في رحاب رمضان

الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل



في رحاب رمضان

شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري، وهو شهر الصوم الركن الرابع من أركان الإسلام، وهو أكثر الشهور الهجرية قداسةً عند المسلمين بسبب نزول القرآن الكريم فيه، وفي هذا الشهر الفضيل (ليلة القدر) التي هي خير من ألف شهر.

لشهر رمضان مكانة خاصة في تاريخ المسلمين وتراثهم لما شهده من أحداث هامة؛ أبرزها نزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، في ليلة من أواخر هذا الشهر؛ هي ليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر.

ويرتبط شهر رمضان عند المسلمين بالعديد من الشعائر الدينية مثل: صلاة التراويح والاعتكاف في العشر الأواخر وصدقة الفطر، وهناك العديد من العادات والتقاليد الرمضانية مثل إقامة موائد الإفطار والتصدّق على المحتاجين.

ذُكرت كلمة (رمضان) في القرآن الكريم مرة واحدة: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان) (البقرة: 185). ومن أسماء شهر رمضان: شهر الله، شهر نزول القرآن، شهر الصيّام، شهر القيام، شهر الغفران، شهر الإسلام، شهر الصبر، شهر الطهور، شهر التمحيص، ربيع الفقراء.

بدأ في هذا الشهر الفضيل نزول القرآن الكريم على النبي (ﷺ) في غار حرّاء في السنة الثانية للهجرة 610م عندما نزل قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق : 1-5)، وقد استمر بالنزول على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حتى وفاته سنة 632م.

فكانت (اقْرَأْ) هي أول كلمة أُنزلت بالقرآن وهي فعل أمر، وهذه لفتة عجيبة معناها أن دين الاسلام هو دين العلم لأن القراءة هي أساس العلم. ومن إيحاءات هذه الآية الكريمة في القرآن كله أن الله سبحانه وتعالى أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالتزود من العلم فقال (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه: 114) ولم يأمره في القرآن أن يدعوه أن يستزيد من شيء إلا العلم.

والعجيب أن الأمية تُعتبر صفة ذمّ إلا في حق النبي (صلى الله عليه وسلم) فهي صفة مدح له لأنه لو كان يقرأ أو يكتب لكان المشركون قالوا: أنت أتيت بالقرآن وجمعته من هنا وهناك، ولذلك قال الله تعالى (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت: 48).

لقد نزل الوحي على النبي (ﷺ) في يوم الاثنين 10 من أغسطس/آب عام 610م، وكان عمر النبي وقتها 40 عاما. وكان أول رمضان يصومه المسلمون في السنة الثانية من الهجرة وكان يوم الأحد الموافق لـ 26 من شهر فبراير 624م. وقد توفي النبي (ﷺ) يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة 8 يونيو 632 م وعمره عليه الصلاة والسلام حين وفاته 63 سنة. وبذلك يكون الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) قد صام تسع اعوام من عمره الشريف.

 

قيل في رمضان:
- قال النبي (صلى الله عليه وسلم): ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ.

- قال أحدهم: السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها والساعات أوراقها، وأنفاس العباد ثمرتها، فشهر رجب أيام توريقها، وشعبان أيام تفريعها، ورمضان أيام قطافها، والمؤمنون قُطّافها.

- وصف الإمام ابن الجوزي شهر رمضان قائلًا: (مثل الشهور الاثني عشر كمثل أولاد يعقوب عليه وعليهم السلام، وشهر رمضان بين الشهور كيوسف بين إخوته، فكما أن يوسف أحب الأولاد إلى يعقوب، كذلك رمضان أحب الشهور إلى علام الغيوب).

أحداث تاريخية مهمة حدثت في شهر رمضان:
- بدأ نزول الوحي على الرسول (صلى الله عليه وسلم) في رمضان من السنة الأولى للبعثة (610م).

- تشريع الأذان: فقد تم تشريع الأذان للصلاة في المساجد وبدأ العمل به في رمضان من السنة الأولى للهجرة، 623م. فقد كان من الصعب على الصحابة والمؤمنين آنذاك معرفة مواقيت الصلوات الخمس فتشاوروا في ذلك، فلما كان من الليل رأى عبد الله بن يزيد رضي الله عنه في المنام رجلا دَلَّهُ على الأذان وكيفيته. فلما أصبح، ذهب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فأخبره بما رأى، فقال له (صلى الله عليه وسلم): (إنها رؤيا حق ان شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك). ومن تلك اللحظة، لا يزال الأذان يرفع للصلاة في كافة مساجد العالم.

- غزوة بدر الكبرى: في السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى، التي أطلق عليها القرآن الكريم (يوم الفرقان)، وهي أولى المعارك المهمة في التاريخ الإسلامي، حيث كان عدد المسلمين فيها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وعدد المشركين تسعمائة وخمسين رجلاً. الأمر الذي مكَّن المسلمين من تحقيق مكاسب هامة جعلتهم مُهابي الجانب في قريش وأمدَّتهم بالأموال والغنائم وساهمت في رفع راية الإسلام وإعلاء كلمته إلى يومنا هذا.

- فتح مكة: في العشرين من شهر رمضان المبارك في السنة الثامنة للهجرة (630م)، سجل التاريخ حدثا إسلاميا فريدا. فقد تمكن المسلمون من فتح مكة بعدما دخلوها غاضبين بسبب انتهاك قريشٍ لعهدها معهم في صلح الحديبية. وقد جهز الرسولُ (صلى الله عليه وسلم) جيشاً من عشرة آلاف مقاتل لفتح مكة، فتحرَّك الجيشُ حتى وصل مكة ودخلها سِلْماً بدون قتال. وكان من نتائج هذا الفتح المبين تقوية شوكة المسلمين، وتقهقر جيوش المشركين، وإعجاب سكان مكة برحمة النبي وجيشه، فاعتنق الكثير منهم دينَ الإسلام، ومن بينهم سيد قريش وكنانة أبو سفيان بن حرب.

- فتح الأندلس: في رمضان سنة 92 للهجرة (711م) تمكّن المسلمون من فتح الأندلس، ومكثوا فيها زهاء ثمانية قرون. بدأت القصة عندما جهز موسى بن نصير جيشًا بقيادة طارق بن زياد لفتح الأندلس عبر مضيق جبل طارق الذي سمي باسمه لاحقا. بعد بلوغ الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، قام طارق بن زياد بإحراق سفن جيشه كاملة كي لا يفكر جنوده في التراجع، وألقى فيهم خطبة بليغة قَوَّتْ معنوياتهم ورفعت هِمَمَهُم، فتحقق لهم النصر ودانت لهم الأرض بعدما تمكنوا من هزم القوط جنوب الأندلس في مرحلة أولى، ثم توغلوا إلى العمق ففتحوا إشبيلية وطليطلة، وسيطروا فيما بعد على كل ما يُعرف الآن بإسبانيا والبرتغال.

- معركة بلاط الشهداء: في اليوم الثاني من رمضان عام 114 هجرية حدثت معركة بلاط الشهداء الشهيرة، وقد اشتعلت هذه المعركة بين المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي والفرنجة بقيادة شارل مارتل، وقد وقعت في منطقة بواتييه الفرنسية، وكان من أهم نتائجها أنها أوقفت المدّ الإسلامي إلى كل أوروبا.

- تأسيس الدولة الأموية في الأندلس: وفي 15 رمضان 138هـ الموافق 20 فبراير 756م عبَرَ عبد الرحمن الداخل المعروف بـ (صقر قريش) البحر إلى الأندلس ليؤسس الدولة الأموية في الأندلس.

- معركة عمورية: في السادس من شهر رمضان سنة 223هـ، جهز الخليفة العباسي المعتصم جيشاً لحرب الروم استجابة للصرخة الشهيرة لإحدى النساء المسلمات (وامعتصماه) حيث حاصر عمورية الى أن سقطت ودخلها المسلمون في السابع عشر من رمضان.


- معركة حطين: في 26 من شهر رمضان المُبارك سنة 583 للهجرة (1187م)، حدثت موقعة حطين العظيمة بين الصليبيين المحتلين، وجيوش المسلمين بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي. وقد شكّلت قرية حطين الواقعة بين الناصرة وطبرية في أرض فلسطين المحتلة مسرحا لتلك المعركة الخالدة. فقد حقق المسلمون خلال معركة حطين إنتصارا ساحقا على الصليبيين، فتمكنوا من إسقاط المحتلين واسترجاع بيت المقدس وتحرير معظم الأراضي التي سيطر عليها الصليبيون من قبل. وكان لهذا الانتصار وقع عظيم في نفوس الأوروبيين، فكان أن جهزوا جيوشا ضخمة وشنوا هجومات وحشية على المسلمين في المقدس في إطار ما يعرف بالحملات الصليبية.

- معركة عين جالوت: في 25 رمضان 658هـ خرج سلطان مصر سيف الدين قطز من مصر على رأس الجيوش المصرية وذلك لملاقاة جيش المغول الرهيب في معركة عين جالوت وانتصر فيها المسلمون انتصاراً ساحقاً وأدت المعركة لانحسار نفوذ المغول في بلاد الشام وخروجهم منها نهائياً وإيقاف المد المغولي.


- فتح أنطاكية: ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻣﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ سنة 666 ﻟﻠﻬﺠﺮﺓ ‏( 1268م ‏) تمكن المسلمون ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﻴﺒﺮﺱ من استرجاع ﻣﺪﻳﻨﺔ أﻧﻄﺎﻛﻴﺔ ﻣﻦ قبضة ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ الذين احتلوها طيلة 170 سنة. فقد جهز بيبرس جيشا ضخما، اتجه به إلى المدينة المحتلة، وضرب حولها حصارًا محكمًا تُوِّجَ بطلب أهلها الاستسلام بشروط، لكن بيبرس رفض شروطهم فشدّد عليهم الحصار أكثر وتمكّن من فتح أنطاكية بالقوة. فغنم المسلمون الغنائم الكثيرة، وأُطْلق من فيها من الأسرى المسلمين، وشكل سقوطها انتصارا عظيما على الصليبيين بعد معركة حطين الخالدة.


- في 14 رمضان جرت حركة (8 شباط 1963) في بغداد وأَدَّت إِلَى الإِطَاحَةِ بنظام حكم رئيس الوزراء (عبد الكريم قاسم) ليتولى عبد السلام عارف السلطة في العراق.

- في العاشر من رمضان سنة 1393هجرية (1973م)، شَنَّت كل من مصر وسوريا الحرب على الكيان الصهيوني، وتمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس التي كانت توصف بأنها أصعب حصن مائي في العالم، وحطمت أكبر حاجز ترابي ألا وهو خط بارليف وهو عبارة عن جبل من الرمال والأتربة طالما افتخرت به القيادة الإسرائيلية لمناعته وشدته، حيث كان يعتبر من أكبر العقبات التي واجهت القوات الحربية المصرية في عملية العبور والانتصار. وقد اعتبر المؤرخون المعاصرون هذا الحدث أول انتصار عسكري للمسلمين والعرب في العصر الحديث على الصهاينة.

اللهم اجعل هذا الشهر فاتحة خير لنا ولكم.. لا يخيبَ لنا فيه أمر واجعل لنا اللهم بكل خطوة توفيق وتيسير وأجر يا رب العالمين.

وكل رمضان وأنتم بخير

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

976 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع