..إلخ، وذكر ص14 مقالاً بعنوان: (اختصاص الخلفاء بالكلدان دون غيرهم من الملل)، علماً اًنه لا يوجد مصدر واحد من مصادر أدي شير وبلغته ذكر قوماً مسيحيين أو لغة باسم "كلدان" أو اهتمام الخلفاء المسلمين أو غيرهم بقوم اسمهم "كلدان"، لأنه وببساطة، عدم وجود اسم الكلدان حينها، بل سريان أو نساطرة، وللحقيقة حتى التي يُسمِّيها المطران عهوداً، هي قليلة جداً أولاً، اثنان واضحان فقط، وثانياً هي أصلاً ليست عهوداً، بل مناشير أو أوامر، استعملها رجال دين متكلدنين ومتأشورين حديثاً بتضخيمها وتحريف مغزاها، آخرهم بطرك الكلدان ساكو عندما سُحب منه المرسوم، وشرحنا ذلك في مقال سابق.
ولكي يطلع القارئ الكريم على تَزلّف وتملّق وتقلّب وعدم صدق بعض رجال الدين المسيحيين، ومنهم هذا المطران، فالأمر الطريف أن هذا المطران المزوِّر والمتزلِّف للدولة العثمانية في مجلده الثالث وكتابه (تعلق الكلدان بالدولة الإسلامية)، استشهد وافتخر بعهود الرسول محمد للمسيحيين، واعتبرها موجهة للكلدان حصراً، لكنه قبل الحرب وفي مج2 من كتابه سنة 1913م، كان قد استنكَفَ من احترام كنيسته وآبائها للإسلام، فكَذَّبَ وفَنَّدَ مؤرخي كنيسته كماري بن سليمان وعمرو بن متى وغيرهما الذين ذكروا أن بطركهم يشوعياب الجدلي كاتَبَ وأرسل هدايا للرسول محمد، وتنبأ له بالنصر والعظمة، فأعطاه الرسول محمد عهداً لحماية النصارى في البلاد الإسلامية، واعتبر المطران أن هذه الأقوال لفَّقها الآخرون كاليعاقبة (السريان الأرثوذكس) أو والأرمن أو الأقباط على كنيسته لكي يحطوا من شانها، ويتزلفوا للمسلمين، حيث يقول: إن هذه الأقوال والعهود التي ذكرها مؤرخو كنيسته ماري وعمرو، هي بدون شك مُزوَّرة، وأن صورة عهدي الرسول محمد الموجودان عنده في مكتبة سعرد، مُزوَّران أيضاً، وأن النساطرة أو اليعاقبة (السريان الأرثوذكس)، أو الأرمن أو الأقباط، هم من اصطنع هذه العهود تزلُّفاً للمسلمين (كلدو وأثور، مج2 ص253-254)، وسبحان مغيِّر الأحوال!.
ملاحظة: يقول المطران: إن النساطرة (طبعاً هو يُسمِّيهم زوراً، الكلدان) ساندو الإسلام ضد الروم لأن الروم كانوا يضطهدون النساطرة ويخالفونهم في العقيدة، فالسؤال: إذن لماذا تكثلك النساطرة واتحدوا بروما سنة 1553م، وإذا افترضنا أن الجواب سيكون: عفا الله عما سلف، فالسؤال الأهم: كيف ولتبرير التكثلك، يدَّعي كثير من المتكلدنين ومنهم المطران أدي شير، قائلين: باتحادنا بروما الكاثوليكية رجعنا إلى حضنها؟ (كلدو وأثور مج2، مقدمة ص4)، فمتى كان السريان النساطرة ومسيحو الشرق تابعين لروما وانفصلوا عنها ثم رجعوا لحضنها؟، ألم يقل المطران إن كنيسته الأولى كانت تابعة للدولة الفرثية وعاصمتها المدائن؟، والأهم، ألم يجعل المطران كل شي كلدانياً؟، وأن المجوس الذين سجدوا للمسيح كانوا كلداناً، وأن أدي وماري وآجي أول من بَشَّر الكلدان، ثم قام الكلدان النصارى بفتوحاتهم الدينية على غرار فتوحات أجدادهم الكلدان القدماء للبلدان قبل الميلاد، فافتتح الكلدان النصارى بلاد فارس والهند والصين ومادي وتركستان وأرمينيا وقبرص ومصر، وغيرها؟ (مج2 مقدمة كلدو وأثور-ص7، وغيرها)، فهل بشَّرت روما الشرق بالمسيحية، وأدي وماري وآجي كانوا روماناً، أم العكس أي أن رسل المسيح الشرقيون هم من بشروا روما؟.
وشكراً/ موفق نيسكو
1889 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع