د.شورش حسن عمر
الأعلان الدستوري السوري أم الأنتكاسة للحقوق الدستورية ؟!
اصدر الرئيس السوري اعلانا دستوريا في 13/مارس/2025 لتنظيم امور الدولة بموجبه في المرحلة الأنتقالية،ويتضمن الأعلان مقدمة و (35)مادة موزعة على اربعة ابواب، سوف نطرح بعض الملاحظات :
أولا: ذهب الأعلان الدستوري بخلاف واقع الشعب السوري المكون من قوميات واديان وأثنيات متنوعة ومتعددة، اذ قررت في المادة(1) منه هوية الدولة السورية بانها دولة عربية، ناكرا بذلك وجود كل التنوعات الأخرى غير العرب، وان الأقرار بالهوية العربية في دساتيربعض الدول العربية، قررت لأول مرة في دستور السوري لسنة 1950،الذي استوحى هذا الأعلان من روحه ومبادئه، ثم انتقل الى دساتير اخرى كالدستور المصري لعام 1956 والدستور العراقي لعام 1958، علما بان مضمون هذه المادة ادخلت في الدساتير المذكورة وفي هذا الأعلان الدستوري، لغرض انكار وجود المكونات الأخرى وضياع هويتهم ومن ثم صهرهم في بوتقة المكون الغالب من حيث نسبة السكان وهو العرب في اطار هذه الدول. بالأضافة لذلك قررت المادة(4) من الأعلان على رسمية اللغة العربية فقط دون اية لغة اخرىَ او الأشارة الى اعتراف برسمية اللغات المحلية للمكونات، وان هذه المادتين تتناقضان مع معظم المواد المقررة في الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات سيما مع المادة (10)المقررة لمبدأ المساواة وهو مبدأ دستوري مهم لايمكن القول بضمان وتجسيد اي نوع من الحقوق والحريات عند انتهاك مبدأ المساوة، والتي تم تقرير خرقه في بداية الأعلان بموجب المادتين (1 و 4) المذكورتين .
ثانيا: تقررالمادة (3) من الأعلان على وجوب ان يكون الأسلام دين رئيس الجمهورية، وبذلك حظر تولي هذا المنصب من قبل المكونات الدينية الأخرى ، وهذا مخالف لمواد المقررة للحقوق والحريات الواردة في الأعلان ، خصوصا المواد(10و14و12) تلك المقررات لمبدأ المساواة و الحق في المشاركة السياسية و الحقوق والحريات المقررة في المعاهدات والأتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها سوريا . ومن جانب آخر قررت المادة (3) المذكورة على ان الفقه الأسلامي يعد المصدرالرئيسي للتشريع، بمعنى يعتبر المصدر الأساسي للتشريع ويعلو على جميع المصادر الأخرى ، وبالتالي لايجوز لأي تشريع ان يتضمن احكامه مخالفة للفقه الأسلامي، وهذا مخالف لمباديء الديمقراطية والحقوق والحريات العامة، لأن هناك مصادر اخرى للقانون في المجتمع فلايمكن انكار وجودهم وجعل مصدرا معينا من تلك المصادر بالمصدرالرئيسي للتشريع، وهذا بحد ذاته يشكل انتهاكا لحقوق المكونات الدينية الأخرى ولمباديء الديمقراطية والمواطنة.
اذن يمكن القول بان هذا الأعلان الدستوري في الأحكام العامة الواردة في الباب الأول الخاصة بتنظيم شكل الدولة والهوية واللغة الرسمية ومصدر التشرعات فيها، لن تقرر المباديء الدستورية الأساسية التي يفترض توافرها في دستور دولة المواطنة، سيما في دستور لدولة ذات المكونات المتنوعة كدولة سوريا، بل على نقيض من ذلك اقرت هذا الأعلان تلك المباديء التي تشكل اعتداءاً على حقوق تلك المكونات وهوياتهم، كالأقرار بالهوية العربية للدولة، والأسلام دين رئيس الجمهورية، والفقه الأسلامي المصدر الأساسي للتشريع. ففي هذه الحالة من البديهي ان يكون مصير هذا الأعلان الرفض من قبل معظم المكونات الشعب السوري، ولايمكن لأي منهم القبول بهذا الأعتداء والأنكار لحقوقهم وهويتهم بعد سقوط نظام دكتاتوري اضطهدتهم مدة خمسون عاما تقريبا، وذلك من قبل النظام البديل المهيمن عليه نوع واحد من المكونات الشعب السوري حتى يحكم على المكونات الأخرى وفق اهوائها ومشيئتها .
ثالثا: تؤكد (المادة 2) من الأعلان على تاسيس الدولة بموجب نظام سياسي قائم على مبدأ الفصل بين السلطات،بحيث يضمن الحرية والكرامة للمواطن. لكن الأعلان في ثناياه عند تنظيمه للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية جسدت المركزية الشديدة ،وتركيز كل تلك السلطات من حيث تكوينها واختصاصاتها بيد رئيس الجمهورية وهو رأس السلطة في الدولة ، الأمر الذي يترتب عليه خرق مبدأ الفصل بين السلطات وانتهاك كرامة المواطن وحريته، وسوف نوضح النصوص المقررة من الأعلان التي تؤكد هيمنة رئيس الجمهورية على كافة السلطات فيما يلي:
1- يقرر الأعلان سيطرة رئيس الجمهورية على السلطة التشريعية، اذ هو يعين جميع اعضاء مجلس الشعب سواء بطريقة غير مباشرة وفق المادة(24/2) أوبطريقة مباشرة وفق المادة(24/3). والغريب في الأمر انهم يؤدون القسم بخلاف كل التقاليد الدستورية امام رئيس الجمهورية. الأمر الذي يؤكد هيمنته على السلطة التشريعية . هذا في الوقت الذي من المفروض ان تكون هذه السلطة منبثقة عن الشعب وفقا لمبدأ السيادة الشعبية التي لم يتطرق اليها الأعلان لامن قريب ولامن بعيد، بمعنى آخر ان رئيس الجمهورية هو صاحب السيادة والدولة معا بدلا عن الشعب السوري، هكذا يقدم لنا الأعلان احمد الشرع بطراز لويس الرابع عشر ليقول لنا(الدولة أنا) !!
2- ان الأعلان اسس نظاما رئاسيا بسلطات مطلقة حقيقة وحكما، لأن رئيس الجمهورية يعد مسؤول الأول والأخير عن السلطة التنفيذية ، كونه قائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة والمسؤول عن ادارة شؤون البلاد برمته(المادة 32). وهو الذي يعين نواب رئيس الجمهورية ويقيلهم (المادة 34)وكذلك الحال بالنسبة للوزراء (المادة 35) ، ولاتقرر الأعلان بوجود هيئة مجلس الوزراء او منصب رئيس الوزراء ، بل رئيس الجمهورية هو رئيس الأعلى للوزراء ومسؤلهم المباشر وبالتالي يكونون مسؤولا امامه فقط. ومن جانب آخر هو الذي يعلن التعبئة العامة والحرب وحالة الطواريء بارادته المنفردة، وان كان حقه هذا علق على موافقة مجلس الأمن القومي واستشارة رئيس مجلس الشعب(المادة 41)، لكن هذه القيود ليست لها أهمية من حيث الواقع، لأن تلك الهيئات ليست باستطاعتها الوقوف ضد رغبة رئيس الجمهورية، وذلك اذا عرفنا ان رئيس الجمهورية هو الذي يعين اعضاء مجلس الشعب وكذلك أعضاء مجلس الأمن القومي الذي يترأسه بنفسه، وبالتالي يتمكن الرئيس اعلان حالة الحرب والطواريء بارادته متى اراد ذلك . كذلك فان الرئيس هو الذي يقترح القوانين على مجلس الشعب (المادة 42/3) ويصدراللوائح التنفيذية والتنظيمية ولوائح الضبط والأوامر والقرارات الرئاسية وفقا للقوانين (المادة 36)،ويتولى التوقيع النهائي على المعاهدات مع الدول والمنظمات الدولية(المادة 37)، بمعنى انه بامكانه التدخل في عملية تشريع القوانين و الماهدات بشتى الوسائل، واصدار جميع انواع اللوائح بما فيها لوائح الضرورة في حالة الحرب والطواريء، الأمر الذي يجعل مجلس الشعب مجلسا أستشاريا دون ان يمتلك صلاحيات فعلية وبالتلي يكون هذا المجلس معبرا عن ارادة رئيس الدولة وليس عن ارادة الشعب. هذا في الوقت الذي لم يحدد الأعلان اية مسؤولية على رئيس الجمهورية بخلاف المبدأ الدستوري القائل بان السلطة تلازم المسؤولية.
3- كذلك فان رئيس الجمهورية يسيطر على السلطة القضائية بحكم القانون والواقع ، اذ ان مجلس الأعلى للقضاء يخضع بحكم الواقع لهيمنة رئيس الجمهورية رغم عدم وجود أي نص يشير الى ذلك، لكن بملاحظة الآلية المقررة لتشكيل المحكمة الدستورية التي يعين أعضائها بالارادة المنفردة للرئيس (المادة47)، نستنتج بان كل من المحكمة الدستورية ومجلس الأعلى للقضاء يخضعان لسيطرته بدون ادنى شك، واذا لم يكن لدينا قضاءاً مستقلا فكيف يتم ضمان تقييد السلطتين التشريعية والتنفيذية بحدودهما الدستورية ، الأمر الذي يترتب عليه تجاوزهما للحدود المقررة لكل منهما ومن ثم انتهاك حقوق وحريات المواطنين دون اي رادع.
هكذا نتوصل الى ان الأعلان الدستوري بتنظيمه الغريب للسلطات العامة وخصوصا سلطة رئيس الجمهورية، يمهد الطريق ليصنع لنا دكتاتورا في المرحلة الأنتقالية البالغة خمس سنوات، وهي مدة طويلة جدا،لأن الفترة الأنتقالية المقررة في الدساتير قد لاتتجاوز سنتين بالكثير، ففي ظل هذا الوضع المصمم في الأعلان بوجود دكتاتور يحكم أحدى بلدان الشرق الأوسط لمدة خمس سنوات ، لاتوجد اية ضمانة في عدم استمرار المرحلة الأنتقالية الى ما لانهاية ، كما اثبتت ذلك كثير من التجارب في المنطقة ومنها العراق الذي كان يحكمه العسكر بدساتير مؤقتة انتقالية منذ سنة 1958 الى 2003 ...
730 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع