الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
عبد الجبار الجومرد وأبرز محطات حياته.. الجزء الثاني
يذكر الدكتور عبد الجبار الجومرد في مذكراته: "وفي يوم 1958/9/2 تشرفتُ بزيارة ملك المغرب (محمد الخامس) فاستقبلني بكل سرور وحفاوة وترحيب، ودامت المقابلة نصف ساعة، فعرفتُ بأن ملك المغرب يعرف عني كل شيء بواسطة (أحمد العلوي) مدير تشريفاته، وكان هذا من أصدقائي في باريس. ومما قاله لي الملك محمد الخامس: (إننا نعرف عنك كل شيء؛ ونذكر جهادك في سبيل المغرب يوم كنتَ في باريس وسكرتيرا في الجامعة العربية..".
النبوغ الوطني المبكر:
بعد خروج العراق من تحت السيطرة العثمانية برزت ظاهرة إلقاء القصائد الوطنية في المدارس في بداية الدوام وفي الاحتفالات الرسمية. ومن القصص الشهيرة بهذا الخصوص ما رواه الدكتور عبد الجبار الجومرد وهو في السادسة والأربعين في مذكراته.
ففي سنة 1921 طلب منه مدير مدرسته القحطانية الابتدائية الأستاذ (عبد العزيز أفندي النوري) إلقاء قصيدة في حفل خطابي يحضره وجهاء المدينة والحاكم العسكري البريطاني في الموصل.
لم يقتنع الطالب الصغير عبد الجبار الجومرد بقصيدة المدير، بل وجد قصيدة أخرى ترثي شهداء العرب الذين شنقهم جمال باشا السفاح سنة 1916، فأعجبته القصيدة وراقت له. فاستشار مُعلمه الوطني المعروف الأستاذ (يحيى بن عبد الواحد)، والمعروف باسم (يحيى قاف) والمشهور في عامية الموصل بصراحته وشجاعته، وكانوا يقولون عنه: (يحيى قاف.. يحكي وما يخاف)، فشجعه مُعلمه على أن يقرأ القصيدة المُختارة بدل قصيدة المدير.
وفي يوم الحفل فوجئ المدير والجمهور الكبير من وجهاءه المدينة ورجالها وبحضور عدد من الإنكليز بالطفل عبد الجبار الجومرد ابن الاثني عشر سنة وهو يقرأ القصيدة بعاطفة مفتعلة، سرعان ما تحولت إلى حقيقية، وأخذ ينتحب وهو يقول على لسان فتاة عربية فَقَدتْ شهداء من أسرتها:
فقالتْ واذرتْ لؤلؤ الدمع عسجدا... ببحةِ صــــــــــــوتٍ للقلوبِ تُمـــزقُ
لقد لعبتْ أيدي الزمان بجمــــعهم... فلم يَحوهم غربٌ هناكَ ومشرقُ
فعم البكاء وسط الجمهور، وَتَمَلك الانكليز القلق من تطورات الأمر، ومضى ما تبقى من الاحتفال في جو كئيب.
وفي اليوم التالي نُفِيَ الأستاذ يحيى عبد الواحد إلى النجف الأشرف بعد فصله، واُبعد أستاذ وطني آخر من معلمي المدرسة وهو الأستاذ عبدالرحمن صالح إلى الكوت… وكاد الطفل عبد الجبار الجومرد أن يُفصل من المدرسة، واقتنع والده أن يُبعده عن المدرسة التي نُفِيَ معلموها بسببه.
وبعد تركه المدرسة عاد الجومرد بتأثير مديرها السيد النوري، الذي اقنع والد عبد الجبار، بعد فترة من الزمن أن العاصفة قد هدأت ويمكن للطفل إن يعود؛ ولكن عليه الحذر.
الجومرد وفلسطين:
بعد خمسة عشر سنة من الحادثة، كان الجومرد قد طور امكاناته الشعرية وعاش مشاركا في أحداث العراق السياسية بعواطفه وشعره وقلمه، وقد تخرج من كلية القانون في دمشق محاميا، بعد أن فُصِلَ لأسباب سياسية من كلية القانون في بغداد مع نخبة من زملائه بعد غلق الكلية.
وفي احدى المناسبات الخاصة بالقضية الفلسطينية سنة ١٩٣٣، ألقى الجومرد (الطالب بمعهد الحقوق وقتئذ) إحدى قصائده على مدرج الجامعة السورية، وصوّر فيها حال فلسطين وهي تواجه المطامع الصهيونية وما يقاسيه الشعب الفلسطيني من أحزان وآلام :
تبيت تسامر أحزانهــــا ... وقد قرح الدمع أحزانها
لها في سكون الدجى أنة ... يعيد صدى الكون ألحانها
ومن المواقف الشعرية المشهودة لعبد الجبار الجومرد أنه ألقى قصيدة في ٢٨ تموز ١٩٣٣، أمام تجمع حاشد من أبناء الموصل في الجامع النوري الكبير، تضامنا مع عرب (وادي الحوارث) في فلسطين، حيث أخرج الصهاينة أهل القرية من قريتهم، وكان للقصيدة صداها الكبير في العالم العربي، إذ يقول فيها:
مَنْ سامعٌ فأبثُّ شكوى لم تزلْ... بين الضلوعِ دفينةً آلامُها؟
لم أخشَ إذ قلتُ الحقيقة ناقدًا... أو لام فيما قلتُه لُوَّامــــها
إنا تعوَّدنا الكلام فألـــــــــسنٌ... ثرثارةٌ في الكِذْب بات غرامها
فِرَقٌ وأحزابٌ يُحطّم بعضــها... وجرائدٌ مأجورةٌ أقلامُـــــها
يتطاحنون لمقصدٍ أو مأربٍ... ولـــكلّ نفسٍ غايةٌ ومَرامـــها
علماؤها غضُّوا الجفونَ على القذى... وسعى لكل بليَّةٍ حُكــــامها
ولرُبَّ مَن زعمَ البناءَ لأمةٍ... نسِيَ الحقيقةَ أنه هـَــــــدّامها
لا تفخروا كانتْ وكان لواؤها... طُوِيَ الزمانُ، ومُزِّقت أعلامها
أمّا البيوتُ فقُطعِّت أطنابها... وتقوّضت يومَ الرحيل خيــــــــامها
هذي فلسطينٌ تسيل جروحها... وكذا يئنّ عراقها وشـــــــــــــــآمها
في كل يومٍ نكبةٌ وكأنما... خُلقت موارد حـــــــــــــسرةٍ أيامها
وبعد عشر سنوات كان الجومرد قد نضج فكريا وسياسيا وشعريا، وخلال السنوات العشر كان الجومرد قد سافر إلى فرنسا. وعندما وصل إلى باريس ليتم دراسته القانونية للدكتوراه في جامعة السوربون، أسهم هناك مع طلبة عرب جلهم من المغاربة في تكوين جمعية نصرة فلسطين.
وفي سنة ١٩٤٥ نشر الجومرد كتاب "مأساة فلسطين" والذي الفه باللغة الفرنسية وطبع ووزع في باريس.
الرياضي عبد الجبار الجومرد:
لقد كان عبد الجبار الجومرد لاعبا مرموقا بكرة القدم في فترة شبابه، مما قاده للترشيح إلى منتخب الموصل بكرة القدم وقتئذ. وكان الجومرد من نجوم فريق (دار المعلمين) أشهر الفرق العراقية وأبرزها بكرة القدم آنذاك، وكان هذا الفريق يضم نخبة من أبناء الموصل أمثال: عبد الرحمن أغوان وصبحي علي ورؤوف علي وعبد الجبار الجومرد. وقد تمت إضافة النجم محمود خرطنة إلى فريق (دار المعلمين)، وشارك هذا الفريق ببطولة (كأس كاجولز) المفتوحة التي بدأت في العام 1923 واستمرت إلى 1932، و (كاجولز) هو اسم كابتن إنكليزي. وقد فاز فريق (دار المعلمين) بهذه البطولة عامي 1929 و 1930، وكان لمدرب الفريق صفوة العمري دورا فاعل في تطويرا الفريق وبروزه.
وشارك الجومرد بكأس الأمير غازي في مطلع الثلاثينيات والذي انطلقت منافساته في النصف الثاني من العام 1931، وجاءت أهميته من ناحيتين. الأولى أن الأمير غازي كان يحظى بشعبية كبيرة بين شباب العراق، والثانية لأن جميع المشاركين في هذه البطولة كانوا من العراقيين حصرا.
ومن بين أبرز 20 لاعبا ممن تألقوا في مباريات كأس الأمير غازي في موسمه الأول؛ كما أعلنت عنهم صحيفة (العراق) عام 1931: نوري مردان، عبد الجبار الجومرد، محمود خرطنة، إسماعيل محمد الطالب، أنور مصطفى (دبابة)، قدوري كافر عصمان، صبحي علي.
وفي سنة 1936 قام مجموعة من شباب الموصل بتأسيس أول نادي رياضي في الموصل وهم: عبد الجبار الجومرد ونجم الدين جلميران (مدير الاعدادية الشرقية) وبشير حديد (محام) ويوسف زنوبي (طبيب) وبشير الدليمي (مدير مدرسة الوطن) وعبد الرحمن أمين أغوان (ضابط طيار) وعبد الجبار إسماعيل (مهندس) نوئيل رسّام (محام وهو والد الإعلامية المعروفة شميم رسّام). وقد اُختير لهذا النادي اسم (نادي الجزيرة).
لقد اُختير عبد الجبار الجومرد رئيسا لهذا النادي، وقد حقق (نادي الجزيرة) نتائج طيبة. وبتأريخ العشرين من شباط عام 1938 فاز (نادي الجزيرة) على الفريق الإنكليزي BOD بهدف واحد سجله خارج اليسار (إسماعيل صالح)، وقد حكَّم المباراة (خير الدين محمود).
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
800 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع