د. سامي خاطر*
ماذا بعد تعيين بزشكيان رئيسا لجمهورية الملالي؟
قد يسعى بزشكيان إلى تعزيز سلطته من خلال تنفيذ إصلاحات داخلية أو توجيه سياسات محددة تهدف إلى الحفاظ على استقرار النظام وتحقيق التوازن بين الفصائل المختلفة داخل النظام لكنها تبقى مجرد آمال وشعارات للاحتيال على الشعب، أما العلاقات الخارجية فستعتمد على مدى رؤيته للعلاقات الدولية وما يُرسم له، وقد يسعى إلى تحسين العلاقات مع الغرب أو يتبع سياسة المواجهة إذا شعر بضغط خارجي كبير كل ذلك لا خيار له فيه، ومن المحتمل أن يركز بزشكيان على تحسين الوضع الاقتصادي الداخلي لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد مثل التضخم والبطالة لكن أدواته وواقع الحال لن يعيناه على ذلك، كما يعتمد تحديد الاتجاهات المستقبلية لبزشكيان على مدى قدرته على تنفيذ السياسات والقرارات ومدى استعداده لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
مؤكد أن مسعود بزشكيان سيقع تحت ضغط كبير لاتخاذ قرارات بشأن توسيع الحريات المدنية وحقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، وحرية التعبير، وتعديل الدستور ليكون أكثر ديمقراطية للحد من سلطات الولي الفقيه، وتنفيذ سياسات صارمة لمكافحة الفساد داخل الحكومة والنظام الاقتصادي، وهذا أمر مستبعد نظراً لسجله السياسي، فضلاً عن أن الفصائل المتشددة داخل النظام قد تعارض بشدة أي محاولات لتوسيع الحريات المدنية وحقوق الإنسان.. لذا قد يختار بزشكيان نهج الإصلاحات التدريجية بدلاً من التغييرات الجذرية لتجنب ردود الفعل العنيفة من الفصائل المتشددة وضمان استقرار النظام.
على الجانب الآخر من المشهد السياسي الفعلي تبقى المقاومة الإيرانية داخلياً وخارجياً وكيفية التعامل معهما وهو التحدي الأكبر، إذ أن دعم المقاومة الإيرانية المستمر يشكل تهديداً جدياً لنظامه، وستتحدد توجهاته الإيديولوجية بناءً على سياساته الأولى بعد توليه السلطة.
برنامج المواد العشر الذي طرحته السيدة مريم رجوي خطة طموحة تهدف إلى تحقيق التحول الديمقراطي في إيران وضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وفي حال طالبت المقاومة الإيرانية بزشكيان بتطبيق هذا البرنامج كنوع من التحدي فسيكون ذلك تحدياً كبيراً؛ ذلك لأن النظام الإيراني الحالي قائم على ولاية الفقيه والتي سترفض أي نوع من الإصلاحات الديمقراطية العميقة وهو أمرٌ سيرفضه بزشكيان وزمرته أيضاً إذ أن تنفيذ برنامج السيدة مريم رجوي المدعوم شعبيا وعالميا يتطلب تغييراً جذرياً في هذا النظام الفاشي. بما في ذلك بزشكيان وعصبته، كما أن تحسين العلاقات مع المجتمع الدولي هو جزءاً من تنفيذ برنامج المواد العشر، ويتطلب هذا تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية الإيرانية والتي قد تكون صعبة التنفيذ في ظل الظروف الحالية، ولابد أن يعتمد الأمر أيضاً على دوافع ورؤية شخصية لـ بزشكيان لكنه لا يمتلك ذلك ولا يمتلك رؤية شخصية واضحة المعالم وقابلة للتنفيذ، وبالتالي فإن تنفيذ برنامج المواد العشر على يد بزشكيان هو أمرٌ بعيد المنال في الظروف الحالية، ولن تكون لديه ونظامه الشجاعة للخروج عن نهجهم وتنفيذ مثل هذا البرنامج الذي يُعد تنفيذه بالنسبة للنظام انتحاراً مع سبق الإصرار؟
هل يستطيع بزشكيان وزمرته إدارة الدولة في إيران والخروج بها من مستنقع الفشل والدمار؟
على صعيد إدارة الدولة وبعيدا الإصلاحات السياسية الملحة؛ تعتمد قدرة مسعود بزشكيان وفريقه على إدارة الدولة الإيرانية وإخراجها من مستنقع الفشل؛ على عدة عوامل معقدة منها ما تتداخل فيه السياسة والاقتصاد والعلاقات الخارجية، ومن العوامل الرئيسية التي ستؤثر على نجاح أو فشل بزشكيان في هذه المهمة خبرة بزشكيان وفريقه وقدرتهم على اتخاذ القرارات الصحيحة وتنفيذ السياسات بشكل فعال الكفاءة في الإدارة والقدرة على التعامل مع الأزمات بإرادة وقراراتٍ حاسمة لم يستطع إبراهيم رئيسي تطبيقها رغم أنه أهل بيت خامنئي، ومن هذه العوامل أيضاً قدرة بزشكيان على كسب دعم الشعب الإيراني الذي يرفض النظام برمته ما مضى منه وما هو آتٍ، فهل سيستجيب له الشعب في الوقت الذي لن تستجيب له العديد من دوائر النظام؟ وكيف يستجيب له الشعب وهو فاقد القدرة على تحقيق أي توافق سياسي داخلي يكون من خلاله البدء بالتعامل بمنطق الدولة برؤية توافقيه تجنب النظام الانقسامات والصراعات الداخلية، وبشكل عام فإن النجاح في إدارة الدولة الإيرانية والخروج بها من مستنقع الفساد والفشل لا يتطلب قيادة قوية وحازمة ورؤية استراتيجية واضحة لا يملكها بزشكيان فحسب بل يتطلب إزاحة النظام برمته وآثاره من الوجود؛ أي مشروع التغيير الذي أعلنته المقاومة الإيرانية وفق رؤية استراتيجية واضحة ومظلة سياسية منظمة ومقتدرة مدعومة من قوى الشعب.. ولن يتسطيع بزشكيان وزمرته تحقيق النجاح المطلوب لإنقاذ النظام.
* أكاديمي وأستاذ جامعي
1447 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع