أحمد العبداللّه
ثورة المليون شهيد.. وكي لا تتكرّر المأساة
في فجر يوم الثامن من كانون الأول 2024, تحرّرت الشام من أغلال المجوس, ودخل القائد الفاتح أحمد الشرع دمشق إيذانا ببدء مرحلة تاريخية مفصلية؛(دولة بني أميّة الجديدة), وطُويت صفحة عائلة الأسد النصيرية الفاجرة الكافرة. دخلها شاكرًا لله على نصره المبين وساجدًا له سبحانه, ورافعًا شعار التسامح والعفو عدا عمّن أجرم بحق السوريين, والذين سيمثلون أمام محاكم عادلة لا ثأر فيها ولا انتقام. وفي أول جمعة بعد تحرير الشام, أطلق عليها(جمعة النصر)في يوم 13-12-2024, دعا أحمد الشرع الشعب السوري في كافة المدن للنزول إلى الميادين والشوارع احتفاءًا بانتصار الثورة. وخاطب السوريين قائلا؛لنتجه بعد الاحتفال لبناء هذا البلد. ومعلنا انتهاء(مرحلة الثورة)وبدء(مرحلة الدولة).
وخاطب الشرع مجاهدي فتح الشام:(تضرّعوا لله شاكرين على نصره الذي أجراه بسواعدكم، وادخلوا دمشق سُجّدًا خافضي رؤوسكم متواضعين.. لينوا لأهلكم وذويكم واحفظوا لهم الجناح.. كونوا خير جند كما وصفكم رسول الله). ودعاهم للمحافظة على المؤسسات العامة وحمايتها، لأنها ملك للشعب السوري. وختم رسالته قائلا؛(لنكمل معًا رسم لوحة النصر لأعظم ثورة عرفها التاريخ الحديث). لقد كان الانتصار المجيد للشعب السوري هو تتويجًا وحصيلة 60 عاما من الجهاد والتضحيات, منذ أن انطلقت شرارة المقاومة من مسجد السلطان في حماة في سنة 1964.
ولم يتم حظر التجول, ولا إذاعة البيان رقم واحد, ولم تعلن حالة الطوارئ, والتي كانت قد فُرضت على سوريا لمدة نصف قرن بعد انقلاب 8 آذار 1963. ولم تتم محاكمات ثورية سريعة, ولم تنشط(فرق الموت)رغم التركة الثقيلة, ولم تحصل أعمال(فرهود). وكما حصل كل ذلك وأكثر في(عراق الحاكم الجعفري)*!!. وهو دليل عن حضارية الشعب السوري السُنّي. وخاطب القائد الفاتح أحمد الشرع قواته؛(من ترك سلاحه فأمّنوه, ومن هرب فلا تدركوه, ومن لم يقاتلكم فلا تقاتلوه).
***
عندما يحمل الاستعمار الغربي عصاه ويرحل بسبب مقاومة الشعوب الحرّة ورفضها له, فإنه لا يغادر تماما, بل يخرج من الباب ليعود من الشباك, من خلال طُغم أقلّوية؛ دينية أو عرقية أو فئوية, وهؤلاء يكونون في الأغلب أشد وطأة وبطشا على شعوبهم من الاستعمار نفسه, لأنه تتحكم بهم عقدة الخوف. وكأن الاستعمار القديم يقول لتلك الشعوب؛(جزاء عدم رضوخكم لي, سأسلّط عليكم من أبناء جلدتكم من يسومكم سوء العذاب حتى تتمنون رجوع عهدي الذي انقضى)!!.
وكان الاستعمار الفرنسي الذي احتل سوريا لمدة ربع قرن تقريبا, واحدًا من أبشع الاحتلالات, وقد وصفه مؤرخ الشام محمد كرد علي؛(1876-1953)في مذكراته, إنه؛(قام على نزع الثروة من أيدي الوطنيين، وعلى نشر الجهل والفساد بينهم، وعلى تربيتهم على خنوع وذلّة ليكون لها منهم إلى الأبد عبيد وخول يؤمرون فيطيعون بدون أخذ ورد). ويضيف محمّد كرد علي؛ إن الاستعمار الفرنسي تعامل مع السوريين بكِبر ووحشية وكراهية منقطعة النظير. وأن المفوض الفرنسي لم يخجل أن يقول له:(المسلمون كلّهم بهائم)!!. ويبدو هذه الخطة الخبيثة كانت(خارطة طريق)سار عليها(الاستعمار الأسدي)لسوريا لأكثر من نصف قرن, لدرجة إن المجرم الهارب بشار اللقيط وصف السوريين بـ(الجراثيم)و(البهائم)!!.
ومن يقرأ قصيدة(نكبة دمشق)لأمير الشعراء أحمد شوقي التي نظمها بعد قصف الفرنسيين لدمشق في سنة 1925, يتصور إن الشاعر يصف أحداث الشام وما تعرضت له مدنها من دمار خلال حقبة الاحتلال الأسدي, إذ فاق الإجرام النصيري إجرام الفرنسي بمليون مرة!!. وهذه ثلاثة من أبياتها الـ(55), وهي, وللمفاقة, بعدد سنوات حكم(الأسدين)!!؛
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ
وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي
جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ
بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
ويقول الكاتب الفرنسي(ميشيل سورا)؛إن حافظ الأسد بينما كان يتغنّى بالقومية والوحدة العربية ظاهريا، كان يخطط في الخفاء بعناية وإتقان لإقامة محور شيعي يشمل إيران وسوريا وحزب الدعوة في العراق و(حزب الله)وحركة(أمل)في لبنان. وهذا ما سيُعرف لاحقًا بـ(الهلال الشيعي)!!. ومن هنا ندرك سر ذلك الحقد الهائل الذي بقي يكنّه حافظ أسد**لصدّام حسين, ويشاركه فيه دجالو إيران, لأن(صدّام)هو من أخّر ذلك المشروع لربع قرن, ولم يتحقق إلّا بعد مقتله واحتلال العراق.
وكان حافظ أسد خلال سنوات حكمه الثلاثين قد بنى نظاما ديكتاتوريا صارما يقوم على عبادة وتأليه شخصه, وإنه(القائد الخالد)!!. وملأ أرض سورية بأصنامه, مستنسخًا النموذج الكوري الشمالي الذي أُعجب به بعد زيارته لـ(بيونغ يانغ)سنة 1974. وأنشأ أجهزة أمن تمارس أقسى درجات الإرهاب والقمع, وتكمّم الأفواه وتكتم الأنفاس وتبطش بكل من يتجرّأ أن يفكر بقول كلمة(لا). وهي, كما يذكر(عبد الحليم خدام)؛(أقسى من أجهزة أمن صدّام حسين بمئة مرّة)!!.
وسبق حافظ الأسد آخرين بإنشائه(دولته العميقة)منذ منتصف السبعينات, وتكونت من أجهزة الأمن والمخابرات وتشكيلات عسكرية ميليشياوية مشكّلة على أساس طائفي, ويسندها ذراع اقتصادي - مالي مافيوي, وذراع آخر إعلامي - دعائي. وهذه(الدولة العميقة)هي من تتحكم بكل شيء, وأفرادها بنسبة أكثر من 90% هم من النصيريين؛(علمًا إن نسبتهم لا تتجاوز 8% من الشعب السوري)!!. أما المؤسسات الأخرى, كمجلسي؛الوزراء والشعب, وحزب البعث,...الخ, فهي هياكل خاوية ولا قيمة لها. ويذكر الكاتب السوري د.أحمد موفق زيدان؛ إن مصفاة بانياس فيها(3000)موظف, كلّهم نصيريون باستثناء خمسة من السُنّة فقط، أما المحطة الحرارية ففيها أربعة آلاف موظف, لا يوجد بينهم سوى ثمانية موظفين سُنّة!!.
وإن أحد أهم أسباب بقاء هذا النظام الهجين في الحكم كل هذه المدة الطويلة, إنه كان مرغوبا به من قبل الشرق والغرب وإسرائيل, وغيرهم, فهو يحقق لهم ما يريدون, ولكن كان ذلك على حساب الشعب السوري الذي خضع لأبشع احتلال عرفه التاريخ. وأذكر كلمة لعبد الحليم خدّام قالها في الأسابيع الأولى لانتفاضة السوريين, وهو الضليع بهذه السلطة الغاشمة التي خدمها لمدة 40 سنة, مفادها؛(إن النظام السوري لن يسقط أبدًا إلّا بتدخل عسكري دولي, مثل الذي حصل في ليبيا). وفي الاتجاه نفسه قال السفير نواف الفارس في مقابلة مع قناة الجزيرة بعد انشقاقه في 2012؛(مستحيل أن يستمر هذا النظام الذي دمّر كل شيء في سوريا, ولكن الثمن سيكون باهضا جدا, وأمام الشعب السوري مرحلة صعبة وطويلة).***
لقد كان السقوط المدوّي للنظام الأسدي القرمطي النصيري, وانهياره بهذه السرعة, وتحرير سورية من رجس الكفرة المجرمين, نصرًا ربانيًّا تجلّت فيه القدرة الإلهيًة اللطيفة بأبهى صورها, وتجسّد به قوله تعالى؛((كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)), وجاء بعد مخاض عسير وتضحيات غالية, ليمحّص الله قلوب عباده. وقد تحقق على يد ثلّة من المجاهدين الصابرين الذين توكلوا على الله بصدق وإيمان, فكان الله معهم.
وكي لا تتكرّر المأساة, علينا سد الثغرات الرخوة التي يتسلّل منها العدو, وألا تنطلي علينا بعد الآن الشعارات الجوفاء. وأن نحذر كل الحذر من تسلّق أقلّيات مشبوهة تعمل بـ(التقيّة), تُبدي أمرًا وتُبطن عكسه. متخفّية وراء واجهات قومية ووطنية زائفة, وترفع شعارات مخادعة كاذبة, ثم بعد أن تتمكن, تسفر عن وجهها الطائفي الكالح القبيح, وتفتك بنا.
...........................
(*). من المضحك إن رئيس وزراء حكومة العراق المحتل يمثل دور(الخبير الناصح), فيصرّح يوم 19-12-2024, بما يلي؛(الظروف السورية تشبه الوضع العراقي في 2003 , وهذا ما يحتّم علينا إعطاء النصائح لعدم الوقوع بالأخطاء التي وقعنا بها)!!. في الوقت الذي تمارس فيه السلطة الشيعية الحاكمة تمييزا طائفيا صارخا مع شركائها في الوطن من العرب والكُرد والتركمان. ثم متى كان التلميذ البليد الفاشل يقدّم النصائح للأستاذ.. وأيُّ أستاذ؟!, فما بين الحكم السُنّي في سوريا وحكم الأحزاب الشيعية العميلة الفاسدة في العراق كما بين السماء والأرض!!.
(**). في مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في مدينة فاس المغربية في شهر أيلول 1982, وقعت مشادّة بين الرئيس صدّام حسين وحافظ أسد, على خلفية دعم الأخير لإيران في عدوانها على العراق. وطعن صدّام حسين في نسب حافظ أسد, وتحدّاه أن يذكر اسم جده الثالث. فصمت ولم ينبس ببنت شفة!!.
(***). ممّا ورد في وصية العقيد عبد الكريم الجندي, زميل حافظ أسد في(اللجنة العسكرية)السريّة, والتي نشرتها جريدة النهار اللبنانية بعد يومين من انتحاره أو نحره في آذار 1969, كلام خطير يتهم فيه(أسد)بالخيانة والعمالة, ونصّه؛(حافظ الأسد كنيرون, سيدمر القضية ويدمر نفسه. لأنه مغرور مرتبط مشبوه ينفذ بدقة مخططات الأعداء من كل الأصناف)!!.
1278 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع