التـوازن الـدولـي وصراعات المـوارد الأرضية

مجيد ملوك السامرائي[*]

التـوازن الـدولـي وصراعات المـوارد الأرضية

منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا شكلت الأرض وما تحتويه من موارد نقطة ارتكاز أساسية للصراعات بين الأمم والشعوب، فمنذ أكثر من خمسة آلاف عام سيطرت الحروب والنزاعات على تاريخ البشرية بينما ظلت فترات السلام والتعاون التجاري والثقافي هي الاستثناء.
تمثل الأرض المورد الأهم الذي يسعى الإنسان للسيطرة عليه سواء كان ذلك على مستوى الإمبراطوريات الكبرى مثل الرومانية، أو على نطاق الدول والمقاطعات كما هو الحال في كشمير، ومنذ فجر الحضارة كانت الموارد الأرضية هي العامل الرئيس لهذه الصراعات؛ فالأرض ليست مجرد مساحة و إنما حاوية للثروات الطبيعية بما في ذلك الغذاء ومصادر البناء والمياه العذبة ومصادر الطاقة، وتحت ستار الحجج السياسية والفكرية غالبًا ما يُستخدم التلاعب بالاضطرابات والفتن كأداة للهيمنة على الأراضي والموارد، وعلى المستوى العالمي أدى تطور الأوضاع السياسية والاقتصادية جغرافيا إلى تعقيد هذه الصراعات بشكل كبير.
إن تأثير الموارد الجغرافية لم يعد مقتصرا على حدود الدول وانما أصبحت ذات تأثير عالمي مما يعكس ديناميكيات جديدة في التوازن الدولي، وبحسب التحليل المعمق الذي ورد في مقالة موسوعة المعرفة وطبقا لويكيبيديا والموسومة ( مجيد ملوك السامرائي ) فأن الرؤية العالمية توضح؛ تجاوز تأثير الموارد الجغرافية الموقعية للحدود الوطنية للدولة لتتخذ أبعاد عالمية تتسم بتعقيدها وعمقها، إذ ان التفاعل بين المتغيرات الجيوسياسية والجيو إقتصادية المعاصرة تعكس ديناميكيات جديدة وغير مسبوقة في التوازن الدولي، إضافة إلى ان التقدم التكنولوجي في نظم النقل والاتصال ساهم في تغير الأهمية المكانية لمواقع جغرافية كانت يومًا ما محورية في التجارة الدولية، فطرق التجارة القديمة التي كانت تعتمد على الموانئ والمضائق البحرية أصبحت تواجه منافسة من ممرات نقل جديدة تعتمد على التكنولوجيا والبنية التحتية المتطورة، كما ان الأساليب التنموية الحديثة وتوسع الاذرع الدولية للتجارة الحرة بانفتاحها الكبير والمقرون بالتقدم التكنولوجي الرقمي لنظم النقل والاتصال تؤدي الى تغير الأهمية المكانية لمواقع جغرافية في كل القارات كانت متحكمة في حركة النقل واتجاهات التجارة الدولية الى مواقع أخرى جديدة، وهذه التحولات ستسهم بشكل متصاعد في إعادة تشكيل العلاقات بين الدول مما يفضى إلى تصاعد النزاعات حول الموارد الأرضية، وتشمل هذه الموارد على وجه الخصوص؛ مصادر الطاقة مثل النفط والغاز، والمياه العذبة التي تزداد أهميتها مع تزايد النمو السكاني وتغير المناخ، ومع اقتراب منتصف القرن الحالي من المتوقع أن تتفاقم هذه الصراعات لتصبح أكثر دراماتيكية مما سيغير شكل العالم بشكل جذري.
الصراعات على الموارد الأرضية ليست مجرد قضية تاريخية بل هي تحدٍّ معاصر يتطلب رؤية متجددة، ويمثل التوازن العالمي والدولي حالة من الاستقرار التي تتحقق من خلال؛ توزيع متوازن للموارد والنفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري بين الدول في ظل العولمة المتزايدة حيث يبرز التوازن شرطا أساسيا لضمان الأمن والسلم الدوليين وتحقيق التنمية المستدامة، ولتحقيق توازن مستدام في العلاقات الدولية يتعين على الدول تبني سياسات تنموية تعتمد على؛ التجارة الحرة التشاركية والانفتاح على أسواق جديدة وتعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول، ولا بد من الاستثمار في نظم النقل والاتصالات لتقليل أهمية المواقع الجغرافية التقليدية وفتح آفاق جديدة للتعاون، ان التوازن العالمي والدولي ليس هدفًا يمكن تحقيقه بقرارات فردية أو على المدى القصير؛ أنما هو عملية متكاملة تتطلب التزامًا مشتركًا من كافة الدول ومن خلال تعزيز العدالة والتعاون والتنمية المستدامة لتحقيق عالم أكثر استقرارًا وعدالة للأجيال القادمة.
هكذا تتضح الحاجة الماسة الى تبني استراتيجيات تنموية متقدمة تتسم بالانفتاح التشاركي على أفاق التجارة الحرة كركيزة أساسية للتحولات التنموية الجذرية والمتوازنة وبالتالي إعادة تشكيل العلاقات بين الدول بعيدا عن النزاعات والصراعات.

[*] كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

984 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع