عصام الياسري
نظرة مستقبلية بعيدا عن الآيديولوجيا الشعبوية
أدخلت الأحداث الأخيرة سيما بعد سقوط نظام الأسد وإعادة الدول العظمى برمجة استراتيجية توازن القوى في المنطقة العديد من الأنظمة العربية في حالة من الارتباك وإعادة النظر في اصطفافاتها السياسية الداخلية والخارجية والبحث عن مخارج أقل خسارة، أو ربما، محاولة بالحد الأدنى منع التعرض لنفس ما جرى في سوريا من سقوط غير مسبوق.
السؤال هل سيدقن الساسة العراقيين الذين يتصدرون المشهد الحكومي ويتعرضون إلى ضغوطات خارجية ليس لها نهاية، اللعبة، لمنع السقوط في الوحل بنفس الطريقة، وكيف؟.
المسألة كما يبدو لا تخلو من الآهات وعض أصابع الندم على ما فات إلا أن الحل ليس غير ممكن إذا ما امتعضت أحزاب السلطة لمراجعة المنهج السياسي الذي تتبعه منذ عقدين من الزمن والكف عن الهرج الطائفي. والاهم، الاقتراب بعمق من المقترحات الاستراتيجية والآراء الموضوعية التي تصدر باستمرار عن العديد من القوى المدنية المعارضة والساسة والمفكرون لتجنب إعادة سيناريو سوريا وفقا لإرادات خارجية لها مصلحة في التواجد الدائم في العراق. لكن ما يثير الدهشة ما صدر مؤخرا من بيان حول مستقبل التغيير في العراق على ضوء الأحداث الأخيرة في سوريا تبناه رؤساء وزراء ومجلس نواب متعاقبين ومنهم أياد علاوي والمشهداني والنجيفي والحلبوسي والمطلك. كذلك، برنامج سياسي صدر عن "مبادرة التغيير" التي أعلنها الأستاذ نديم الجابري مع مجموعة من العراقيين من الذين لازالوا جزءا من المشهد السياسي في العراق...
نسأل لماذا لم تتقدم هذه الشخصيات بهذه الأفكار في أزمنة حرجة سابقة تعرض فيها العراق وشعبة ومجتمعاته للعديد من المظالم والمحن وكان بحاجة لمثل هذه المواقف باتجاه تغيير بوصلة السياسة الطائفية العبثية لإخراج العراق من أزماته الدراماتيكية المتراكمة.
إن احترام حق الشعب في الحياة وحرية الرأي والتعبير واحدة من أهم القضايا السياسية التي تبرز مدى التزام السلطات بقيم الإنسان والعدالة الاجتماعية. في هذا السياق، يمكن تناول موضوع تجنيب العراق من خطر السقوط والفوضى من زوايا علمية ومنطقية أبرزها أهمية الاعتراف بدور المجتمع وضرورة تفعيله لبناء الدولة المدنية التي من شأنها مواجهة التحديات الداخلية والخارجية إلا أن ضيق الأفق الفكري والسياسي لأصحاب السلطة والمبالغة بتقديم مصالحها الفئوية والحزبية الضيقة على المصالح الوطنية، جعلت، العراق لعقود في دوامة من الأزمات والصراعات التي أفقدته الكثير من فرص الازدهار والأمن والإعمار.
فالدولة المدنية هي الدولة التي تقوم على أسس المواطنة وسيادة القانون والمساواة بين المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الفكرية. هذه المفاهيم، تقتضي، وجود نظام سياسي وسلطة مركزية تنتهج مبدأ القيم والكفاءة وقدرة تحفيز الابتكار وضمان حقوق الأفراد واحترام الحريات الأساسية للمجتمعات وثقافاتهم المتنوعة. والاهم، على الحكومة تقع مسؤولية حماية المواطنين من الأخطار الداخلية والخارجية، وضمان بيئة آمنة ومستقرة، بحيث، يجب أن تتاح للأفراد فرصة التعبير عن آرائهم دون خوف من القمع أو التمييز، مع الالتزام بالقوانين التي تمنع التحريض على العنف أو الكراهية. وعلى الدولة أيضا، دعم الإعلام الحر وضمان حرية الصحافة وحمايتها من التدخلات لتكون، فعلا، أداة رقابة فعالة على أداء الحكومة ومنتسبيها.
إن إصلاح وتعزيز النزاهة والشفافية داخل مؤسسات الدولة يسهم في تحقيق ثقة الشعب، ويجعل التعاون بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني ضرورة لنجاح جهود التنمية والتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد لنقل العراق إلى مستوى الدول المتطورة.
خاتمة: إن مسؤولية الحكومة تجاه تطوير المجتمع وبناء الدولة المدنية واحترام حرية الرأي والتعبير وحق الشعب في الحياة الكريمة، ليست خيارا، بل هي واجب أساسي لضمان تقدم المجتمع واستقراره. ذلك يتطلب التزام صادق من قبل السلطة، النأي، عن سياسة المحاور التي تتسم بالتدخلات الخارجية لضمان مستقبل أفضل للعراق وكافة مجتمعاته دون أي تمييز...
657 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع