بقلم احمد فخري
قصة (انقذونا) قصة كاملة
مطار بغداد الدولي عام 1976
تجمع المسافرون في صالة المغادرة بمطار المثنى الدولي يترقبون موعد اقلاع رحلتهم المباشرة الى لندن. جلس الرجل الأمي البسيط المدعو جواد مع زوجته ام علي يتفحصان باقي المسافرين ويصدران احكامهما الساخرة بصوت منخفض على باقي النساء من المسافرات ينتقدون مضهرهن وملابسهن ويطعنون بشرفهن. جلست في الصف المجاور لهما سيدة مسنة تمسك سبحة طويلة وعلى مؤخرتها صليب فضي صغير وكان الايمان بادياً على وجهها. خلفهم جلس قيس ولبنى العروسين الشابين وكانت الابتسامة لا تفارق شفتيهما. ظلوا يتهامسون ويضحكون حتى صار الشاب يضع يده فوق كتفها كلما اعتقد انهم صاروا بمأمن من عيون المتطفلين. خلفهم جلست سيدة ثلاثينية تمسك بيدها طفل رضيع وضعته فوق الكرسي، والى جانبها حقيبة زرقاء تحتوي على الكثير من مستلزمات الرضيع من رضاعات الحليب وحفاضات ومناديل تعقيم مبلولة. جلس خلفها رجل ستيني رشيق القوام طويل القامة تعلو وجهه ابتسامة مريحة يرد التحايا الى كل من يمر من امامه من موظفي المطار. وفي زاوية القاعة الكبيرة وقف ستة رجال يرتدون بدلات سوداء تخالهم رجال اعمال من الوهلة الاولى. ظل الركاب يتوافدون الى صالة الانتظار حتى امتلأت برمتها. فجأة سُمِعَ اعلان عبر المذياع يَطلِبُ من المسافرين التوجه الى بوابة المغادرة، فهبو جميعاً واحتشدوا بشكل فوضوي. من بعيد نادى احد موظفي الخطوط بصوت مرتفع يطلب من المسافرين ابراز بطاقات الصعود الى الطائرة مع جوازات السفر كي يُدخِلهم الحافلة التي كانت في انتظارهم بالخارج لتقلهم الى سلم الطائرة. وهناك بدأ الركاب يصعدون على السلم الواحد تلو الآخر فدخلوا قلب الطائرة. اتخذ جميع الركاب اماكنهم بردهات الطائرة التابعة لشركة الخطوط الجوية العراقية من طراز737-200 وربطوا احزمة المقاعد للرحلة الطويلة المباشرة المتجهة الى لندن عاصمة الضباب. وبعد ان اكتمل النصاب، أُغلقت الابواب ثم مشت الطائرة ببطئ شديد حتى وصلت مدرج الاقلاع فتوقفت هناك تنتظر دورها. فجأة بدأت تتحرك رويداً رويدا ثم ازدادت سرعتها وصارت تهرول وسط ارتفاع ملحوظ بصوت المحرك حتى انحنت للخلف وبدأت رحلتها بنشاط كبير لترتفع عجلاتها الامامية ثم تتبعها العجلات الخلفية وتبدأ بالتسلق نحو السماء. وبعد ان اصبحت الطائرة فوق السحب وتجاوزتها بكثير، استقامت وكفت عن التسلق لتنطفئ اشارة ربط احزمة المقاعد ففتح الركاب احزمتهم وصاروا يتناولون وجبة الغداء التي قدمت اليهم فانشغلوا بملئ بطونهم. وبعد مرور ساعة ونيف من الطيران الهادئ السلس اصيب الركاب بالرعب عندما بدأت الطائرة تهتز بعنف شديد وتتأرجح وكأنها في قطار الموت بمدينة الملاهي. وقتها سمعوا هذا الاعلان من قبطان الطائرة، "حضرات المسافرين الكرام، انا القبطان مصعب رفيق نوري احييكم وارحب بحضراتكم على متن رحلتنا الى لندن، نأسف لوجود الكثير من المطبات الهوائية وذلك لهبوب عاصفة هوجاء خطيرة فوق اجواء تركيا الواقعة على مسار رحلتنا. لذلك واستناداً للمعلومات التي وردتنا والاوامر التي تلقيناها من هيئة الارصاد الجوية التي طلبت منا تجنب ذلك المسلك الخطير قررنا ان نغير اتجاه مسارنا شرقاً لنتجنب منطقة العاصفة. طبعاً سيؤدي ذلك الى تأخير لبضع ساعات عن موعد وصولنا الى لندن لاننا سنضطر للهبوط بمطار روما بوسط الطريق للتزود بالوقود. لذا نرجو من حضراتكم ربط احزمة المقاعد وارجاع الكراسي الى اماكنها الطبيعية. ستقوم المضيفات بجمع صواني الطعام من امامكم حفاظاً على سلامتكم، نرجو منكم تفهم الموقف والبقاء باماكنكم". عمت الفوضى بالطائرة وازداد الصريخ والصخب بين المسافرين ليعترض الكثير منهم على التأخير. لم تستغرق المضيفات سوى دقائق معدودات حتى جمعن كل صواني الطعام الفارغة من امام المسافرين وعادوا الى اماكنهم فجلسوا وشدوا احزمة المقاعد. بقيت الطائرة تهتز بعنف وتتأرجح من شدة المطبات العنيفة التي احدثتها العاصفة وصارت النساء يصرخن باصوات تصم الآذان. استمرت الحالة لاكثر من نصف ساعة حتى استقرت الامور بعد ذلك فنظر الركاب من الشبابيك وعلموا انهم ابتعدوا عن اليابسة واصبحوا الآن يحلقون فوق مياه البحر. قال احد الركاب، "يبدو اننا فوق البحر الاحمر" فاجابه راكب آخر من الخلف قائلاً، "لا اعتقد ذلك. نحن الآن فوق البحر الابيض المتوسط، وإذا اراد الطيار الابتعاد عن العاصفة فهو بالتأكيد سيميل غرباً نحو اليونان كما قال في بيانه". فرد عليه الاول قائلاً، "وكيف عرفت ذلك يا ذكي؟ انا اقول اننا فوق البحر الاسود". فعاد الثاني واسمه (صقر) قال، "يجب ان تصدقني يا رجل. انا اعي ما اقول". هنا صرخت بهم امرأة محجبة في عقدها السادس بغضب شديد قالت، "كفاكم ثرثرة، حياتنا جميعاً في خطر لنصبح قاب قوسين او ادنى من القبر وانتم تتجادلون عن شيء تافه. لماذا لا تلتزمان الصمت وتنتظرا لنرى ماذا سيحل بنا؟". هنا امسكت زوجة الاول بيد زوجها وقالت له، "اسكت يا جواد اسكت لقد فضحتنا، هل تخال نفسك جالساً في البيت وتعلق على كل كبيرة وصغيرة؟. اغلق فمك واترك الناس بحالها". جلس جواد الى جانب زوجته والتزم الصمت رغماً عن انفه. هدأ الجميع ما عدى طفل رضيع صار يبكي بصوت مرتفع فيزعج كل الركاب. هدأت هزهزات الطائرة وصارت تسير بسلاسة وبانتظام وهدوء تام. هنا سَمَعَ الركاب صوت القبطان من جديد يذيع النبأ التالي، "حضرات المسافرين الكرام نعتذر عن تلك المطبات التي مررنا بها قبل قليل فقد واجهتنا حالة (مات) غير اعتيادية تمثلت بعاصفة واضطرابات مصحوبة باقترابنا من غيمة (كيو نم) الخطيرة لكننا ابتعدنا عنها واصبح مسار الطائرة سلساً وآمناً الآن. وكان ذلك سبب تغيير مسارنا. سنحلق بعد قليل فوق سيلونيكا ثم تيرانا وسنحط بمطار روما للتزود بالوقود ثم نواصل رحلتنا من هناك بشكل اعتيادي متجهين شمالاً الى مطار هيثرو في لندن. يمكنكم النزول بمطار روما والتجول فيه قليلاً إن اردتم لان عملية التزود بالوقود ستدوم حوالي الساعة او اكثر بقليل بنائاً على كثرة ازدحام الطائرات للتزود بالوقود. لكننا نرجو من حضراتكم عدم الابتعاد كثيراً عن صالة المغادرة كي لا تتأخر رحلتنا اكثر مما يلزم وشكراً على تعاونكم معنا". بقي المسافرون يتابعون الطريق البحري الجديد الذي سلكه الطيار حتى بدأت اليابسة تظهر للعيان من شبابيك الطائرة . وبعد اقل من ساعتين من الطيران اعلنت المضيفة عن بدء الهبوط التدريجي نحو مطار روما فطلبت من الركاب ربط الاحزمة واعادة المقاعد الى وضعها العمودي. استمر الطفل الرضيع بالصراخ طوال تلك الفترة رغم انزعاج جميع الركاب من عويله. وما هي الا دقائق ولامست عجلات الطائرة المدرج فتنفسوا الصعداء وصاروا يشعرون بامان وفجأة توقف الطفل الرضيع عن الصراخ. مشت الطائرة على مسالك المطار لكنها قبل ان تتوقف تماماً انتصب اغلب الركاب وصاروا يتكالبون على باب الطائرة لكن المضيفات صرن يطلبن منهم البقاء باماكنهم وربط احزمة المقاعد حتى تتوقف الطائرة تماماً في مستقر لها. عاد الركاب وجلسوا على الكراسي وهم غير راضين عما طُلِبَ منهم. اخيراً وقفت الطائرة وقوفاً نهائياً فسُمِعَت احزمة المقاعد تنفتح بشكل جماعي وكأنهم مقاتلون يمتشقون سيوفهم استعداداً للقتال فهبوا وراحوا يتسابقون للخروج من باب الطائرة. فور دخولهم صالة العبور انتشروا بكل الاتجاهات. البعض توجه نحو الحمامات بينما راح الكثير منهم الى دكاكين السوق الحرة يشترون كل ما يحتاجون وما لا يحتاجون من مواد معفية من الضرائب. اما صقر فدخل مقهى صغير وطلب فنجاناً من القهوة المركزة (اكسبريسو). وبينما هو جالس على طاولته الصغيرة يتأمل البناء الراقي والهندسة المعمارية الفريدة للمطار ويترشف ببطئ شديد قهوته المفضلة جائه الرجل الذي تلاسن معه في الطائرة وقال،
الرجل : السلام عليكم. انا اسمي جواد. انا الذي تناقشت معك في الطائرة. اردت ان اعتذر منك.
صقر : وعليكم السلام. لا، ليس هناك داعي للاعتذار. انا نسيت الامر تماماً. انا اسمي صقر.
دون استئذان، سحب جواد الكرسي وجلس امامه وقال،
جواد: هل لديهم شاي عراقي هنا؟
ابتسم صقر ثم نظر الى جواد وقال،
صقر : لماذا لا تطلب ثريد باقلاء بالبيض المقلي مع الشاي؟
جواد: هل حقاً يقدمون ثريد باقلاء هنا؟
صقر : لا يا اخي. نحن في روما. كنت امازحك وحسب.
جواد: واين تقع روما؟ هل هي في المانيا؟
صقر : كلا، روما هي عاصمة ايطاليا. انها في قارة اوروبا.
جواد: ولماذا برأيك غيّرَ سائق الطيارة اتجاه الرحلة؟
صقر : كما اخبركَ القبطان مصعب. غير اتجاهه بسبب ردائة الاحوال الجوية.
جواد: ولماذا ذهب الى رومانيا إذاً؟
صقر : نحن في روما وليس في رومانيا. جئنا الى روما لكي نتزود بالوقود ثم نواصل الرحلة الى لندن لان الطريق اصبح اطول.
جواد: هل سيركب معنا الكثير من (العبرية)؟
صقر : هل تعتقد انك في (باص نفرات). ليس من المتوقع ان يركب معنا احد. سيكون نفس عدد الركاب.
جواد: هل تقصد انهم سوف يحصون العدد عندما نعود للطائرة كي نواصل الرحلة؟
صقر : بالتأكيد، فهم لا يرغبون بان يتخلف احد في روما.
جواد: لااااااا مع الاسف. هذا امر محزن جداً.
صقر : لماذا هو امر محزن يا اخ جواد؟
جواد: كنت اتمنى ان ينسوا زوجتي ام علاوي في رومانيا فنتركها وحدها هناك لتتوه وابقى انا وحدي.
صار صقر يضحك من كل قلبه من جديد على الطرفة التي سمعها من جواد لكن جواد اضاف،
جواد: انا جاد يا اخي صقر. عندما نويت ان اسافر الى لندن لاطمئن على ابني علي الذي يدرس هناك، أصرت زوجتي المجيء معي من دون فائدة. لذا اضطررت ان اصطحبها معي. كان الافضل ان تبقى ببغداد بينما آخذ حريتي بلندن.
هنا علم صقر ان الشخص الذي يحاوره انسان بسيط لذلك غير رأيه فيه وبدأ يستمتع بالحديث معه فسأله،
صقر : وكيف ستأخذ حريتك يا اخ جواد؟
جواد: لقد سمعت من اصحابي ان النساء بلندن جميلات جداً ويحبون الرجل الشرقي كثيراً. انهن يتقاتلن فيما بينهن للحصول عليه. كنت امل ان اجد واحدة تهيم بي فاستطيع ان ارفه عن نفسي قليلاً، لانني متزوج من ام علي لاكثر من 25 سنة وكأنني في سجن مؤبد. آن الاوان لان يطلقوا سراحي. اليس كذلك؟
ضحك صقر بصوت عالٍ ثم قال،
صقر : اجل فهمتك. انت تصبو الى الحرية من زوجتك.
جواد: وماذا عنك؟ الست متزوجاً؟
صقر : لقد تزوجت في بادئ حياتي المهنية لكن زوجتي ملت من كثر ترحالي اثناء تأديتي لعملي لذلك لم يدم زواجنا اكثر من سنة واحدة فقط ثم تطلقنا. بعدها قررت ان اكرس جهدي كله على مهنتي.
جواد: وما هي مهنتك؟ هل انت بائع متجول؟
صقر : كلا، انا كنت طياراً اقود الطائرات لدى الخطوط الجوية العراقي. والآن انا متقاعد.
جواد : كم هو عمرك يا استاذ؟ فانت تبدو وكأنك في العشرين من العمر.
صقر : انا عمري 60 سنة.
جواد : اطال الله في عمرك اخي عصفور.
صقر : اسمي صقر.
جواد : عصفور، بلبل، غراب، صقر لا يهم، كلها من الطيور هاهاها. ولكن اخبرني: هل صادفتك عواصف كالتي مررنا بها اليوم اثناء عملك في الماضي؟
صقر : اجل كثيراً ما كانت تواجهنا حالات جوية غير متوقعة فنغير مسار رحلتنا كي نتجنبها حفاظاً على سلامة المسافرين وراحتهم.
جواد: ولكن قل لي، لماذا انت ذاهبٌ الى لندن؟
صقر : اخي الاكبر فارس يقيم بلندن منذ اكثر من 40 سنة. انه يسكن مع عائلته هناك. اصيب بمرض سرطان البروستاتا فاردت ان اكون الى جانبه اثناء اجرائه العملية.
جواد : لقد سمعت ان سرطان البروستاتا مميت ولا يشفى منه احد. وهذا يعني ان اخاك سيموت بالتأكيد. على العموم اتمنى لاخيك الشفاء العاجل ان شاء الله.
صقر : شكراً اخي جواد.
فجأة سمعوا نداءاً بالانكليزية الى ركاب الخطوط الجوية العراقية كي يرجعوا الى الطائرة من خلال نفس البوابة فوقف صقر ووضع اصبعه على فمه طالباً من جواد الكف عن الكلام ليسمع تفاصيل النداء فسأله،
جواد : هل هذا النداء لنا؟
صقر : اجل، يجب ان نعود للطائرة الآن. هيا يا جواد.
انتصب جواد من كرسيه وقبل ان يغادر الطاولة نظر الى فنجان القهوة الذي كان يشرب منه صقر فرأى قطعة شكلاطة الى جانبه. سأله،
جواد: الا تريد هذه (الچكليتة)؟
صقر : كلا.
جواد: إذاً ساخذها انا. حرام ان ترمى في صفيحة القمامة.
صقر : بالتأكيد، انت افضل من صفيحة القمامة.
اخذها جواد وفتحها ليرمي الغلاف على الارض ويضع قطعة الحلوى بفمه. لكن صقر نظر الى جواد بامتعاض ثم انحنى والتقط قطعة الورق من على الارض ورماها باقرب صفيحة قمامة. فسمعه يقول،
جواد: ما لهذه الحلوى مرة. انها لا تشبه الحلوى لدينا.
صقر : انها الشكلاطة الغامقة. عادة ما تقدم مع القهوة.
مشى الرجلان حتى وصلا البوابة فبدأت مسرحية التدافع بين الركاب ليروا من سيدخل الطائرة اولاً كي يصبح المتسابق الذي يحصل على الجائزة الذهبية للدورة الاولومبية. وما ان دخل الركاب الطائرة من جديد قال جواد.
جواد: دعنا نغير اماكننا، فهناك كراسي عريضة في (الصدر).
صقر : هذه اماكن مخصصة للدرجة الاولى. ونحن لا يسعنا ان نغير اماكننا كما يحلو لنا.
جواد: لكنها خالية. فما المشكلة؟
صقر : حتى لو كانت خالية. فالطائرة لديها نظام وعلى الجميع الالتزام به يا جواد.
رجع جواد الى مكانه بالكرسي 30D فتفاجأ بوجود زوجته بمكانها. جلس الى جانبها لانها عادت من صالة المطار قبله. بينما رجع صقر الى الخلف واخذ مكانه المخصص له بالكرسي رقم 34C. وبعد قليل بدأت الطائرة تتحرك تدريجياً حتى سارت نحو مدرج الاقلاع ووقفت هناك. فصرخ جواد من على بعد اربعة صفوف مناديأ صقر قائلاً،
جواد: يا صقر، يا صقر، هل عطلت الطائرة من جديد؟ هل من المفروض ان ننزل لدفعها؟
فاجابه بصوت منخفض وهو يكاد يموت من الخجل من باقي المسافرين قال،
صقر : كلا، قائد الطائرة ينتظر إذناً بالاقلاع من قبل برج المراقبة.
بعد قليل تحركت الطائرة وبدأت تتسلق للاعلى حتى اخترقت السحب واعتلت فوقها فانطفأت علامة ربط الاحزمة. عادت المضيفات بتوزيع الطعام على الركاب. فعم الهدوء لانشغالهم بالطعام.
وفي قمرة القيادة تكلم مساعد القبطان رعد الياسر بجهاز اللاسلكي مع المتابعة الارضية لايطاليا فحدد فيها ارتفاع الطائرة واتجاهها ووجهتها. فاعطوه الموافقة على مواصلة خط السير. التفت الى القبطان وقال،
مساعد الطيار : الآن كل شيء على ما يرام لقد قمت بتفعيل الطيار الآلي (اوتو پايلوت) على اتجاه 300 درجة. وسوف ندخل الاجواء الفرنسية بعد حوالي ساعة.
القبطان : ما خطبك يا رعد؟ لقد لاحظت انك غير مرتاحاً في جلستك؟ هل تعاني من شيء؟
مساعد الطيار : لا اعلم ماذا اكلت بالامس يا قبطان. الآن لدي الم في بطني.
القبطان مصعب : هل هو الم شديد؟
مساعد الطيار رعد : لا، لا اعتقد انه شيء مهم. ربما مغص وحسب.
القبطان مصعب : ارجوك يا رعد، إذا كنت غير مرتاحاً من شيء، اتمنى ان تخبرني به.
مساعد الطيار رعد : لا عليك يا قبطان. سيزول الالم بعد قليل.
بعد مرور ساعة من الطيران امسك مساعد الطيار باللاسلكي وتحدث فيه قائلاً،
رعد : المتابعة الارضية، المتابعة الارضية، نحن طائرة رقم براڤو إنديا مايك الفا 737-200 FL 330 المتجهة... المتجهة... المتجهة... الى لنـ... لنـ...لندن.
المتابعة الارضية : براڤو إنديا مايك الفا واصل السير لديك براڤو.
رعد : عُلِمْ.
القبطان مصعب : ما المشكلة يا رعد؟ لقد لاحظتك تتكلم بصعوبة عبر اللاسلكي. الا زلت تعاني من الالم؟
رعد : اجل يا قبطان . صار الالم شديداً جداً.
القبطان مصعب : اين الالم بالتحديد؟
رعد : الالم هنا.
أشار الى اسفل بطنه من جهة اليمنى. نظر القبطان اليها وقال،
القبطان مصعب : ربما لديك المصران الاعور.
رعد : الالم في ازدياد يا قبطان. اكاد اموت من شدة الالم.
القبطان مصعب : اترك مكانك وانتقل الى الدرجة الاولى، الكراسي هناك واسعة ومريحة اكثر.
رعد : لا ليس هناك داعي. ساتحمل الالم حتى نصل الى لندن.
القبطان مصعب : هل تمزح يا رجل؟ لدينا اكثر من ساعتين من الطريق حتى نصل الى لندن. قلت لك قم واسترخي هناك.
رعد : حسناً سارجع الى الدرجة الاولى واستلقي على احدى الكراسي الخالية. وإن تحسنت حالتي ساعود الى هنا.
القبطان مصعب : شفاك الله يا رعد.
ترك مساعد الطيار مكانه وسار منحني الظهر ببطئ شديد الى قمرة الدرجة الاولى فوجدها خالية تماماً من الركاب. جلس على اول كرسي فيها فجائته المضيفة ابتهال وسألته،
ابتهال : هل احضر لك شيئاً سيدي؟
رعد : اريد كأساً من الماء لو سمحتِ يا ابتهال.
ابتهال : حالاً سيدي.
ذهبت ابتهال وعادت بعد قليل بكأس الماء. بهذه الاثناء جائت المضيفة علياء وقالت،
علياء : يقول القبطان انه اتصل بمطار ميلانو واستشارهم بحالة رعد فسألوه عن سن الطيار فاخبرهم بانه 35 سنة لذلك نصحه الطبيب هناك بمحاولة الحصول على مضاد حيوي واسع الطيف. فسألني فاجبت بان لدي (امپسلين 400) في حقيبتي لذلك طلب مني اعطائك حبتين منه. تفضل استاذ رعد خذ هذه الحبتين.
رعد : شكراً عزيزتي ابتهال.
شرب الدواء واستلقى على الكرسي الوثير ليرجعه الى الوراء محاولاً التغلب على الالم.
رجعت ابتهال الى قمرة القيادة وقالت للقبطان،
ابتهال : لقد اعطيته حبتين كما طلبت مني يا قبطان.
القبطان مصعب : شكراً لك ابتهال. ارجو ان يرتاح على ذلك الدواء.
ابتهال : وانت يا قبطان، لماذا تدعك كتفك الايسر؟ هل تشعر بالم؟
القبطان مصعب : لا اعلم ماذا حل بي. لقد صار كتفي يؤلمني عندما بدأت رحلتنا اليوم. من المؤكد انني نمت عليه ليلة امس. لا عليكِ عزيزتي ستتحسن حالتي.
ابتهال : هل تريدني ان ادعكه لك؟
القبطان مصعب : لا ابداً، هذا ليس ضرورياً. ساتناول حبة (إبوپروفين) وسيزول الالم بعد قليل.
ابتهال : على العموم بامكانك مناداتي وقتما تحتاجني.
القبطان مصعب : شكراً عزيزتي ابتهال.
خرجت المضيفة ابتهال من قمرة القيادة واغلقت الباب ورائها تاركة القبطان وحده يقود الطائرة. رجعت الى قمرة الدرجة الاولى فرأت مساعد الطيار يتلوى من شدة الالم سألته،
ابتهال : الم تتحسن حالتك سيدي؟
رعد : الالم يزداد يا ابتهال. اكاد اموت من الوجع.
ابتهال : لا بأس عليك سيدي. يقول القبطان مصعب اننا سنصل الى لندن خلال ساعتين و15 دقيقة. هل يمكنك تحمل ذلك.
رعد : لا اعلم. فانا اشعر وكأن جسدي كله يشتعل. الالم لا يطاق، لا يطاق اشعر وكأن بطني ستنفجر باي لحظة.
ابتهال : هون عليك سيدي سنصل لندن وسينقلونك الى المستشفى وستجرى لك عملية الزائدة الدودية وسترجع لبيتك واولادك إن شاء الله.
رعد : ليس لدي اولاد، لدي خطيبة فقط.
ابتهال : انها حقاً محظوظة سيدي.
رعد : شكراً. والآن اتركيني وارجعي الى عملك يا ابتهال.
ابتهال : حسناً سيدي. ارجوك اضغط على الزر إن احتجت الى اي شيء.
رعد : سافعل ذلك شكراً.
بعد مرور اكثر من ساعتين في قمرة الدرجة السياحية.
نظر جواد الى المسافرة التي على يمينه وقال،
جواد : هل انت ذاهبة الى لندن لغرض السياحة؟
لكن المسافرة لم ترد عليه وادارت رأسها نحو الشباك الى يمينها. تلقى ضربة في خاصرته من جهة اليسار من زوجته ام علي.
استمر الطيران لاكثر من ساعتين ونصف حتى اصبحت الطائرة فوق مياه البحر فوقف جواد وسار الى الخلف ليتحدث مع صقر قال،
جواد : بما ان الكرسي الذي الى جانبك خالِ، فهل يمكنني ان اجلس عليه لندردش قليلاً لانني اصبت بالغثيان من زوجتي ام علاوي وكلامها الممل.
صقر : تفضل اجلس.
جواد : لاحظت اننا فوق مياه البحر الآن، فاي بحر نحن نحلق فوقه؟
صقر : نحن فوق قناة (دوڤر).
جواد : هل هذا يعني اننا اصبحنا قريبين من لندن؟
صقر : اجل.
وفي اثناء ذلك جرى حوار بين المضيفة علياء وزميلتها ابتهال فسألت،
علياء : ما هي احوال الطيار المساعد رعد؟
ابتهال : المسكين هو في حالة يرثى لها. يعاني من الم شديد في بطنه. يعتقد القبطان مصعب ان لديه المصران الاعور.
علياء : يا ساتر. كان نسيبي يعاني منه وقد انفجر ببطنه. لقد كاد ان يموت لولا انهم اسرعوا في نقله الى مستشفى الجمهوري ليجروا له عملية الزائدة الدودية.
ابتهال : والله انا اشعر بالحزن عندما اراه بهذه الحالة.
علياء : ولكن اخبريني يا ابتهال، هل بالامكان ان يقود القبطان مصعب الطائرة وحده؟
ابتهال : بالتأكيد. انه طيار ماهر وبامكانه قيادتها دون ادنى عناء.
علياء : إذا كان الامر كذلك. فلماذا يضعون طيارين اثنين بكل رحلة؟
ابتهال : انهم يتحسبون لامر مثل ما حصل معنا اليوم. فاليوم اصيب الطيار رعد بالزائدة واصبح غير قادر على قيادة الطائرة. لذلك تمكن القبطان مصعب من قيادة الطائرة بمفرده ليكمل الرحلة.
علياء : وهل يستطيع مساعد الطيار ان يقود الطائرة وحده هو الآخر؟
ابتهال : بالتأكيد، فمساعد الطيار لا يستطيع ان يجلس على كرسيه الى يمين القبطان الا إذا كان طياراً محترفاً.
علياء : الآن لقد اطمئنيت قليلاً لانني كنت متوترة عندما علمت بمرض مساعد الطيار. ولكن دعيني اسألك هل هذه رحلتك الاولى الى لندن؟
ابتهال : كلا، لقد جئتها اكثر من خمسين مرة. وماذا عنك؟
علياء : انها اول رحلة لي. فانا كنت اطير الى جنوب شرق اسيا. انا لا اعلم اي شيء عن لندن. ولا عن الفندق الذي سنقيم به.
ابتهال : طاقم الخطوط الجوية العراقية ينزل دائماً بفندق (سانت جيمس). انه فندق ذو اربعة نجوم. اي انه من الفنادق الفاخرة.
علياء : هل هو بعيد عن مركز المدينة؟
ابتهال : مدينة لندن من اكبر عواصم العالم وهي ممتدة وواسعة جداً. اما الفندق فيقع بمنطقة تدعى (ڤكتوريا) وهي ليست بعيدة كثيراً عن شارع (اوكسفورد ستريت) الشهير.
علياء : لقد اوصتني اخت زوجي ان اذهب الى محلات بوسط هذا الشارع تدعى (سلڤر جرزي).
ابتهال : ربما تقصدين (سلف ريدجز). اجل ولكن هذا المحل يعتبر من المحلات الغالية لان بضاعته مترفة جداً.
علياء : إذاً سوف لن اذهب اليه. فانا اريد ان اوفر المال كي نشتري مشتمل ببغداد.
ابتهال : وماذا يعمل زوجك؟
علياء : انه محاسب لدى احد المقاولين اسمه سعد طبرة.
ابتهال : وفقكم الله.
علياء : وانتِ ماذا عنكِ؟
ابتهال : انا متزوجة منذ 7 سنوات وعندي ولد واحد اسمه لؤي عمره 5 سنوات. يا الهي، لقد تذكرت الآن.
علياء : ما الامر؟ ماذا تذكرت؟
ابتهال : اردت ان اطلب من القبطان مصعب ان يتوسط لي كي احصل على اجازة في الاسبوع القادم. لاننا سنحتفل بعيد ميلاد ابني لؤي.
علياء : ادخلي عليه الآن واطلبي منه ذلك. فبعد قليل سيبدأ بالهبوط التدريجي ولن تتمكني من التحدث اليه.
ابتهال : اجل سادخل قمرة القيادة الآن. اراك فيما بعد.
دخلت ابتهال الى قمرة القيادة لتتحدث الى القبطان فرأته مسدلاً رأسه على كتفه الايسر وغارقاً في النوم. لذلك بدأت تسعل كي يشعر بها وقالت،
ابتهال : قبطان مصعب، اردت ان اطلب منك صنيعاً لو سمحت.
لكن القبطان لم يرد عليها. عادت وصارت تسعل بصوت اعلى واعادت جملتها قائلة،
ابتهال : قبطان مصعب انا آسفة لازعاجك ولكن اردت ان اطلب منك خدمة بسيطة لو سمحت.
هنا شعرت انه غارق في نوم عميق لانه لم يرد على ندائها لذا قررت ان توقظه. امسكت بكتفه ثم طبطبت عليه وقالت،
ابتهال : اسفة يا قبطان، يبدو انك نائم.
لم يتحرك القبطان ابداً. بدأ القلق يدب في عروقها تقدمت بجذعها الى الامام ونظرت بوجهه فرأت عيناه منفرجتان وليس فيهما حراك. صارت ترتعد من شدة الخوف. صفعته برفق كي تحاول ايقاظه لكن دون جدوى. تذكرت التدريبات التي كانت تتلقاها عندما كانت مبتدئة. وكيف كانوا يعلمونها كيف تتأكد من ان المسافر على قيد الحياة. وضعت اصبعها على رقبته لتستدل على نبضه. لكن وجهها إصْفَرّ فقالت، "يا الهي القبطان مصعب مات، يا ترى من الذي يقود الطائرة إذاً؟". عادت وصفعته بقوة هذه المرة وصرخت، "استيقظ يا قبطان ارجوك نحن سنموت من دونك". لكن لا حياة لمن تنادي. كان القبطان قد فارق الحياة. رجعت وهي في غاية الرعب فرأت مساعد الطيار رعد وهو يتلوى من شدة الالم قالت له،
ابتهال : سيدي، سيدي لدينا حالة طارئة.
لكن مساعد الطيار رعد لم يرد عليها لانه كان في عالم آخر تماماً. علمت انها يجب ان تخبره بما حل بالقبطان مصعب قالت،
ابتهال : القبطان مصعب قد فارق الحياة ولا اعلم من الذي يقود الطائرة.
الا ان مساعد الطيار رعد قال بصوت مهدج، "الطي... الطي... الطيار الآلي". وقفت الى جانب كرسيه وضلت تضرب كفاً بكف وتقول، "لقد متنا لا محال، الطائرة ستسقط بنا وسنموت جميعاً. ما العمل يا ربي ما العمل؟
ركضت الى زميلتها علياء فنظرت اليها باستغراب وقالت،
علياء : ماذا بك يا ابتهال؟ وجهك شاحب يبدو وكأنك رأيت جني!
ابتهال : انا فعلاً رأيت جني. الطائرة تطير بقدرة قادر. القبطان مصعب قد توفى ومساعد الطيار رعد لا يجيب والطائرة لا يقودها احد.
علياء : يا الهي ماذا تقولين؟ انا لا احب المزاح من هذا النوع يا ابتهال ارجوك.
ابتهال : اقسم بالله اني لا امازحك. الطائرة تطير دون ان يقودها احد.
علياء : مستحيل. ولماذا لم تسقط بعد إذاً؟
ابتهال : يبدو ان الطائرة يقودها الطيار الآلي (اوتو پايلوت).
علياء : ولكن كيف سننزل على الارض؟
ابتهال : لا اعلم.
علياء : لماذا لا نخبر السيطرة الارضية ربما سيستطيعوا مساعدتنا؟
ابتهال : تعالِ معي ودعنا نحاول ان نتصل بهم.
بهذه الاثناء جاء رئيس المضيفين وسأل،
رضا : ما الامر يا بنات لماذا صوتكم مرتفع؟
علياء : القبطان مصعب مات ومساعد الطيار رعد لديه الم شديد في بطنه ولا يقوى على الكلام حتى، والطائرة تطير وحدها دون طيار.
رضا : والله كنت اعلم انني ساموت يوماً ما بحادث سقوط. يا ويلتاه سنموت اليوم جميعاً.
علياء : ستحاول ابتهال الاتصال بالسيطرة الارضية على اللاسلكي كي تخبرهم بالامر.
رضا : هل تعرف كيف تستعمل اللاسلكي؟
علياء : يبدو ذلك لانني لا اعرف كيف استعمله.
رضا : دعنا ندخل معها قمرة القيادة ونحاول مساعدتها.
دخل رئيس المضيفين رضا مع المضيفة علياء فرأوا المضيفة ابتهال تجلس الى يمين القبطان مصعب الذي كان مسدلاً رأسه الى اليسار. وضعت ابتهال السماعات فوق رأسها وضغطت على زر الاتصال قالت بالانكليزية،
ابتهال : الو، الو هل يسمعني احد؟ هل هناك احد يسمعني؟
مراقب الحركة الجوية : هذه ذبذبة مخصصة للطيران المدني يرجى عدم استعمالها.
ابتهال : انا مضيفة بطائرة الخطوط الجوية العراقية واسمي ابتهال. لدينا حالة طارئة وطيارينا كلاهما عاجزان. لو سقطت الطائرة بالبحر فاغلبنا لا يجيد السباحة وسنموت حتماً. ارجوكم انقذونا، انقذونا، انقذونا نحن لا نريد ان نموت اليوم رجاءاً.
مراقب الحركة الجوية : ما هي حالة القبطان ومساعد الطيار يا باهال؟
ابتهال : القبطان مات ومساعد الطيار لديه الزائدة الدودية.
مراقب الحركة الجوية : كيف هي حالة الطائرة؟
ابتهال : الطائرة تطير بشكل منتظم.
مراقب الحركة الجوية : يبدو ان القبطان قد قام بوضع الطائرة على الطيار الآلي قبل ان يموت. هل لديك خبرة بالطيران يا باهال؟
ابتهال : كلا، لا انا ولا زميليّ من المضيفين يملكون خبرة بالطيران.
مراقب الحركة الجوية : هل بامكانك قرائة العدادات التي امامك يا باهال؟
ابتهال : كلا انها مئات العدادات ولا افهمها ابداً.
مراقب الحركة الجوية : لحظة واحدة، لا تبرحي مكانك، ساعود اليك بعد قليل تمالكي نفسك.
ترك مراقب الحركة الجوية كرسيه واخبر مديره بما يجري. اتصل المدير باحد الطيارين المتخصصين بمثل هذه الحالات كي يأتي للتحدث الى المضيفة. لكنهم اخبروه بان الطيار غير موجود بالمطار وسيقومون باستدعائه من بيته. رجع مراقب الحركة الجوية على الخط وقال،
مراقب الحركة : باهال، باهال، لقد اتصلنا باحد الطيارين القداما وسوف يحاول مساعدتكم.
ابتهال : حسناً ولكن اسمي ابتهال وليس باهال.
مراقب الحركة : طيب يا باهال لا مشكلة.
بعد قليل رجع احد الموظفين وقال للمراقب ان الهاتف ببيت الطيار لا يرد. هنا نادى مراقب الحركة قائلاً،
مراقب الحركة : يا باهال، لقد تعذر علينا الاتصال بطيار الدعم لذلك اريد ان اسألك سؤالاً مهماً.
ابتهال : تفضل سيدي.
مراقب الحركة : انا اسمي فريدي، اريدك ان تتكلمي مع الركاب بالمذياع وتسأليهم إن كان لاحدهم خبرة في الطيران كي يأتي ليساعدك.
ابتهال : ساقوم بذلك الآن.
التفتت ابتهال الى رئيس المضيفين رضا وقالت له،
ابتهال : يجب إجراء إعلان على المذياع للمسافرين والاستفسار إن كان هناك احد منهم لديه خبرة بالطيران كي يأتي لنجدتنا.
رضا : ساقوم بالاعلان الآن فوراً.
امسك رضا المكرفون وفتحه ثم قال، "حضرات المسافرين الكرام نود ان نسترعي انتبهاكم جميعاً. بالنظر لحدوث حالة طارئة نود ان انَعلَمْ إن كان هناك احد منكم لديه خبرة بقيادة الطائرة فليتقدم الى الامام ويعلن عن نفسه". عمت الفوضى لدى المسافرين لانهم علموا ان الطائرة تطير من دون طيار. ومن بين تلك الفوضى صرخ جواد باعلى صوته وقال،
جواد : يا صقر لقد جاء وقتك. الطائرة تسير وحدها ويحتاجون الى خدماتك.
صقر : حسناً، حسناً انا ذاهب.
ترك صقر مقعده وسار بالممر حتى وصل الى قمرة الدرجة الاولى فرأى رئيس المضيفين رضا واقفاً الى جانب مساعد الطيار رعد وعلياء تمسح على جبينه بمنديل مبلول وهو يئن ويصدر اصواتاً مرتفعة من شدة الالم قال،
صقر : انا القبطان المتقاعد صقر سليم داود هل انتم بحاجة لي؟
رضا : اجل يا قبطان . ارجوك تعال معي لندخل الى قمرة القيادة.
دخل صقر ورضا قمرة القيادة وعرف عن نفسه من جديد حين قال،
صقر : انا القبطان المتقاعد صقر سليم داود؟
ابتهال : لقد بعثك الله الينا. تفضل، تفضل، يا قبطان .
صقر : ما المشكلة؟
رضا : لقد اصيب مساعد الطيار رعد بالم شديد في بطنه والارجح انه يعاني من انفجار بالزائدة الدودية. وعندما جئنا لنتحدث الى القبطان وجدناه ميتاً. يبدو انه اصيب بسكتة قلبية. وهذه الجالسة هناك هي زميلتي المضيفة ابتهال تتحدث الى مراقب الحركة الجوية بمطار (هيثرو) بلندن والسبب هو ان لغتها الانكليزية افضل منا جميعاً. كذلك نحن لا نستطيع قيادة الطائرة. لذلك نحن بامس الحاجة اليك سيدي.
صقر : حسناً، حسناً. في بادئ الامر يجب ان تساعدني كي نسحب جثة القبطان من على الكرسي الذي يجلس عليه حتى احل محله.
رضا : لحسن الحظ انه خفيف الوزن وسوف نتمكن من سحبه ووضعه على الكرسي الخلفي.
فتح رضا حزام الامان من على مصعب القبطان المتوفي وصار يسحبه من ابطه الايمن بينما امسك صقر ابطه الايسر وسحبه اليه ليرجعانه ويضعوه على كرسي خلف القبطان ثم ربطوه بحزام الامان كي لا يسقط. تركت ابتهال مكانها ورجعت للخلف لتقف مع رضا. بعدها جلس صقر محله ووضع السماعت فوق اذنيه ونادى.
القبطان صقر : برج لندن، انا صقر سليم داود قبطان متقاعد.
مراقب الحركة : معك مراقب الحركة فريدي سيد صقر. ما هي حالة الطائرة؟
القبطان صقر : انا متقاعد منذ 10 سنوات. لذلك يجب عليّ استرجاع معلوماتي قليلاً. دعني ارى. نحن الآن على ارتفاع FL 330 اتجاهنا 300 درجة. انظر الآن الى الـ INS .
مراقب الحركة : هل سبق لك وطرت على طائرة من هذا النوع؟
القبطان صقر : كلا، طرت على الجيل الاقدم وهو 737-100. لكن ليس هناك الكثير من التغييرات بينهما.
مراقب الحركة : لقد وصل احد طياري الدعم كي يساندك في عملية القيادة. ساعطي المكرفون للقبطان ادوارد تايلور ليقوم بعملية الاسناد.
صقر : احييك سيد تيلور.
ادوارد : احييك قبطان صقر. بدءاً اريد ان اعرف حالة الطائرة.
صقر : حسناً ساملي عليك جميع المعطيات من العدادات امامي.
راح صقر يقرأ العدادات ويعطي قرائاتها لطيار الاسناد ادوارد. حتى فرغ من سردها جميعاً فسمعه يقول.
ادوارد : بما انني سبق وان عملت على كلتا الطرازين واقصد ال 100 وال 200 استطيع ان اقول لك بان الاختلاف الوحيد الذي ستلاحظه هو تغيير عداد الافق الصناعي وعداد نسبة التسلق والهبوط. اما باقي العدادات فهي بنفس الاماكن. لذلك سوف لن تجد صعوبة في التأقلم عليها.
صقر : اجل لاحظت تغير اماكنها.
ادوارد : هل بامكانك ان تعطيني السكواك (squak)؟
صقر : حالياً هي 7200 لكنني ساضعه في حالة 7700 للطوارئ كما هو معتاد.
ادوارد : لا زلت تتذكر ذلك إذاً. حسناً هذا جيد. والآن بما انك على ارتفاع 33000 قدم فعليك الهبوط التدريجي بنسبة 1800.
صقر : حسناً.
ادوارد : غير اتجاهك الى 290 درجة.
صقر : فعلت ذلك مسبقاً.
ادوارد : عندما تدخل حزام مطار هيثرو عليك اعلامي بالامر لانك كما تعلم...
قاطعه صقر وقال،
صقر : انه AIAA
ادوارد : ممتاز. ذاكرتك فولاذية. انه منطقة ذات نشاط جوي مكثف.
بدأت الطائرة بالهبوط التدريجي وتغير اتجاهها الى مطار هيثرو الذي اعد لهبوط اعتيادي بعد ان تأكد القبطان ادوارد ان صقر في كامل استعداده لينزل الطائرة بامان على مدرج الهبوط رقم 33L. استدارت الطائرة بالاتجاه الذي اعطي لها واستمرت بالهبوط التدريجي حتى صار مدرج الهبوط واضحاً امام صقر قال،
صقر : لدي رؤيا واضحة لمدرج رقم 33L.
ادوارد : هذا رائع. انزل الفلاب الى 40 درجة.
صقر : الفلاب نزل الى 40 درجة.
ادوارد : اخفض سرعة المحرك لتصل سرعة الطائرة الى 280.
صقر : فعلت.
ادوارد : الآن انزل عجلات الهبوط.
لكن القبطان صقر لم يستجيب فكرر القبطان ادوارد طلبه وقال،
ادوارد : انزل عجلات الهبوط الآن.
صقر : يا ادوارد، هبطت العجلات الامامية واليسرى (بورت) لكن اليمنى (ستاربورد) لم تهبط.
ادوارد : لحظة واحدة لو سمحت.
بعد دقيقة واحدة عاد وناداه قائلاً.
ادوارد : الغي الهبوط يا صقر الغي الهبوط. سيتم تغيير مسار الطائرة. فالمدارج التي في هذا المطار مزدحمة جداً لذلك يجب ان تهبط بمطار لوتن القريب.
صقر : علم. لقد رفعت الفلاب من جديد وبدأت اتسلق الى ارتفاع 7000 قدم. ساغير الاتجاه الى 10 درجات.
ادوارد :اخبرني عندما تصل الى مطار لوتن.
هنا خرج المضيف رضا الى قمرة الدرجة السياحية واعلن بصوت مرتفع لجميع الركاب قال، "هناك خلل فني بالطائرة وسوف ننزل نزول اضطراري، يرجى التزام الهدوء والبقاء باماكنكم وعدم فتح احزمة المقاعد". لكن ذلك زاد من نسبة الهلع لدى المسافرين فصار غالبيتهم يصرخ باعلى صوته.
بعد مرور بضع دقائق قال صقر باللاسلكي،
صقر : لقد بدأت ارى مدارج مطار لوتن.
ادوارد : الآن احولك الى برج السيطرة بمطار لوتن.
صقر : برج السيطرة، انا القبطان صقر.
مراقب برج لوتن : القبطان صقر لديك الاذن بالهبوط على المدرج 20R.
صقر : 20Rعلم.
بهذه الاثناء كان المسافرون بحالة هلع كبير. غالبية النساء تصرخن والاطفال يبكون والمضيفات يجدن صعوبة في تهدئتهم واسكاتهم.
نظرت لبنى بوجه عريسها وقالت،
لبنى : يبدو ان الله لم يكتب لنا ان نعيش حياتنا مع بعضنا البعض. فانت لم تدخل علي بعد.
قيس : لا تكوني متشائمة يا حبيبتي. سوف تهبط الطائرة وسنخرج منها احياء. سوف ترين.
لبنى : بالبداية هبت عاصفة في تركيا جعلت الطائرة تحيد عن مسارها وتنزل بمطار روما. والآن هناك خلل فني جعل الطائرة تمتنع عن الهبوط بمطار هيثرو. ربما سنموت اليوم ولا ننعم بزواجنا.
قيس : لا تقولي ذلك يا حبيبتي. سوف نستمتع بحياة هانئة وسيكون لنا الكثير من الاطفال. سوف ترين. انت فقط كوني متفائلة واجعلي ثقتك برب العالمين.
لبنى : ونعم بالله.
على مسافة خمسة صفوف من المقاعد نظرت ام علي الى زوجها جواد وقالت،
ام علي : بما اننا سنموت الآن، اريد ان اعترف لك بشيء يا ابو علي.
جواد : تفضلي يا خاتون، ماذا فعلت؟ هل كان لديك عشيق سري؟
ام علي : اعوذ بالله. لماذا يذهب فكركم الى ذلك الشيء مباشرة؟
جواد : من تقصدين؟
ام علي : انتم الرجال طبعاً.
جواد : قولي، ما الامر الذي تودين الاعتراف به؟
ام علي : ابنك حسوني.
جواد : اي مصيبة فعل ابن الكلب حسن؟
ام علي : لقد ترك المدرسة وفتح (چمبر) بالسوق.
جواد : وهل تسمين تلك مصيبة. انا نصحته ان يترك المدرسة منذ امد بعيد لكنه اصر على اكمال دراسته. يبدو انه بدأ يفهم الآن ويعمل الصواب. احمد الله انه لم يفعل مثل اخيه علي.
ام علي : اعتقدتُ انك ستغضب من ذلك.
جواد : لا ابداً. يجب ان تكون له صنعة تطعمه الشهد.
ام علي : إذاً ساموت وضميري مرتاح الآن.
جواد : كان المفروض ان تموتي من زمان حتى اتزوج عليك فتحية.
ام علي : فتحية الحولة؟ يا لك من رجل وضيع. انها دلالة ملابس وتأتي عندنا لتبيع (القچغ) والـ (لنگة). يا لك من انسان رخيص. تضع عينك على واحدة فقيرة.
جواد : انها اغنى مني ومنك يا مجنونة. بالاضافة الى انها تنظر الي وتبتسم عندما تراكِ مشغولة بتفحص سلعتها.
ام علي : الحمد لله انك ستموت الآن ولن تنالها يا خائن.
جواد : هذه ليست خيانة. الانسان يحتاج الى تغيير بعد 25 سنة. يعني (تجفيت مكينة).
ام علي : الآن سيجفتونك بالابيض يا مسخوط.
في قمرة القيادة نادى صقر ادوارد قائلاً،
صقر : لقد بدأ مدرج 20R واضحاً.
صقر : برج لوتن، نحن طائرة رقم براڤو إنديا مايك الفا 737-200 FL 330القادمة من روما.
برج لوتن : براڤو إنديا مايك الفا 737-200 FL 330 لديك التصريح بالهبوط على مدرج 20R.
صقر : هل تمت الاستعدادات لحالة الطوارئ؟
برج لوتن : استعدادات الطوارت جميعها جاهزة.
هنا حاول صقر رفع جميع العجلات وجعلها بحالة مغلقة لكنها لم تستجيب. فعلم وقتها ان النظام الهايدروليكي لا يعمل بتاتاً. فبدأ يهبط ببطئ شديد كاد ان يصل الى سرعة السقوط Stall فبانت له مركبات رش المسحوق على المدرج والكثير من سيارات الاسعاف والشرطة ومركبات الدعم.
هنا اعلن القبطان صقر للركاب باتخاذ حالة الجلوس المنكفئ للطوارئ. وفي قمرة الدرجة السياحية كان الركاب يلتزمون الصمت والخوف بادياً عليهم. فجأة وقفت سيدة مسنة تحمل سبحة وبآخرها صليب قالت،
ام جوني : يا حضرة المضيفة، اريد الذهاب الى المرحاض لو سمحت. فانا لدي حالة اضطرارية انا ايضاً.
المضيفة علياء : لا يمكنك ذلك. ارجوك اجلسي في مكانك واربطي الحزام.
هنا صرخ جواد قائلاً،
جواد : سوف لن يكن اسمي جواد سليم البصري إذا لم ارفع بكِ تقرير لدى شركتكم. فالمسكينة تريد ان تتبول وانتِ تمنعينها. ماذا لو تبولت على الكرسي؟
ام علي : اجلس يا رجل واترك الناس بحالهم. هذا لا يعنيك بشيء.
امسكت لبنا بيد عريسها وقالت،
لبنى : وداعاً يا حبيبي، سنصبح ملائكة بالجنة.
قيس : لا تكوني متشائمة يا عمري. كل شيء سيكون على ما يرام لا تخافي.
وقف رجل مسن من الصفوف الامامية وقال،
الرجل : لماذا انتم تصعبون الامور. لدينا طيار محترف. هيا يا اخوان دعونا نرتل له اهزوجة شعبية لنشجعه، قولوا معي، "هذا سايقنا الورد، هسة يوصلنا ويرد".
بدأ جميع الركاب يرتلون الاهزوجة بشكل جماعي حتى وصلت اصواتهم الى صقر فابتسم وقال بسريرته، "لا تخافوا يا احبابي، سنهبط بسلام على المدرج إن شاء الله".
بقيت الطائرة تهبط وعداد الارتفاع يدور بعكس عقرب الساعة يشير الى 500 قدم ثم 400 ثم 300 ثم 200 ثم 100 لكن الطائرة لم تلامس الارض لبضع ثوانٍ ثم بعدها سمع الركاب صوتاً مرتفعاً جداً على اثر ملامسة العجلات اليسرى على الارض. بقي صقر يدير ادوات السيطرة حتى لا يلامس الجناح الايمن الراض لاطول فترة ممكنة ليتمكن فيها من ابطاء الطائرة. ولما لم يكن هناك بد هبط الجناح الايمن ولامس الارض ثم انكسر فحدث صوت مروع يصم الآذان تسبب في صراخ جميع الركاب من الخوف.
بقيت الطائرة تنزلق على المدرجة وتصرخ وكأنها في مخاض عسير والنار تومض من كل جانب اثر ملامسة جسد الطائرة الارض، بالرغم من ان قائدها صقر حاول عكس المحرك كي يخفف من سرعة اندفاع الطائرة. بعدها بدأت تنحرف يميناً وصارت تسير على الحشيش. لكنها وبعد انزلاق طويل توقفت دون ان تنفجر. بدأ الركاب يصفقون بحرارة ويهتفون بحياة القبطان صقر الذي انزل الطائرة بامان ولم يصب اي منهم باذى. فجأة صرخت السيدة المسنة وقالت، "اعذروني يا اخوان لم اتمالك نفسي، لقد... لقد... عملتها على الكرسي". لكن الجميع طبطب على كتفها واخبرها بان ذلك لا يهم لانه امر طبيعي.
خرج القبطان صقر من كابينة القيادة ووقف امام الركاب ثم قال، "ارجوكم التزموا بالهدوء. سوف نغادر الطائرة عن طريق المزلاج الهوائي لنؤمن سلامتكم. ارجوكم اتبعوا التعليمات لرجالات السلامة الذين سيستقبلوكم في المطار". نظر الى ابتهال وقال،
صقر : يا ابتهال افتحي الباب واطلقي مزلاج المغادرة الاضطرارية.
ابتهال : حسناً يا قبطان.
فتحت ابتهال باب الطائرة واطلقت مزلاج الطوارئ ثم طلبت من الركاب ان ينزلقوا عليه بعد ان يضموا ايديهم الى صدورهم. فقفز رجل سبعيني على المزلاج وفور وصوله ارض المطار بدأ يركض بعيداً عن الطائرة فتلقفه رجال الطوارئ الذين كانوا ينتضرونه خارج الطائرة. ذلك الامر شجع باقي الركاب كي يقفزوا بعده الواحد تلو الآخر. وعندما غادر جميع الركاب الطائرة طلب صقر من رئيس المضيفين كي يساعده في الامساك بمساعد الطيار رعد على النزول من على المزلج ثم هبط صقر بعد ان تأكد ان احداً لم يبقى بالطائرة سوى جثة القبطان مصعب. وفور نزوله الارض سأله احد المسعفين إن كان يشكو من اي اصابة فاجابه بالنفي.
استدار نحو الطائرة فرأى النار تشتعل فيها لذلك صرخ على الاجميع كي يبتعدوا منها وصار يركض هو الآخر حتى اصبح على مسافة آمنة ثم التفت ليراها تنفجر وهي جاثمة على ارض المطار.
أُدخل الركاب جميعاً في صالة بمطار لوتن واعطي لهم الماء وبعض الاسعافات البسيطة التي وقعت لهم من اثر تدافع بعض الركاب بسبب الخوف. كان مطار لوتن الصغير غير معتاداً على كم كبير من المسافرين. حتى جاء مدير المطار وسأل عن القبطان صقر. فعرف نفسه فاخذ يده وهنئه على عمله الجبار في انقاذ حياة المسافرين ثم استدعاه الى مكتبه. وبعد ان جلس امامه على منضدته وردته مكالمة هاتفية من السفير العراقي بلندن الذي طلب التحدث الى صقر فاستلم السماعة وقال،
صقر : انا الطيار المتقاعد صقر سليم داود يا سعادة السفير.
السفير العراقي : اود ان اهنئك من كل قلبي على ما قمت به يا قبطان صقر واود ان انقل اليك تحيات السيد رئيس الجمهورية وشكره الكبير للعمل البطولي الذي قمت به.
صقر : هذا اقل ما يمكن ان يفعله الشخص لانقاذ اخوانه وانقاذ نفسه بحالة الخطر.
السفير العراقي : ارجو ان تزورنا في مبنى السفارة بمنطقة كنزنغتون عندما تسنح لك الفرصة.
صقر : ساقوم بزيارتكم سيدي بعد ان اطمئن على اخي الاكبر فارس الذي يقيم بلندن. والذي اصيب بمرض سرطان البروستاتا.
السفير العراقي : اتمنى له الشفاء العاجل.
صقر : شكراً لك سعادة السفير.
السفير العراقي : وماذا عن مساعد الطيار؟
صقر : مساعد الطيار رعد الياسر نقل بسيارة اسعاف الى اقرب مستشفى ويقول المسعفون انه دخل غرفة العمليات فعلاً.
السفير العراقي : ساحاول الاطمئنان عليه اليوم.
صقر : شكراً لك سعادة السفير.
...تمت...
586 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع