د.سعد ناجي جواد*
جردة اولية لخسائر إسرائيل في معركة طوفان الأقصى.. لماذا تحاول بعض الأطراف العربية إنقاذ نتنياهو وحكومته العنصرية من مصير مظلم محتوم؟ وكلمة عتب من مواطن عربي بسيط إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي
لا يخفى على احد ان إسرائيل تعيش اكبر ازماتها منذ بداية عملية طوفان الأقصى ولحد اللحظة، وعلى كافة الأصعدة. فمن الناحية العسكرية، ورغم ان جيش الاحتلال أسقط من خلال قصف جوي وبري وبحري غير مسبوق ما يفوق قوة ربع قنبلة نووية راح ضحيتها اكثر من 25 الف شهيد جلهم من الأطفال والنساء (ولا تزال الأعداد تتصاعد)، وتسبب في جرح 70 الف فلسطيني، إلا ان كل هذه الأساليب البربرية لم تنجح في إسكات المقاومة او دحرها كما وعد نتنياهو وحكومة الحرب المصغرة التي شكلها. وتكفي الإشارة إلى حقيقة ان المقاومة مازالت تعمل في كل قطاع غزة ومازلت تطلق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة ومن المناطق التي ادعت إسرائيل انها مشطتها، (او حرثتها، بالكامل)، ولم تنجح في تحرير أسير اسرائيلي واحد. ومازالت المقاومة تكبد جيش الاحتلال خسائر يومية في الأرواح والمعدات. بالإضافة إلى هذا الفشل هناك نقمة داخلية متزايدة تشهدها تل ابيب بالذات، تتمثل في التظاهرات والاعتصامات التي تقودها عوائل الاسرى الصهاينة لدى حركات المقاومة، والتي فشلت كل ادعاءات قرب تحريرهم، وهذه المشكلة هي التي ستطيح بنتنياهو وقريبا.
دوليا يعيش الكيان حالة قلق وترقب لما سيصدر عن محكمة العدل الدولية، التي تؤكد اغلب المصادر ان قرارها سيكون ادانة للعمليات العسكرية البربرية التي شنها ويشنها جيش الاحتلال على غزة بالذات والضفة الغربية عموما، منذ بداية عملية طوفان الأقصى ولحد الان. وتشير كل الدلائل إلى حقيقة انه حتى إذا ما نجح النفوذ الأمريكي والغربي والصهيوني في التأثير على قرار المحكمة وجعله لا يصل إلى حد أدانة إسرائيل بتهمة الابادة الجماعية، فان القرار المرتقب بالتاكيد سيدين المجازر المستمرة منذ اكثر من ثلاثة اشهر وسيطلب وقفا فوريا للقتال وإحالة الامر إلى مجلس الامن، اللهم إلا إذا قرر قضاة اهم وأكبر محكمة دولية التضحية بسمعتهم ومكانتهم وتاريخهم القضائي ورفضوا فعل ذلك، وهذا امر مستبعد جدا، خاصة بعد الكم الهائل من الحقائق والمرافعات الرائعة والمؤثرة والموثقة التي قدمها فريق دولة جنوب أفريقيا (الدولة التي قدمت الطلب) للمحكمة. وكما اكدت اشهر المجلات العلمية العالمية والصحفيين الكبار في الولايات المتحدة والغرب، والذين تميل اعداد غير قليلة منهم إلى إسرائيل، انه سواء كان قرار المحكمة النهائي يدين إسرائيل او يبرؤها من جريمة الابادة الجماعية، فان إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة قد خسرت خسارة سياسية واخلاقية وانسانية كبيرة على المستوى الدولي، وهذه الخسارة طالت الولايات المتحدة وبريطانيا وكل الدول والشخصيات التي تقف إلى جانب إسرائيل وترفض وقف اطلاق نار شامل وحل عادل للقضية الفلسطينية.
من ناحيته يحاول نتنياهو المأزوم والمهزوم ايجاد حلول ملتوية لفشله عن طريق اطلاق بالونات اختبار لحلول يراد منها افشال النجاحات التي حققتها المقاومة. فهو من ناحية يرفض وقف اطلاق النار بشكل كامل لأنه يعلم ان ذلك يعني الاطاحة بحكومته، ومن ناحية اخرى يطرح وقف جزئي ومؤقت يشمل إطلاق جميع أسرى إسرائيل عند المقاومة مقابل إطلاق سراح عدد من الفلسطينيين الذين يقبعون في السجون الاسرائيلية. وهو يعتقد ان المقاومة ستنخدع بهذه الأفكار وتقبل بها كي ترمي له طوق النجاة الذي يستميت في الحصول عليه، ولكن رد المقاومة كان واضحا جدا رغم الضغوط الخارجية التي تُمارس عليها، وقسم غير قليل منها يأتي من أطراف عربية. ومن المؤسف ان بعض هذه الأطراف العربية تحاول مساعدة نتنياهو على الخروج من مأزقه بأساليب اخرى مثل توريد كل ما يحتاجه الكيان من مواد غذائية واحتياجات السوق الاسرائيلي عبر طريق بري يبدأ من بعض الموانئ الخليجية إلى فلسطين المحتلة، بعد ان نجح ثوار اليمن في تعطيل ممر البحر الاحمر أمام تجارة الكيان. هذا الامر يحدث في وقت يُبقي الكيان كل المعابر إلى غزة مغلقة بشكل شبه كامل أمام شاحنات المساعدات الغذائية والدوائية. وبالتأكيد ان هذا الحل يساهم في تخفيف أزمة داخلية اخرى (شحة المواد المتوفرة في الأسواق) تضاف إلى حالة الغضب والمظاهرات والاعتصامات اليومية التي تنفذها عوائل الاسرى الذين لا يزالون في قبضة المقاومة. ولكن كل الذين يحاولون إنقاذ نتنياهو تغيب عنهم الحقيقة التي تقول ان دوره السياسي قد انتهى، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي الاسرائيلية.
واخيرا أسمح لنفسي كمواطن عربي قومي بسيط، احب مصر دائما ودافع عنها واعتبرها، ولا يزال، قلب العروبة النابض، وحزن لحزن ابوائها وفرح لفرحهم، ويظل ينظر لها على انها الدولة الام والرائدة في الوطن العربي والاكثر قدرة على الدفاع عن مصالحه، ان امنح لنفسي الحق في ان اعتب عتبا صادقا ليس من وراءه اية نية سيئة واقول، يوم امس أفرحنا الرئيس عبد الفتاح السيسي بتصريحه الشديد الذي قال فيه بان (مصر لن تسمح بتهديد الصومال وأمنه) و(حذر بشدة من المساس بسيادة الصومال او وحدة اراضيه)، وطبعا هذا التهديد الصريح والواضح كان موجها لحكومة اثيوبيا، التي شيدت سد النهضة وملئته بدون اي احترام لمصالح مصر الحيوية دولة وشعبا، والتي تحاول ان تهدد الامن القومي المصري، وبالتالي العربي، من خلال مد نفوذها إلى البحر الأحمر، وأعتقد ان مصر محقة تماما بل ومطالبة بوقف هذه التحديات المؤذية. ولكني في نفس الوقت أسمح لنفسي ان اسال الم يكن من الأجدر توجيه تنبيه مماثل ومباشر إلى الكيان الصهيوني الذي يهدد امن وسيادة مصر والأمة العربية في كل يوم، سواء عن طريق المساهمة في تشييد سد النهضة، او شن ضربات جوية على كل الدول المجاورة لفلسطين المحتلة، وصولا إلى الحديث عن احتلال محور فيلاديفيا الذي يعتبر جزءا مهما من سيادة مصر، ومنع فتح المعابر لمرور المساعدات الأساسية التي تمس حياة اكثر من مليوني فلسطيني في غزة وتحول مدنها إلى مناطق تتفشى فيه الأمراض وسكان ومستشفيات تفتقر إلى كل المواد الطبية الضرورية ناهيك عن انتشار مظاهر مجاعة غير مسبوقة، ويصر الاحتلال على منع شاحنات المساعدات الانسانية من الدخول إلى غزة عبر معبر رفه. وأعتقد ان مصر خير من يعلم بهذه الماسي حيث يمتد طابور شاحنات المساعدات من العريش إلى حدود غزة، كما ذكرت بعض التقارير، وإسرائيل ترفض دخولها.
نعم سيادة الرئيس ان موقفك من الصومال أفرحني لأني وجدت فيه امتداداً لمواقف مصرية مشهود لها في القارة الأفريقية، ولكن تلك المواقف لم تأت على حساب أطراف عربية بحاجة لمثلها ايضا. في عام 1967، وبعد هزيمة حزيران القاسية مباشرة وعندما كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يجاهد لكي يعيد بناء القوات المسلحة والثقة الشعبية بها، ويشن حرب الاستنزاف التي كبدت القوات الاسرائيلية خسائر كبيرة، وفي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تستبيح الأراضي المصرية وتقتل المدنيين الأبرياء، استنجدت به نايجيريا لافشال حركة اقليم بيافرا الانفصالية التي كانت مدعومة من إسرائيل، ولم يتردد الراحل عبد الناصر في ذلك وارسل طيارين وطائرات حربية إلى هناك وساهم في دحر الحركة الانفصالية، وقال قولته المعروفة إذا أرادت إسرائيل ان تحاربنا في أفريقيا فلتعلم بأننا على استعداد لإفشال مخططاتها، وذلك لأنه احس ان تحركات إسرائيل آنذاك كانت ترمي إلى خلق كيانات عنصرية لتطويق الامة العربية بأنظمة عميلة. ان موقف مصر اليوم ياسيادة الرئيس هو افضل بكثير من موقف مصر بعد نكسة حزيران، وان مصر اليوم قادرة على تجنيب ابناء غزة خاصة وفلسطين عموما الكثير من المآسي والإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل، وهذا ما ينتظره منكم ليس فقط ابناء فلسطين والصومال وانما الشعب العربي في كل مكان.
(وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وَسَتُرَدّونَ إِلىٰ عٰلِمِ الغَيبِ وَالشَّهٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ). صدق الله لعظيم
*كاتب واكاديمي عراقي
4591 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع