رواية الطائرة المنكوبة / الجزء الثاني

بقلم أحمد فخري

رواية الطائرة المنكوبة /الجزء الثاني 

 من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط

https://www.algardenia.com/maqalat/62477-2024-03-04-11-43-57.html

اثينا / اليونان

ركب المحققان ناصر وماريا السيارة وانطلقا بها صوب مقر الشرطة المركزية باثينا. دخلا مكتب اللواء نيكوس الذي كان جالساً خلف منضدته فلوح لهما بيده قائلاً،

اللواء نيكوس : ادخلا، ادخلا، لقد جد جديد. تلقى عامل البدالة هذا الصباح عندنا بالشرطة المركزية مكالمة هاتفية من شخص مجهول يطلب التحدث معي مباشرة. وعندما حولوا المكالمة الى عندي، قال لي ان لديه معلومات مهمة عن قضية الطائرة المنكوبة لكنه فقط سيتحدث معكما انتما الاثنان. وقال انه سيتصل مرة ثانية على هاتفي الشخصي الجوال تمام الساعة العاشرة صباحاً.

تفحصت ماريا ساعتها وقالت،

ماريا : الساعة الآن هي التاسعة والنصف. سننتظر هنا حتى يتصل ولكن، هل حاولتم تتبع مكالمته؟

اللواء نيكوس : اجل، لقد علمنا انه يتصل من هاتف عمومي في محطة القطارات الرئيسية باثينا.

ناصر : إذاً ليس هناك مجال لتتبع الهاتف لضيق الوقت وزحمة المسافرين بالمحطة في هذا الوقت. الحل الوحيد هو ان ننتظر اتصاله.

ماريا : قد يكون ذلك فخاً.

ناصر : اجل هذا امرٌ وارد ولكن، لا يمكننا أن نضيع هذه الفرصة من ايدينا للحصول على مصدر من المعلومات فقد يكون صادقاً.

ماريا : اجل انا اشاطرك الرأي.

بهذه الاثناء رن هاتف عبد الناصر الجوال فرد عليه ليسمع صوت النقيب خالد شوقي من القاهرة يقول،

النقيب خالد : صباح الخير عبد الناصر، اليوم تسلمت تقريراً من خبيرنا الكيمياوي النقيب محمود الذي قام بفحص جزيئات السائل بداخل ابرة الحقن عن طريق المجهر الذري. قال في تقريره بانه لم يتمكن من معرفة نوع المادة الموجودة بداخل الحقنة لانها مركبة وتتطلب الكثير من الوقت للتحقق منها. لكنه يشك بانها تعطي بعض ملامح مادة الادرينالين الا انه لا يستطيع الجزم بذلك بشكل مؤكد.

ناصر : هل قلت الادرينالين؟ اليست هي تلك المادة التي تستعمل طبياً لتنشيط القلب؟

النقيب خالد : اجل هذا صحيح. لكن بكل الاحوال فهو غير متأكد منها لانها تختلف بتركيبتها الكيماوية بعض الشيء.

ناصر : شكراً لك نقيب خالد، اخبرني إن جد جديد معك، نهارك سعيد.

ارجع الهاتف الى جيبه واخبر اللواء نيكوس وشريكته ماريا بما دار بينه وبين مهاتفه من القاهرة فزادهم في حيرتهم. وبينما هم يتباحدثون سمعوا هاتف اللواء نيكوس الشخصي يرن فاجاب عليه ليسمع ذلك الرجل الغامض يقول،

الرجل الغامض : هل وصل المحققان الى مكتبك؟

اللواء نيكوس : اجل اليك المحققة ماريا. بامكانك التحدث اليها مباشرة.

فتح سماعة الهاتف كي يسمع الجميع المكالمة وقرب الهاتف من ماريا ليضعه فوق سطح المكتب. تقربت ماريا من الهاتف وقالت،

ماريا : انا المحقق ماريا تفضل. ما اسمك؟

الرجل الغامض : ساخبرك باسمي لاحقاً بامكانك ان تناديني جو الآن. اريد التحدث معك ومع الرجل الاسمر الذي كان بصحبتك عندما ذهبتما الى شقة ديليا ماكريس.

ماريا : إذاً تعال الى هنا في مقر الشرطة المركزية يا جو وسوف نتحدث اليك وجهاً لوجه.

جو : كلا، تعالي انت مع زميلك المحقق الى المَعْلَم الاثري الاكروپوليس وسنتحدث هناك.

ماريا : وكيف سيمكنني التعرف عليك؟

جو : لا تقلقي، انا ساتعرف عليكما.

قالها واغلق الهاتف. نظرت ماريا الى اللواء نيكوس وعبد الناصر فسمعت ناصر يقول،

الناصر : هيا يا ماريا دعنا نخرج الآن للقائه.

اللواء نيكوس : توخيا الحذر، فقد ينصب لكما احدهم فخاً.

ماريا : لا تقلق سيادة اللواء. نحن متيقظون جداً.

خرج الثنائي من مبنى الشرطة المركزية فسأل،

ناصر : كم يبعد مَعْلَم الاكروپوليس عن هنا؟

ماريا : انه مجرد كيلومتر واحد او اكثر بقليل، افضل واسرع طريقة للوصول اليه هو ان نأخذ الحافلة التي تأتي كل 5 دقائق.

وقف المحققان في موقف الحافلات وانتظرا قليلاً حتى وصلت حافلة فيها القليل من الركاب، ابرزت ماريا هويتها اثناء الدخول وجلسا بوسط الحافلة لتبدأ الحافلة بالمسير. وفجأة سمعا صوتاً من المقعد الذي خلفهما مباشرة يقول،

جو : اهلاً بالمحققان. انا جو.

ماريا : لكنك قلت اننا سنتقابل بمعلم الاكروپوليس.

جو : اعرف ذلك لكنني خفت ان تَنْصِبوا لي كميناً هناك قبل ان اشرح لكما كل شيء لذلك توقعت انكما ستركبا هذه الحافلة. والآن دعنا ننزل بعد محطتين كي نجلس باحدى المقاهي ونتحدث بهدوء.

ماريا : وكيف عرفت باشتراكنا بالتحقيق؟

جو : عندما جئتما لشقة ديليا ماكريس البياعة في كتجر اللعب بالمطار. كنت انا قد زرتها قبلكما بدقائق في شقتها فوجدتها مذبوحة من قبلهم فهربت. وعلمت انني ساكون هدفهم القادم.

ماريا : قلت (هدفهم) من تقصد بذلك؟

جو : ساشرح لكما ذلك بالتفصيل عندما نجلس في المقهى وليس الآن.

توقفت الحافلة فنزل منها الثلاثة مشيا على الاقدام حتى بلغا مقهى كتب عليه (ستاربكس). دخلوا وطلبوا ثلاثة اكواب من قهوة الامريكانو. ثم اختاروا احدى طاولة باحدى الزوايا البعيدة عن الشباك ليجلسوا حولها. هنا قال جو باليونانية،

جو : جئت بكما هنا اليوم لاني اعرف انكما من الشرطة الصالحين وليس لكما اي ضلع بالمؤامرة.

ماريا : ارجوك تحدث بالانكليزية لان شريكي لا يفقه اليونانية.

جو : حسناً. اسمي الدكتور جورجيوس نيكولاي والجميع يناديني جو.

ماريا : حسناً يا جو، هات ما عندك بدون مراوغة لان وقتنا ضيق.

جو : اسمعي يا محققة، انا احمل شهادة الدكتوراه بالصيدلة. تخرجت من جامعة كريت قبل 10 سنوات وحزت على ارقى الدرجات العلمية في ابحاثي بالمواد الدوائية وبالاخص المواد المصنفة تحت مجموعة (اوپيويد) وهي الأدوية التي تعتمد على الأفيون في محتواها والتي تشكل المادة الاساسية في صناعة بعض مسكنات الألام. وفور تخرجي من الجامعة، التقى بي رجل يرتدي بدلة سوداء قال انه يعمل لدى الحكومة المركزية باليونان وعرض علي وظيفة جيدة بمرتب دسم كي اشارك في فريق للابحاث الدوائية وطلب مني السرية التامة. وبعد ان صرت امارس عملي بذلك المختبر الخاص لديهم. نصّبوني رئيس فريق مشروع (گاما اكس) ومنحوني الاسم السري (جوكر).

ناصر : وما خصوصية ذلك المشروع؟

جو : ساشرح لكما بالضبط ما قالوه لي وقتها. ادعوا انهم جهة رسمية سرية تابعة للحكومة اليونانية. طبعاً فهمت فيما بعد انهم من الاستخبارات المركزية. قالوا ان القضاء اليوناني صارم جداً ولديه استقلالية تامة عن السياسة ورجالها. ولا يخضع لاي ضغوط من اي جهة مهما كان وزنها. وفي بعض الاحيان كان هناك بعض المجرمين والقتلة والارهابيين يُحكَمْ عليهم باحكام سجن مخففة يقبعون من جرائها في سجون مريحة مكيفة لفترات معينة ثم يخرجون الى الشارع من جديد ليمارسوا المزيد من الجرائم البشعة ضد الشعب اليوناني. لذلك ارادوا مني ان اخترع لهم مادة مميتة بامكانها ان تقتل البشر دون ان تترك ادلة، فيقتلونهم ليتخلصوا من شرهم بشكل نهائي دون ترك اي اثر. اطلقوا على ذلك المشروع (گاما اكس). ولكي اكون صريحاً معكما، ففي البداية ايدت ما جاؤوا به من عقاب لاولئك المجرمين والارهابيين والقتلة الذين يستحقون الاعدام. خصوصاً وان عقوبة الاعدام قد الغيت في اليونان عام 2004، وصار القتلة ينجون بافعالهم البشعة من جراء ذلك التغيير الخطير بالدستور. وكان من بين الناجين رجلٌ ريفي قام بقتل ابن عمي لمجرد انه دهس خروفه بالسيارة. فحكم على القاتل بالسجن المؤبد وكنت انا وعائلتي نأمل ان ينال عقوبة الاعدام. دعني اعود الى المشروع، بما انهم اكدوا لي وبشكل قاطع انهم لن يستعملوا ذلك الدواء واقصد (گاما اكس) سوى بالحالات القصوى. وقتها وافقت على العمل بمشروعهم.

ماريا : كيف كانت البداية؟

جو : في البداية بدأنا نحلل المواد الدوائية لامراض الكبد والكلى والقلب وجميع انواع السرطانات. حتى وصلنا الى دواء...

هنا قاطعه عبد الناصر وقال،

ناصر : الادرينالين، اليس كذلك؟

جو : اجل، اجل، يا للهول، كيف عرفتَ ذلك؟

ناصر : المختبر الجنائي في القاهرة تفحص بعض الجزيئات المجهرية من المادة التي عثروا عليها بداخل الحقنة ووجدوا ان هناك نظائر لمادة الادرينالين لكنها لا تتطابق كلياً مع الادرينالين 100%.

جو : هذا صحيح، الكل يعلم ان الادرينالين ينشط القلب ولا يسبب الموت. لذلك كنا نحاول بابحاثنا ان نطور مادة مبنية اساساً على الادرينالين الا ان لديها آلية لتقوية وتعجيل ضربات القلب بحيث تقوم بتنشيط القلب عشرات المرات اكثر واسرع من مادة الادرينالين الاعتيادية حتى يصاب القلب بالتوقف من شدة الاجهاد. وبنفس الوقت لا يترك اي اثر بجسده عندما يتعرض للتشريح لاحقاً وسوف يتبين لهم انه كان يعاني من السكتة قلبية.

ماريا : هل كان هذا ما توصلتم اليه بالنهاية؟

جو : كلا، كنا نبحث عن اضافة مادة اثيرية للمحلول لتجعل منه يتطاير في الهواء ثم يتلاشى بعد دقائق.

ماريا : هل سألتهم عن سبب ذلك؟

جو : اجل سألتهم بنفسي طبعاً. قالوا انهم احياناً يحتاجون لاطلاق المادة بالهواء بداخل اوكار الارهابيين كي يقتلوهم جميعاً.

ماريا : ماذا وقع بعد ذلك؟

جو : بعد ان تمكنت من معالجة المادة وتغيير تركيبتها الكيماوية لاجعلها محمولة جواً. بدأت اشك بنواياهم لانني لاحظت احد وزراء الحكومة يأتي معهم.

ماريا : الا تعرف اسم الوزير؟

جو : كلا، وقتها لم اتمكن من معرفة اسم ذلك الوزير. تعرفت عليه فيما بعد عندما رأيته باحدى نشرات الاخبار على التلفاز. وعندما بحثت عنه في الانترنيت وجدته ينتمي الى حزب يدعى (انيل) وهذا الحزب كاد ان يصل للرئاسة لولا حزب بازوك والذي يترأسه ديميتريوس پاپاس عضو في حزب مناهض لاوروبا. ولما كاد ديميتريوس پاپاس ان يفوز بالانتخابات فيصبح رئيساً للوزراء كما تنبأت به جميع استطلاعات الرأي، ارتأت بعض الجهات ان تتخلص منه باستعمال (گاما اكس) المادة التي قمنا انا وفريقي بتطويرها. لم اكن املك السبيل لايقافهم لانهم كانوا كثر واقوياء ومتنفذين. لكنني كنت اعرف ديليا ماكريس التي عملت كبياعة اللعب بالمطار بشكل مؤقت لانني كنت اراها كثيراً في مقر الابحاث الذي كنت اعمل بداخله. فهي انسانة ثانوية وليس لها اي دور بالجريمة. كانت فقط تساعد بامور الترتيب والتنظيف وتقديم القهوة. وعندما اخبرتني بما فَعَلَتْ حين كلفوها كي تعطي اللعبة للطفل الذي كان على متن الطائرة بنفس رحلة ديميتريوس پاپاس. استنتجت بان من استعمل وصمم جهاز اطلاق مادة (گاما اكس) في الهواء بداخل الطائرة هم اناس يريدون قتل ديميتريوس پاپاس كي لا يفوز بالانتخابات لانه كان يشكل خطراً عليهم. لذلك جئت الى شقة تلك المسكينة ديليا ماكريس لكي احذرها حتى تختفي تماماً عن الانظار لانقذ حياتها. ولكن يبدو انهم سبقوني واغتالوها بمنزلها. وفور خروجي من شقتها كنت مصاباً بالهلع خرجت من العمارة وعبرت الشارع ثم نضرت خلفي لاراكما تدخلان عمارتها. علمت وقتها انكما تحققان بالامر لذلك اتصلت بكما كي اطرح عليكما الامر برمته حتى تتمكنا من توفير الحماية اللازمة لي من الاغتيال.

ماريا : إذاً، يبدو ان جريمة الطائرة المنكوبة نفذت باطلاق هذه المادة القاتلة (گاما اكس) في الهواء ليستنشقها جميع الركاب من خلال تداور الهواء عبر نظام التهوية بالطائرة مما تسبب بموت الجميع. فكرة ذكية وجهنمية.

ناصر : بما انك خبير بهذا الموضوع يا دكتور دعني اسألك سؤالاً في غاية الاهمية، هل من الممكن ان يصاب بعض الناس بالسكتة القلبية عندما يستنشقون تلك المادة دون غيرهم؟ فكما تعلم ان قبطان الطائرة كان على متن تلك الرحلة المنكوبة لكنه لم يصب بالسكتة القلبية.

جو : انا بنفسي تسائلت عن ذلك كثيراً عندما سمعت الخبر على التلفاز. لان العقار (گاما اكس) يقتل كل من يستنشقة ولا يستثني احداً حتى وان كان يرتدي كمامة القماش الاعتيادية ضد فيروس كورونا.

ماريا : الا إذا كان يرتدي كمامة بلاستيكية مغلوقة مرتبطة بانبون اوكسجين ولكن كم من الوقت يبقى (گاما اكس) عالقاً في الهواء؟

جو : انه لا يبقى في الهواء لاكثر من بضع دقائق، ربما 10 الى 15 دقيقة لانه سرعان ما يتحد مع الاوكسجين ويتلاشى بفترة سريعة ولا يبقى له اي اثر بالجو.

ماريا : إذاً القبطان بالتأكيد متورط مع من خطط لهذه المجزرة.

ناصر : لديك الحق يا ماريا، انا اعتقد اننا يجب ان نحقق مع القبطان باسرع وقت ممكن.

ماريا : اولاً دعنا نأخذ الدكتور الى مكان آمن كي نحميه من الاغتيال ثم نذهب الى القاهرة لنستجوب القبطان عن سبب عدم موته بعد استنشاق المادة القاتلة.

ناصر : انا لدي فكرة افضل. لنأخذ الدكتور الى مكان سوف لن يصل اليه احد فيبقى آمناً اكثر.

ماريا : اين ذلك؟

ناصر : سنأخذه معنا الى القاهرة. ما رأيك يا جو؟

جو : انا موافق ولكن كيف ستتمكنا من تمريري عبر شرطة المطار باثينا؟ فجوازي ليس معي.

ماريا : اترك الامر لي يا جو. تعال معي ودعني اشتري لك نظارة سوداء وقبعة رأس تغطي ملامحك جيداً. بعدها ستأتي معنا الى الفندق وستبقى هناك في غرفتنا بمأمن من التتبع حتى يحين موعد السفر ولكن دعني اسألك سؤالاً مهماً، اين هاتفك الذكي؟

اخرج هاتفه من جيبه واعطاه لماريا. امسكت بالهاتف واخرجت منه الشريحة ثم اطفأته وقالت،

ماريا : سوف تسترد هاتفك فيما بعد. سيبقى معي بالوقت الراهن، هيا دعنا نرحل. خرج الثلاثة من المقهى وهم حذرون للغاية ينظرون بكل الاتجاهات. اوقفوا سيارة اجرة وركبوها فطلبت من السائق ان يأخذهم الى سينما سيني ديكساميني. فَهِمَ ناصر سبب حركتها تلك فهمس باذنها،

ناصر : عفاك يا ماريا. اجراء في غاية الذكاء.

جو : هل تريدون الذهاب الى السينما ونحن بهذه الحالة؟

همست ماريا باذنه وقالت،

ماريا : انه اجراء امني وحسب، اغلق فمك يا جو.

وقفت سيارة الاجرة امام مدخل سينما سيني ديكساميني فنزلوا منها وتضاهروا بانهم يهمون بدخول السينما. ولما ابتعدت سيارة الاجرة ساروا على اقدامهم لربع ساعة حتى وصلوا الى فندق اليوت. وعندما دخلوا غرفتهم سأل،

ناصر : ماذا عن موظف الاستعلامات؟ لقد رآنا ونحن ندخل سوية مع جو؟

ماريا : لا تقلق فالموظف هو احد رجالي الموثوقين.

ناصر : إذاً ما هي الخطة الآن؟

ماريا : الخطة هي كالآتي، ساقوم بالحصول على ملابس لعمال النظافة كي يرتديها جو في المطار. وعندما يأتي موعد الرحلة سوف يتسلل من خارج الطائرة ليركب الطائرة معنا وسوف نحرسه طوال الطريق.

ناصر : انتِ فعلاً تستحقين جائزة نوبل للدهاء.

جو : ليس هناك جائزة نوبل للدهاء.

ماريا : اخرس انت يا جو، فناصر يبالغ بالطريقة العربية. الآن ابقى انت مع جو وساذهب انا وحدي الى اللواء نيكوس لاخبره بآخر المستجدات واجلب له ملابس المنظفين.

خرجت ماريا لوحدها هذه المرة وركبت سيارة اجرة لتنقلها الى مركز الشرطة المركزية. دخلت مكتب اللواء لتقدم له تقريرها المفصل. ولما اكملت التقرير واخبرته بكل ما قاله الدكتور جو ابتسم اللواء بمرارة وقال،

اللواء نيكوس : لقد عرفت ذلك السياسي الحقير، انه كونستانتين بابانديريو وزير الامن القومي، هو الذي دبر كل تلك المؤامرة الحقيرة. لطالما كرهت تنمره وعنجهيته في الحديث مع الجميع. سيكون يوم سعدي عندما يأتيني مذلولاً.

ماريا : إذاً دعني اذهب الى القاهرة لاجلب الادلة اللازمة لنضع حبيبك الوزير بغياهب السجون.

اللواء نيكوس : اذهبي يا نقيب ماريا، ليكن الرب معكِ.

بعد خمس ساعات انطلقت طائرة مصر للطيران من مطار اثينا وعلى متنها المحققين ناصر وماريا ليجلس بينهما الدكتور جورجيوس نيكولاي الملقب بـ جو مرتدياً ملابس عمال النظافة. وبعد ساعتين الا ربعاً هبطت الطائرة بمطار القاهرة الدولي فخرج المسافرون منها ومعهم الركاب الثلاثة الا انهم لم يدخلوا صالة الوصول الرسمية بل استقبلهم احد ضباط الشرطة ليقودهم الى مكتب ببناية امن المطار اين وجدوا العميد ابراهيم جالساً هناك في انتظارهم.

ناصر : سيدي لقد احرزنا تقدماً كبيراً بالقضية. ولدينا شاهد كان قد ساهم بتطوير مادة قاتلة بامكانها ان تتطاير في نظام التهوية للطائرة ليستنشقها جميع من في الطائرة فتسقط الطائرة وتختفي آثار الجريمة.

العميد ابراهيم : لكن القبطان نجا وتمكن من انزال الطائرة بمطار القاهرة بامان.

ماريا : بالضبط، وهذا هو سبب مجيئنا الى هنا اليوم سيدي. اولاً لنحقق مع القبطان وثانياً لنحمي الدكتور جو من انتقام الضالعين بالمؤامرة.

العميد ابراهيم : إذاً سنقوم بوضعه تحت الحراسة المشددة في مكان بعيد وآمن.

ناصر : اما نحن فسوف نقوم غداً صباحاً باستجواب قبطان الطائرة المنكوبة. والآن نستأذنك سيادة العميد لاننا مرهقون جداً.

نظر ناصر الى جو وقال بالانكليزية،

ناصر : سوف تضعك الشرطة المصرية تحت الحراسة المشددة ولن يقترب منك اي احد.

جو : شكراً لك حضرة الضابط.

خرج ناصر وماريا من مبنى الامن القومي وركبا سيارة ناصر قالت،

ماريا : اين سنتجه الآن؟

ناصر : ساخذك الى الفندق ثم اذهب انا الى بيتي لارى عائلتي.

ماريا : هل يمكنني ان آتي معك لان لدي بعض الهدايا لهم؟

ناصر : حسناً دعنا نذهب لبيتي إذاً.

اوقف ناصر سيارته امام البيت ونزل مع شريكته ماريا. وفورما ادخل المفتاح بالباب سمعت زوجته غادة وميمي صوت خشخشة المفتاح فركضتا نحوه ليتشبثا برقبته ويقبلانه بحرارة ثم نظرتا الى ماريا وقالتا بصوت واحد، "هلو ماريا"

ماريا : انا جداً سعيدة بلقائكما. اولاً لدي باقة ورد اقدمها لغادة. ثانياً لدي هديتين لميمي.

اعطتهم الهدايا فشكرتها غادة كثيراً ثم سمعوا ميادة تقول،

ميادة : يا الهي، فستان جميل! انه لباس اليونان التقليدي. كم رأيته بالافلام وتمنيت ان يكون لدي واحداً منه. وما هذه اللعبة يا ترى؟

ناصر : انها لعبة السكرابل يا حبيبتي. سوف تحبيها كثيراً لانها ستقوي مفرداتك باللغة الانكليزية.

ميادة : واو، انا جداً سعيدة بتلك الهدايا. شكراً لكِ يا خالة ماريا. هل بامكاني ان اعانقكِ؟

ماريا : بالتأكيد حبيبتي. تعالي الى عندي.

دخل الجميع غرفة الاستقبال وجلسوا على الارائك لتدخل عليهم غادة ببعض الاطعمة الخفيفة وعصائر الفواكه. وبعد ان مكثوا ساعة كاملة وقف ناصر واعلن،

ناصر : يجب علينا المغادرة الآن فغداً في الصباح الباكر سنقوم بمهمة كبيرة هنا بالقاهرة.

غادة : ما هي المهمة؟

ناصر : لا يمكنني ان اخبرك عنها الآن ولكن ستعرفيها فيما بعد طبعاً.

ودعتهم غادة وميادة وبقيتا ينتظران حتى اختفت السيارة.

وباليوم التالي استيقظت ماريا مبكرة فايقظت ناصر مع الساعة السادسة ليستعدا ويتوجها الى مديرية امن القاهرة. دخلا على قبطان الطائرة الذي استدعي لغرض التحقيق. جلس ناصر وماريا امامه ففتح ناصر التحقيق إذ قال،

ناصر : يا قبطان محمود، قمنا باحضارك اليوم الى هنا لنسألك بعض الاسئلة المتعلقة بحادث الطائرة المنكوبة. حضرت معي اليوم النقيب ماريا بِسينو من شرطة اثينا المركزية. وسيجري الحوار باللغة الانكليزية.

قبطان محمود : هل تمكنتم من معرفة سبب وفاة الركاب؟

ناصر : اجل، سبب الوفاة هو غاز قاتل انطلق بداخل قمرة الدرجة السياحية من خلال لعبة خشبية للاطفال بيد احد المسافرين وانتشر عبر نظام التهوية بالطائرة ليتسبب في قتل جميع الركاب والطاقم الا انت. كان من المخطط للطائرة ان تسقط اثناء الرحلة لكنها لم تسقط. هل لديك تفسير لذلك؟

قبطان محمود : هل قلت غاز؟ لم يخطر على بالي ذلك ابداً.

ماريا : لماذا تعتقد يا قبطان ان الغاز قام بقتل 271 شخصاً من رجال ونساء واطفال وشيوخ ليستثنيك انت وحدك بالذات. لماذا استنشقت الغاز القاتل ولم تمت مع باقي الركاب والطاقم؟

قبطان محمود : لا اعلم. صدقاً انا ليس لدي جواب ولا تحليل.

ناصر : من الواضح جداً ان الغاز قد غمر غرفة القيادة بدليل ان زميلك مساعد الطيار المرحوم سامي فودة استنشق المادة وتوفى على الفور. فجو الطائرة برمته واحد اليس كذلك؟

قبطان محمود : كلا جو الطائرة ليس واحداً. لأن غرفة القيادة لها نظام تهوية خاص ومعزول عن نظام التهوية بباقي ردهات الطائرة.

ماريا : لماذا لم يخبرنا احد بذلك؟ هل بامكانك ان توضح اكثر؟

قبطان محمود : اجل. منذ ان بدأت جائحة كورونا عام 2019، قامت شركة مصر للطيران بفرض نظام صارم يقضي بارتداء جميع الركاب والطواقم كمامات القماش الواقية. لكن طواقم القيادة من قباطين ومساعدي الطيارين كانوا يعترضون على ارتداء الكمامات خصوصاً بالرحلات الطويلة وذلك لانهم يجلسون باماكن معزولة عن تلقي العدوى من الركاب. ولأن ارتداء الكمامة يعيق عملية ادائهم في قيادة الطائرة. لذلك قام جميع قادة الطائرات برفع شكوى الى شركة الطيران بهذا الخصوص. لذلك طلبت شركة مصر للطيران من الشركتين المصنعة للطائرات، ايرباص وبوينگ كي يفصلوا نظام التهوية بداخل قمرة القيادة عن نظام التهوية بباقي قمرات وردهات الطائرة في الطائرات التي اوصت عليها مستقبلاً وذلك ليفسحوا المجال امام من يقود الطائرة قيادة الطائرة دون ارتداء الكمامة. والطائرة المنكوبة كانت واحدة من الطائرات التي سلمتها شركة ايرباص الى مصر للطيران عام 2020.

ماريا : لكن مساعد الطيار كان جالساً الى جانبك في قمرة القيادة فلماذا استنشق المادة القاتلة ومات؟

قبطان محمود : لقد قام مساعد الطيار بمغادرة مقعده وذهب الى دورة المياه اثناء الرحلة بعد حوالي ساعة من الاقلاع من اثينا. من المؤكد انه استنشق الغاز القاتل خلال رجوعه لقمرة القيادة.

ناصر : وانت يا قبطان، الم تبرح مكانك طوال الرحلة؟

قبطان محمود : كلا. والآن علي ان ابوح لكما بسر شخصي جداً مهم. فانا ومنذ فترة سنتين تقريباً اعاني من الآم بالظهر. قمت بزيارة طبيب خاص بهذا الخصوص فوصف لي جلسات العلاج الطبيعي وطلب مني شراء مخدة طبية اضعها على كرسي القيادة تعمل على اسناد ظهري وتخفيف الالم اثناء فترة الجلوس. وبما انني اصبحت بسن 48 لذا لم اخبر شركة مصر للطيران بذلك مخافة ان يحيلوني على التقاعد المبكر. لكن جميع مساعدي الطيار كانوا يعرفون بمشكلتي ويتغاضون عنها. لذلك كنت اجلس والمخدة الطبية خلف ظهري طوال الرحلة حتى في الرحلات القصيرة الامد. بامكانكم الاتصال بطبيبي الدكتور اسامة سامح اسامة وعيادته بالدقي بالقاهرة وهذا رقم هاتفه.

كتب الرقم على ورقة صغيرة واعطاها لناصر، اخرج ناصر هاتفه النقال واتصل بالدكتور فاجابه قائلاً،

دكتور اسامة : الدكتور اسامة سامح اخصائي امراض العظام الاورثوبيدي تفضلوا.

ناصر : انا النقيب عبد الناصر بسيوني من شرطة القاهرة صباح الخير.

دكتور اسامة : صباح الخير، كيف استطيع خدمتك سيادة النقيب؟

ناصر : لدينا القبطان محمود سلامة الدسوقي ونريد منك معلومة تتعلق بامن الدولة.

دكتور اسامة : تفضل اسأل.

ناصر : هل القبطان مريض مسجل عندك؟

دكتور اسامة : اجل، جائني قبل مدة سنة ونصف تقريباً وكان يشكوا من آلام في الظهر. نصحته بالعلاج الطبيعي وبعض التمارين الرياضية الخفيفة بسبب جلوسه لفترات طويلة خلف مقود الطائرة. كذلك نصحته باستعمال المخدة الطبية اثناء الجلوس.

ناصر : شكراً لك يا دكتور.

انهى المكالمة مع الطبيب ثم شرح للجميع بالانكليزية ما دار بينه وبين الدكتور اسامة. بعدها عاد واتصل بالنقيب خالد شوقي ليسأله عن المخدة في الـ (هنگار رقم 20) فاجابه بان هناك مخدة طبية على الكرسي الايسر بقمرة القيادة ثم بعث له بصورتها على هاتفه النقال. تفحصها ناصر ثم عرضها على شريكته ماريا. فهزت برأسها وهمست باذنه،

ماريا : يبدو ان القبطان صادق.

ناصر : وانا اشاطرك الرأي.

نظر الى القبطان وقال،

ناصر : لقد تحققنا من اقوالك والآن بامكانك العودة الى بيتك.

قبطان محمود : هل تريد ان اعطيق رقم الممرض الذي اجرى العلاج الطبعي؟

ناصر : كلا، هذا ليس ضرورياً.

قبطان محمود : هل ستبلغ مصر للطيران بمشكلة ظهري؟

ناصر : اجل، انا آسف، ولكن ذلك هو الشيء الوحيد الذي سيبرئ ساحتك من تهمة القتل العمد لـ 271 شخصاً.

قبطان محمود : طيب، امري الى الله. يبدو ان التقاعد اصبح وشيكاً.

خرج القبطان من غرفة التحقيق فنظر المحقق ناصر لشريكته ماريا وقال،

ناصر : لقد تسلحنا بكل الادلة والمعلومات الآن. يجب العودة الى اثينا لالقاء القبض على الجناة.

ماريا : سنحتاج لاخذ الدكتور جو معنا لانه شاهد بالقضية.

ناصر : كلا، دعه يبقى بالقاهرة بامان حتى نستدعيه للشهادة اثناء جلسات المحكمة. اعتقد اننا ابلينا بلاءاً حسناً.

ماريا : اتمنى ان تسير باقي الامور بنفس السلاسة باثينا.

ناصر : يجب علينا ان نبدأ بزميلك الشرطي القذر المتعاون مع المجرمين. ماذا كان اسمه؟

ماريا : اسمه عريف كوستا دراكوس. سانال من ذلك الوغد الحقير اولاً.

ناصر : لنعود الى اثينا هذه الليلة وننهي اجراءات القاء القبض.

رجع الثنائي الى فندق كليوباترا بالقاهرة كي يستعدا للسفر. اتصل من هناك بالعميد ابراهيم واخبره باخر المستجدات.

بعد مرور بضع ساعات حطت طائرتهما باثينا وركبا سيارة ماريا ليصلا فندق ماريوت فيدخلا سوية الى الجناح ويتهيئا للنوم المبكر لان اليوم التالي سيكون حافلاً بالاحداث التي لطالما انتظراها لغلق قضيتهم والقاء القبض على الجناة.

وفي صباح اليوم التالي دخلت ماريا وناصر على اللواء نيكوس پاپادوپيلوس بمقر الشرطة المركزية ليخبراه بما توصلا اليه من التحقيق قال،

اللواء نيكوس : قبل كل شيء يجب ان نلقي القبض على الجرذان كوستا دراكوس الذي قد يسبب عرقة لاجرائات القاء القبض على الفاعل الرئيسي. ساتي معكما هيا.

نزل الثلاثة الى قسم الابحاث الجنائية فرأوا كوستا دراكوس منهمكاً باستنساخ بعض الاوراق فتقرب منه اللواء نيكوس وسأله،

اللواء نيكوس : ماذا ستفعل بهذه المستندات التي تستنسخها؟

كوستا دراكوس : انها تخص قضية جريمة قتل الزوجة ماريا فراندوري لزوجها بوب فراندوري.

اللواء نيكوس : او ربما تخص قضية الطائرة المنكوبة يا كوستا.

كوستا دراكوس : الطائرة المنكوبة؟ كلا سيدي، الطائرة المنكوبة ليست قضيتي.

اللواء نيكوس : لما لم تكن قضيتك، فلماذا كنت تزود النقيب ماريا بالمعلومات الخاطئة؟

كوستا دراكوس : لا افهم ماذا تقصد. اي معلومات هذه؟

هنا اقتربت منه ماريا وامسكت بقميصه لتجذبه اليها وتجعل وجهها يكاد يلتصق بوجهه قالت،

ماريا : عندما سألتك عن ديميتريوس پاپاس قلت لي وقتها ان خلال الانتخابات السابقة لم يحصل سوى على 6 مقاعد بالبرلمان. تأكدت بعد عناء طويل انها معلومة خاطئة وان ديميتريوس پاپاس كاد ان يفوز بالانتخابات لكنه خسر بفارق ضئيل جداً. ولهذا تم تغتياله بالطائرة.

كوستا دراكوس : انا... انا... لم اكن اقصد الكذب انا فقط... اقصد كنت اريد...

هنا قاطعه اللواء حين قال،

اللواء نيكوس : نحن لسنا جالسين بمقهى ستاربكس لنتداول اطراف الحديث. لقد مررت معلومة كاذبة ادت الى تضليل المحققة ماريا واخرت التحقيق كثيراً. انت متهم بالتعاون مع المجرمين يا كوستا.

خفض طوستا رأسه للارض وقال،

كوستا دراكوس : انا آسف يا سيادة اللواء، لم احصل على سوى 2000 يورو مع انهم وعدوني بالكثير من المال فيما بعد. لكنهم لم يمنحوني اي شيء لحد الآن.

اللواء نيكوس : سوف تستمتع بالسجن معهم يا كوستا، اعدك بذلك.

امال اللواء رأسه ورفع حاجبيه للاعلى لماريا بصيغة الامر فوضعت المحققة ماريا الاصفاد على معصمي كوستا من وراء ظهره وسلمته الى زميلها الواقف الى جانبها قالت،

ماريا : ضعه بالزنزانة في القبو واجعل عليه حراسة مشددة 24 ساعة. سانال منك إن تمكن من الهرب.

نظرت خلفها وقالت،

ماريا : والآن جاء دور السياسي الفاسد وزير الامن القومي كونستانتين بابانديريو.

اللواء نيكوس : اريدكِ ان تعتقليه من مكتبه وامام مرؤوسيه. لا تتواني في إذلاله ابداً. اريد ان تحقريه عندما تضعين الاصفاد على معصميه بيديك الناعمتين. سابعث معك قوة كبيرة.

ماريا : هذا اجمل ما قلته اليوم سيدي.

انطلقت 6 عربات شرطة سوداء مصفحة متألفة من 25 عنصراً مدججين بالسلاح تترأسهم المحققة ماريا بِسينو والى جانبها زميلها عبد الناصر لتشق شوارع العاصمة اثينا المزدحمة معلنة شموخها باصوات صفارات الانذار المدوية، جاعلة سيارات الجمهور تفسح لها المجال كي تسير بسرعة هائلة. توقف الرتل امام وزارة الامن القومي وترجل منها جميع العناصر تقودهم النقيب ماريا والى جانبها النقيب عبد الناصر. دخلوا البوابة الخارجية فوقف امامهم الحارس ليمنعهم شاهراً سلاحه بوجههم قال،

الحارس : توقفوا، الى اين انتم ذاهبون؟

ماريا : ابتعد عن طريقنا. لدينا مذكرة اعتقال وزير الامن القومي كونستانتين بابانديريو.

الحارس : السيد الوزير ليس موجوداً بالبناية. هيا عودوا من حيث اتيتم.

ماريا : قلت لك ابتعد عن طريقي ايها الاحمق، لدي امر مباشر من اللواء نيكوس پاپادوپيلوس ومن المحكمة الاتحادية.

دفعته ماريا جانباً ودخلت المبنى ليتبعها ناصر وباقي رجال الشرطة. ركبوا المصاعد الثلاثة بآن واحد لتتسلق المبنى الى الطابق الثاني عشر. رنت اجراس المصاعد الثلاثة كلها بآن واحد وانفرجت بيبانها ليخرج منها سيل من الشرطة تقودهم المحققة ماريا. دخلت مكتب الوزير فوقف سكرتيره امامها ليصدها قال،

سكرتير الوزير : ما الذي يجري هنا؟ الى اين انتم ذاهبون؟ ما هذه البربرية؟

ماريا : انا النقيب ماريا بِسينو من شرطة اثينا. ابتعد عن طريقي، سادخل الآن على الوزير.

سكرتير الوزير : الوزير ليس هنا.

امسكت بكتفه ودفعته جانباً ثم ركلت باب مكتب الوزير لتدخله فشاهدت المكتب خالياً. رجعت الى السكرتير وامسكت بياقته وجذبتها اليها لتسأله،

ماريا : اين وزيرك؟

سكرتير الوزير : لقد سافر السيد الوزير هذا الصباح الى ڤنزويلا. انت اضعت وقتك بالمجيء هنا يا سيادة النقيب.

ماريا : عليه اللعنة. لقد هرب يا ناصر. ربما وصله تسريب من احدى الجهات بمجيئنا لاعتقاله.

ناصر : ربما لم يَفُتِ الاوان بعد. ربما هو ما زال بالمطار. اتصلي بشرطة المطار واسأليهم.

اخرجت ماريا هاتفها وكبست على شاشته باصبعها ثم وضعته على اذنها ولما اجابها مدير شرطة المطار قالت،

ماريا : انا النقيب ماريا بِسينو من شرطة اثينا المركزية اريد ان اعرف مكان وزير الامن القومي كونستانتين بابانديريو.

مدير شرطة المطار : السيد الوزير قد ركب الطائرة فعلاً.

ماريا : اريدك ان تصدر امراً لتوقف اقلاع الطائرة فوراً.

مدير شرطة المطار : انا لا امتثل لاوامرك يا نقيب ماريا. الطائرة ستقلع خلال خمس دقائق.

ماريا : حسناً ساعرف كيف اكسر رأسك الآن.

اغلقت الخط مع مدير شرطة المطار واتصلت باللواء نيكوس پاپادوپيلوس لتخبره ان الوزير قد ركب الطائرة فعلاً وانها تريد منه الاتصال بمدير شرطة المطار ليأمره بايقاف الطائرة عن الاقلاع. بعد دقيقتين رن هاتف ماريا لتسمع مدير شرطة المطار يقول لها بان الطائرة قد تم ايقافها عن الاقلاع.

نظرت الى جميع من معها وقالت،

ماريا : لقد اوقفوا اقلاع الطائرة. يجب ان نتوجه الى المطار الآن.

نزل جميع افراد الشرطة بالمصاعد وركبوا سياراتهم لينطلق الركب معلناً اقلاعه بضجيج صفارات الانذار متوجهين الى مطار اثينا الدولي وفور وصولهم المطار التفت السيارات الستة من جميع جوانب المداخل الامنية كالسيل الجارف ليدخلوا الى مواقف الطائرات ويلتفوا حول طائرة شركة (ايرولينياس ايستيلار) التي كانت موصدة الابواب. نزل رجال الشرطة ثم طوقوا الطائرة من جميع الجوانب وطلبوا من عمال المطار ان يحضروا سلماً متنقلاً ليضعوه امام الباب ففتحت احدى المضيفات باب الطائرة. صعدت ماريا وناصر السلم ومعهما ستة من عناصر الشرطة المدججين بالسلاح ليدخلوا الى ردهة المسافرين من الدرجة الاولى. مشيت ماريا صوب وزير الامن القومي كونستانتين بابانديريو الجالس الى جانب زوجته واولاده قالت،

ماريا : انا النقيب ماريا بِسينو من شرطة اثينا. الى اين انت هارب يا سيادة الوزير؟

كونستانتين : كيف تتجرئين ان توقفي الرحلة لتتهجمي علي بهذه الطريقة الخالية من الاخلاق؟

ماريا : عذراً سيادة الوزير، فالطائرة محضورة من الاقلاع بسبب وجود عفن بداخلها.

كونستانتين : عن اي عفن تتحدثين يا نقيب؟ ما هذا الهراء؟

ماريا : اتحدث عنك انت يا مجرم والآن اسمع ما ساقوله، سيد كونستانتين بابانديريو انا القي القبض عليك الآن حسب التخويل المناط الي من خلال المذكرة القضائية مستندة الى الدستور اليوناني المرقم 55/1977 بتهمة قتل 271 شخصاً بمختلف الجنسيات والشروع بالقتل لمواطن مصري واحد وقتل مواطنة يونانية تدعى ديليا ماكريس والشروع بالقتل للمواطن اليوناني الدكتور جورجيوس نيكولاي. اي اقوال تتفوه بها قد تستعمل ضدك بالمحكمة الاتحادية.

اشارت بعينها لمساعديها فامسكا بالوزير كي يعيناه على الوقوف من كرسيه لكن الوزير دفع ايديهما بفظاظة ووقف بنفسه فاداره العنصر ووضع الاصفاد على معصميه من وراء ظهره. نظرت ماريا الى باقي الركاب ثم ادارت ظهرها اليهم وخرجت من الطائرة تمشي كالطاووس الذي نشر ذيله.

وصل الركب الى مقر الشرطة المركزية باثينا ليشاهدوا اللواء نيكوس پاپادوپيلوس واقفاً امام البناية ينتظرهم والابتسامة تملاً وجهه. وعندما اصبح المتهم امام اللواء وجهاً لوجه قال،

كونستانتين : ايرضيك ما فعلت بي تلك العاهر يا نيكوس؟

اللواء نيكوس : بالعكس، كان يجب عليها ان تضع طوق الكلاب حول عنقك وتجعلك تمشي على اطرافك الاربعة ايها النذل الحقير. بالحقيقة لو كنت مكانها لبصقت بوجهك امام زوجتك واولادك. انت قتلت 271 نفراً بقرار خسيس فقط كي تربح الانتخابات.

نظر الى ماريا وقال،

اللواء نيكوس : ادخليه الى الزنزانة كي يتعفن يا رائد.

متريا : ماذا قلت يا سيدي؟

اللواء نيكوس : قلت يا رائد. هل فقدت حاسة السمع؟

صفق الجميع لماريا فادخلت الصيد الثمين من باب المبنى. وعندما احكمت باب الزنزانة خلفه قالت لناصر،

ماريا : سيبدأ عملنا الشاق هنا بمتابعة كل من تورط بتلك المؤامرة القذرة كي نزجهم بالسجون.

ناصر : ما تبقى لكِ الآن هو امر داخلي لا غرض لي فيه. تهانيي القلبية سيدي الرائد ماريا بِسينو.

ماريا : شكراً لك عزيزي ناصر. اتمنى ان تحصل على ترقية انت ايضاً.

ناصر : لقد وعدني العميد ابراهيم بتلك الترقية لكنه شديد النسيان هذه الايام، سوف نرى. حظاً اوفر لك بالمستقبل. يجب ان اعود الى نسائي الآن.

ماريا : لا تنسى ان تبعث لي الامانة التي بحوزتك.

ناصر : اطمئني، سابعث لك الدكتور جورجيوس نيكولاي مع حراسة مشددة فور عودتي الى القاهرة.

توادع المحققان واحتضنا بعضهما البعض ليرجع ناصر الى فندق اليوت فيلتقط حاسوبه وملابسه ثم يتوجه الى المطار في طريقه للعودة الى الوطن. لكنه عندما دخل المطار وابرز بطاقته المفتوحة على المنضدة تفاجأ ليسمع موظفة الخطوط تقول له،

الموظفة : انا آسفة، بطاقتك ملغية سيدي.

ناصر : ما هذا الهراء يا آنسة؟ لدي بطاقة مفتوحة من بلدي على مصر للطيران واولمپيك.

الموظفة : هذه البطاقة التي برزتها عليها خطأ وقد تم الغائها.

ناصر : اي خطأ هذا؟ هل جننت؟ لقد ذهبت وعدت الى القاهرة عدة مرات مستعملاً نفس البطاقة. ارجوك راجعي الحاسوب وتحققي جيداً. سترين ان ما اقوله صحيح.

الموظفة : انظر الى بطاقتك سيدي. مكتوب فيها بطاقة ممنوحة للنقيب عبد الناصر بسيوني.

ناصر : وهذا هو اسمي. انه نفس الاسم الذي على جواز سفري انظري.

اعطاها جواز سفره فنظرت بوجهه وقالت،

الموظفة : اعتراضي ليس على اسمك ولكن على وظيفتك. فهذه البطاقة ملغية وانا لدي بطاقة جديدة على الدرجة الاولى للرائد عبد الناصر بسيوني. وليس النقيب عبد الناصر بسيوني.

نظرت خلفها وابتسمت فتقدم العميد ابراهيم واصبح على مرمى نظر ناصر وهو يبتسم. ففهم الامر وقال،

ناصر : لا اصدق، سيادة العميد ابراهيم. انا سعيد برؤياك هنا باثينا سيدي.

ابراهيم : احترم نفسك يا ولد. انا لست العميد ابراهيم بل انا اللواء ابراهيم.

ناصر : الف مبروك سيدي. ولكن يجب ان تعترف بان مجهودي بحل القضية هو الذي تسبب في ترفيعك سيدي. اي انك ترفعت بسببي.

ابراهيم : اغلق فمك الكبير يا ولد واكمل الاجراءات مع الموظفة لان عليك العودة الى مصر فوراً. فلديك رحلة ثانية تنتظرك الى جزر الكناري مع نسائك الاثنتان.

...تمت...

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

4458 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع