د.عدنان هاشم
خاطرة العدد
حلمٌ تخلى عنه في رغـدِهِ
هل يقدر النَّوْحُ على ردِّهِ
لو يعلمُ الصيادُ ما صيُدُه
لم يجعلِ البلبلَ في صيده
ألفيتُه ينثرُ ألحانَهُ
كأنما ينثُرُ مِنْ كَبْدِهِ
عمر أبو ريشة
رأيت وأنا في بغداد بلبلا أسيرا في قفص، يشدو ألحانه في وضح النهار، ولكن كانت في أنغامه مسحة حزن وأسى، فليس تغريده هو ذلك الغناء العذب الذي تطرب له الآذان وهو يشدوه طليقا طائرا من غصن إلى غصن ومن شجرة إلى شجرة.
وفي هدأة الليل المظلم كنت أسمعه يطلق نغما قصيرا متقطعا ولكنه لا ينقطع أغلب ساعات الليل. هل يا ترى كان يبث حزنه إلى خالقه، ام أنه كان ينشد أنغاما يائسة كيأسه من حريته! تلك الحرية التي لم يذق طعمها منذ أن هبط على عش أبويه صياد فظ قاسي القلب فسلب الأم صغارها ولم يأبه لصراخها ولا لرفرفة أجنحتها اليائسة وهي تحاول عبثا تخليص صغارها. ثم باع الصياد البلبل لآخر فقضى عليه بالسجن مدى الحياة في قفص صغير لا يمكنه الطيران فيه لصغره فودع فيه الحرية واستقبل فيه حياة رتيبة جديبة. وكنت أمر عليه كل يوم فكأني أرى سحابة حزن تخيم على رأسه الصغير وتغشى عيونه الجميلة. وعبثا حاولت أن أقنع سجانه بإطلاقه، ولكنه كان رجلا قاسي القلب متبلد الشعور فتعلل بأعذار شتى منها أن بلبله قد يموت خارج قفصه، فقلت إن موته خارج قفصه وهو حر طليق خير له من أن يعيش بين جدران القفص الأربعة وهو أسير. غادرت بغداد وقد حملت معي صورة ذلك البلبل الأسير الحزين. شعرت أنه قد حملني رسالة بلبل سجين أنشرها لكل من يقرأ ويرى:
دعوا البلابل والطيور تشدو وتغني حرة طليقة على الطبيعة وليس بين أعواد الأقفاص. فجمالها وهي تطير وتشدو غناءها يملأ النفوس جذلا وانشراحا.
لا تفجعوا الطيور بأولادها فهي تحزن لفراقهم كما نحن نحزن لفراق أحبائنا.
فكما نحن نحب الحرية فلندع الكائنات تتمتع بحريتها التي وهبها الله لها.
اطلبوا ممن ترونه يحبس طيرا إطلاقه من قفصه ليتمتع بالحرية كما نحب أن نحيا في ظلال الحرية.
دعوها تسرح في الطبيعة التي خلقها الله لها لتغني وتحب وتتناسل كما نحب ونتناسل فإن البلبل لا يبني عشا ولا ينسل في قفص.
6 كانون الثاني 2024
395 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع