عدنان هاشم
خاطرة العدد
كانت حربا ضروسا ضارية تلك التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها فيتنام الجنوبية على فيتنام الشمالية الشيوعية الموالية لموسكو واستمرت لعشرين من السنين العجاف، استعملت أمريكا في تلك الحرب أشد الأسلحة فتكا وقتلا وتشويها لكسر إرادة الشعب الفيتنامي، وكانت لا تتورع عن قتل السكان العزل الآمنين بما فيهم الأطفال والنساء والشيوخ لكسر شوكة المقاتلين. ولكنها لم تستطع كسر روح المقاومة لدى الفيتناميين الذين ظلوا يحاربونها بشجاعة وصبر وإصرار منقطع النظير حتى هزيمتها ورحيلها من بلادهم سنة 1975 إلى غير رجعة.
في صباح يوم 8 حزيران 1972 بينما كان أطفال عزل يغادرون بيوتهم طلبا للسلامة بعيدا عن مواقع القتال وإذا بطائرة حربية تحوم فوق رؤوسهم وتلقي عليهم قنابل النابالم. الحارقة المحرمة دوليا. كان من بين المصابين بحروق شديدة من الدرجة الثالثة طفلة عمرها تسعة أعوام اسمها فان كيم فوك، أصابتها حمم النابالم بصورة مباشرة فاحترقت ملابسها فبدت عارية وسط الصورة التي التقطها أحد المصورين ونشرها في جريدة نيويورك تايمز. أظهرت الصورة بوضوح مدى الرعب والألم اللذين يظهران على وجوه الأطفال الأبرياء الذين كانوا يهيمون على وجوهم خوفا من أسلحة القتل والدمار التي تقض مضاجع أهليهم وتصب الحمم الحارقة على رؤوسهم. أثارت هذه الصورة موجة كبيرة من السخط والأحتجاج في أمريكا وأوربا كرد فعل على بشاعة الحرب الفيتنامية وفازت بجائزة بولتسزر Pulitzer Prize للصور الفوتوغرافية وشاهدها العالم كله، ولعل ذلك كان أحد الأسباب في تعجيل نهايتها بهزيمة أمريكا وتوحيد فيتنام فيما بعد.
أدخلت كيم فوك المستشفى وكانت حالتها ميؤوسا منها، ولكن بفضل العلاج المركز في المستشفى لمدة أربعة عشر شهرا وأجريت خلالها لها سبع عشرة عملية تجميلية وأكمل علاجها في إحدى مستشفيات ألمانيا الغربية المتخصصة،استطاعت كيم فوك من السير على قدميها بعد إعاقتها لزمن طويل ثم هاجرت إلى كندا في تسعينات القرن الماضي حيث تزوجت هناك من فيتنامي ورزقت منه طفلين.
استيقظ ضمير أمريكا وأوربا لبضع صور تصور بشاعة الحرب في فيتنام، فما بال الضمير الغربي خاصة السياسيين منهم ومن بيدهم مقاليد الأمور لا يرف لهم جفن ولا يرق لهم قلب لعشرات الآلاف من الأطفال القتلى والجرحى والمشوهين والمبتوري الأيدي والأرجل والمدفونين تحب الأنقاض في غزة! وكم يجب أن نرى المزيد من الجرائم ليستقيض الضمير العالمي الذي طال سباته متناسيا بشاعة الحرب بل هو يزيدها وحشية واشتعالا بتمويل الحرب بأشد الأسلحة فتكا ودمارا. لماذا هذا الصمت المريب عن هذه الجرائم الوحشية التي لم يسبق لها مثيل والتي يندى لها جبين الإنسانية مع أن بشاعة الصور من غزة الصامدة أضعاف بشاعة صورة تلك الطفلة الفيتنامية المحترقة بقنابل النابالم.
لقد مزقت غزة بصمودها العظيم ذلك القناع المنافق الرقيق الذي طالما صدع الغرب رؤوسنا متشدقا بالكرامة والعدالة والمساواة والدفاع عن حقوق الأنسان، والتي فقدت كل معانيها عندهم حتى توقفوا بأنفسهم عن ترديدها والتشدق بها.
ولكن الأسوأ من هؤلاء جميعا هم الحكام العرب الذين خانوا شعوبهم وخذلوا فلسطين، درة الشرق العربي وبيضة الإسلام ومهد المسيح، فكانوا أسوأ الحماة لأعدل قضية، قضية شعب صامد هُجِّر من أرضه قسرا وعانى المجازر الواحدة تلو الأخرى لسنين طوال وما يزال صامدا إلى يومنا هذا، ولا غرابة إذا شاهدنا وسمعنا دعاة الإنبطاح وأصحاب العرض المستباح يأتمرون بهذا الشعب البطل مع أعدائه لينهوا وجوده ومن ثَم لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولكن لله في خلقه في كل ما يجري حكمة وشأن، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
27 شباط 2024
1757 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع