سفراء ودبلوماسيو الزمن الأغبر بعد عام ٢٠٠٣/ الجزء السادس

ذو الفقار

سفراء ودبلوماسيو الزمن الأغبر بعد عام ٢٠٠٣/ الجزء السادس

ملاحظة

عطفا على مقالاتنا السابقة، نستكمل الحديث عن الدبلوماسية العراقية بعد الاحتلال الأمريكي الإيراني للعراق بعد ان استعرضنا الدبلوماسية العراقية في اوجها الباهر خلال الحكم الوطني السابق، وما افرزته من سفراء ودبلوماسيين لامعين كانوا مصدر فخر واعتزاز على المستوين العربي والعالمي، مثل وسام الزهاوي، ونزار حمدون، وعبد الجبار الهداوي، ووهبي القره غلي، ووداد عجام، ورياض القيسي، واكرم الوتري، وفؤاد الراوي والعشرات غيرهم.
العلاقات الدولية تعتبر أحدى أهم فروع علم السياسية ورغم اختلاف المنظرين السياسيين في تصنيفها ما بين العلم والفن، لكن هذا لا يلغي أهميتها، فهي تمثل السياج الخارجي للدولة الذي يؤمن لها السلم والاستقرار والأمن والمحافظة على منجزاتها الداخلية والخارجية، إضافة إلى حماية حقوق رعاياها ومصالحهم الشخصية في الخارج. وتتخذ العلاقات الدولية نموذجين متنافرين، أولهما التعاون والمتمثل بالعلاقات المبنية على قاعدة السيادة والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، ورعاية المصالح المشتركة بين طرفين أو أكثر يعملان في وسط متفائل، يؤمن لهذه العلاقات الديمومة والتطور في المستقبل. والطابع الثاني هو الصراع ويتجلى بتباين المصالح وتنافرها بين الدول مما يولد تحديات جسيمة سواء كانت القيمية أو دولية، لدولتين أو اكثر لربما مع منظمة دولية كالأمم المتحدة أو محاور او احلاف سياسية أو عسكرية، وربما تنعكس آثار الصراع على الأوضاع الداخلية، وتشكل عقد ومعوقات لا يمكن تجاوزها إلا بحنكة سياسية وحكمة بليغة وأحيانا شيء من القوة والحزم. قد يكون هذا التباين ظاهري يطفو على السطح السياسي وتحت مطرقة الماكنة الإعلامية، أو باطني يستقر في القاع متحينا الفرصة المناسبة ليطفو على السطح، وربما تنكره الأطراف المتضادة لأسباب وغايات متعددة هي خارج مجال موضوعنا.
إدارة العلاقات الدولية كما هو معروف من مهام وزارات الخارجية في كافة دول العالم باستثناء النظام الإيراني، حيث بعض الملفات التي تتعلق بالدول الخاضعة لسلطة ونفوذ الولي الفقيه ـ العراق واليمن وسوريا ولبنان وحماس ـ بيد الحرس الثوري الايراني، وبالرغم من تسلمها الأوامر والتوجيهات من الجهات العليا الممثلة بالرئاسة لرسم السياسة الخارجية بما لا يتعارض وأهداف النظام السياسي. لكنها غالبا ما تقوم الخارجية باقتراح وصياغة تلك التوجيهات من خلال موقعها الاستشاري فتقدم أفضل الحلول أو الخيارات أو التوصيات والأسبقيات للقيادات العليا حول العلاقات الثنائية والمتعددة الاطراف. والدولة التي لا تمتلك سياسة خارجية كفؤة ومرنة ستفتقر حتما الى مقومات الدولة العصرية ولا يمكنها أن تواكب التطورات العالمية أو تضطلع بواجباتها على الوجه الأكمل مما يوقع الجهات العليا في أزمات واختناقات قد تكون أحيانا مدمرة أو في غنى عنها، وأحيانا تمتد الآثار الى هدر المصالح الوطنية والقومية العليا فبدلا من أن تكون صفرا أمام رقم واحد له قيمة تنتقل إلى خلفه فتفقد تلك القيمة.
قاعدة المعلومات هي الركيزة الأساسية لعمل أية وزارة خارجية وهذه الركيزة تحتاج إلى معرفة شاملة وعميقة بالعلوم السياسية بكل فروعها ولا سيما العلاقات الدولية، إضافة إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات والمعاهدات والصكوك الدولية حيث تسن القوانين الداخلية لأية دولة بالشكل الذي لا يتعارض مع تلك القوانين والصكوك الدولية، وكلما كان للخارجية حضور في الميدان الدولي كلما اكتسبت تقدير واحترام المجتمع الدولي، سواء عبر المشاركة في حل الأزمات أو دفع عجلة الأمن والاستقرار الدولي إلى الأمام، أو الانضمام إلى التكتلات والتحالفات الدولية والإقليمية، وكذلك الانفتاح على مراكز القوى الدولية ولاسيما الحديثة منها، وكلما اكتسبت أيضا المزيد من الخبرة والفاعلية والحظوة وتمكنت من تحقيق التوازن بين المصالح الداخلية والدولية، علاوة على الانفتاح على المتغيرات الدولية ومجاراتها، إضافة إلى حسن أدائها في الملفات التفاوضية السياسية والاقتصادية والعسكرية والتنموية ومواجهة التحديات الخارجية. في معهد الخدمة الخارجية كان جميع الطلاب من خريجي الاقتصاد والقانون والسياسة واللغات الأجنبية، وكانوا يدرسوا في المعهد، القانون الدولي والسياسة الدولية والبروتوكول واللغتين العربية والإنكليزية والحصانة الأمنية (أساتذة من جهاز المخابرات) ودروس أخرى تتعلق بالعمل الدبلوماسي، وكان عدد من الاساتذة من السفراء والدبلوماسيين مثل فؤاد الراوي ووهبي القره غلي عقيلة الهاشمي وغيرهم، وغالبا كان طلاب المعهد يستفيدوا من تجارب أولئك السفراء سيما السفير فؤاد الراوي، علاوة على التجارب المهمة التي كان يتكلم بها أساتذة الحصانة الأمنية، وهي تجارب مهمة تؤمن الحماية الكافية لموظفي السفارة ليتخذوا تدابير اليقظة والحذر من المخابرات الأجنبية. من المؤسف ان جميع هذه المزايا والمواصفات لا تتوفر في السفراء والدبلوماسيين، مما أدى الى انعدام فعالية الوزارة على الصعيدين العربي والدولي، علاوة على المنظمات الدولية. كما ان طلاب المعهد بعد عام 2003 لا يمكن ان يستفيدوا من تجارب السفراء الذين هم أصلا يجهلوا الأعراف الدبلوماسية، وثقافاتهم في المجالين الدبلوماسي والقنصلي ضحلة، وخبرتهم في إدارة العلاقات الخارجية محدودة للغاية. تصوروا وزير الخارجية إبراهيم الجعفري يزعم ان نهري دجلة والفرات ينبعان من ايران، وان وزارته منفتحة على تنظيم داعش الإرهابي، وهرطقات تجعله اضحوكة أمام الوزراء بل اصبح قرقوز المحافل الدولية.

رغم العودة غير الميمونة للسفراء من الوجبة الأولى في وزارة الخارجية بعد انتهاء مهامهم الفاشلة في الخارج، كانوا مكللون ببشائر الرذيلة والفساد، فأن وزير الخارجية السابق هوشيار الزيباري وخلفه لم يتمكنوا من محاسبة أي منهم رغم لجان التحقيق الكثيرة التي شكلت بحقهم، ولم يتمكنوا أيضا من إعادة الحق إلى نصابه لمن كانوا ضحايا لفساد السفراء وطائفيتهم أو عنصريتهم او جهلهم بالأعراف الدبلوماسية. وذلك لأن السفير تدعمه احدى الأحزاب العميلة الحاكمة، فهو ذو حصانه خارج العراق وداخله أيضا! وهذه مفارقة عجيبة في العمل الدبلوماسي. ومن يجادلنا في هذا الأمر يمكنه أن يطلعنا عن مصير السفراء السابقين ومن بقى أو سيبقى في العراق؟ وما هي نتائج التحقيق في ملفات الفساد المالي والإداري والأخلاقي؟ وهل تمت محاسبة الشراذم الفاسدة؟ وهل تم رفع الغبن عن ضحاياهم الذين رفضوا الانقياد لنزواتهم الشيطانية؟ إذا تسلمنا الجواب وهذا من عاشر المستحيلات! سنقدم عندئذ اعتذارنا ليس للوزارة وبوقها الناطق فحسب وإنما للسفراء جميعا بما فيهم الفاسدين.
كان القنصل العراقي في أحد الدول الأوربية أن عددا كبيرا من الاكراد يزعموا انهم عراقيون، ويمتلكوا وثائق باللغة الكردية على أساس انهم عراقيون، وفاتحت السفارة وزارة الخارجية حول كيفية التأكد من صحة تلك الوثائق باللغة الكردية، سيما ان منتسبا كرديا في السفارة قال للقنصل ان البعض منهم من اكراد تركيا وسوريا وايران، وهذا ما استشفه من خلال كلامهم، بل ان بعض المراجعين الكرد في القنصلية العراقية في اليونان طلب القنصل التأكد من عراقتهم قبل ان يصدر لهم جوازات سفر عراقية، فقاموا بتكسير الكراسي والزجاج والأجهزة في القنصلية، وبدلا من قيام السفير بحجزهم وتسليمهم الى السلطات اليونانية قام باستضافتهم في مكتبة واوعز للقنصل بإنجاز جوازات سفر عراقية لهم، علما انهم كانوا من اكراد ايران، ومن المعروف انه في السنوات الأولى من الغزو كانت الأفضلية في منح اللجوء الى العراقيين. المهم عندما تمت مفاتحة الوزارة بشأن التأكد من صحة الوثائق الكردية كان جواب الوزارة بعهد الزيباري" لا توجد صلات رسمية مع إقليم كردستان". وتحير القناصل حول هذا الأمر وتم توزيع الجوازات العراقية حسب تقدير القنصل، او حسب توجيهات السفير ونوازعه القومية والمذهبية وعلاقاته مع الطبقة الحاكمة. الآلاف من غير العراقيين حصلوا على جوازات من السفارات العراقية بعد الاحتلال، سيما في اليونان وإيطاليا ورومانيا.
العلاقات الدولية المميزة والناضجة هي المحرار الذي يمكن أن نقيس عليه مستوى نجاح وزارة الخارجية وبرودة أو دفء علاقاتها الدولية، فكلما كانت العلاقات مع العالم الإقليمي والخارجي دافئة وراسخة وبعيدة عن التصدع، كلما كان إداء الخارجية ممتازا، وبقدر ما يكون نشاط الخارجية باردا أو باهتا كلما فقدت بريقها، وأحيانا قد لا يبدو هذا البرود ملموسا في زمن الرخاء والرفاهية لكنه يتوضح أكثر خلال الأزمات والصراعات و التحديات الكبرى. يكون دور الخارجية دورا مهما قبل الأزمة وأثنائها وبعد انتهائها ومن هنا يمكن أن نخمن حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، فإذا تمكنت الخارجية من تطويق الأزمة واحتوائها قبل أن تستفحل فهي جديرة بأن تكون موضع فخر وتقدير، وإذا تمكنت الخارجية أثناء الأزمة وخلال المفاوضات الجارية مع الطرف الآخر سواء كانت (دولة أو حلف أو منظمة دولية أو اقليمية) من الحفاظ على مصالحها أو تحقيق مكاسب إضافية فأن هذا التفوق يعكس كفاءتها وخبرتها وقوتها التفاوضية في إدارة الأزمات. وإذا تمكنت الوزارة من تجاوز الخلافات القائمة بعد انتهاء الأزمة والتوجه نحو تطبيع العلاقات مع الدولة موضوع الصراع، ووضعت الأساس لرؤية مشتركة وخطت إلى الأمام لتعميق الروابط وتعزيز العلاقات في إطار المصالح المشتركة فان نقاط جديدة تضاف إلى رصيدها الإيجابي. وخير نموذج لمعرفة هذه الأدوار الثلاثة هو مواقف الخارجية قبل اندلاع الحرب وخلالها وبعد انتهائها. لقد كان لنزار حمدون ووسام الزهاوي ورياض القيسي وحميد الموسوي واكرم الوتري وفهمي القيسي وسفراء آخرين دورا بارزا خلال الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها، بل هم عماد سياسة العراق الخارجية في ذلك الوقت ومن المؤسف ان الوزارة بعد عام 2003 فشلت فشلا ذريعا في جميع هذه الملفات السياسية والقانونية والدولية.
على ضوء المعلومات آنفة الذكر يمكن أن نقيم أداء وزارة الخارجية منذ الاحتلال الأمريكي الإيراني للعراق حتى الوقت الحاضر، ونخرج بنتيجة مؤسفة بأن وزارة الخارجية العراقية تعد بحق من أفشل وزارات الخارجية في تأريخ العراق ليس على صعيد الوطن العربي وإنما العالم كله، فهذه الوزارة منذ الغزو الأمريكي للعراق متخمة بسلسلة من الإخفاقات، فهي أما تائهة عن جادة الطريق أو تترنح في مسيرتها كالسكارى، في ظل وزراء يتعاملوا مع الوزارة كملك صرف لحزبهم وخاصتهم.
قامت قيادة الوزارة باجتثاث معظم الكفاءات الدبلوماسية وسدت ثغراتها بكوادر غير مؤهلة بتاتا للعمل الدبلوماسي جلهم من الحرفيين الذين ليس لهم علاقة عن قريب أو بعيد بالعمل الدبلوماسي، واطلعنا على نماذج تثير ليس السخط فحسب وإنما الخجل أيضا! فما شأن عارض في ملهى ليلي و جزار وكهربائي وبائع خضروات ونجار ومصلح سيارات أو طبيب بيطري أو صيدلاني أو مهندس طيران أو مهندس زراعي أو طيار حربي بالعمل الدبلوماسي (مع احترامنا لكل المهن والحرف الشريفة)، لكن ليس من المنطق أن يمارس القصاب مهنة الطبيب الجراح أو العكس، لكل منهما مجال عمله الطبيعي حسب الدراسة والتخصص والخبرة والمعرفة. ناهيك بأن عددا كبيرا منهم لا يمتلك شهادات جامعية، أو عينوا بشهادات مزورة مثل ممثل العراق الدائم السابق في الأمم المتحدة حامد البياتي، وقد أطلعنا على قوائم صادرة من وزارة الخارجية تطالب موظفين بدرجات وظيفية عليا كسكرتير أول ومستشار ووزير مفوض بشهادات تؤيد تخرجهم من الجامعات! فكيف تم تعيين هؤلاء الأمعات وعلى أي أساس؟ تلك إحدى جرائم وزارة الخارجية بحق الدبلوماسية العراقية؟

ذو الفقار

للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:

https://www.algardenia.com/maqalat/61819-2024-01-12-16-26-37.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

958 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع