بقلم احمد فخري
قصة (منتهى القسوة) -الجزء الثاني
من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط
https://algardenia.com/maqalat/66716-2025-02-25-16-48-13.html
طرق المحقق اميت باب شقة الاستاذ محمد والد المجني عليه ففتحت له الشابة مروة وقالت بالانكليزية،
مروة : نعم، من انت؟
اميت : انا اسمي ملازم اول اميت محقق من شرطة بادنغتون ومعي المترجم سمير. هل والدك بالبيت؟
مروة : اجل انه في غرفة نومه.
اميت : أتأذنين لنا بالدخول؟
مروة : اجل طبعاً تفضلا.
دخلت مروة على اباها بالغرفة فوجدته ساجداً يصلي. وقفت عند الباب حتى اكمل صلاته وسلم فقالت له،
مروة : لقد حضر محقق شرطة ومعه مترجم يودان التحدث اليك.
محمد : ادخليهما الى غرفة الاستقبال وقدمي لهما القهوة يابنتي.
مروة : قهوة بالركوة يا ابي؟
محمد : لأ، هؤلاء اجانب. احضري لهما نسكافيه.
مروة : امرك يا ابي.
طوى محمد سجادته وغير ملابسه ثم دخل غرفة الاستقبال ليقول،
محمد : اهلاً وسهلاً حضرة المحقق.
اميت : انا اسمي ملازم اول اميت محقق من الشرطة ومعي المترجم سمير.
محمد : اهلاً بكم. هل تبين معكم شيء؟ هل عرفتم القاتل؟
اميت : لا ليس بعد فتحرياتنا مازالت قائمة لكننا جئنا اليوم كي نأخذ منك المزيد من المعلومات. ونود لو ان جميع افراد العائلة يكونوا حاضرين.
محمد : إذاً، بعد اذنك، دعني استدعيهم.
نادا باعلى صوته وقال، "يا ام مروة، يا مروة تعالا الى هنا". فدخلت زوجته ترتدي ملابس سوداء حداداً على ابنها يزن والاسى بادي على وجهها وجائت معها مروة ليجلسا في الصالون. القا التحية على الرجال وجلسا على الاريكة امامهما. فبدأ المحقق بقوله،
اميت : بتاريخ 1 ابريل ذهبتم جميعاً في رحلة الى برمنكهام. هل هذا صحيح؟
سولاف : اجل صحيح وليتنا ما فعلنا.
اميت : لكن يزن تخلف عن الرحلة. لماذا؟
محمد : لقد أخبرت زميلك المحقق ديفد كونَلي بان المرحوم ابني رفض المجيئ معنا واراد البقاء بالدار وحده. لذلك تركناه وتركنا معه المال الكافي والطعام اللازم كي يظل هنا بالفترة التي غبنا فيها ويا ليتنا ما فعلنا ذلك.
اميت : سامحني يا سيد محمد ولكن كيف سمحتَ لنفسك ان تترك ولداً بهذا السن حتى يبقى وحيداً في الدار فتذهب انت والعائلة برحلة لتتنزهوا في برمنكهام؟
محمد : انت تقول ذلك لانك لا تعرف المرحوم ابني. فقد كان يزن شابّاً بالف رجل. هل سبق وان اطلعت على ما جرى للسوريين اثناء هجرتهم من وطنهم والمجيء الى هنا عبر اوروبا؟ اتعرف ماذا حصل معنا نحن بالذات حتى وصلنا الى بلدكم؟
اميت : لا اعرف... اخبرني... اريد ان اعرف منك كل شيء.
محمد : لدى رحلتنا في طريقنا الى هنا واثناء مررنا بتركيا، اركبونا بقارب مطاطي مع احد المهربين كي يأخذنا الى اليونان. وفي وسط الطريق قال المهرب هيا اقفزوا في الماء حتى يتخلص منا جميعاً ويرجع ليجني المزيد من المال. لكن ابني يزن رفع خنجره الذي كان يخبئه بثيابه ووقف امام المهرب وقال له، "سوف افتح كرشك إن نزل شخص واحد من القارب". فتراجع المهرب خوفاً منه واكمل الطريق. وبعد ان وصلنا الى فرنسا شَعَرَتْ زوجتي سولاف بألم في بطنها وصارت تصرخ باعلى صوتها وتقول انجدوني. لم يكن معنا نقود تكفي لشراء الدواء وقتها لذلك طَلَبْتُ منها ان تصبر وتتحمل. لكن ابني يزن رحمه الله قفز من المكان الذي كنا نختبئ فيه ودخل احدى الصيدليات ليسرق قارورة الدواء الذي اعتادت امه على تناوله ثم عاد ليعطيها لها فتحسنت حالتها على الفور. وقبل ذلك في بلغاريا قام ثلاث شبان بالتحرش باخته مروة فاستنجدت باخاها وصرخت باعلى صوتها حين قالت، "انقذني يا يزن". فوثب يزن كالاسد وتقاتل مع الشبان ليجرح احدهم بخنجره وهرب البقية بعيداً خوفاً من يزن.
اميت : حسناً والآن اكتب لي اسم العائلة التي ذهبتم لزيارتها وعنوانهم في مدينة برمنكهام.
كتب محمد المعلومات على قصاصة واعطاها للمترجم فقرأها ثم مدها للمحقق اميت،
استل المحقق اميت هاتفه وتحدث الى عمّار واعطاه العنوان. ثم التفت الى والدة المجني عليه وسألها،
اميت : وانتِ يا سيدة سولاف هل كنت راضية على ترك ابنك وحيداً في البيت؟
سولاف : بالحقيقة كنت اشعر بالاطمئنان فقط عندما يكون المرحوم موجوداً بالبيت لانه كان يحمينا اكثر من اباه. وهذا واقع لا يمكن انكاره. فاباه محمد كان عديم الفائدة ولا ينفع سوى في السرير.
اميت : طيب، طيب، دعوني اتحدث الى ابنتكم مروة الآن.
نظر محمد الى ابنته وامرها،
محمد : تكلمي يا مروة مع السيد المحقق ولا تخفي عنه شيئاً.
فسألها بشكل مباشر وقال،
اميت : ماذا تتذكرين عن اخاك يزن؟
مروة : كان المرحوم بطلي ومنقذي وكل شيء في حياتي. كان حنوناً وقوياً بنفس الوقت يغار علي من كل شيء.
اميت : كيف يغار عليكِ؟ انا لا افهم ماذا تقصدين.
مروة : حين وصلنا الى بريطانيا قاموا بتسجيلي مع اخي بمدرسة لغة. وضعونا مع عدة جنسيات بمختلف الفئات العمرية في صف واحد. وكان معنا تلميذ مشاغب في سن المراهقة من اوكرانيا يحاول ازعاجي بتلميحاته الغبية. لكن اخي يزن بعد انتهاء الحصة اشتبك معه بقتال بالايدي وتغلب عليه ليطرحه ارضاً وظل يضربه بشدة حتى هرب خوفاً من يزن ليتوقف عن ازعاجي بعد ذلك.
اميت : إذاً اخوك يزن كان دائماً يحميك.
مروة : لا يحميني انا وحسب بل يحمي كل العائلة.
اميت : هذا شيء مثير للاعجاب لطفل عمره مجرد 14 سنة. طيب يا مروة اشكرك على التحدث معي.
مروة : ارجوك يا حضرة المحقق، حاول جهد امكانك العثور الى الفاعل كي يُعْدَمْ.
اميت : ليس لدينا حكم الاعدام ببريطانيا يا مروة. اقصى عقوبة هنا هي المؤبد.
مروة : إذاً دعوه يختمر في السجون مدى الحياة سيدي المحقق.
اميت : سنفعل ذلك عندما نمسك به، كوني على ثقة.
نظر المحقق اميت الى السجادة التي نظفت من آثار الدماء ثم نظر الى المترجم وقال،
اميت : دعنا نعود للمركز يا سمير.
المترجم سمير : هيا بنا سيدي.
خرج الملازم اول اميت ديفيز مع سمير وعادا الى مركز الشرطة. ودخلا مبنى المركز وصعدا الى الطابق الثالث فسألا سكرتيرة القسم عن المحقق ديفد. اخبرتهم بانه ما زال لدى نائب المدعي العام لذا ذهب اميت الى مكتبه وباشر بكتابة تقريره عما جرى بالمقابلة مع عائلة المجني عليه. وبعد ظهر ذلك اليوم عاد المحقق ديفد كونَلي رئيس لجنة التحقيق وسأل سكرتيرة القسم عن مجريات الامور بذلك اليوم فاخبرته بان الملازم اول اميت ديفيز قد عاد الى مكتبه بعد ان قابل عائلة المجني عليه. فدخل مكتب المحقق اميت، حياه وسأله،
ديفد : هل سارت الامور على ما يرام؟
اميت : اجل سيدي. انا الآن في صدد كتابة تقريري عن تفاصيل المقابلة مع عائلة المجني عليه.
ديفد : رائع جداً. سنجتمع كلنا عندما يعود باقي المحققين من مهامهم. وسوف نستمع الى تقريرك بالاضافة الى باقي التقارير.
اميت : حاضر.
مشى ديفد الى مكتبه وصار يدون بكراسته الصغيرة ما اخبر نائب المدعي العام عنه بخصوص القضية.
وبذلك اليوم اتصلت نائب عريف كورا بهاتف المحقق ديفد لتخبره بانها رجعت للتو بصحبة زميلها عمّار الى العاصمة لندن بعد رحلتهم الى مدينة برمنكهام وطلبت من المحقق ديفد الاذن كي تأخذ اجازة لباقي اليوم لانها متعبة جداً من السفر فاذن لها وقال، "بامكانك اخذ يوم غد كذلك اجازة إن اردت" لكنها اكدت له بان ذلك غير ضرورياً وانها ستكون بالمركز في الغد.
وباليوم التالي جلس رئيس فريق التحقيق ديفد في غرفة الاجتماعات ينتظر باقي اعضاء الفريق. وما هي الا دقائق مع الساعة التاسعة صباحاً دخل جميع المحققين ليكتمل النصاب فبدأ رئيس لجنة التحقيق بالقول،
ديفد : دعنا لا نضيع المزيد من الوقت ونبدأ باميت كي نستمع الى تقريره.
بدأ اميت يتحدث عن تفاصيل ما دار بينه وبين جميع افراد عائلة المجني عليه. بعدها التفت ديفد الى جورج وسأل،
ديفد : وانت يا جورج ماذا عن تقريرك؟
جورج : ذهبت الى كافندش سكوير وتحدثت مع اغلب متساكني العمارة رقم 56 والعمارة رقم 54 الّتان تحدان بعمارة رقم 55 اين وقعت الجريمة. وتحدثت معهم باسهاب، لكنهم جميعاً اكدوا ان احداً لم يسمع او يشاهد اي شيء خارج نطاق المألوف في يوم وقوع الجريمة لذا عدت ادراجي دون الحصول على اي معلومة نافعة.
ديفد : طيب وماذا عنك يا ملازم جاك؟
جاك : البارحة عملت تحريات مكثفاً على الحاسوب عن الكاتب نجيب فتح الله سليم فوجدت ان لديه ملف امني نظيف لدى الشرطة البريطانية ولم يكن عنده اي سوابق، لا في بريطانيا ولا بخارجها. فهو كاتب مرموق وله شعبية كبيرة هنا وبامريكا واستراليا ونيوزيلندا. وهذا ما استشفيته من عدد مبيعات كتبه. فانه متخصص بقصص الجريمة وهو بارع جداً فيها. كانت له في السابق بعض المخالفات المرورية فقط في لندن عندما كانت لديه سيارة. وإذا كان مشتبهاً به حقاً، فذلك يعني انه كان حذراً جداً ويخفي ميوله الاجرامية بذكاء مفرط.
ديفد : طيب، شكراً لك يا جاك وماذا عنكما يا عمّار وكورا ما هو تقريركما عن رحلة برمنكهام؟ وما هو تقريركِ انتِ يا كورا بعد قراءة آخر كتاب نشره الكاتب نجيب فتح الله؟
كورا : كانت زيارة عادية لانهم لم يلتقوا منذ امد بعيد عندما كانوا في سورية. اما قصة الكتاب باختصار فهي عن شخص مهمش عديم الأهمية يعيش في ڤنزويلا ويسكن وحيداً في شقة رخيصة بضواحي العاصمة كراكاس. كان في طفولته يتعرض للكثير من التعذيب على يد والدته وبالاخص عندما كان ينسى تأدية الصلاة قبل تناول الطعام او قبل الذهاب إلى السرير بحيث كانت تعلقه رأس على عقب من السقف وذلك بربط قدميه بالحبال وتقوم بضربه بعصىً مرنة من الخيزران فتسبب له عُقَدً نفسية كثيرة. بدأت تراوده بين الحين والآخر افكار جهنمية شريرة بالانتقام من امه حتى بعد وفاتها بمرض السرطان لكنه كان يكبتها بداخله ولم ينفذ اياً منها. وبعد مماتها ودفنها بالمقبرة كان يسير في شوارع حيه (حي الثورة)، ويتعرض للتنمر من قبل اطفال الحي الذين كانوا يركضون وراءه ويمطرونه بالحجارة والشتائم ويستهزؤن به ويسمونه (الابله). كان يرجع الى منزله فيبكي طويلاً ثم يُقسِمُ انه سينتقم من أولئك الاطفال الاوغاد الذين صاروا يعذبونه اكثر مما كانت تعذبه امه في طفولته. لذا بدأ يخطف اطفال الحي الواحد تلو الآخر ويعذبهم بنفس الطريقة وهنا اقصد انه يعلقهم من اقدامهم ويوسعهم ضرباً حتى الموت ثم ينقلهم بسيارته القديمة الى مكب نفاياة المدينة فيتخلص منهم هناك.
اميت : وكيف تنتهي القصة؟
كورا : الشرطة تحول القضية ضد مجهول ويبقى المجرم يتمادى في جرمه حتى يصل عدد الاطفال الذين اغتالهم الى 12 طفلاً. وفي آخر القصة تصدمه سيارة مسرعة باحدى ضواحي كراكاس اثناء عبوره الشارع فيموت ويبقى مجهول الهوية.
اميت : يا الهي، أنا مذهول جداً.
جورج : انها قصة مخيفة تجعل الجلد يقشعر.
جاك : الملاحظ هنا ان نهاية القصة ليست سعيدة لان الجاني لم ينل عقابه ولم تتحقق العدالة.
كورا : لا اعتقد ان بامكاننا الحكم على الكاتب من خلال قصة خيالية كتبها.
عمّار : لكن احداثها تكاد تتطابق مع جريمة (55 كافندش سكوير). فكيف استطاع الكاتب ان يتنبأ في طريقة تعذيب المجني عليه يزن إن لم يكن هو الفاعل؟
ديفد : ساتحدث مع نائب المدعي العام السيد ويلي كروفارد واقف على رأيه اذا كنا سنتمكن من الحصول على مذكرة اعتقال من القاضي. انتهى الاجتماع.
وقف الجميع وتفرقوا متجهين الى مكاتبهم. رفع ديفد سماعة الهاتف واتصل بنائب المدعي العام فسمعه يرد،
ويلي : ويلي كروفارد تفضل.
ديفد : ويلي انا نقيب ديفد كونَلي من شرطة بادنغتون.
ويلي : اهلاً ديفد، ماذا فعلتم بقضية الطفل المغدور؟ هل تمكنتم من احراز أي تقدم؟
ديفد : بالحقيقة هذا هو موضوع اتصالي بك. فلدينا الآن مشتبه به واريد مساعدتك في اصدار مذكرة اعتقال له.
ويلي : إذاً تعال الى عندي اليوم ودعنا نتباحث بالتفاصيل.
ديفد : ساكون عندك بعد اقل من ساعة.
ويلي : وانا بانتظارك.
اغلق الخط مع نائب المدعي العام وارتدى معطفه استعداداً للخروج فدخلت عليه كورا وقالت،
كورا : اردت ان اسألك عن شيء مهم سيدي.
ديفد : لا، ليس الآن يا كورا فانا ذاهب الى نائب المدعي العام كي اقنعه حتى نحصل على مذكرة اعتقال. اجّلي الامر الى وقت لاحق.
كورا : حسناً سيدي.
خرج ديفد مسرعاً الى مكتب نائب المدعي العام وفي الطريق اثناء قيادته للسيارة بدأ يشعر بالم في بطنه لكن الالم لم يكن شديداً لذا قرر تجاهل الأمر لانه قد توصل الى امور في غاية الاهمية وقد تكون الفاصلة في حل قضية (55 كافندش سكوير). ركن السيارة بالمراب ونزل منها ليدخل المصعد الكهربائي لكنه شعر بألم بطنه يزداد رويداً رويداً وبشكل ملحوظ. دخل المكتب فرأى من خلال الزجاج نائب المدعي العام السيد ويلي كروفارد جالساً وراء مكتبه. طرق الباب ودخل فحيا النائب ليلوح له بالجلوس قال،
ويلي : حدثني يا ديفد، لماذا اردت لقائي بهذا الشكل المفاجئ؟
ديفد : اليوم جئتك يا ويلي كي اقنعك بالحصول على مذكرة اعتقال من القاضي. فلقد استجدت لدينا بعض الامور وحصلنا على ادلة قوية دامغة في غاية الاهمية.
ويلي : اخبرني بالتفصيل عنها فانا كلي آذان صاغية.
هنا بدأ ديفد يتحدث عن الكتاب الجديد للكاتب البريطاني نجيب وعن تفاصيل القصة ليشرح له توازي احداثها مع ما تلقاه من معلومات من روبن ماكدوف الطبيب الشرعي عن الطريقة التي اغتيل بها الطفل يزن. وبعد السرد لاكثر من ساعة سأله المحقق قائلاً،
ديفد : وانت، ما رأيك؟
ويلي : رأيي ان التشابه بين الاثنين مصادفة غريبة جداً ولكن ذلك لا يرقى لان يكون دليلاً قاطعاً حتى نتمكن من اصدار مذكرة اعتقال. ارى ان بامكانك استدعاءه الى المركز والتحدث اليه بشكل طوعي وتحاول باساليبك الذكية استدراجه بالكلام. وإذا رفض دعوتك فبامكانك ان تقوم بالمزيد من التحريات حتى تجد ادلة اكثر صلابة.
ديفد : ولكن ياويلي انا اريد ان...
قاطعه النائب وقال،
ويلي : لا استطيع ان اتجاوز حدودي. وحتى لو تجاوزتها فالقاضي لن يوافق على اصدار مذكرة اعتقال. انا انصحك بان تكثف ابحاث فريقك حتى تجد سبيلاً اقوى كي نتمكن من توجيه تهمة اليه بكل ثقة.
ديفد : حسناً ساقوم اليوم... اخخخخ...
ويلي : هل انت بخير يا ديفد؟
ديفد : اشعر بالم في بطني يا ويلي. انها القرحة اللعينة.
ويلي : هل تريد ان استدعي سيارة اسعاف؟
ديفد : لا، لا، الامر لا يستدعي كل ذلك. ساذهب الى الطبيب بعد ان اخرج من عندك ولكن دعني اسألك سؤالاً للمرة الاخيرة. هل تعتقد أن هناك أي مجال لإعادة النظر بمذكرة الاعتقال؟
ويلي : لا، ابداً، على الاطلاق.
ديفد : حسنا ويلي. شكراً، اراك لاحقاً.
خرج ديفد من مكتب نائب المدعي العام وهو يصارع آلامه. ركب السيارة وأتجه بها الى طبيبه كي يجد له حلاً لتسكين الألم. وبعد ساعة عاد الى مكتبه فوقفت الشرطية كورا امامه وسألته،
كورا : ماذا بك سيدي؟ يبدو وجهك شاحباً. ولماذا تأخرت لدى النائب العام؟
ديفد : بعد ان تحدثت معه شعرت بألم شديد في بطني فذهبت الى طبيبي. قام الطبيب باعطائي بعض الادوية وطلب مني ان لا اجهد نفسي بالعمل لساعات طويلة حفاظاً على القرحة.
كورا : لم اكن اعلم ان لديك قرحة. اذهب الى البيت الآن واسترح قليلاً فلا شيء يستحق تحملك الألم هنا.
ديفد : وهو كذلك، ساقوم بتسجيل بعض الملاحظات والتعليمات للفريق ثم اذهب الى البيت.
كورا : هذا ليس ضروريا، يمكنني إبلاغهم شفهيا. اذهب انت فقط واسترح، لا اريدك ان تعود للمكتب حتى تتحسن حالتك هيا اخرج.
ديفد : شكراً لك يا كورا. انتِ رجل صالح... اسف اقصد انتِ انسانة صالحة.
ضحكت كورا على زلة لسانه ولم تعلق عليها.
باليوم التالي استيقظ ديفد مبكراً وانطلق الى مركز الشرطة كي يطلب من اثنان من اعضاء فريقه احضار الكاتب نجيب فتح الله سليم. فخرج اثنان من ضباط التحقيق ومعهم شرطي بالبزة الرسمية وطلبا من الكاتب نجيب الحضور الطوعي الى مركز شرطة بادنغتون في جلسة ودية للدردشة. فارتدى نجيب معطفه المطري وخرج معهم ليجلس في سيارة الشرطة. ادخلاه مكتب رئيس التحقيق وطلبا منه الجلوس واحضرا له القهوة. دخل المحقق ديفد بصحبة المحققة كورا وقال،
ديفد : صباح الخير سيد نجيب. استسمحك عذراً لاننا احضرناك من دون سابق انذار لكننا بدأنا نصطدم بجدار كونكريتي صلب في سياق تحقيقاتنا واردنا ان نسألك بعض الاسئلة ربما تستطيع ان تلقي الضوء على البعض منها.
نجيب : وانا جاهز تماماً كي اتعاون معكم. تفضل، ما الامر؟
ديفد : لقد قمنا بقراءة كتابك الذي صدر مؤخراً بعنوان (الوحش).
نجيب : اجل وقد حقق نجاحاً كبيراً في المبيعات. تخبرني دار النشر بانهم يرغبون ان ينزلوا طبعة ثانية من نفس الكتاب.
ديفد : اجل. لقد قمنا بقرائته فابهرنا كثيراً.
نجيب : إذاً، اعجبتكم القصة؟ هذا يسعدني جداً.
ديفد : لا ليس الانبهار بالقصة كما تعتقد لكننا اصبنا بصدمة كبيرة في عملية تنفيذ جرائم الشخص المهمش في ڤنزويلا لضحاياه من الاطفال ومدى تشابهها بل تطابقها بالـ...
هنا قاطعه نجيب قائلاً،
نجيب : مدى تشابهها باسلوب القتل لدى ابن جاري محمد في الشقة رقم 507. وانت بدأت تشك بانني انا الفاعل اليس كذلك؟
ديفد : اجل بالضبط.
نجيب : سيدي المحقق ديفد. هل سمعت بالمصطلح في الاوساط البوليسية بالمقلد (copycat)؟
ديفد : اجل هذا مصطلح معروف في عالم الجريمة.
نجيب : فربما ذلك ما قد حصل. فالطبعة الاولى بيع منها 85000 نسخة والناشر يفكر في طبعة ثانية بقدر 350000 نسخة هذه المرة. اكيد هناك من قرأ القصة واراد تقليد الاسلوب بنفسه. اليس ذلك ممكناً حضرة المحقق؟ وهناك ايضاً احتمال آخر بان يكون من نفذ الجريمة لا يعرف حتى القراءة والكتابة وبالصدفة قام بتنفيذها بدافع اجرامي؟
ديفد : اجل اعتقد ان ذلك ممكناً.
نجيب : عليك ان تتأكد انني لا يمكن ان اكون الفاعل مطلقاً فانا كاتب ومتخصص بالقصص الاجرامية وهذا لا يجعل مني مجرماً. والآن دعني اسألك سؤالاً في علم الجريمة، هل تمكنت من الحصول على:
اولاً الدافع
ثانياً أداة الجريمة
ثالثاً الشهود
رابعاً الفرصة
خامساً بصمات الأصابع
سادساً حمض الديوكسي ريبونوكلييك او ما يسمى بال DNA traces؟
ديفد : نحن نعلم ان الدافع هو الازعاج الذي يصدره اطفال العمارة وهذا ما اخبرنا به صديقك فريد شماش. وذلك يجعلنا نعتقد انه الدافع للجريمة.
نجيب : وهل تعتقد انني ساقوم بتعذيب وقتل كل من يصدر ازعاجاً اثناء كتابتي لقصصي؟ هل هذا معقول في رأيك يا حضرة المحقق؟ فكر بمنطقية اكثر سيادة المحقق. وماذا عن أداة الجريمة والشهود والفرصة وبصمات الأصابع، والحمض النووي؟ هل فكرت بكل ذلك؟
ديفد : بالحقيقة انا اردت فقط استشارتك لا ان القي اي تهمة في طريقك. انا آسف لانك اخذت الموضوع بهذه الحساسية سيد نجيب.
نجيب : انا لست مسؤولاً عن اخفاقاتك في التحقيق. إذا انتهيت من توجيه جميع اتهاماتك الباطلة فانا استأذنك لارجع الى بيتي.
ديفد : اجل اجل بالتأكيد، سنوصلك بسيارة شرطة.
نجيب : وهذا اقل ما يمكنكم فعله فالمطر صار يهطل بغزارة.
خرج نجيب من مكتب المحقق ديفد وهو في غاية الغضب.
<< بعد مرور سنة ونصف على وقوع الجريمة <<
جلس ديفد بمكتبه يراجع بعض الملفات عندما جائته مكالمة هاتفية من رئيسه العميد (وليام واليس) قال فيها،
العميد وليام : اين وصلت قضية (55 كافندش سكوير) يا ديفد؟
ديفد : بالحقيقة نحن لازلنا نبحث بها وقد نتوصل الى ادلة مهمة قريباً.
العميد وليام : أريد منك إغلاق القضية لاننا بذلنا الكثير من الموارد المالية والبشرية عليها دون المسك بالفاعل.
ديفد : لا يمكننا فعل ذلك سيدي. فقد حققنا الكثير من النجاحات في التوصل لادلة مهمة بالآونة الاخيرة.
العميد وليام : وهل لديك مشتبه به جديد بادلة دامغة لا تقبل الشك؟
ديفد : لا، ليس بعد لكننا في طريقنا الى...
قاطعه مديره وقال،
العميد وليام : كفا يا ديفد كفا، لقد انتهينا من ذلك. لم يعد هناك جدوى من مواصلة البحث. اريدك ان تركز على قضية جريمة التخريب في مخازن (ماركس & سبنسر) في كِلبورن.
ديفد : ولكن سيدي...
قاطعه رئيسه بحدة هذه المرة وقال بصوت غاضب،
العميد وليام : قـــــــــلت لك اغلقها وحسب، فليس هناك جدوى من الاستمرار بالبحث. آن الاوان لان تتحول قضية فتصبح باردة وتُخْزّن بالارشيف. مفهوم؟
ديفد : اجل سيدي. مفهوم.
العميد وليام : اخبرني فيما بعد عن مجريات الابحاث في عملية التخريب بالمخازن.
ديفد : سافعل سيدي.
اغلق الهاتف مع رئيسه وهو في غاية الغضب. كان يتمنى لو يمنحه فرصة اكبر كي يمسك بالجاني ويزجه بالسجن. رفع الهاتف على كورا وقال،
ديفد : يا كورا، تعالي الى مكتبي واجلبي معك جميع اعضاء فريق التحقيق.
كورا : حاضر سيدي.
بعد دقائق دخل اعضاء الفريق ووقفوا امامه في مكتبه وبحلقوا بوجهه ينتظرون منه بدأ الحديث. نظر بوجوههم بحزن كبير وقال،
ديفد : اجلسوا لو سمحتم. اليوم تحدثت مع مديرنا العميد وليام واليس وابلغني خبراً مؤلماً جداً. لقد امر بوقف التحقيق في قضية (55 كافندش سكوير) وتحويلها الى ارشيف القضايا الباردة.
كورا : لا مستحيل. لا يمكنه فعل ذلك.
جاك : لكننا للتو تحصلنا على ادلة جديدة.
جورج : لا اعرف ماذا اقول.
اميت : ربما كان ذلك افضل.
عمّار : انا اعتقد باننا نستطيع مواصلة الابحاث بشكل سري دون علمه.
ديفد : لا يا عمّار. انت جديد هنا ولا تعلم بان عملاً مثل هذا قد يعرضك للمسائلة وقد يتسبب في طردك من سلك الشرطة.
كورا : وهل هناك سبيل الى مواصلة التحقيق إذاً سيدي؟
ديفد : اجل بامكاننا فتح القضية من جديد فقط إذا وردت ادلة جديدة وقوية تمكن الادارة من اعادة فتح القضية. كأن يكون شاهد جديد يتطوع بادلاء صوته او عثور احد المواطنين على اداة الجريمة او ما شابه.
جاك : هل تعتقد ان الامر قد حُسم إذاً؟ ألم يعد هناك مجالاً لاعادة فتحها؟
ديفد : اجل يا جاك. انتهى العمل بتلك القضية. الآن العميد يريد ان نركز على قضية التخريب في مخازن (ماركس & سبنسر) في كلبورن.
جاك : حسناً سنذهب انا وجورج الى كلبورن لنلقي نظرة هناك.
اميت : وانا ساذهب معكما.
عمّار : اما انا فساعود لدورياتي بالشوارع وامري الى الله.
ديفد : انتهى الاجتماع.
خرج الجميع من مكتبه ولكن قبل ان تخرج كورا لاحظت ان ديفد يمسك ببطنه فسألته،
كورا : هل تعاني من القرحة من جديد سيدي؟
ديفد : الألم شديد جداً هذه المرة. ونسيت دوائي بالبيت.
كورا : يبدو ان انزعاجك من غلق القضية هو ما تسبب لك بتهيج القرحة. اذهب الى بيتك فوراً سيدي وسنتولى نحن كل شيء هنا.
ديفد : وهو كذلك.
انتصب ديفد من كرسيه ليرجع الى بيته لكنه عاد وجلس ثانية من شدة الالم.
كورا : سيدي، على رسلك. دعني اصطحبك الى بيتك فانت لست في حالة تسمح لك بقيادة السيارة.
ديفد : شكراً لك يا كورا. هذا لطف منك.
امسكت به واعانته على الوقوف فوضع ذراعه فوق كتفها ليخرجا من المكتب وينزلا بالمصعد الى مراب السيارات. وضعت كورا مديرها على الكرسي الايسر وربطت حزامه ثم ركبت الى يمينه وبدأت بالقيادة. ولما وصلا بيت المحقق ديفد فتحت له الباب وامسكت به لتخرجه من السيارة. اقتادته الى الباب الرئيسي حين فتحت له قفل الباب لانها كانت لا تزال تمسك بمفاتيح السيارة. ادخلته البيت وتوجهت مباشرة الى غرفة نومه فاودعته السرير وسألته،
كورا : اين الدواء سيدي؟
ديفد : انها العلبة التي بها خط ازرق عريض فوق الطاولة هناك.
ذهبت كورا وامسكت باحدى علب الدواء وسألته،
كورا : أهذه هي العلبة؟
ديفد : اجل، اخرجي منها حبتين لو سمحت.
كورا : تفضل امسك الحبتين. سانزل الى المطبخ لاحضر لك الماء.
نزلت الى المطبخ فهالها ما رأت من منظر هناك. كان المطبخ بحالة يرثى لها. الصحون المتسخة مكدسة فوق بعضها البعض بداخل المجلى، علب البيتزا الكارتونية التي تحتوي على بقايا البيتزا المتعفنة والروائح تصدر منها بشكل مقزز. المعالق والسكاكين مرمية بكل حدب وصوب. فتحت الصنبور لتملأ آخر كأس نظيف بالماء ورجعت الى غرفة النوم. اعطته الكأس فاخذه من يدها وتناول دوائه ثم عاد واستلقى على المخدة قال،
ديفد : شكراً كورا. بامكانك اخذ السيارة والعودة بها الى المركز الآن.
كورا : لا تشغل بالك بي. نم انتَ وارتح قليلاً حتى يزول عنك الالم سيدي.
ديفد : طيب عزيزتي. انا شاكر لافضالكِ.
اغمض عينيه في امل ان يزول عنه الالم بينما خرجت كورا من الغرفة واغلقت الباب ورائها. نزلت الى الطابق السفلي لتدخل المطبخ وتبدأ بحملة تنظيف مكثفة شملت اواني الطبخ والكئوس الزجاجية والفخارية. وبعد ان اكملت غسيل كل شيء راحت تنظف الطباخ الغازي ثم انتقلت الى الحوائط والثلاجة التي كانت الروائح الكريهة تصدر منها هي الاخرى. ولما فرغت من كل ذلك رجعت الى الوراء ونظرت الى المطبخ فاعجبها ما انجزت فلقد استغرق منها ذلك قرابة الساعتين. رجعت بخطوتين اخريين للوراء وامالت رأسها كي تستمتع بشكل المطبخ الآن واذا بها تصطدمت برئيسها ديفد الذي كان واقفاً ورائها. التفتت اليه على المسافة صفر منه فسمعته يقول،
ديفد : لقد فعلت كل ذلك دون ان اطلبه منك.
كورا : اثناء العمل انت تطلب وانا انفذ. اما هنا فانا اعمل ذلك عن طيب خاطر لانني...
ديفد : لانك ماذا يا كورا؟ هيا اخبريني ماذا؟
اقتربت منه لتصبح المسافة بين شفاههما مجرد مليمترات قليلة وقالت،
كورا : لان ذلك يزيدني غبطة وسعادة فانا... انا...
ديفد : انت ماذا ها؟ لا تخجلي كورا، اخبريني.
كورا : انا مغرمة بك.
لم ينبس بكلمة واحدة بل ترك الامر للشفاه كي تعبر عن المشاعر فيما بينهما. بقيت شفاههما ملتصقة لوقت طويل حتى توقفا ليستنشقا الهواء قال،
ديفد : ولكن يا كورا...
قاطعته بوضع سبابتها فوق شفتيه وقالت،
كورا : لأول مرة في حياتي ساصدر لك الاوامر وانت عليك ان تنفذ. اغلق فمك وقبلني فانا لم اكتفي بالقبلة الاولى وما زلت متعطشة للمزيد.
قبلها قبلة ثانية ثم توقف وقال،
ديفد : يجب علينا ان نرجع الى غرفة النوم.
كورا : لماذا يا ديفد؟ هل تريد شرب المزيد من الدواء؟
ديفد : بل اريد دوائك انت كي تشفي غليلي.
كورا : هيا إذاً دعنا لا نضيع المزيد من الوقت. لنطلق العنان لمشاعرنا كي تندمج مع بعضها البعض يا حبيبي.
ديفد : قُودي الطريق وانا من خلفك.
امسكت بيده وسحبته الى خارج المطبخ. صعدا السلم ويداهما مازالتا مشبوكتين حتى دخلا غرفة النوم. بدأ يزيل ملابسها كما لو كان يقشر الموزة فترد له الجميل بازالة ملابسه حتى تعرا تماماً ثم قاما بممارسة الحب بحرارة وحماس شديدين. وبعد ان انتهت مهمتهما الممتعة استلقيا على ظهريهما وصارا يبتسمان قالت،
كورا : لقد اعجبت بك منذ اول لحظة رأيتك فيها لكنني كنت متحفظة من ان تكون مرتبطاً بعلاقة حميمة او متزوجاً من احداهن. ولكن عندما علمت بان زوجتك قد تركتك ورحلت الى ايرلندا ثم طلبت منك الطلاق. وقتها تيقنت ان الطريق اصبح سالكاً امامي كي اختبر مشاعرك. لكنني كنت اعلم ان انشغالنا بعملنا لن يسمح لنا كي نصل الى المرحلة التي نحن فيها الآن. وانت، ما هو رأيك بي؟
ديفد : عندما رأيتك للوهلة الاولى كنت متشائماً جداً لان الفتيات الجميلات عادة ما يصنعن شرطيات فاشلات. ولكن، وبعد ان عملت معك على قضية (55 كافندش سكوير). بدأت اشعر انك شرطية ممتازة وتعملين بمهنية عالية لأنك مجتهدة ومليئة بالحيوية ولكن...
كورا : ولكن ماذا يا ديفد؟ كنت خائفة من كلمة (ولكن).
ديفد : يجب ان تلاحظي ان فارق السن بيننا كبير فعمرك حوالي 25 سنة وانا 42 اي ان عمري هو ضعف عمرك. اليس كذلك؟
كورا : اولاً انا عمري 29 عاماً ولست 25 وسيصبح 30 بعد شهرين. اما انت فلا تزال 41 وعيد ميلادك سوف لن يأتي حتى العام القادم. انت بالكاد اكبر مني 11 سنة. ولكن إن كنت تعتقد ان ما حصل بيننا للتو هو علاقة عابرة ولمرة واحدة فقط فلا بأس، انا قد تعودت على الرفض والجفاء من باقي الناس. وهذه هي قصة حياتي بالمختصر.
ديفد : ساكون غبياً لو رفضتك يا اجمل واحلى والذ إمرأة في العالم. انا فقط اردت ان اوضح لك فارق السن بيننا. وإن كان الامر لا يعنيك بشيئ فذلك بالتأكيد ليس له اي اهمية عندي.
انتصبت كورا من السرير ودخلت الحمام لتغتسل فتبعها ديفد واستأذن منها كي يغتسلا سوية فرحبت به وصارت تدعك له ظهره وتقبله كلما مرت من كتفه. وعندما فرغا من الاستحمام رجعا الى غرفة النوم فصارا يرتديان ملابسهما قال،
ديفد : انا جداً سعيد بعلاقتنا الجديدة واتمنى ان تبقى على هذا المنوال فانا معجب بك كثيراً. ولكن..
كورا : ها انت ذا تعود وتقول هذه الكلمة البغيضة (ولكن).
ديفد : اردت ان اقول اننا عندما نكون وحدنا نستطيع ان نفعل اي شيء. ولكن عندما نكون بالعمل فاريدك...
قاطعته وقالت بحزم،
كورا : ستكون انت مديري وساناديك سيدي وسوف لن انظر اليك بحب وتودد. وسوف انفذ اوامرك كأن شيئاً لم يكن. اهذا ما تريد ان تقوله؟
ديفد : اجل يا عمري. كأنك في قلبي.
كورا : لا تقلق يا حضرة النقيب ديفد كونَلي. انت مديري هناك وانا مديرتك هنا.
ديفد : انتِ لن تكوني مديرتي وحسب بل ستكوني ملكتي وحبيبتي وكل شيء بحياتي.
كورا : موافقة. والآن كن ولداً مطيعاً واكمل ارتداء ملابسك كي نعود الى المركز. فلقد تزودنا بالوقود العاطفي اللازم كي نزاول عملنا بشكل افضل.
ركبا السيارة وصار ديفد يقودها متجهاً الى المركز. وفي الطريق سألته،
كورا : هل حقاً سنترك التحريات عن قضية (55 كافندش سكوير)؟ فقد اضعنا فيها الكثير من الوقت والجهد والموارد البشرية.
ديفد : اجل لاننا لسنا احراراً بعملنا ونحن نتّبع اوامر الهرم الاداري في الشرطة. هل لديك شك بذلك؟
كورا : كلا ولكن لماذا لا نقوم بالبحث في القضية بشكل غير رسمي على التوازي؟
ديفد : وكيف يحصل ذلك؟ نحن مطالبون بتدوين فعالياتنا وتحركاتنا اثناء فترة عملنا. وكيف سنُسَخّر الموارد للمزيد من الابحاث؟ ماذا لو احتجنا الى مراقبة شخص ما عن كثب لفترة زمنية طويلة؟
كورا : انا لدي الحل. ربما سوف لن يعجبك ما ساقوله، ولكنه حل ممتاز. الحل هو نجيب.
ديفد : اي نجيب؟ ماذا تقصدين؟ انا لا افهمك.
كورا : هل تذكر الكاتب الذي كان مشتبهاً به في السابق ثم تأكدنا من انه بريئ من تورطه بالجريمة؟
ديفد : اجل اذكره جيداً.
كورا : بامكان هذا الشخص ان يقوم بابحاث خاصة وبشكل مستقل.
ديفد : لا، هذا جنون. كيف سنُعَرّض حياة شخص مدني للخطر؟ ماذا لو حققوا معه ليخبرهم باننا نحن من جندناه لكي يقوم بابحاث مستقلة؟
كورا : بامكاننا ان نجعله يتطوع من نفسه بطريقة ذكية. انا عندي فكرة.
ديفد : لا اريد سماع فكرتك. توقفي، ارجوكِ توقفي، هذا امر غير قانوني وغير منطقي وسوف لن اوافق على مقترحك هذا ابداً. سامحيني يا كورا.
كورا : لكنك اخبرتني بان الكاتب نجيب لديه معلومات كبيرة وواسعة جداً في مجال البحث الجنائي.
ديفد : هذا صحيح، يبدو انه قرأ الكثير من الكتب التي اعتدنا دراستها في اكاديمية الشرطة ولما سألته عنها اثناء التحقيق قال بانه قرأ الكثير من الكتب التي الفها خبراء علم الجريمة ورواد علم الطب الجنائي.
كورا : ما الذي ستخسره إذاً لو انك تحدثت مع هذا الكاتب وعرضت عليه الامر فالقضية ستصبح باردة ولن نتمكن من فتحها ثانية الا بمعجزة.
ديفد : ماذا لو طلب منا اجوراً على عمله؟ ماذا لو وقع بمأزق وأُطلق عليه النار؟ ماذا لو اخبر الادارة العامة بانني انا من طلبت منه التدخل دون الرجوع اليهم؟ ماذا لو احتاج لدعم من رجال الشرطة؟
كورا : ماذا لو، ماذا لو، ماذا لو، ستبقى تضع العقبات على فكرتي كي لا تنفذها مع انك تتمنى لو ان احداً ما سيواصل البحث فيها. انا على يقين بانك لا تريد القضية ان تصبح باردة.
ديفد : ارجوكِ يا كورا اغلقي الموضوع. فانا لست مستعداً لكي احيد عن المسلك الصحيح فتلك حماقات بلا شك.
كورا : إذاً دعني انا اتحدث اليه.
ديفد : وبصفتك من؟ كيف ستفاتحينه بالامر؟
كورا : إذاً لماذا لا تحاول ان تفكر بالموضوع على الاقل؟ ربما سنعثر على الجاني ونغلق القضية مرة واحدة وإلى الأبد.
ديفد : ارجوك دعينا نتوقف عن الحديث الآن فقد وصلنا المركز.
كورا : حسناً حبيبي. انا آسفة.
افترق الحبيبان فدخل المحقق مكتبه وبدأ يتفحص الرسائل التي وضعت على سطح مكتبه فوجد رسالة من المحامي فعلم انها تتعلق بقضية الطلاق التي رفعتها عليه زوجته لذلك فتحها على عجالة ليعلم ان الجلسة المقترحة للتفاوض على اقتسام الملكية سيكون خلال الشهر القادم. سجل التاريخ ونادى على كورا عبر الجهاز الاتصال الداخلي ليستدعيها فدخلت مكتبه وسألت،
كورا : نعم حضرة المحقق ماذا تريد؟
ديفد : لقد جائتني رسالة من محامي زوجتي بخصوص الطلاق بتاريخ 14 ايلول الساعة التاسعة صباحاً لذلك ارجو منك ان تسجلي هذا الموعد كي تذكريني به حين يحين.
كورا : هل قلت 14 ايلول الساعة التاسعة صباحاً؟
ديفد : اجل، هذا صحيح.
كورا : لا تقلق، ساذكرك قبل اسبوع من ذلك الموعد وكذلك قبل يوم واحد منه.
ديفد : شكراً كورا. هذا كل ما هناك.
كورا : والآن هل تأذن لي ان اتحدث معك بالموضوع الثاني؟
ديفد : انا اعلم انكِ سوف لن تتوقفي حتى تحصلي على ما تريدين.
كورا : انه ليس لي انا شخصياً. انه لمصلحة العمل.
ديفد : طيب تفضلي تكلمي. انا استمع اليك.
كورا : ساذهب اليه بنفسي وسافاتحه بالموضوع وساقف على مدى استعداده للتعاون معنا.
ديفد : إذا كان ولا بد. فسأذهب انا معك.
ابتسمت ابتسامة عريضة وقالت،
كورا : هذا جيد. ساتصل به اليوم لاحدد موعداً كي نزوره.
ديفد : طيب نائب عريف، افعلي ذلك واخبريني عن النتيجة.
خرجت كورا وهي في غاية الغبطة لانها اخيراً استطاعت اقناع المحقق ليشرك الكاتب نجيب في التحقيق بالقضية. وبعد نصف ساعة رجعت كورا الى مكتب رئيسها وقالت،
كورا : سيقابلنا في مقهى ڤيڤالدي بكوينزواي بعد نصف ساعة.
ديفد : حسناً هيا بنا، دعنا نذهب الى هناك الآن.
دخلا مقهى ڤيڤالدي ونظرا بالداخل فوجدا الكاتب نجيب جالساً على احدى الطاولات يترشف قهوته وينظر من خلال النافذة نحو الشارع. اقتربا منه فقالت،
كورا : كيف حالك سيد نجيب؟
نجيب : اهلاً حضرة النائب عريف اسعدت بلقائكما.
ديفد : شكراً لك على قدومك للقائنا. ارجو ان لا تكون غاضباً مني لاني قمت باستدعائك في السابق والتحقيق معك.
نجيب : لا ابداً، انا اعتبر ان ذلك قد مر كالماء تحت الجسر لانك كنت تؤدي واجبك. ولو لم تفعل ما فعلت لانتقدتك واتهمتك بالتقاعس في تأدية واجبك. لاحظ ان القضية قد مر عليها سنتين.
كورا : بل سنة ونصف فقط. والآن نريد ان نخبرك ان ادارة الشرطة قد قررت غلق القضية وتحويلها الى قسم القضايا الباردة.
نجيب : وكيف يفعلون ذلك بجريمة مروعة مثل تلك؟ لا، هذا لا يجوز ابداً. ذلك جنون وعمل خاطئ جداً.
كورا : وهذا سبب استدعائنا لك اليوم سيد نجيب.
ديفد : بما ان الادارة لا تسمح لنا بالمشاركة بتلك التحقيقات بعد اليوم وكذلك بايماننا الراسخ اننا كنا قريبين جداً من معرفة الجاني لذلك قررنا ان نطلب مساعدتك بصفة مستشار في تلك القضية لان لديك خبرة واسعة في التحقيق الجنائي.
نجيب : ان ذلك امر يسعدني كثيراً.
كورا : ولكن يجب ان تعرف انك ستعمل بشكل غير رسمي. اي انك تتعامل معنا نحن الاثنان فقط وبذلك سنحاول تلبية طلباتك قدر المستطاع. لذا نرجو منك ان تخبرنا بالمبلغ الذي ستطلبه منا.
ديفد : ارجو ان لا يكون مبلغاً كبيراً لاننا سنقوم بدفعه من مرتباتنا.
نجيب : انا لا اريد منكما قرشاً واحداً. فانا ميسور الحال وكتبي تدر علي بمال وافر. ولكن اريد بعض الموارد التي ستسهل عليَّ ابحاثي.
كورا : هذا مفهوم طبعاً.
ديفد : ماذا تحتاج منا يا سيد نجيب؟
بتلك اللحظة وصلت النادلة الشابة وسألت،
النادلة : طلباتكم لو سمحتم؟
كورا : اريد (كاپاچينو) لو سمحتِ.
ديفد : وانا ساخذ قهوة (اكسبريسو) لو سمحتِ.
نظر ديفد الى نجيب وقال،
نجيب : بدايةً اريد ملف القضية كاملاً بالاضافة الى تقرير الطبيب الشرعي وتقرير الفريق التقني.
كورا : لقد احضرنا صورة منه معنا وها هو كاملاً.
وضعت كورا ملفاً كبيراً على الطاولة ودفعته امام الكاتب نجيب. ابتسم نجيب وسحب الملف اليه وقال،
نجيب : سيتطلب قرائته تمعناً كبيراً لان حجم الملف يشير الى انكما قمتما بعمل جبار خلال السنة الماضية.
ديفد : بل كانت 17 شهراً اي حوالي سنة ونصف.
نجيب : هذا شيء مثير للاعجاب ولكنه مثير للحزن بنفس الوقت لان عليكم اغلاقه.
كورا : لقد قررنا ان نمنحك هاتفاً قديم من نوع (نوكيا) ليس عليه سوى رقمين. هاتف شبيه به عندي وآخر لدى مديري السيد ديفد. بامكانك الاتصال بنا باي وقت وطلب اي شيء منا.
ديفد : سنلبي اي شيء تطلبه منا ولكن احياناً سنكون بوسط تأدية واجباتنا الاخرى لذلك سوف نقوم بالرد عليك بوقت لاحق.
نجيب : هذا امر مفهوم.
كورا : والآن هل لديك امراً آخراً تريد طرحه؟
نجيب : اجل. مقرنا سيكون هذا المقهى وسنسميه (ساحة الطرف الاغر).
كورا : ولماذا لا نسميه باسمه؟ انا لا افهم.
ديفد : انه اجراء امني احترازي. أحسنت يا سيد نجيب. هذا ما توقعته منك.
حمل نجيب ملف القضية الكبير وانتصب من كرسيه ثم قال، "ساتصل بكما لو احتجت الى شيء". ثم خرج وتوارى عن الانظار.
نظرت كورا الى ديفد وقالت،
كورا : انا جداً سعيدة لان نجيب وافق على مواصلة التحقيق بالقضية. وانا اتحرق لان اقف واقبلك يا حبيبي.
ديفد : اياك ان تفعلي ذلك. سوف يرانا الناس هنا بالمقهى. فذلك فقط عندما نكون بمفردنا في البيت.
كورا : اجل اعرف ذلك جيداً. لقد كانت مجرد امنية فقط يا حبيبي. لا تحاسبني على كل ما اقوله.
ديفد : إذاً دعينا نذهب الى مخازن (ماركس & سبنسر) في كلبورن كي نستطلع الامر هناك. فنحن سوف لن نسمع من نجيب لشهر او شهرين على الاقل حتى يتمكن من قرائة جميع مجريات التحقيق بامعان.
كورا : اجل انا اشاطرك الرأي.
<< بعد مرور اسبوعين فقط <<
اتصل الكاتب نجيب بكورا على هاتف الطوارئ قال، "ابلغي المدير بانني احتاج مقابلتكما في ساحة الطرف الاغر اليوم بشكل عاجل". اغلقت الهاتف معه ودخلت الى مديرها ديفد فوجدته يتحدث بالهاتف الارضي. انتظرت حتى توقف من الحديث مؤقتاً ووضع يده على لاقط الهاتف ونظر بوجهها. فاقتربت منه وقالت،
كورا : لقد استدعانا السيد X لاجتماع طارئ في الطرف الاغر اليوم.
ديفد : حسناً انتظري حتى افرغ من المكالمة مع محامي الطلاق اولاً ثم ساكون جاهزاً بعدها.
بعد ان انهى مكالمته مع المحامي، خرج الاثنان سوية متجهين الى مقهى ڤيڤالدي بكوينزواي فوجدا الكاتب نجيب ينتظرهما هناك بفارغ الصبر قال،
نجيب : لماذا تأخرتما؟
ديفد : كانت لدي مكالمة هاتفية مهمة وطويلة اجريتها مع المحامي لامر شخصي. اتممتها ثم جئناك على جناح السرعة. هل تمكنت من ان تبدأ بقرائة الملف؟
نجيب : ابدأ بقرائة الملــــــــف؟ هل جننت يا ديفد؟ لقد اكملت قرائته البارحة كاملاً. لذلك اردت ان اوجه سؤالاً مهماً جداً للطبيب الشرعي الذي شرح جثة الطفل يزن.
ديفد : آسف يا سيد نجيب، ليس هناك مجال كي تتحدث معه بشكل مباشر لان ابحاثنا وتعاملاتنا معك هي تعاملات غير رسمية. لذلك تستطيع ان توجه سؤالك وتشرح لي بوضوح عما تريده وساقوم انا بنقل تلك التساؤلات اليه بشكل ودي لانه صديقي الشخصي وسوف يجيب عليها حتى وإن كانت القضية في طريقها للاغلاق.
اخرج نجيب صورة من حقيبته كان قد استخرجها من قلب الملف وقال،
نجيب : انظرا الى هذه الصورة التي التقطها صديقك الطبيب اثناء التشريح، ماذا تبدوا اليكما؟
ديفد : تبدو لي ان الجاني قام باطفاء سيجارة على الرقبة اثناء تعذيب المجني عليه.
كورا : لو كان بالغاً لقلت انها لدغة حب.
نجيب : بالحقيقة انا لا اعتقد انها اثار حرق سيجارة ولا اعتقد انها لدغة حب. انا اريد من الطبيب الشرعي ان يقوم باجراء مجهري على الجلد المحروق للتأكد من ان الحرق لم يتم عن طريق سيجارة.
ديفد : بماذا تفكر يا سيد نجيب؟
نجيب : انها مجرد نظرية ولكن اعتقد ان الجاني قام باستعمال صاعق كهربائي (تيزر).
ديفد : ما الذي جعلك تعتقد ذلك؟
نجيب : لان المنطقة المحيطة بالجلد المحروق قامت بسحب الدم حولها وان حرق السيجارة لا يعمل تلك الظاهرة.
كورا : وكيف تعتقد ان هذه المعلومة ستغير النتيجة يا سيد نجيب؟
نجيب : اوهووووو، تلك النتيجة ستغير اتجاه تفكيرنا 180 درجة لان من يستعمل جهاز الصاعق الكهربائي يحاول ان يشل ضحيته لصعوبة السيطرة عليه وهو رصين. والرجل البالغ كما ذَكَرَتْ المحللة النفسية السيدة هريرا محللة الجريمة النفسية في تقريرها بان الجاني هو رجل بين الثلاثين والاربعين من العمر. وفي هذا العمر يتمكن بكل سهولة التغلب على طفل صغير لم يكمل الرابعة عاشرة من عمره.
ديفد : وهل لك رأي مختلف بتلك الحالة؟
نجيب : دعنا لا نتسرع لاستنتاجات مسبقة. اريد منكما الذهاب الى الطبيب روبن ماكدوكل والتحقق من ذلك الامر.
ديفد : سوف اذهب الآن مباشرة واطلب من الطبيب الشرعي (روبن ماكدوف) وليس (روبن ماكدوكل) التحقق من المعلومة.
كورا : دعنا نذهب الآن يا ديفد.
نجيب : هل ناديته ديفد يا نائب عريف كورا؟ اهــــــــــــا. الآن بدأت افهم علاقتكما.
ديفد : من الصعب اخفاء اي شيء عنك يا سيد نجيب لانك حقاً محققٌ ماهر.
كورا : على العموم ديفد الآن حر طليق لانه يمر باجرائات الطلاق مع زوجته بشكل قانوني.
نجيب : على العموم انا اتمنى لكما التوفيق.
خرج الثنائي وافترقا بعدها. فرجعت كورا الى مركز الشرطة بينما توجه ديفد الى المشرحة في منطقة مايداڤيل ودخل غرفة التشريح فسمع صديقه الدكتور يقول،
روبن : ما الامر يا ديفد؟ لماذا اردت مقابلتي بهذه السرعة؟ ما هو الشيء الطارئ الذي جئت هنا من اجله؟
ديفد :لقد جد جديد يا روبن. اريدك التَحَقّقِ من جثة المجني عليه الطفل يزن وتتأكد من اثار الحرق على رقبته. ففي تقريرك كتبت ان الحرق برقبته على انه كان من جراء اطفاء السجائر اثناء التعذيب.
روبن : انا تصورت ان القضية قد اغلقت لذلك سلمنا الجثة لذويه فقاموا بدفنه بمقبرة اسلامية. مقبرة تقع قرب محطة غرب برومتون في حي كينسينگتون وتشيلسي بلندن، وهي المقبرة الوحيدة في البلاد المملوكة للتاج البريطاني.
ديفد : إذاً اريدك ان تنظر الى الصورة التي قمت انت بالتقاطها. هل تعتقد انها تدل على حرق بالسيجارة ام شيء آخر.
امسك الطبيب بالصورة وتفحصها جيداً تحت مكبر مضيئ ثم قال،
روبن : لديك الحق يا ديفد. هذه لم تقع بسبب حرق سيجارة فالمنطقة المحيطة بالجلد المحروق سحبت الدم من حولها.
ديفد : وما هو الشيء الذي يمكن ان يعمل تلك العلامة إذاً؟
روبن : هناك احتمالان لا ثالث لهما. اما قيام المجرم بوضع سلك كهربائي على رقبة المجني عليه وكهربته اثناء التعذيب واما...
ديفد : واما ماذا؟
روبن : واما استعمل جهاز صعق كهربائي (تيزر). اجل انا الآن متأكد من ذلك. الجاني استعمل جهاز (تيزر).
ديفد : شكراً جزيلاً روبن. ارجوك دع الامر بيننا فقط فانا اجري تحقيقاً خارجياً لا تعلم به الادارة.
روبن : لا تقلق ديفد. فقط سوف اخبر العميد وليام ونائب المدعي العام السيد ويلي كروفارد.
ديفد : مــــــــاذا قلت؟
روبن : هاهاها. كلا انا كنت امازحك. فانا لن اخبر احد بذلك.
ديفد : شكراً عزيزي روبن. وداعاً.
رجع ديفد الى مركز الشرطة فرأى كورا تحمل اوراقاً استنسختها للتو فتوقفت وقالت،
كورا : هل من جديد سيدي؟
ديفد : هناك الكثير من الآذان حولنا. دعينا نتحدث بمكتبي، اتبعيني.
دخلا المكتب ثم اغلقا الباب قالت،
كورا : الآن اخبرني، ماذا قال الطبيب؟
ديفد : قال ان جثة الطفل يزن قد سلمت لاهله لغرض الدفن. لكنه تفحص الصورة من جديد ورأى الآثار الحمراء على رقبة المجني عليه ثم غير رأيه في الحرق بالسجائر. قال انها فعلاً من تأثير صعقة كهربائية وقد تكون لصاعق يدوي (تيزر).
كورا : يا الهي، إذاً الكاتب نجيب كان على حق. وماذا بعد ذلك؟
ديفد : ساتصل بنجيب على الهاتف السري وسأخبره الآن.
اخرج الهاتف الصغير واتصل بالكاتب نجيب فرد عليه وقال له قبل ان يتحدث،
نجيب : الطبيب العدلي اخبرك بان البقع الحمراء كانت صعقة كهربائية. اليس كذلك؟
ديفد : اجل، انت على حق. ولكن كيف عرفت ذلك؟ وما هي الخطوة التالية؟
نجيب : دعني اعمل المزيد من التحريات وسوف اتصل بك لاحقاً كي اجيبك على تسائلاتك تلك.
اغلق الهاتف مع المحقق ديفد وفتح حاسوبه المتنقل ثم راح يبحث بالصواعق الكهربائية المصنعة حول العالم وبعد ان صرف اكثر من 8 ساعات يتنقل بين مواقع الانترنيت وهو يدرس تاريخها واحجامها وتأثيراتها ومصادر تصنيعها توصل الى نتائج لا تقبل الشك. نظر الى ساعته فوجدها تشير الى الحادية عشر والنصف ليلاً فلم يشأ الاتصال بديفد كي يخبره بما وجد للتو. ولكن ديفد بنفسه اتصل به بعد قليل وقال،
ديفد : لماذا لم تتصل بي يا نجيب؟
نجيب : كنت ساتصل بك لكنني ارتأيت ان الوقت متأخراً فقررت ان اهاتفك غداً. وبما انك اتصلت بي الآن لذلك ساقوم بتقديم تقريري.
ديفد : وانا متحمس جداً لسماعه.
نجيب : لقد قمت بارسال صورة تحتوي على نوعين شائعين حول العالم للصواعق الكهربائية التي تستعمل كثيراً لدى الشرطة. ارسلتها للتو إلى بريدك الالكتروني. هل وصلتك؟
ديفد : سافتح حاسوبي الآن وسانظر اليها.
فتح ديفد حاسوبه فوجد رسالة من الكاتب نجيب. فتحها ليرى الصورة التي ارسلها له نجيب.
نجيب : اكثر الاجهزة انتشاراً بالعالم والاكثر فعالية هي جهازين الاول روسي من نوع زيوس 2 والثاني امريكي من نوع لِكويد بوليت. يبدو ان الضحية قد صعق باحد هذين الجهازين.
ديفد : وكيف سنعرف اي من هذين الجهازين قد استُعْمِلَ في صعق المجني عليه؟
نجيب : انت لم تفسح لي المجال كي اكمل حديثي. قمت باستطلاع المواصفات الفنية لتلك الاجهزة. فبالنسبة للجهاز الامريكي تكون المسافة بين القطبين 1.8 سم. اما الجهاز الروسي زيوس II فالمسافة بين القطبين هي 3.5 سم. وبمجرد النظر الى الصورة بالمقارنة بين حجم رأس المجني عليه فإن من دون شك الجهاز الروسي زيوس II هو الجهاز الذي إستُخْدِمَ في شل وتعجيز الطفل لسهولة السيطرة عليه.
ديفد : وكيف سنعرف الجاني إذاً؟
نجيب : ماذا بك يا ديفد؟ انت محقق قدير ولديك خبرة كبيرة. دعني اسألك سؤالاً مهماً. نحن نعيش في لندن، فهل نستطيع بسهولة الحصول على اجهزة الكترونية من صنع روسيا؟ وإذا كان جوابك بـ (لا) فمن يستطيع الحصول على هذه الاجهزة؟ وإذا كان تخمينك صحيحاً فاريدك ان تنظر الى التقرير الكامل الذي زودتني به. انظر الى اللقاء الذي اجراه زميلك المحقق اميت عندما قام بمقابلة عائلة الرجل السوري محمد والد المجني عليه. ساقرأ لك النص كما ورد في الملف الذي اعطيتني اياه اليوم:
اميت : كيف يغار عليكِ؟ انا لا افهم ماذا تقصدين.
مروة : لقد سجلوني مع اخي بمدرسة اللغة حين وصلنا الى بريطانيا. ووضعونا مع مختلف الفئات العمرية بمختلف الجنسيات في صف واحد. وكان هناك تلميذ مشاغب في سن المراهقة من اوكرانيا يحاول ازعاجي بتلميحاته الغبية. لكن اخي يزن اشتبك معه بقتال بالايدي وتغلب عليه ليطرحه ارضاً وراح يضربه بشدة حتى خاف من يزن وتوقف عن ازعاجي بعد ذلك.
ديفد : برافو يا نجيب. انت فعلاً محقق من الدرجة الاولى. لقد عثرت على الدافع. الدافع هنا هو حقد الاوكراني للمجني عليه لانه قام بضربه. الآن لدينا دافع ملموس للجريمة.
نجيب : وبما ان يزن كان اقوى من المراهق الاوكراني جسدياً وهو يعرف تماماً ان يزن اقوى منه جسدياً وسيتغلب عليه لو وقع نزال جديد بينهما لذلك استخدم الصاعق كي يشل حركته ثم يعلقه من قدميه من على السقف ويقوم بتعذيبه حتى الموت. ولكن من اين جاء بالصاعق في رأيك؟
ديفد : بما ان بلاده في حالة فوضى عارمة بسبب الحرب بين روسيا واوكرانيا. وبما ان الكثير من الاوكرانيين صاروا يهاجرون بشكل جماعي الى اوروبا للبحث عن الامان. يبدو انه احضر الصاعق معه حتى وصل به الى بريطانيا.
نجيب : تحليل سليم ولكن ذلك يعني ان علينا ان نستجوبه.
ديفد : بل استجوبه انا فقط لانك غير مخول كي تقوم بالاستجواب بشكل رسمي.
نجيب : حسناً ولكن علينا ان نعثر على الشاب اولاً. يجب ان ننفذها غداً في الصباح الباكر. فكلما اخرنا الموضوع كلما قمنا بمنح ذلك المجرم فرصة للهرب والاختفاء بداخل بريطانيا خصوصاً وانه يعلم انه ارتكب جريمة قتل ويجب عليه ان يتوارى عن الانظار. حتى وإن مر على الجريمة وقت طويل.
ديفد : ساخذك بسيارتي ونذهب غداً صباحاً مع الساعة الثامنة. كن على استعداد.
نجيب : ساكون بانتظارك خارج عمارتنا السكنية. تصبح على خير.
باليوم التالي وصل ديفد بسيارته امام مبنى رقم 55 فرأى نجيب واقفاً ينتظره. ركب السيارة الى جانبه وانطلقا باتجاه المدرسة. دخلا الادارة فتحدث ديفد مع المديرة قائلاً.
انا نقيب ديفد كونَلي محقق من شرطة بادنغتون ومعي مستشار الشرطة السيد نجيب.
المديرة : اهلاً وسهلاً. كيف يمكنني مساعدتكما؟
ديفد : نحن نحقق بجريمة قتل وقعت قبل عام ونصف. وبالتحديد بتاريخ 1 ابريل من العام المنصرم.
المديرة : هل تقصد ما جرى للطفل يزن من سورية؟
ديفد : اجل بالضبط. نريد ان نتحدث مع احد طلابك بشكل عاجل اسمه ستيبان كوفالنكو. اعتقد انه من اوكرانيا.
المديرة : لحظة واحدة لو سمحت، دعني اتفحص الملفات.
سحبت المديرة احدى الادراج الحديدية وصارت تبحث بها ثم اخرجت ملفاً وقرأت محتواه بعض الوقت ثم قالت.
المديرة : اجل، وثائقنا تشير الى ان هذا الطالب قد توقف عن الحضور الى المدرسة بنفس الفترة التي اخبرتني عنها.
نجيب : هل لديكِ عنوان الطالب؟
المديرة : عادة نحن لا نعطي معلومات عن اي طالب لدينا لكنكما جئتما بصفة رسيمة لذلك ساعتبر ذلك استثناءاً خاصاً. حسب الملف الذي بيدي فإنه يعيش مع جدته بمنطقة هاكني بشارع روتشر رود رقم 21. شقة رقم 37.
ديفد : شكراً لكِ سيدتي. نحن ممنونون من تعاونكِ معنا.
المديرة : ان ذلك من دواعي سروري.
نجيب : وداعاً سيدتي.
خرج ديفد ونجيب من المدرسة وانطلقا بالسيارة متجهين الى منطقة هاكني. وفور وصولهما الى العنوان الذي تحصلا عليه من المديرة. تسلقا سلم العمارة الخارجي حتى الطابق الثاني ومن هناك الى الشقة رقم 37. هنا قال ديفد،
ديفد : ربما سيلجأ ستيبان الى العنف عندما يرانا. لذلك اريد منك ان لا تدخل معي الى الشقة.
نجيب : هذا مستحيل يا ديفد. يجب ان اوجه له اسئلة بالتزامن معك لانك وعدتني بان اكون شريكك.
ديفد : إذاً، كن على حذر ولا تقترب منه كثيراً.
ضغط ديفد على جرس الباب فسمعا وقع اقدام تقترب من الباب ثم انفتح الباب ليروا سيدة مسنة في عقدها الثامن تفتح الباب وتقول بانجليزية ضعيفة.
السيدة : ماذا تريدون؟
ديفد : انا النقيب ديفد كونَلي من شرطة بادنغتون اريد التحدث الى ستيبان كوفالنكو.
السيدة : ستيبان غير موجود.
ديفد : اين هو الآن؟
السيدة : انا لا يعرف هي اين. انها غير موجود غير موجود.
ديفد : اريد تفتيش المنزل.
السيدة : لم يفهم عليك.
ديفد : ابعدي عن طريقي سيدتي.
دفعها جانباً ودخل منزلها ليبحث عن ستيبان في كل ارجاء الشقة لكنه لم يعثر عليه. نظر الى نجيب وقال،
ديفد : اعتقد انه هرب. هيا نخرج.
نجيب : انتظر قليلاً يا ديفد ودعني اكلم السيدة.
هنا بدأ نجيب يتحاور مع السيدة المسنة باللغة الروسية فردت عليه. بعدها التفت نجيب الى ديفد وقال،
نجيب : دعنا نرحل الآن.
خرج الاثنان من منزل الجدة وركبوا السيارة فقال،
ديفد : لم اكن اتخيل انك تستطيع التحدث باللغة الاوكرانية. يا ترى ماذا دار بينكما؟
نجيب : كنت اتحدث معها باللغة الروسية وليست الاوكرانية. سألتها إن كانت تعرف مكان ستيبان فقالت إنه يتسكع كل الاوقات مع بعض الأولاد السيئين الاشرار في خرابة بآخر الشارع.
ديفد : احسنت يا نجيب. لم اكن اعرف انك تجيد اللغة الروسية.
نجيب : عزيزي ديفد، هناك الكثير من الامور تجهلها عني. دعنا فقط نذهب الى آخر الشارع ونحاول العثور على ابن الزانية.
ديفد : قبل ذلك يجب ان اطلب بعض قوات الدعم كي يساندونا فقد يكون الامر خطيراً.
سحب ديفد سماعة اللاسلكي وطلب قوة دعم من المركز فوعدوه بوصول قوة خلال 40 دقيقة. بقي ديفد واقفاً مع نجيب يراقبان المكان لحين وصول قوة الدعم. وبعد مرور اكثر من ساعة وقفت 4 سيارات محملة بقوات مدججة بالسلاح وطوقت المكان. اعطى ديفد الامر بالمداهمة فدخلوا ليثيروا جلبة كبيرة بصراخهم كي ينشروا الذعر بقلوب الشاب المتسكعين. وقف الشباب ورفعوا ايديهم للاعلى دون اي مقاومة فطوقهم رجال الشرطة ودخل عليهم ديفد وصار ينظر بوجوههم ثم سأل، "اي واحد منكم ستيبان؟". لكن احداً لم يتكلم كانوا ينظرون فقط بوجوه بعضهم البعض. هنا دخل نجيب الى الوكر وقال، "لماذا لا تفتش المكان وتبحث عن المخدرات ثم تعتقلهم جميعاً؟". بتلك اللحظة تكلمت فتاة حالقة الرأس كانت تضع الكثير من الوشوم على يديها ورقبتها وقد ركّبَتْ حلقة فضية على انفها وفصاً فضياً على لسانها قالت، "نحن لم نفعل شيئاً، انكم تستعملون العنف المفرط ووحشية للشرطة ضدنا. ها هو ستيبان بامكانكم اخذه فنحن لم نحبذ وجوده معنا منذ ان انضم الينا". قالتها وهي تشير الى فتىً اصهب كان واقفاً بعيداً في الزاوية. هنا ركض ستيبان نحو المخرج لكن رجال الشرطة وجهوا اسلحتهم صوبه وصرخوا عليه كي يتوقف وينبطح ارضاً ففعل. وضع احدهم الاصفاد على معصميه من وراء ظهره ثم اسنده كي يقف فاقترب منه ديفد ببطئ شديد وقال،
ديفد : الى اين كنت تنوي الهرب يا ستيبان؟
ستيبان : انا بريئ، انا لم افعل اي شيئ.
ديفد : نحن لن نوجه اليك اي تهمة بعد، فلماذا هربت؟ الا إذا... الا إذا كان لديك شعور بالذنب.
ستيبان : اي ذنب هذا؟ انا ليس لدي ذنوب لانني لم افعل اي شيئ.
اقترب نجيب من ديفد وهمس باذنه قائلاً،
نجيب : اقرأ له حقوقه يا ديفد فقد يصرح بشيء مهم الآن وهو مرعوب فنخسر ذلك التصريح.
هنا بدأ ديفد يقرأ له حقوقه كاملة وعندما فرغ منها اكمل حديثه إذ سأله،
ديفد : والآن قل لي سيد ستيبان كوفالنكو، هل قمت بشيء يجعلنا نعتقد انك اقترفت جريمة تستحق القبض عليك بسببها؟
ستيبان : اسمع مني يا مدير الشرطة. انا مواطن اوكراني، جئت الى هنا لكي اتخلص من ظلم الروس على شعبي ولجأت اليكم في بريطانيا. اهكذا تساعدوننا؟ اهكذا تعاملون من يلجأ اليكم؟ اين انسانيتكم؟ اين ديمقراطيتكم؟ هذه فاشية.
ديفد : ليس جميع اللاجئين يُعامَلون كما نعاملك لانهم لم يرتكبوا اي جرائم.
هنا اقترب نجيب من ديفد وهمس باذنه مرة ثانية وقال، "اسأله إن كان يعرف يزن؟".
ديفد : هل تعرف يزن؟
ستيبان : من هو زن زن، انا لا اعرفه ابداً فانا لم اعد اذهب للمدرسة.
ديفد : وكيف عرفت ان يزن (او زن زن) يرتاد نفس المدرسة التي كنت ترتادها انت؟
ستيبان : لقد خمنت ببساطة أن شخصًا ما قد أبلغ عني من المدرسة. فقد كان الجميع يكرهني هناك.
ديفد : يزن هو الولد السوري الذي التحق بمدرسة اللغة مع اخته مروة. هل تعرف اخته مروة؟
ستيبان : لا، انا لا اعرفهما ولا اعرف اي سوري.
همس نجيب باذنه وقال، "اترك ذلك للاستجواب بمركز الشرطة". فقال ديفد، "خذوه الى السيارة". قام احد عناصر الشرطة بالامساك بستيبان واقتاده الى الخارج. نظر ديفد الى باقي رجال الشرطة وقال، "دعنا نرحل". فخرج الجميع من الوكر وركبوا سياراتهم ليعودوا بها الى مركز الشرطة حاملين معهم الصيد الثمين.
نجيب : يبدو عليك التعب يا ديفد.
ديفد : كنت اتمنى ان امسك برقبة ذلك الوغد وأخنقه بمكانه.
نجيب : سنقوم بخنقه ولكن بالادلة والبراهين لا تقلق.
ديفد : وكيف يا نجيب؟
نجيب : الم تقل ان فريق البحث الجنائي وجد مئات البصمات ببيت عائلة المجني عليه؟
ديفد : اجل.
نجيب : إذاً سوف نبدأ بالبحث عن بصمات ستيبان من بين تلك المئات فقد يكون واحداً منهم. خصوصاً وانه انكر معرفة يزن واخته.
ديفد : كلامك صحيح. دعنا نأخذ معنا هذا الاوكراني القذر لنتمكن من جعله يستمتع بضيافتنا. ولكن اولاً سنتركه يوم او يومين ليختمر بالحبس.
نجيب : عليك ايضاً ان تفسر لمديرك سبب عدم غلقك للقضية بعد ان امرك بشكل قاطع كي تتركها.
ديفد : ساخبره ببساطة اننا عثرنا على ادلة جديدة جعلتنا نبقي القضية مفتوحة.
رجع الجميع الى مركز الشرطة فدخل ديفد الى مكتبه وطلب من خلال هاتفه مركز البحث الجنائي ليسألهم،
ديفد : هل لديكم جميع البصمات بمسرح الجريمة في بيت السيد محمد القصار؟
عنصر من البحث الجنائي : اجل سيدي جميع البصمات مخزونة بداخل الحاسوب.
ديفد : إذاً سوف ابعث لكم اليوم بصمات جديدة لمشتبه به جديد، اريدكم مقارنتها بالبصمات التي رفعتموها من المنزل.
عنصر من البحث الجنائي : سنقوم بالمقارنة فورما نستلمها منك سيدي.
بهذه الاثناء سمع ديفد طرقاً على الباب فإذن للطارق لينفتح الباب واذا بمديره العميد (وليام واليس) يدخل وعلى وجهه علامات الغضب الشديد قال،
العميد وليام : ألم اصدر لك امراً صريحاً ومباشراً بغلق القضية؟
ديفد : لقد تحصلنا على ادلة جديدة لا تقبل الشك ابداً. نحن الآن بانتظار مقارنة بصمات شخص قد يكون مرتكب الجريمة سيدي.
العميد وليام : ليكن بمعلومك، إذا لم تتطابق البصمات فعليك ان تفكر كيف سيكون مستقبلك في الشرطة.
ديفد : ستتطابق سيدي ان متأكد 100%.
بهذه الاثناء رن الهاتف الثاني للمحقق ديفد فرفع السماعة وتحدث مع المتصل ثم وضع السماعة مرة اخرى وقال لمديره،
ديفد : لقد تطابقت بصمات المشتبه به سيدي. الآن اصبح لدينا القاتل بدون ادنى شك.
العميد وليام : ومن يكون؟
ديفد : انه مهاجر اوكراني عمره 17 سنة يدعى ستيبان كوفالنكو كان يدرس بنفس المدرسة التي يرتادها المجني عليه يزن مع اخته مروة. سبق وان وقع شجار بينهما بسبب قيام المشتبه به بالتحرش باخت المجني عليه. لكن المجني عليه اشتبك معه بقتال بالايدي وتغلب عليه حين طرحه ارضاً وصار يضربه ضرباً مبرحاً.
العميد وليام : حسناً لدينا دافع الجريمة. وماذا عن الباقي؟
ديفد : كما اخبرتك سيدي. عندما القينا القبض عليه سألته عن يزن فانكر معرفته به تماماّ. وقد تطابقت بصماته مع البصمات التي رفعناها من داخل بيت المجني عليه ووجدنا بعض الطلاب ممن كانوا حاضرين بالباحة وهم مستعدون للادلاء بشهادتهم على المعركة التي دارت بباحة المدرسة. لذا وبتلك الحالة قدرنا ان نفند اكاذيبه ونتمكن من الصاق التهمة به. وهناك امر آخر سيدي، لدينا كاتب بريطاني متخصص بكتابة القصص الاجرامية. يملك معلومات هائلة عن محاربة الجريمة. وقد ساعدنا كثيراً في التوصل الى المتهم. اريد منك ان تجعل مشاركته بالتحريات امراً قانونياً كمستشاراً للشرطة.
العميد وليام : حسنا، حسنا، هذا امر يسير. بامكاني فعل ذلك.
ديفد : شكراً سيدي. ساخبرك بكل مراحل تطور القضية.
العميد وليام : إذاً سابقي القضية مفتوحة الآن ولكن اريدك ان تتحرك بشكل قانوني وسريع ولا تحاول تجاوز صلاحياتك.
ديفد : اعدك بذلك سيدي.
اغلق الخط مع العميد. وبعد قليل دخلت عليه كورا وسألته،
كورا : سمعتك تصرخ. هل المدير مستاءٌ من شيء؟
ديفد : بالعكس، انه سعيد بتطور التحقيق لانه بات يتعرض لقدر كبير من الضغوط من قبل وزارة الداخلية والصحافة فقد انتقدوه لانه كان ينوي غلق القضية. ولأن الجميع مهتم بالمجني عليه بسبب صغر سنه.
كورا : وانا سعيدة بعلاقتي معك يا ديفد. اتمنى لو استطيع ان اقبلك الآن.
ديفد : هنا؟ واثناء العمل؟ لا تكوني مجنونة. هذه الامور فقط في البيت.
كورا : اعرف ذلك. تذكر انني قلت (اتمنى). ولم اقل تعال وقبلني.
ديفد : على العموم غداً سنقابل الكاتب نجيب عندنا بمركز الشرطة وسنخبره بانه اصبح يعمل معنا بشكل رسمي لان العميد وافق على ذلك.
كورا : هذا خبر عظيم. لم اكن احبذ فكرة مقابلته بمكان عام مثل مقهى ڤيڤالدي.
وفي اليوم التالي حظر نجيب الى مركز الشرطة اثر الدعوة الهاتفية التي تلقاها من ديفد فطرق الباب وقال،
نجيب : لماذا اردت مقابلتي هنا يا ديفد؟ لماذا لم نلتقي بمقرنا الدائم بالطرف الاغر؟
ديفد : لان الرئيس الكبير وافق على عملك معنا بصفة مستشار بشكل رسمي وقانوني.
نجيب : هذا امر جميل. والآن انا فكرت بالقضية وخطرت لي فكرة مهمة جداً.
ديفد : ماهي؟ انا اعرف افكارك النيرة.
نجيب : اريدك ان تبعث اسم وصورة وبصمات المشتبه به ستيبان كوفالنكو الى الشرطة الدولية (الانتربول) في ليون بفرنسا. عسى ان يكون لديهم ملف عنه.
ديفد : انت عبقري يا نجيب. تلك حقاً فكرة رائعة لم تخطر ببالي.
نجيب : والآن اخبرني بكل تفاصيل المكالمة بينك وبين المدير الاكبر.
راح ديفد يقص عليه كل ما دار بينه وبين مديره وكيف اقنعه باعادة فتح القضية واشراكه فيها بشكل رسمي. ولما فرغ من ذلك استدعى كورا وطلب منها كتابة استفسار باسمه الى الشرطة الدولية الانتربول عن (ستيبان كوفالنكو). ثم وقف وودع نجيب كي يواصل عمله. وبعد يومين اتصل ديفد بنجيب هاتفياً وقال،
ديفد : لدي اخبار سارة يا نجيب. يبدو اننا كنا مخطئين كثيراً بالمتهم ستيبان كوفالنكو.
نجيب : كيف؟
ديفد : لا مجال للشرح على الهاتف. تعال الى المركز وساقص عليك كل شيء.
ارتدى نجيب ملابسه على عجالة وخرج الى الشارع ليركب الحافلة التي اقلته الى مركز الشرطة. دخل مكتب ديفد دون ان يطرق الباب من شدة انفعاله وقال،
نجيب : سامحني يا ديفد، لقد نسيت آدابى ولم اطرق الباب.
ديفد : لا عليك، لا عليك، فقط تعال اجلس ودعني ازف اليك الاخبار السعيدة. اولاً، اتضح ان ستيبان كوفالنكو لم يكن عمره 17 سنة وانما هو 24 سنة. ثانياً لديه صحيفة اعمال تكاد تكون اطول من افعى الاناكوندا وسبق وان وُضِعَ اسمه بين قائمة الخطرين جداً لانهم امسكوا به حينما اتهموه بالانتماء الى عصابة اوكرانية تقوم بالاتجار بالبشر وتجارة الاعضاء والمخدرات. ثالثاً وهو الاهم، انه تمكن من الافلات من قبضة الانتربول وعبر الى بريطانيا مع جدته اثناء تقديمهما اللجوء الانساني الى بريطانيا.
نجيب : يا سلام يا سلام، واخيراً اخبار تسر القلب. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف دخل الى بريطانيا دون ان تتحقق السلطات البريطانية من هويته ليتأكدوا من عدم حيازته على صحيفة اعمال مشرفة مثل هذه؟
ديفد : عزيزي نجيب، لقد فَتحَتْ بريطانيا الابواب على مصراعيها للاوكرانيين فدخل اليها ما يقرب من 220000 اوكراني منذ ان بدأت الحرب مع روسيا. ولو قامت بالتحريات عن كل واحد منهم فانها ستتوقف عن جميع اعمالها الاخرى.
نجيب : لكنكم تقومون بالتحريات عن باقي المهاجرين من الاصول العربية. اليس كذلك؟
ديفد : هذا صحيح. والسبب هو معاناة الجميع من العنصرية وتأثر البقية الباقية بالاعلام السلبي الموجه ضدهم.
نجيب : على العموم، هل واجهت ستيبان كوفالنكو بكل المعلومات التي تسلمتها اليوم؟
ديفد : كلا ليس بعد. اردتك ان تكون موجوداً معي عندما اواجهه بها لانك انت من اقترح علي مفاتحة الشرطة الدولية.
نجيب : إذاً دعنا نقابله بغرفة التحقيق فوراً. فانا اكاد اموت من الإثارة.
اقتيد ستيبان كوفالنكو من قبل احد عناصر الشرطة مكبلاً بالاصفاد واجلسوه على كرسي حديدي ثم نظر حوله فرأى نجيب وديفد ينتظرانه بفارغ الصبر. بدأ ديفد الحديث حين قال،
ديفد : ستيبان كوفالنكو، لقد توصلنا الى معلومات في غاية الدقة تدينك في جريمة قتل يزن محمد القصار. اولاً، عثرنا على بصماتك في منزل المجني عليه والبعض من تلك البصمات كانت ملطخة بالدم. وانت اخبرتنا سابقاً انك لا تعرفه بتاتاً. فكيف عثرنا على البصمات بمسرح الجريمة؟ هل لديك تفسير لذلك؟
ستيبان : ببساطة قمتم انتم بزرع بصماتي بالشقة لتلصقوا التهمة بي.
ديفد : ثانياً تسلمنا قائمة طويلة بفعالياتك الاجرامية من الشرطة الدولية الانتربول وشروعك بالكثير من الجرائم الاخرى التي تربطك بالاتجار بالبشر والمخدرات وتجارة الاعضاء. هل لديك تعليق على ذلك؟
ستيبان : هاهاها، انتم اغبياء جداً. فانا لا زلت قاصراً وعمري دون 16 سنة لذلك ساحاكم كقاصر.
نجيب : هذا ما كنا نعتقده في السابق. لكن تقرير الانتربول يؤكد بانك 24 سنة لذلك ستحال الى محاكم البالغين يا ستيبان.
ديفد : وستوجه اليك تهمة التعنيف والقتل العمد للمجني عليه يزن محمد القصار.
بدأ ستيبان يضحك بشكل هستيري وبصوت عالٍ جداً وهو يصفق ويقول،
ستيبان : (اتنيچني رابوتا، اتنيچني رابوتا، براڤو) صدقاً انا اهنئكم من كل قلبي. لقد قمتم بمجهود جبار.
نجيب : ستنال عقابك الذي تستحقه يا ستيبان
ديفد : سنقوم بتسليم محضر هذا الاستجواب مع جميع الادلة بملف كامل الى نائب المدعي العام وسوف تحال الى محكمة الـ (اولد بيلي) حسب الاسس والاعراف القانونية.
ستيبان : ابشركم انكم لن تتمكنوا مني يا اغبياء. فانا لا اقهر ابداً.
نجيب : وكيف ذلك يا بطل؟ فقد تمكن منك ولد صغير عمره 14 سنة ومسح بك الارض بباحة المدرسة.
لكن ستيبان لم يجيب على ما قاله نجيب. فقط استمر بضحكته الخبيثة. اشار ديفد بيده الى احد العناصر فدخل من جديد واقتاد ستيبان الى زنزانته. رجع ديفد ونجيب ليقابلا جميع افراد طاقم التحقيق في غرفة الاجتماعات فيعلن ديفد ان القضية قد انحلت بشكل كامل ونهائي. صار المحققون جاك وجورج واميت وعمّار وكورا يصفقون بنجاح القضية وكذلك يرحبون بانضمام الكاتب نجيب لفريق الابحاث. وبينما هم يهنؤون بعضهم البعض دخل عليهم احد العناصر وقال لديفد،
عنصر : سيدي، سيدي، لقد شنق المتهم نفسه بزنزانته وفارق الحياة.
عم الهدوء بداخل المكتب لكن ديفد قال،
ديفد : هذا افضل خبر سمعته بحياتي. لطالما اردت ان اخنقه بنفسي. سيكون ذلك الخبر مفرحاً لعائلة المجني عليه. فالعدالة تحققت من قبل الجاني.
نظر الى جميع من في غرفة الاجتماعات وقال، "والآن اريد ان اعلن لكم باننا من الآن وصاعداً نستطيع الانخراط بقضايا اخرى غيرها". صفق جميع الحاضرين وعندما توقف التصفيق قال ديفد، كذلك لدي اعلان مهم آخر الا وهو، لقد تم ترفيع كل من نائب عريف عمّار حموي ونائب عريف كورا ماكنتوش الى رتبة عرفاء وانتقلوا الى قسم التحقيق الجنائي بشكل رسمي ودائم. فعاد التصفيق الحاد وتمنوا للمحققين المستقبل الباهر.
<<بعد مرور ستة اشهر من نجاح العملية <<
جلس الكاتب نجيب فتح الله سليم في مقهاه المفضل ڤيڤالدي بمنطقة كوينزواي وطلب فنجانه المفضل من القهوة فسمع صوتاً يأتيه من الخلف فادار رأسه ليجد صديقه المقرب فريد شماش، ابتسم بوجهه وقال،
نجيب : اول مرة تأتي بوقتك يا فرودي.
فريد : وانت اول مرة تكف عن النق بسبب تأخيري.
سحب الكرسي امام صديقه وجلس ليطلب قهوة اكسبريسو. وبعد قليل رجعت النادلة بالقهوة فقال،
فريد : انظر يا نجيب الى هذه النادلة، كم هي جميلة! انها السمراء وتقطر عسلاً. اتمنى لو استطيع مصاحبتها...
نظرت النادلة الى فريد وبلهجة عراقية لا تقبل الشك قالت،
النادلة : "والله انتو العراقيين متصيرلكم چارة، اتضلون ادب سزية ومتستحون".
هنا تدخل نجيب بذكائه المعهود وقال،
نجيب : "عمي علا كيفچ، الرجال ما گال شي يزعّلْ. خلص مَصار شي. لازم تگول شوف نجيب هاي الجگمة. لو تكتل نفسها ما راح اصاحبها".
رجعت النادلة وهي غاضبة من تلميحات الصديقين العجوزين. فجأة جائه صوت من الخلف يقول،
ديفد : عرفت انني ساجدكما هنا.
ادار نجيب رأسه للخلف ليجد المحقق ديفد ومعه العريف كورا قال،
نجيب : اهلاً حضرة النقيب ديفد. اهلاً حضرة العريف كورا ماكنتوش.
ديفد : انت غلطان يا نجيب. الآن صار اسمها العريف كورا كونَلي.
نجيب : انا آسف لانني اعتقدت ان اسمكِ كورا ماكنتوش.
كورا : هذا صحيح، كان اسمي كورا ماكنتوش لكن الآن اصبح اسمي كورا كونَلي لاننا تزوجنا.
نجيب : وكيف تتزوجان ولا تدعواننا انا وصديقي فريد الى حفلة زفافكما؟
ديفد : لاننا سافرنا الى مدينة توركِي لنقضي اجازة طويلة بعد انتهائنا من القضية المضنية لكننا قررنا ان نرتبط هناك ونعود كزوج وزوجة.
نجيب : الف، الف مبروك. انا جداً سعيد بهذا الخبر.
ديفد : والآن الخبر الثاني. لقد احضرت معي هذا الظرف كمكافئة مالية لخدماتك يا نجيب.
نجيب : وانا لم اكن انتظر منكم اي مكافئة. ومع ذلك فانا اشكرك عليها.
ديفد : والآن للخبر الثالث والأخير وهو الاهم. انا وكورا سوف نرزق بمولودة بعد خمسة اشهر.
نجيب : مبروك يا كورا مبروك يا ديفد.
فريد : بما انكما لم تستدعيانا الى حفل زفافكما لذلك نريدكما اليوم ان تدفعا فاتورة القهوة على الاقل.
نجيب : ما هذا يا فريد؟ هذا عيب. لقد اخجلتني معهم. (صدگ لو گالو، اليهودي يبقى يهودي طول عمره).
انفجر فريد من الضحك وبسبب افراطه من الضحك سقطت القهوة على قميصه.
... تمت ...
636 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع