د. سعد ناجي جواد
لماذا قرر نتنياهو استئناف حرب الابادة على قطاع غزة؟ وهل سينجح في هذه المرة؟
ابتداء يجب القول ان مهما تصاعدت ارتفعت درجة الإجرام لدى نتنياهو فانه لم يكن ليجرأ، بعد ان تمت ادانته دوليا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وجمعيتها العامة ومحكمة العدل ومحكمة الجنايات الدوليتين، على ارتكاب جريمته المروعة هذا الصباح عندما عاد لاستهداف كل قطاع غزة بقصف جوي شامل وعشوائي، (شاركت فيها مائة طائرة حربية دفعة واحدة)، والتي نتج عنها بصورة أولية حوالي اكثر من أربعمائة شهيد من ضمنهم مائة وخمسون طفلا، والأعداد في تزايد، لولا الدعم الأمريكي الكامل وغير المسبوق اولا، والسكوت العربي المطبق ثانيا، وسكوت او انحياز المجتمع الدولي ثالثا.
لقد زود وصول الرئيس ترامب إلى السلطة نتنياهو بجرعة كبيرة من الاصرار على المضي قدما في ارتكاب جريمة الابادة الجماعية في غزة. ولم يكن ذلك فقط اثناء اللقاء الذي تم بينهما في واشنطن، او من خلال حديث الرئيس الأمريكي عن افراغ كل قطاع غزة من سكانها، او تكراره لمقولة (فتح أبواب جهنم على غزة) إذا لم تطلق حماس سراح الاسرى الاسرائيليين لديها دون قيد او شرط، ولكن من خلال تزويد جيش الاحتلال بمئات الأطنان من الذخائر والقذائف العملاقة (وصلت قيمتها أكثر من ملياري دولار). يضاف إلى ذلك حديث المبعوث الأمريكي إلى فلسطين ستيفن ويتكوف يوم أمس الذي قال فيه لحماس (المهلة التي منحت لكم قد انتهت، وعليكم اخذ العبرة مما حدث في اليمن)، في وقت كان هو مطالبا بتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق الذي تم توقيعه (بإشراف أمريكي) بين حماس ودولة الاحتلال.
نتنياهو وحلفاءه الأمريكان يعتقدون ان هجمة عنيفة كهذه سوف تجبر المقاومة على إطلاق سلاح الاسرى لديها، (وهذا ما اقتنعت به الادارة الأمريكية ايضا). ولكن الاسباب الحقيقية لقرار العودة العنيفة للحرب تتمثل في شعور نتنياهو بان موقفه وموقع ائتلافه الحاكم أصبح حرجا. لقد أصبح امراً معتادا في كل مرة يشعر فيها بان منصبه وموقعه السياسي اصبح على المحك ان يلجا إلى تصعيد الحرب والترويج لأكاذيب مثل سوء معاملة او تعذيب الاسرى لدى حماس، (وهي الحالة التي تنطبق على الاحتلال)، وكل ذلك لكي لا تنهار حكومته. يضاف إلى ذلك تصاعد اجراءات محاكمته (خضع للاستجواب ل 18 مرة لحد الان)، والمطالبة بعزله نتيجة لفساده ولفشله في التعامل مع طوفان الاقصى، (تم نشر معلومات جديدة عن فساده المالي). ثانيا تصاعد الغضب الشعبي عليه المتمثل بالتظاهرات الكبيرة التي تطالبه بإتمام اتفاق تبادل الاسرى. وهناك عامل آخر داخلي يتمثل في قرب انتخابات برلمانية جديدة في إسرائيل، هذا العامل ولَّد عنده خوفا من ان يخسر الأغلبية (مع تحالفه) لصالح المعارضة مما يعني نهاية لدوره السياسي، ربما إلى الأبد. أضف إلى ذلك المشاكل التي يعاني منها جراء اصراره على اقالة مدير الامن الداخلي (الشاباك) وتحديه للمدعية العامة التي رفضت قرار الإقالة.
من ناحية اخرى فان نتنياهو اصبح يشعر بان لديه فرصة ذهبية (للقضاء) على المقاومة خاصة في ظل الدعم الأمريكي غير المحدود والمتصاعد وغير المسبوق، (ذكرت جريدة الغارديان البريطانية ان جيش الاحتلال امتلك اسلحة وذخائر أمريكية متطورة لم تكن متوفرة لديه قبل أسبوعين)، وبعد النجاح في تحجيم دور الاطراف المناهضة لدولة الاحتلال مثل حزب الله والنظام السوري السابق (والان محاولات فتح جبهة جديدة ضد حزب الله من جهة الحدود السورية)، والضربات التي توجهها الأساطيل الأمريكية لليمن.
هناك عدة اسئلة تثيرها هذه العملية الاخيرة، الاول هو هل سينجح نتنياهو، ومن يدعمه، في اجبار المقاومة على الاستسلام وتسليم سلاحها، او تسليم الاسرى لديها دون قيد او شرط؟ كل الدلائل تشير إلى عدم امكانية تحقيق ذلك. لعدة اسباب اولها ان المقاومة قد تأقلمت لحالة الحرب والاجتياحات الاسرائيلية، صحيح ان المقاومة لا تمتلك القدرة على مواجهة الهجمات الجوية، لكن من ناحية اخرى اثبتت حرب أكثر من 15 شهر ان جيش الاحتلال عاجز عن تحقيق هدف القضاء عليها. الثاني هو إذا ما أراد جيش الاحتلال ان يحقق نتائج ملموسة لعمليته فعليه ان يلحق هذه القصف الشامل بهجوم بري كي يضمن نجاح هدفه في إخضاع المقاومة؟ وهذا الأمر مستبعد الآن، وان حصل فان سيكون فرصة للمقاومة في ان تكبد العدو الصهيوني خسائر لم يعد قادرا على تحملها. وإلا فان القصف الجوي لن ينجح سوى في حصد ارواح الأبرياء من المدنيين وفي تزايد نبذ الكيان عالميا على المستوى الشعبي والإنساني. والسؤال الثالث هو هل سيكون هناك رد فعل رافض مؤثر دوليا، وخاصة من قبل المنظمات الدولية (الجمعية العامة في الامم المتحدة، محكمة العدل والمحكمة الجنائية الدوليتين)؟ واخيراً هل ستحرك الجرائم الأخيرة الدول العربية لكي تقف ولو لمرة واحدة وقفة لحفظ ارواح الأبرياء من الناس وهم يشاهدون اخوانهم يقتلون في شهر رمضان المبارك وأثناء تناولهم سحورهم استعداداً لصوم اليوم التالي؟
لقد تعلمت المقاومة من تجاربها السابقة انها لا يمكن ان تعتمد إلا على قدراتها الذاتية، هذه القدرات على تواضعها امام الالة العسكرية الصهيونية-الامريكية الهائلة، ستكون كفيلة في افشال كل مخططات اخضاع غزة. وتبقى في يد المقاومة أوراق مهمة لكي تساوم بها أهمها قدرتها على المطاولة وثانيها ما بحوزتها من أسرى اسرائيليين. من المبكر الحكم على نتائج هذه الهجمة البربرية، ولكنها بالتأكيد لن تنجح في تحقيق ما فشلت في تحقيقه كل جرائم الابادة التي ارتُكبت بحق الفلسطينيين منذ 7 اكتوبر 2023. وإن ينصركم الله فلا غالب لكم.
1136 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع